Arabic Reading Tree Logoالصفحة الرئيسيةنبذةالكتبتحميل مجانيأنشطة وتدريباتعجائب المخلوقات

عجائب المخلوقات والحيوانات

وغرائب الموجودات

 

 

 

للإمام العالم

زكريا بن محمد بن مَحْمُودُ الكوفي القزويني

المؤرخ الجغرافي

المتوفى ٦٨٢ هـ

 

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

المؤلف في سطور:

هو زكريا بن محمد بن محمود، من سلالة أنس بن مالك الأنصاري النجاري: مؤرخ، جغرافي، من القضاة، ولد عام ٥٠٦ هـ بقزوين ورحل إلى الشام والعراق، فولي قضاء واسط والحلة في أيام المستعصم العباسي. وصنف كتباً، منها:

1-    "آثار البلاد وأخبار العباد" مطبوع في مجلدين.

2-    و "خطط مصر" مخطوط.

3-    و عجائب المخلوقات ترجم إلى الفارسية والألمانية والتركية. وهو کتابنا الذي بين يديك.

توفي عام ٦٨٢ هـ.

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤلف

وصلّي الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. العظمة لك والكبرياء لجلالك، اللهم يا قائم الذات، ويا مفيض الخيرات، واجب الوجود وواهب العقول، وفاطر الأرض والسموات، مبدي الحركة والزمان ومبدع الحيّز والمكان، فاعل الأرواح والأشباح، وجاعل النور والظلمات، محرك الأفلاك ومزينها بالثوابت والسيارات، ومقرر الأرض وممهدها لأنواع الحيوان وأصناف المعادن والنبات، دام حمدك وجلّ ثناؤك وتعالى ذكرك، وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت، وسعت رحمتك وكثرت آلاؤك ونعماؤك، أفض علينا أنوار معرفتك وطهر قلوبنا عن كدورات معصيتك، وأمطر علينا سحائب فضلك ومرحمتك، واضرب علينا سرادقات عفوك ومغفرتك، وأدخلنا في حفظ عنايتك ومكرمتك، وصلّ على ذوي الأنفس الطاهرات والمعجزات الباهرات، خصوصاً على سيّد المرسلين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الذي اخترته للنبوة، وآدم بين الماء والطين، وأرسلته رحمة للعالمين، وأيّدته بنصرك وبالمؤمنين، وختمت به الأنبياء والمرسلين، وعلى إخوانه من النبيين، والصالحين وآله وصحبه أجمعين.

يقول العبد الأصغر زكريا بن محمد بن محمود القزويني تولاه الله بفضله، وهو من أولاد بعض الفقهاء الذين كانوا موطنين بمدينة قزوين، وينتهي نسبه إلى أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما حكم الله تعالى ببعد الدار والوطن، ومفارقة الأهل والسكن، أقبلت على مطالعة الكتب على رأي من قال:

وخير جليس فـي الـزمــان كتـابـي

وكنت مستغرقاً بالنظر في عجائب صنع الله تعالى في مصنوعاته، وغرائب إبداعه في مبدعاته كما أرشد الله سبحانه إليه حيث قال تعالى: ﴿أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج)، وليس المراد من النظر تقليب الحدقة ونحوها، فإنّ البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم ير من السماء إلا زرقتها ومن الأرض إلا غبرتها فهو مشارك للبهائم في ذلك، وأدنى حالاً منه، وأشدّ غفلة، كما قال تعالى: ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين)، إلى أن قال: (أولئك كالأنعام بل هم أضل)، والمراد من هذا النظر التفكر في المعقولات والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها ليظهر له حقائقها، فإنّها سبب اللذات الدنيوية والسعادات الأخروية، ولهذا قال صلي الله عليه و سلم: "أرني الأشياء كما هي"، وكلّما أمعن النظر فيها ازداد من الله تعالى هداية ويقيناً ونوراً وتحقيقاً، ولهذا قال صلي الله عليه وسلم: "تفكروا في خلق الله"، والفكر في المعقولات لا يتأتى إلا لمن له خبر بالعلوم والرياضات، بعد تحسين الأخلاق وتهذيب النفس، فعند ذلك ينفتح له عين البصيرة ويرى في كل شيء من العجب ما يعجز عن إدراك بعضها، فلو ذكر طرفاً منها لغيره لأنكره، ولله در القائل:

إنِّي سمعت عجيباً كنت أحسبه       طيفاً من النوم أو هجراً من السمر

ما ألفت به ألفيت صحته              وقد رأيت ألوفاً مثل ذي العبر

ومن هذا القبيل ما أخبر الله تعالى في كتابه عما جرى بين الخضر وموسى عليهما الصلاة والسلام، وما ذكر أيضاً أن موسى اجتاز بعين ماء في سفح جبل فتوضأ ثم ارتقى الجبل ليصلّي إذ أقبل فارس وشرب من ماء العين، وترك عندها كيساً فيه دراهم، فجاء بعده راعي غنم فرأى الكيس فأخذه ومضى، ثم جاء بعده شيخ عليه أثر البؤس والسكينة، على ظهره حزمة حطب، فحط حزمته هناك، واستلقى ليستريح، فما كان إلا قليل حتى عاد الفارس يطلب كيسه، فلما لم يجده أقبل على الشيخ يطالبه به، فلم يزل يضربه حتى قتله، فقال موسى: يارب، كيف العدل في هذه الأمور، فأوحى الله عزّ وجل إليه أنّ الشيخ كان قد قتل أبا الفارس، وكان على أبي الفارس دین لأبي الراعي مقدار ما في الكيس، فجرى بينهما القصاص، وقضي الدين، وأنا حكيم عادل.

ولقد حصل لي بطريق السمع والبصر والفكر والنظر حكم عجيبة، وخواص غريبة، فأحببت أن أقيدها لتثبت، وكرهت الذهول عنها مخافة أن تفلت، وقد كثرت على عواطف المولى الصاحب الصدر الكبير العادل المؤيّد المظفر شمس الدولة ظهير الملة علاء الدين عماد الإسلام نظام الملك غيّاث الأمة عطاء الملك بن محمد بن محمد، ضاعف الله جلاله وأدام في العز والعلاء إقباله، فإنّه مع شريف منزلته وعلو مرتبته مشهور بالكرم والإحسان مذكور لوفور الفضل عن أهل الزمان وقد خصه الله تعالى بمكارم الأخلاق وفضائل الحسب والمجد الموروث والمجد المكتسب، فخدمت بهذا الكتاب مجلسه الرفيع أدام الله رفعته وكبت أعداءه وحسدته، فإنّه منبع الخيرات ومعدن المسرات، شكراً لأياديه السابقة وقضاء لحقوقه اللاحقة ورجاء أن يتخلّد اسمي بتخليد ذكره الشريف، ويتأبد وسمي بتأبيد عزّه المنيف، والله ولي التوفيق، وعلى ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.

فصــل

وعلى الناظر في كتابي هذا أن يعنى في جمع ما كان مبدداً أو تلفيق ما كان مشتتاً، وقد ذكرت فيه أسباباً تأباها طباع الغبي الغافل، ولا ينكرها نفس الذكي العاقل، فإنّها وإن كانت بعيدة عن العادات المعهودة والمشاهدات المألوفة لكن لا يستعظم شيء مع قدرة الخالق وجبلة المخلوق وجميع ما فيه إما عجائب صنع الباري تعالى: وذلك إما محسوس أو معقول، لا ميل فيهما ولا خلل، وإما حكاية ظريفة منسوبة إلى رواتها لا ناقة لي فيها ولا جمل، وإما خواص غريبة، وذلك مما لا يفي العمر بتجربتها ولا معنى لترك كلها لأجل الميل في بعضها، فإن أحببت أن تكون منها على ثقة، فشمّر لتجربتها، وإياك أن تغتر أو تلم أو تمل إذا لم تصب في مرّة أو مرتين، فإن ذلك قد يكون لفقد شرط أو حدوث مانع، وحسبك ما ترى من حال المغناطيس وجذبه الحديد، فإنّه إذا أصابه رائحة الثوم بطلت تلك الخاصية، فإذا غسلته بالخل عاد إليه، فإذا رأيت مغناطيساً لا يجذب الحديد فلا تنكر خاصيته، فاصرف عنايتك إلى البحث عن أحواله حتى يتضح لك أمره، على أني أشهد الله تعالى أن شيئاً منها ما افتريته، بل كتبت الكل كما اقتريته فإن نظرت إليها بعين الرضا فإنّها عن كل عيب كليلة، وإن نظرت بعين السخط فالمساوىء كثيرة، وعين الكريم عن المعائب عمياء، وأذنه عن المساوىء صماء، والله در القائل:

فقلت لهم لا تنسوا الفضل بينكم       فليس ترى عين الكريم سوى الحسن

وسميته "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات"، ولا بد من ذكر مقدمات أربع في شرح هذه الألفاظ، ليتبين منها مقصود الكتاب، والله الموفق للصواب.

المقدمة الأولى

في شرح العجب. قالوا:العجب: الحيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه، مثاله أنّ الإنسان إذا رأى خلية النحل ولم یکن شاهده قبل لكثرت حيرته، لعدم معرفة فاعله، فلو علم أنه من عمل النحل لتحيّر أيضاً من حيث أنّ ذلك الحيوان الضعيف كيف أحدث هذه المسدسات المتساوية الأضلاع الذي عجز عن مثلها المهندس الحاذق مع الفرجات والمسطرة، ومن أين لها هذا الشمع الذي اتخذت منه بيوتها المتساوية التي لا تخالف بعضها بعضاً كأنّها أفرغت في قالب واحد، ومن أين لها هذا العسل، الذي أودعته فيها ذخيرة للشتاء، وكيف عرفت أنّ الشتاء يأتيها وأنّها تفقد فيه الغذاء، وكيف اهتدت إلى تغطية خزانة العسل بغشاء رقيق ليكون الشمع محيطاً بالعسل من جميع جوانبه، فلا ينشفه الهواء ولا يصيبه الفأر، ويبقى كالبرنية المنضمة الرأس، فهذا معنى العجب، وكل ما في العالم بهذه المثابة.

إلا أنّ الإنسان يدركه في زمن صباه عند فقد التجربة ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلاً قليلاً وهو مستغرق الهم في قضاء حوائجه وتحصيل شهواته، وقد أنس بمدركاته و محسوساته، فسقط عن نظره بطول الأنس بها، فإذا رأى بغتة حيواناً غريباً أو فعلاً خارقاً للعادات انطلق لسانه بالتسبيح فقال: سبحان الله، وهو يرى طول عمره أشياء تتحيّر فيها عقول العقلاء، وتدهش فيها نفوس الأذكياء، فمن أراد صحة أو صدق هذا القول، فلينظر بعين البصيرة إلى هذه الأجسام الرفيعة وسعتها وصلابتها وحفظها من التغير والفساد، إلى أن يبلغ الكتاب أجله، فإنّ الأرض والهواء والبحار بالإضافة إليها كحلقة ملقاة في فلاة، قال الله تعالى: ﴿والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون).

ثم إلى دورانها مختلفاً، فإنّ بعضها يدور بالنسبة إلينا رحوية، وبعضها حمائلية، وبعضها دولابية، وبعضها يدور سريعاً، وبعضها يدور بطيئاً. ثم إلى دوام حركاتها من غير فتور وإلى إمساكها من غير عمد تعمد بها أو علاقة تدلى بها.

ثم لينظر إلى راكبها وكثرتها واختلاف ألوانها، فإنّ بعضها يميل إلى الحمرة، وبعضها إلى البياض، وبعضها إلى لون الرصاص.

ثم إلى مسير الشمس وفلكها مدة سنة، وطلوعها وغروبها كل يوم لاختلاف الليل والنهار ومعرفة الأوقات، وتمييز وقت المعاش عن وقت الاستراحة.

ثم إلى إمالتها عن وسط السماء حتى وقع الصيف والشتاء، والربيع والخريف. وقد اتفق الباحثون على أنّها مثل كرة الأرض مائة مرّة ونيفاً وستين مرة، وفي لحظة تسير أكثر من قطر كرة الأرض، وقد عرض ذلك جبريل عليه السلام حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: من وقت لا إلى أن قلت نعم سارت الشمس خمسمائة عام.

ثم لينظر إلى جرم القمر، وكيفية اكتسابه النور من الشمس لينوب عنها بالليل.

ثم إلى امتلائه، وانمحاقه ثم إلى كسوف الشمس وخسوف القمر، ومن العجائب السواد الذي في جرم القمر، فإنّه لم يسمع فيه قول شاف إلى زماننا هذا، وكذلك في المجرّة، وهي البياض الذي يقال له شرج السماء، وهو على ذلك يدور بالنسبة إلينا رحوية.

وعجائب السموات لا نستطيع إحصاء عشر عشرها، لكن القدر الذي جرى في جرم القمر ذكرناه تبصرة لكل عبد منيب.

ثم لينظر إلى ما بين السماء والأرض من انقضاض الشهب، والغيوم، والرعود، والبروق، والصواعق، والأمطار، والثلوج، والرياح المختلفة المهاب. وليتأمل السحاب الكثيف المظلم كيف اجتمع في جو صافٍ لا كدورة فيه، وكيف حمل الماء وتسخّر الرياح، فإنّها تتلاعب، به، وتسوقه إلى المواضع التي أرادها الله تعالى، فترش وجه الأرض، وترسله قطرات متفاصلة لا تدرك قطرة منها قطرة ليصيب وجه الأرض برفق، فلو صبّه صباً لأفسد الزرع بخدشه وجه الأرض، ويرسلها مقداراً كافياً لا كثيراً زائداً على الحاجة، فيعفن النبات ولا قليلا ناقصاً عن الحاجة، فلا يتم به النمو كما قال تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر).

ثم إلى اختلاف الرياح، فإنّ منها ما يسوق السحب، ومنها ما ينشرها، ومنها ما يجمعها، ومنها ما يعصرها، ومنها ما يلقح الأشجار، ومنها ما يربي الزرع والثمار، ومنها ما يجففها.

ثم لينظر إلى الأرض وجعلها قراراً لتكون فراشاً ومهاداً، ثم إلى سعة أكنافها، وبعد أقطارها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها، (والأرض فرشناها فنعم الماهدون)، ثم إلى جعل ظهرها محلا للأحياء وبطنها مقراً للأموات، فتراها وهي ميتة، (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) وأظهرت أجناس المعادن وأنبتت أنواع النبات، وأخرجت أصناف الحيوان، ثم إلى إحكام أطرافها بالجبال الشامخات كأوتاد لها يمنعونها من أن تميد، ثم إلى إيداع أوشال المياه في خزانات ليخرج منها قليلاً قليلاً، فتنفجر منها العيون، وتجري منها الأنهار دائما. ثم لينظر إلى البحار العميقة التي هي خلجان من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض حتى أن جميع المكشوف من البوادي والجبال، بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم، وبقية الأرض مستورة بالماء.

ثم إلى ما فيها من الحيوان والجواهر وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر أمثاله، وأضعافه، وفيها أجناس لا يعهد لها نظير في البر.

ثم لينظر إلى خلق اللؤلؤ في صدفه تحت الماء، ثم إلى إنبات المرجان في صمیم الصخر تحت الماء، وهو نبات على هيئة شجرة ينبت من الحجر. ثم إلى ما عداه من العنبر، وإلى أصناف النفائس التي يقذفها البحر، وتُستخرج منه. ثم إلى السفن كيف سيرت في البحار وسرعة جريها، وإلى إيجاد الأنهار، ومعرفة النواتي موارد الرياح ومهابها وسواقيها.

وعجائب البحار كثيرة لا مطمع في إحصائها، وقد قيل: حدّث عن البحر ولا حرج، وفيما ذكرناه كفاية.

ثم لينظر إلى أنواع المعادن المودعة تحت الجبال فمنها ما ينطبع كالذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص، ومنها ما لا ينطبع كالفيروزج والياقوت والزبرجد، ثم إلى كيفية استخراجها وتنقيتها واتخاذ الحلي والآلات والأواني منها، ثم إلى معادن الأرض كالنفط والقير والكبريت وغيرها، وأقلها الملح، فلو خلت منه بلد لتسارع الفساد إلى أهلها.

ثم لينظر إلى أنواع النبات وأصناف فواكهها مختلفة الأشكال والألوان والطعوم والأراييج تسقى بماء واحد، وتفضل بعضها على بعض في الأكل مع اتحاد الأرض والهواء والماء، فيخرج من نواة نخلة مطوقة بعناقيد الرطب وبرة حبة سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. ثم لينظر إلى أرض البوادي وتشابه أجزائها، فإنّها إذا نزل القطر عليها (اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج).

ثم إلى كثرتها واختلاف أصنافها متشابهة وغير متشابهة، ثم إلى كثرة أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها واختلاف طبائعها، وكثرة منافعها، فلم ينبت من الأرض ورقة إلا وفيها منفعة أو منافع يقف فهم البشر دون إدراكها.

ثم لينظر إلى أصناف الحيوان وانقسامها إلى ما يطير ويقوم ويمشي، وانقسام الماشي إلى ما يمشي على بطنه، وإلى ما يمشي على رجلين، وإلى ما يمشي على أربع، وإلى أشكالها وألوانها وصورها وأخلاقها وأفعالها ليرى عجائب تدهش منها العقول بل في البقة أو النمل أو العنكبوت أو النحل، فإنّها من ضعاف الحيوانات ليرى ما يتحير منه من بنائها البيت وجمعها الغذاء وادّخارها القوت لوقت الشتاء وحذقها في هندستها ونصبها الشبكة للصيد، ولا من حيوان صغير ولا كبير إلا وفيه من العجائب ما لا يحصى، وإنّما سقط التعجب هنا للأنس وكثرة المشاهدة.

وعجائب السموات والأرض كما قال تعالى (قل انظروا ماذا في السموات والأرض)، بحار لا يدرى سواحلها ولا يعرف أوائلها ولا أواخرها، والله الموفق للصواب.

المقدمة الثانية

في تقسيم المخلوقات. المخلوق كل ما هو غير الله سبحانه وتعالى وهو إما أن يكون قائماً بالذات أو قائماً بالغير، والقائم بالذات إما أن يكون متحيزاً أو لم يكن، فإن كان متحيّزاً فهو الجسم، وإن لم يكن فهو الجوهر الروحاني، وهو إما أن يكون متعلقاً بالأجسام تعلق التدبير، وهو النفس، أو لا يكون، وهو إما أن يكون سليماً عن الشهوة والغضب وهو الملك أو لا يكون، وهو الجن. والقائم بالغير، إن كان قائماً بالمتحيّزات فهو الأعراض الجسمانية، وإن كان قائماً بالمفارقات فهو الأعراض الروحانية كالعلم والقدرة، والأعراض الجسمانية إما أن يلزم من صدقها حصول صدق النسبة، أو صدق قبول النسبة أو لا هذا ولا ذاك، فإن كان الأوّل، فالنسبة إمّا حصول في المكان وهو الأين أو في الزمان وهو الشيء أو نسبة متكرّرة وهو الإضافة أو تأثير الشيء في الشيء وهو الفعل، أو تأثر الشيء عن الشيء وهو الانفعال وكون الشيء محيطاً بالشيء يجب أن ينتقل المحيط بانتقال المحاط به وهو الملك، أو هيئة حاصلة بمجموع الجسم بسبب حصول النسب بين أجزائه بعضها إلى بعض، وبين أجزائه والأمور الخارجية، وهو الوضع. وإن كان يلزم من حصولها صدق قبول النسبة، فهو إما أن يكون بحيث لا يحصل بين أجزائه حدود مشتركة وهو العدد، أو يحصل وهو المقدار، وإن كان لا يلزم من حصولها صدق قبول النسبة، فإما أن يكون مشروطاً بالحياة أو لم يكن، فإن كان فإما أن يتوقف على الشهوة والنفرة، وهو التحريك أو لا يتوقف، وهو الإدراك، ثم الإدراك إما إدراك الكليات وهو العلوم والظنون والجهالات أو إدراك الجزئيات، وهو الحواس الخمس، وإن لم يكن مشروطاً بالحياة فهو الأعراض المحسوسة بالحواس الخمس، أما المحسوسات بالقوة الباصرة فكالأضواء والألوان وأمّا المحسوسات بالقوة الشامة فكالطيب والنتن، وأمّا المحسوسات بالقوة السامعة، فالأصوات والحروف، وأمّا المحسوسات بالقوة اللامسة فكالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والثقل والخفة والصلابة واللين والخشونة والملاسة. فهذه جملة أقسام الممكنات، وسيأتي الكلام في كل قسم منها إن شاء الله تعالى.

فصل

ذكر أهل السير أنّه وجد في السفر الأوّل من التوراة أنّ الله تعالى خلق جوهراً، ثم نظر إليه نظر الهيبة فذاب الجوهر وصعد منه دخان ورسب منه رسوب، فخلق سبحانه من الدخان السموات، ومن الرسوب الأرض.

ويدل على ذلك قوله تعالى: (أنّ السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)، وأحكم جلت قدرته خلق المجموع في ستة أيام قال بعض العلماء: إنّ اليوم في اللغة الكون الحادث والأيام ههنا مراتب مصنوعاته لأنّ قبل الزمان لا يمكن تجدد الزمان، فمن الأيام الستة يوم لمادة الأرض، ويوم لصورتها، ويوم لمادة السماء، ويوم لصورتها، ويوم لمكملاتها من الجبال، والكواكب، والنفوس، وغيرها. وقال أيضاً كل ما فوق الأرض فهو سماء في طريق اللغة يقولون: ما علاك فهو سماؤك، وما دون فلك القمر فهو بالنسبة إلى الأفلاك أرض، قال تعالى: (خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) يعني سبعاً، فالأوّل كرة النار، والثانية كرة الهواء، والثالثة كرة الماء، والرابعة كرة الأرض، وثلاث طبقات ممتزجات بين الأربعة الأولى من النار والهواء، والثانية من الهواء والماء، والثالثة من الماء والأرض، ثم دبر بعنايته بعد الجماد أمر المعادن الداخلة في الجماد ثم النبات ثم الحيوان، فهذا هو القول الكلي في المخلوقات، وسيأتي القول في جزئياتها في مقالتين إن شاء الله تعالى. والله الموفق للصواب.

المقدمة الثالثة

في معنى الغريب. الغريب كل أمر عجيب قليل الوقوع مخالف للعادات المعهودة والمشاهدات المألوفة، وذلك إما من تأثير نفوس قوية، وتأثير أمور فلكية أو أجرام عنصرية، كل ذلك بقدرة الله تعالى وإرادته.

فمن ذلك معجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانشقاق القمر، وانفلاق البحر، وانقلاب العصا، ثعباناً، وكون النار برداً وسلاماً، وخروج الناقة من الصخرة الصماء، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى. ومنها كرامات الأولياء الأبرار، فإنّ تأثير نفوسهم تتعدّى إلى غير أبدانهم حتى يحدث عنها انفعالات غريبة في العالم فيشفى المريض باستشفائهم وتسقى الأرض باستسقائهم. وربما يحدث الخسف والزلزلة والطوفان والصواعق بدعواتهم، ويصرف الوباء والموتان باستدعائهم، وتبدل لهم نفرة الطيور بالهدو والوقوع وصولة السباع، وشدتها باللين والخضوع.

ومنها أخبار الكهنة والكهانة اندرست بمبعث النبي صلي الله عليه وسلم، وكانوا يأتون الجاهلية بأمور غريبة زعموا أنها كانت بواسطة اختلاط نفوسهم بنفوس الجن. ومنها الإصابة بالعين، فإنّ العائن إذا تعجب من شيء كان تعجبه مهلكاً للمتعجب منه بخاصية لنفسه لا يوقف عليها. ومنها اختصاص بعض النفوس من الفطرة بأمر غريب لا يوجد مثله لغيرها، كما ذكر أنّ في الهند قوماً إذا اهتموا بشيء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم إلى ذلك الشيء، فيقع على وفق اهتمامهم. ومن هذا القبيل ما حكي أن السلطان محموداً غزا بلاد الهند، وكان فيها مدينة كل من قصدها مرض، فسأل عن ذلك، فقالوا: إنّ عندهم جمعاً من الهند يصرفون هممهم على ذلك، فيقع المرض على وفق اهتمامهم، فأشار إليه بعض أصحابه بدق الطبول ونفخ البوقات الكثيرة ليشوّش هممهم، ففعلوا ذلك، فزال المرض، واستخلصوا المدينة.

ومن هذا القبيل ما ذكر أنّ رجلاً فيلسوفاً في زمن خوارزم محمد بن تکش جاء من بلاد الهند إلى خراسان فأسلم، وكان يقال له داناي هند يستخرج طالع كل إنسان أراد حتى جربوه بالطوالع الرصدية، فلم يخط شيئاً، وزعم أن ذلك له بواسطة حساب يعرفه، فرفع أمره إلى السلطان، فقال له: هل تقدر على استخراج غير الطوالع؟ قال: نعم، قال: أخبرني عمّا رأيت البارحة في نومي، فرجع إلى نفسه وحسب ثم قال: رأى السلطان أنّه في سفينة، وبيده سيف، فقال السلطان: لقد أصاب، لكنا لا نقنع بهذا القدر لأني على طرف جيحون كثيراً ما أركب السفينة، والسيف لا يفارقني، فربما قال اتفاقاً، فامتحنه مرّة أخرى فأصاب، فقربه من نفسه، وكان يستعين به في أموره.

ومن ذلك أمور سماوية كظهور الكواكب ذوات الأذناب، والتماثيل والشانين، وانقضاض شهب يستضيء الجو منها. ومنها سقوط جسم من الجو ثقيل كما ذكر الشيخ الرئيس أنّه سقط في زمانه بأرض جوزجانان جسم كقطعة حديد قدر خمسين مناً مثل حبات الجاورش المنضمة، فأرادوا كسرها، فما كان يعمل فيها الحديد البتة.

ومنها سقوط ثلج أو برَد في غير أوانه كما حكي عن بعض شيوخ قزوين أنه أتاهم في زمن المشمش برد عظيم كل واحدة على قدر الجوزة، فأهلك كثيراً من الحيوان والنبات، والمشمش لا يدرك بقزوين إلا في الصيف. ومنها سقوط أحجار من الحديد والنحاس في وسط الصواعق، وذلك يوجد ببلاد الترك، وربّما يوجد بأرض جيلان أيضاً. وحكى أبو الحسن علي بن الأثير الجزري في "تاريخه" أنه نشأت بإفريقية في سنة إحدى عشرة وأربعمائة سحابة شديدة الرعد والبرق، فأمطرت حجارة كثيرة وأهلكت كل من أصابته. وأغرب من هذا ما حكاه الجاحظ أنه نشأت سحابة بأيدج وهي مدينة بين أصبهان وجوزستان سحابة طحيا تكاد تمس رؤوس الناس، وسمعوا منها كهدير الفحل، ثم إنّها دفعت بأشد مطر ثم استسلموا للغرق، ثم دفعت بالضفادع والشبابيط العظام السمان، والشبوط نوع من السمك، فأكلوا وملحوا وادخروا كثيراً.

ومن ذلك أمور أرضية مثل صيرورة اليبس بحراً كأرض يونان، فإنّها كانت بلاداً معمورة والآن استولى الماء عليها، وصيرورة البحر يبساً كأرض ساوة، فإنّها كانت بحراً، والآن لا يرى فيها أثر البحر.

ومنها ما زعموا أنه يصعد من الأرض بخار لا يصيب شيئاً من الحيوان والنبات إلا جعله حجراً صلداً، وآثار ذلك ظاهرة بانضا من أرض مصر، ومثله شم بأرض قزوين، ومنها وقوع خسف بناحية من الأرض، وخروج ماء أسود منها، وقد شوهد ذلك في كثير من النواحي، منها مدينة عنجرة بأرض الروم، وقرية دركزين من أعمال همدان، ومنها زلزلة تبقى شهراً أو أكثر ببعض النواحي، وقد شوهد ذلك بأرض نيسابور، والري، وحدثني أبو القاسم الرافعي قدس الله روحه أنه شاهد هذه في الزلزلة سقفاً قد انشق حتى رأى الكواكب من جانبه، ثم عاد إلى حاله ولم يظهر عليه أثر الشق.

ومنها ظهور معدن ببعض الأصقاع لم يعرف قبل ذلك من الزمان كصهور معدن الذهب عند الإسماعيلية.

ومنها ظهور نبت بأرض لا عهد للناس بوجوده هناك كظهور الترنجبين بأرض ساوة،. ومنها تولد حيوان غريب الشكل لم ير مثله، كما روي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه رأى باليمن إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوق بدنان مفترقان بأربع أياد ورأسين، ووجهين، وهما يأكلان ويشربان ويختصمان ويصطلحان، وذكر أنّ امرأة بكلوسامان من قرى بلخ ولدت شخصاً له نصف بدن ونصف رأس، ويد واحدة ورجل واحدة على صورة النسناس الذي يوجد في غياض الشجر باليمن، ثم حملت مرّة أخرى فولدت بدناً له رأسان، وزعم الحكماء أنهم وجدوا ثلاثة معان من الأمور غريبة، وقد وضعوا لكل معنى اسماً، وأحد هذه المعاني: الآثار النفسانية والانفعالات التابعة للتصورات من غير واسطة أمر طبيعي، فاستعمال تلك التصورات في الخير معجزة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكرامة من الأولياء عليهم الرحمة والرضوان واستعمالها في الشر سحر من النفوس الشرية، وثانيها: أمور غريبة تحدث من قوى سماوية وأجسام عنصرية مخصوصة بهيئات وأشكال وأوضاع تسمّى الطلسمات، وثالثها: أمور غريبة تحدث من أجساد أرضية كجذب المغناطيس الحديد، وتسمّى النيرنجات، وهذا هو القول الكلي في الأمور الغريبة، وسيأتي الكلام في جزئياتها إن شاء الله تعالى.

المقدمة الرابعة

في تقسيم الموجودات. كل موجود سوى الواحد سبحانه مخلوق، وكل ذرّة من جوهر وعرض وصفة وموصوف فيها غرائب وعجائب يظهر فيها حكم الله تعالى وقدرته. وإحصاء ذلك غير ممكن، لكنا نشير إلى ذلك ونقول إجمالاً، فنقول: الموجودات منقسمة إلى ما لا نعرف أصلها ولا يمكننا النظر فيها، فكم من موجود لا نعلمه كما قال الله تعالى: (ويخلق ما لا تعلمون)، وإلى ما نعرف جملها ولا نعرف تفصيلها، وهي منقسمة إلى ما لا يدرك بالبصر كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين، وغيرها، فمحال النظر فيها، ولا يمكن أن يقال فيها إلا ما صح بالنصوص والأخبار والآثار. وأما المدركات بالبصر كالسموات والأرض وما بينهما، والسموات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها ودورانها، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها وبحارها وأنهارها ومعادنها ونباتها وحيوانها وما بين السماء والأرض، وهو الجو مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعودها وبروقها وصواعقها وشهبها وعواصف أرياحها، فهذه هي أجناس المشاهدات من السموات والأرض وما بينهما، وكل جنس منها ينقسم إلى أنواع، وكل نوع ينقسم إلى أصناف، وكل صنف ينقسم إلى أقسام، ولا نهاية لاستيعاب ذلك، وانقسامها في اختلاف صفاتها وهيئاتها ومعانيها الظاهرة والباطنة، وفي جميع ذلك مجال البصر، فلا تتحرك ذرّة في السموات والأرض إلا وفي تحريكها حكمة، أو حكمتان أو عشرة أو ألف، وكل ذلك دليل على وحدانيته وعظمته، كما قال بعضهم:

وفي كل تحريكة          وتسكينة أبداً شاهد

وفي كل شيء له آية      تدل على أنه واحد

المقالة الأولى في العلويات والنظر فيها في أمور:

النظر الأول: في حقيقة الأفلاك وأشكالها وأوضاعها وحركتها بطريق الإجمال

ذهب الحكماء إلى أنّ الفلك جسم بسيط كروي مشتمل على الوسط متحرك عليه ليس بخفيف ولا ثقيل ولا بارد ولا حار ولا رطب ولا يابس ولا قابل للخرق ولا للالتئام، ولهم على ذلك أدلة مذكورة في الكتب الحكمية؛ وكتابنا هذا ليس بصددها.

والأفلاك كرات محيطة بعضها ببعض حتى حصلت من جملتها كرة واحدة يقال لها العالم، وأدناها إلى العناصر فلك القمر، ثم فلك عطارد، ثم فلك الزهرة، ثم فلك الشمس، ثم فلك المريخ، ثم فلك المشتري، ثم فلك زُحل، ثم فلك الثوابت، ثم فلك الأفلاك، واعلم أن لكل فلك مكاناً لا ينتقل عنه، لكنه متحرك فيه بأجرامه لا يقف طرفة عين وسرعة حركاتها أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أنّ الفرس في حالة الركض الشديد من الوقت الذي يرفع يديه إلى أن يضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف فرسخ. ثم إنّ الأفلاك منها ما يتحرك من المشرق إلى المغرب كالفلك الأعظم، ومنها ما يتحرك من المغرب إلى المشرق كفلك الثوابت وأفلاك السيارات، ومنها ما يتحرك بالنسبة إلينا دولابية، ومنها ما يتحرك حمائلية، ومنها رحوية، ومنها ما يشتمل على الوسط ولكن ليس مركزه مركز العالم كالأفلاك التسعة، ومنها ما يشتمل على الوسط، لكن مركزه مركز العالم كخارج المراكز، ومنها ما ليس مشتملاً على الوسط كأفلاك التداوير. وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ومن الأفلاك ما لم يعرف له إلاّ كوكب واحد كأفلاك السيارات، ومنها ما لم يعلم عدد كواكبها إلا الله تعالى كفلك الثوابت، ومنها ما ليس له كوكب أصلاً كالفلك الأعظم ويقال له الفلك الأطلس. وجميع الحركات الموجودة في العالم بحسب ما عرف من آراء المتقدمين وأصحاب الأرصاد سيما بطليموس فإنّ اعتماد القوم على رصده خمسة وأربعون حركة للفلك الأعظم وحركة لفلك الثوابت، وثمان عشرة لأفلاك الكواكب العلوية لكل واحد منها ست حرکات، وحركتان لفلك الشمس، وست حركات لفلك الزهرة، وتسع حركات لفلك عطارد، وست حركات لفلك القمر، وحركتان لما دون فلك القمر، وهما حركتا الثقل والخفة، هذا ما بلغ إليه فهم العقلاء، وذهن الأذكياء، والله الموفق.

النظر الثاني في فلك القمر

وهو يحده سطحان كرويان متوازيان مركزهما مركز العالم، السطح الأعلى منهما لمقعر فلك عطارد، والأدنى لمحدب كرة النار، ويتم دورته في كل ثمانية وعشرين يوماً بحركته التي تختص به من المغرب إلى المشرق، وفلك تدويره يدور في الفلك الحاوي في كل أربعة عشر يوماً مرّة، ففي الدورة الأولى يكون القمر بوجهه الممتلىء إلى مركز الأرض، ثم إنّ فلكه الكلّي ينقسم إلى أربعة أفلاك: ثلاثة منها شاملة للأرض، وواحد صغير غير شامل، أمّا الشاملة فالأوّل منها يسمّى فلك الجوزهر، وهو الذي يماس السطح الأعلى منه السطح الأدنى من فلك عطارد، والثاني منها يماس السطح الأعلى منه مقعر فلك الجوزهر، والثالث منها فلك خارج المركز في الفلك المائل من مركزه خارج عن مركز العالم، مائل إلى جنب من الفلك الكلي بحيث يماس مقعر سطحيه السطح الأعلى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمّى الأوج، ويماس مقعر سطحيه، السطح الأدنى من الفلك الكلّي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمّى الحضيض، فيحصل سطحان مختلفا الثخن، أحدهما حاو للفلك الخارج المركز، والآخر محوي فيه ورقة الحاوي مما يلي الأوج، وغلظه مما يلي الحضيض، ورقة المحوي وغلظه بالعكس، يقال لكل واحد منهما المتمم، وأما الفلك الصغير فهو في ثخن الفلك الخارج المركز يقال له فلك التدوير، والقمر مركوز فيه يتحرك بحركته، وحركة هذا الفلك حركة مختصة مغايرة لحركة الفلك الكلي، وزعموا أن ثخن فلك القمر وهو بعد ما بين سطحه الأعلى وسطحه الأدنى مائة ألف وثمانية عشر ألفاً وستة وستون ميلاً، وبطليموس قد ذكر ثخن الأفلاك ومقادير أجرام الكواكب، ودوائرها، وأقطارها، ولا تستصعبن ذلك، فإنّه لا يصعب إلا على من لا دراية له بعلم الهندسة، وأما من حل الثانية من أقليدس فيسهل عليه ذلك إن كان فطناً.

وأما القمر فهو كوكب مكانه الطبيعي الفلك الأسفل، من شأنه أن يقبل النور من الشمس على أشكال مختلفة، ولونه الداني إلى السواد يبقى في كل برج ليلتين وثلث ليلة، ويقطع جميع الفلك في شهر، وهو أصغر الكواكب فلكاً، وأسرعها سيراً.

وزعموا أن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءاً وربع جزء من جرم الأرض، ودورة القمر أربعمائة واثنان وخمسون ميلاً بالتقريب، هذا ما وصل إليه آراء الحكماء بحكم المقدمات الحسابية.

فصل: في زيادة ضوئه ونقصانه





القمر جرم كثيف مظلم قابل للضياء إلا القليل منه على ما يرى في ظاهره، فالوجه الذي يواجه الشمس مضيء أبداً، فإذا كان قريباً من الشمس كان الوجه المظلم مواجهاً للأرض، وإذا بعد عن الشمس إلى المشرق ومال النصف المظلم من الجانب الذي يلي المغرب إلى الأرض تظهر من النصف المضيء قطعة هي الهلال، ثم يتزايد الانحراف وتزداد بتزايده القطعة من النصف المضيء حتى إذا كان في مقابلة الشمس ينقص الضياء من الجانب الذي بدأ بالضياء على الترتيب الأوّل حتى إذا صار في مقابلة الشمس كان النصف المواجه للشمس هو النصف المواجه لنا، فنراه بدراً، ثم يقرب من الشمس، فينقص الضياء من الجانب الذي بدأ بالضياء على الترتيب الأوّل حتى إذا صار في مقابلة الشمس ينمحق نوره، ويعود إلى الموضع الأوّل وينزل كل ليلة منزلاً من المنازل الثمانية والعشرين، ثم يستتر ليلة، فإن كان الشهر تسعة وعشرين استتر ليلة ثمانية وعشرين، وإن كان ثلاثين استتر ليلة تسعة وعشرين، ويقطع في استتاره منزلاً، ثم يتجاوز الشمس فيرى هلالاً، وذلك قوله تعالى: ﴿والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، يريد أنّه ينزل كل ليلة منزلاً منها حتى يصير كأصل العذق إذا قدم ورق واستقوس.

فصل: في خسوفه

وسببه توسط الأرض بينه وبين الشمس فإذا كان القمر في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه عند الاستقبال تتوسط الأرض بينه وبين الشمس، فيقع في ظل الأرض، ويبقى على سواده الأصلي، فيُرى منخسفاً، والشمس أعظم من الأرض، فيكون ظل الشمس مخروطاً قاعدته دائرة صفحة الأرض، لأن الخطوط الشعاعية التي تخرج من الشمس إلى جرم الأرض لا تكون متوازية، فإذا اتصلت بمحيط الأرض ونفذت في الجهة الأخرى تلاقياً عند نقطة فيحصل ظل الأرض على شكل المخروط، فإذا لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج عند الاستقبال، وقع كله في جرم المخروط، فيخسف كله حينئذ، وإن كان له عرض يخسف بعضه، وربّما يماس جرم القمر مخروط الظل، ولا يقع فيه شيء، وذلك إذا كان عرض القمر مساوياً لنصف مجموع القطرين، أعني قطر القمر وقطر الظل، وإذا كان أقل من نصف القطرين يخسف بعضه.

فصل: في خواص القمر وتأثيراته العجيبة

زعموا أن تأثيراته بواسطة الرطوبة كما أنّ تأثيرات الشمس بواسطة الحرارة، ويدل عليها اعتبار أهل التجارب؛ ومنها أمر البحار، فإنّ القمر إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد مقبلاً مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع، فإذا صار هناك انتهى المد منتهاه، فإذا انحط القمر من وسط سمائه جزر الماء ولا يزال كذلك راجعاً إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد مرة ثانية إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض، فحينئذ ينتهي المد منتهاه في المرّة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدىء بالجزر والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع فيعود المد إلى ما كان عليه أولاً فيكون في كل يوم وليلة بمقدار مسير القمر فيهما في ذلك البحر مدان وجزران.

ومنها أمر أبدان الحيوانات، فإنّها في وقت زيادة القمر وضوئه تكون أقوى، والسخونة والرطوبة، والنمو عليها أغلب، وتكون الأخلاط في بدن الإنسان في ظاهره، والعروق تكون ممتلئة، وبعد الامتلاء تكون الأبدان أضعف والبرد عليها أغلب، والنمو أقل والأخلاط في غور البدن والعروق أقل امتلاء، وذلك أمر ظاهر عند علماء الطب.

ومنها أنّ الأطباء ذهبوا إلى أنّ أحوال البحرانات وتقارب أيامها مبنية على زيادة ضوء القمر ونقصانه. وكتب الطب ناطقة بذلك؛ وزعموا أنّ الذين يمرضون في أوّل الشهر أبدانهم وقواهم على دفع المرض أقوى، والذين يمرضون في آخر الشهر بالضد. ومنها أن شعور الحيوانات يسرع نباتها ما دام القمر زائد النور ويغلظ ويكبر، وإذا كان ناقص النور أبطأ نباته ولم يغلظ.

ومنها أن الحيوانات تكثر ألبانها من ابتداء زيادة نور القمر إلى الامتلاء، وتزداد أدمغتها وبياض البيض المنعقد في أوّل الشهر أكثر، وإذا نقص نور القمر نقصت غزارة الألبان، ومادة الأدمغة، وكثرة بياض البيض.

ومنها أنّ الإنسان إذا أكثر القعود أو النوم في ضوء القمر تولد في بدنه الكسل والاسترخاء ويهيج عليه الزكام والصداع، وإذا كانت لحوم الحيوانات بادية لضوء القمر تغيرت رائحتها وطعمها.

ومنها أنّ السمك يوجد في البحار والأنهار من أوّل الشهر إلى امتلاء أكثر ممّا يوجد من الامتلاء إلى آخر الشهر، ويكون أيضاً في النصف الأول من الشهر أسمن منه النصف الأخير.

ومنها أنّ حشرات الأرض خروجها من أجحرتها في النصف الأول من الشهر أكثر من خروجها منه في النصف الأخير، وكل حيوان يلسع أو يعض فإنّه في الأوّل من الشهر أقوى فعلاً منه في النصف الأخير وسمه أشد تأثيراً.

ومنها أنّ السباع في النصف الأوّل أشد طلباً للصيد منها في النصف الأخير.

ومنها أنّ الأشجار إذا غرست والقمر زائد النور علقت وأسرعت النشو والحمل، وإن وقع اللقاح والحمل والقمر زائد النور كانا جيدين، وإن وقع والقمر ناقص النور أو زائلاً من وسط السماء لم يسرع النبات وأبطأت في الحمل، وربّما یبست. ومنها أنّ الفواكه والرياحين والزرع والبقول والأعشاب زيادتها من وقت زيادة القمر إلى الامتلاء أكثر من زيادتها ونموها من الامتلاء إلى المحاق، وهذا أمر ظاهر عند أرباب الفلاحة حتى عند عامتهم فضلاً عن علمائهم، فإنهم يجدون تأثير ذلك ظاهراً سيما في البقول والخوخ والبطيخ والسمسم والقثاء والخيار والقرع من أوّل الشهر إلى نصفه يزيد أكثر ممّا يزيد من نصف الشهر إلى آخره.

ومنها أنّ الفواكه إذا وقع عليها ضوء القمر أعطاها لوناً عجيباً من حمرة أو صفرة، فالتي يقع عليها الضوء في النصف الأول من الشهر أحسن لوناً ممّا يقع عليها في النصف الأخير.

ومنها أن نبات القصب والكتان إذا وقع عليها ضوء القمر في النصف الأوّل أشد تقطعاً مما وقع عليها آخر الشهر.

ومنها أنّ المعادن التي تتكون يكون جوهرها وصفاؤها أشد إذا كان تولّدها من أوّل الشهر ولو كان في آخره لا يكون كذلك.

خاتمة

في المجرة: وهو البياض الذي يرى في السماء يقال لها شرج السماء إلى زماننا هذا لم يسمع في حقيقتها قول شاف، زعموا أنّها كواكب صغار متقاربة بعضها من بعض، والعرب تسمّيها أمّ النجوم لاجتماع النجوم فيها، وزعموا أن النجوم تقاربت من المجرة فطمس بعضها بعضاً، فصارت كأنها سحاب وهي ترى في الشتاء أوّل الليل في ناحية من السماء، وفي الصيف أوّل الليل في وسط السماء ممتداً من الشمال إلى الجنوب، وبالنسبة إلينا تدور دوراً رحوياً فنراها نصف الليل ممتدة من المشرق إلى المغرب، وفي آخر الليل من الجنوب إلى الشمال، فما كان منها شمالياً يكون جنوبياً، وما كان جنوبياً يكون شمالياً، والله أعلم بحقيقتها، وتكون على فلك يختص بها يدور بالنسبة إلينا رحوياً أو على شيء من الأفلاك المذكورة.

النظر الثالث في فلك عطارد

وهو يحده سطحان كرويان متوازيان مركزهما مركز العالم السطح الأعلى منهما مماس لمقعر فلك الزهرة، والأدنى لمحدب فلك القمر، ويتم دورته التي تختص به من المغرب إلى المشرق في سنة واحدة، وينفصل عنه فلك خارج المركز بمنزلة الفلك الخارج المركز للقمر في داخل ثخن الفلك الكلي، ويقال له المدير، وينفصل عن فلك المدير فلك آخر خارج المركز يقال له خارج المركز الثاني، والكوكب في فلك التدوير، ويلزم أن يكون لعطارد أوجان، أحدهما في الفلك الكلي، والثاني في المدير، ويكون له أيضاً حضيضان، وزعموا أنّ ثخن فلك عطارد وهو مسافة ما بين سطحه الأعلى وسطحه الأدنى ثلاثمائة ألف وثمانمائة وثمانون ألفاً واثنان وثمانون ميلا على رأي بطليموس صاحب الرصد، فإنّه استخرج ذلك بالبراهين الهندسية، والله أعلم.

فصل

وأمّا عطارد فسمّاه المنجمون منافقاً لكونه مع السعد سعداً ومع النحس نحساً على زعمهم وجرمه جزء من اثنين وعشرين جزءاً من جرم الأرض، ودورة جرمه مائتان وستة وثمانون فرسخاً، وقطر جرمه مائتان وثلاثة وسبعون ميلاً، ويبقى في كل برج سبعة وعشرين يوماً تقريباً، وهو كثير الرجعة والاستقامة، يدور حول الشمس.

النظر الرابع في فلك الزهرة

وهو يحدّه سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لفلك الشمس، والأدنى لفلك عطارد، وتتم دورته المختصة به من المغرب إلى المشرق في سنة واحدة مثل فلك الشمس، غير أنّ فلك تدويره يسرع تارة، فتصير الزهرة قدام الشمس ويبطىء أخرى، فتصير الزهرة خلف الشمس. وثخن جرم فلك الزهرة وهو مسافة ما بین سطحه الأعلى والأدنى ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسة وتسعون ميلاً، وصورته مشابهة لصورة فلك القمر سواء، وفلك الشمس على تقدير أن يكون جرم الشمس فلك التدوير من غير فرق.

فصل

وأما الزهرة فسمّاه المنجمون السعد الأصغر، لأنّها في السعادة دون المشتري، وأضافوا إليها الطرب والسرور واللهو. وجرم الزهرة جزء من أربعة وثلاثين جزءاً وثلث جزء من جرم الأرض، وقطر جرمها أربعمائة وتسعة وأربعون ميلاً، وسدس ميل تبقى في كل برج سبعة وعشرين يوماً.

وأمّا خواصها: فزعموا أنّ النظر إليها مما يوجب فرحاً وسروراً، وإذا كان بالناظر إليها حرارات السل تخفّف عنه، وزعموا أنّ من شأنها الشبق والباه والألفة حتى لو نكح رجل امرأة والزهرة حسنة الحال وقع بينهما من المحبة والألفة ما يتعجب منه.

النظر الخامس في فلك الشمس

وهو يحده سطحان كرويان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لمقعر فلك المريخ، والأدنى منهما مماس لمحدب فلك الزهرة، ودورته من المشرق إلى المغرب تتم في ثلاثمائة وستين يوماً وربع يوم، وينفصل عنه فلك شامل للأرض مرکزه خارج المركز كما مر ذكره في أفلاك الكواكب الثلاثة من غير فرق، إلا أنّ الشمس ههنا بمنزلة فلك التدوير إذ ليس للشمس فلك التدوير، وذلك من لطف الله تعالى وعنايته بالعباد لأنه لو كان لها فلك التدوير، كما لسائر الكواكب السيارة، رجعت، وبرجعتها يتمادى الصيف ستة أشهر، وكذلك الشتاء فيؤدي إلى هلاك الحيوان والنبات لأنّ الشمس إذا بقيت مسامتة لرؤوس قوم ستة أشهر لتغير مزاج حيوانهم، واحترق نباتهم، وإن بعدت عن قوم ستة أشهر استولى البرد على مزاجهم وانطفأت حرارتهم وفسد نباتهم. وثخن جرم فلك الشمس ثلاثمائة ألف وخمسة وخمسون ألفاً وأربعة وسبعون ميلاً.

فصل: في الشمس

وهي أعظم الكواكب جرماً، وأشدّها ضوءاً، ومكانها الطبيعي الكرة الرابعة، وهي بين الكواكب كالملك وسائر الكواكب كالأعوان والجنود، فالقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب والمريخ كصاحب الجيش، والمشتري كالقاضي، وزُحل کصاحب الخزائن، والزهرة كالخدم والجواري والأفلاك كالأقاليم، والبروج كالبلدان والحدود والوجوه كالمدن والدرجات كالقرى والدقائق كالمحال والثواني كالمنازل، وهذا تشبيه جيد، ومن لطف الله تعالى جعلها في وسط الكواكب السبعة لتبقى الطبائع والمطبوعات في هذا العالم بحركاتها على حدّها الاعتدالي إذ لو كانت في فلك الثوابت لفسدت الطبائع من شدة البرد ولو انحدرت إلى فلك القمر لاحترق هذا العالم بالكلية، وخلقها سائرة غير واقفة وإلا لاشتدت السخونة في موضع والبرودة في موضع، ولا يخفى فسادهما بل تطلع كل يوم من المشرق ولا تزال تمشي موضعاً بعد موضع إلى أن تنتهي إلى المغرب، فلا يبقى موضع مكشوف مواز لها إلا ويأخذ موضع شعاعها، وتميل كل سنة مرّة إلى الجنوب ومرّة إلى الشمال لتعم فائدتها وأما جرمها فضعف جرم الأرض مائة وستة وستين مرة وقطر جرمها أحد وأربعون ألفاً وتسعمائة وثمانية وسبعون ميلاً.

فصل: في كسوفها

وسببه كون القمر حائلاً بين الشمس وبين أبصارنا لأنّ جرم القمر كمد فيحجب ما وراءه عن الأبصار، فإذا قارن الشمس، وكان في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه فإنّه يمر تحت الشمس، فيصير حائلاً بينها وبين الأبصار لأن الخطوط الموهومة الشعاعية التي تخرج من أبصارنا متصلة بالبصر على هيئة مخروط رأسه نقطة البصر وقاعدته المبصر، فإذا حال بيننا وبين الشمس يتحصل مخروط الشعاع أوّلاً بالقمر، فإن لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج وقع جرم القمر في وسط المخروط فتنكسف الشمس كلها وإن كان للقمر عرض ينحرف المخروط عن الشمس بمقدار ما يوجب العرض، فينكسف بعضها، وذلك إذا كان العرض أقل من مجموع نصف القطرين، فإن كان يماس جرم القمر مخروط الشعاع لا تنكسف الشمس، ثم الشمس إذا انكسفت لا يكون لكسوفها مكث، لأن قاعدة مخروط الشعاع إذا انطبق على صفحة القمر انحرف عنه في الحال فتبتدىء الشمس بالانجلاء، ولكن يختلف قدر الكسوفات باختلاف أوضاع المساكن بسبب اختلاف المنظر، وقد لا تنكسف في بعض البلاد أصلاً.

فصل: في خواص الشمس وعجيب تأثيرها في العلويات والسفليات

أما في العلويات فإخفاؤها جميع الكواكب لكمال شعاعها وإعطاؤها للقمر النور بسبب قربه منها وبعده عنها، وجميع ما ذكرنا من فوائد القمر فائدة من فوائد الشمس.

وأمّا في السفليات، فمنها تأثيرها في البحار، فإنّها إذا أشرقت على الماء صعدت منه أبخرة بسبب السخونة، فإذا بلغ البخار إلى الهواء البارد تكاثف من البرد، وانعقد سحاباً ثم تذهب به الرياح إلى الأماكن البعيدة عن البحار، فينزل مطر يحيي الله به الأرض بعد موتها، وتظهر منه الأنهار والعيون فيصير سبباً لبقاء الحيوان وخروج النبات وتكون المعادن. وقد قال الله عزّ وجل: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات).

ومنها أمر المعادن، فإنّ العصارات التي تتحلب في باطن الأرض من مياه الأمطار إذا اختلطت بالأجزاء الأرضية تصحبها الشمس فتتولّد منها الأجساد المعدنية بحسب موادها كالذهب والفضة وسائر الفلزات وكالياقوت والزبرجد وسائر الأحجار النفيسة وكالزئبق والكبريت والزرنيخ والملح والنوشادر ولا يخفي عموم فوائد هذه الأشياء كلّها. ومنها أمر النبات فإنّ الزروع والأشجار لا تنبت إلا في المواضع التي تطلع عليها الشمس، وكذلك لا ينبت تحت النخل والأشجار العظيمة التي لها ظلال واسعة شيء من الزروع، لأنّها تمنع شعاع الشمس عمّا تحتها، وحسبك ما ترى من تأثير الشمس بحسب الحركة اليومية في النيلوفر والأدريون وورق الخروع، فإنّها تنمو وتزداد عند أخذ الشمس في الارتفاع والصعود، فإذا زالت الشمس أخذت في الذبول حتى إذا غابت ذبلت وضعفت، ثم عادت في اليوم الثاني إلى حالها.

ومنها تأثيرها في الحيوانات، فإنا نرى الحيوان إذا طلع نور الصبح خلق الله تعالى في أبدانها قوّة، فتظهر فيها قوة حركة وزيادة نشاط وانتعاش وكل ما كان طلوع نور الشمس أكثر، كان ظهور قوّة الحيوان في أبدانها أكثر إلى أن تصل إلى وسط سمائهم، فإذا مالت عن وسط سمائهم أخذت حركاتهم وقواهم في الضعف، ولا تزال تزداد ضعفاً إلى زمان غيبوبتها، فإذا غابت الشمس رجعت الحيوانات إلى أماكنها ولزمتها كالموتى، فإذا طلعت الشمس عليهم في اليوم الثاني عادوا إلى الحالة الأولى، ومن عجيب تأثيرها في الحيوانات أن تجعل أهل البلاد القريبة عن مسامتتها كبلاد السودان الذين هم في الإقليم الأوّل سوداً محترقين، وتجعل وجوههم من شدة الحرارة قحلة، وجثثهم خفيفة، وأخلاقهم وحشية شبيهة بأخلاق السباع، والمواضع البعيدة عن مسامتتها كبلاد الصقالبة والروس تجعلهم لضعف حرارتها بيضاً، وتجعل شعورهم سبطة شقراً، وأبدانهم رخصة عظيمة، وأخلاقهم شبيهة بأخلاق البهائم.

ومنها ما زعمت البراهمة أن أوج الشمس في كل برج ثلاثة آلاف سنة، وتقطع الفلك في ستة وثلاثين ألف سنة، والآن في وقتنا هذا وهو إحدى وستون وستمائة في برج الجوزاء، زعموا أنّ الأوج إذا انتقل إلى البروج الجنوبية انقلبت أحوال الأرض وهيئاتها، فصار العامر غامراً والغامر عامراً والبحر يابساً واليبس بحراً، والجنوب شمالاً والشمال جنوباً.

النظر السادس في فلك المريخ

وهو يحده سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، فالأعلى منهما مماس لفلك المشتري، والأدنى مماس فلك الشمس، وتتم دورته التي تختص به من المغرب إلى المشرق في سنة واحدة وعشرة أشهر واثنين وعشرين يوماً، وصورته كفلك القمر وفلك الزهرة من غير فرق ولا حاجة إلى إعادته، وكذلك فلك زحل وعلى رأي بطليموس ثخن فلك المريخ، وهو المسافة التي بين سطحه الأعلى وسطحه الأسفل عشرون ألف ألف وثلاثمائة ألف وستة وسبعون ألفاً وتسعمائة وثمانية وتسعون ميلا.

فصل

والمنجمون يسمون المريخ النحس الأصغر لأنه دون زُحل في النحوسة، وأضافوا إليه البطش والقتل والقهر والغلبة، وجرم المريخ مثل جرم الأرض مرّة ونصف مرّة بالتقريب، وثخن جرمه تسعمائة ألف وثمانمائة وخمسة وثمانون ميلاً، ويبقى في كل برج إذا كان مستقيماً أربعين يوماً.

النظر السابع في فلك المشتري

وهو يحدّه سطحان متوازيان، الأعلى منهما مماس لفلك زُحل، والأدنى مماس لفلك المريخ، مركزهما مركز العالم، ويتم دورته المختصّة به من المغرب إلى المشرق في إحدى وعشرين سنة وعشرة أشهر وخمسة عشر يوماً، وصورته كصورة فلك المريخ والزهرة، وقد مضى ذكرهما. وثخن جرمه وهو سطحه التي بين الأعلى وسطحه الأسفل عشرون ألف ألف وثلاثمائة واثنان وثلاثون ألفاً وأربعمائة واثنان وثلاثون ميلاً بالتقريب.

فصل

وأما المشتري فسماه المنجمون السعد الأكبر، لأنه فوق الزهرة في السعادة، وأضافوا إليه الخيرات الكثيرة والسعادات العظيمة. وجرم المشتري مثل جرم الأرض أربعة وثمانون مرّة وثلث وربع، وقطر جرم المشتري كقطر جرم الأرض أربع مرات وربعاً وسدساً يقطع في كل يوم خمس دقائق.

النظر الثامن في فلك زُحل

وهو يحده سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لفلك الكواكب الثابتة، والأدنى منهما مماس لفلك المشتري، وتتم دورته المختصة به من المغرب إلى المشرق في تسع وعشرين سنة وخمسة أشهر وستة أيام. قال بطليموس:

ثخن جرم فلك زُحل أحد وعشرون ألف ألف ميل وستمائة وستة وثلاثون ألفاً وستمائة وستة أميال.

فصل

وسمّاه المنجمون النحس الأكبر لأنّه في النحوسة فوق المريخ، وأضافوا إليه الخراب والهلاك والهم والغم. وجرم زُحل كجرم الأرض إحدى وثمانين مرة، وقطره كقطر جرم الأرض أربعين مرّة وثلثي مرّة. زعموا أنّ النظر إليه يفيد غمّاً وحزناً، كما أن النظر إلى الزهرة يفيد فرحاً وسروراً.

النظر التاسع في فلك الثوابت

وهو يحده سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، فالأعلى منهما مماس للفلك الأعظم المحيط بجميع الأفلاك المحرك لكلها، والأدنى منهما مماس لفلك زُحل، وهذا الفلك أيضاً يتحرك من المغرب إلى المشرق حركة بطيئة، فيقطع في كل مائة سنة جزءاً من الأجزاء التي بها تكون الدائرة ثلاثمائة وستين جزءاً، ودورته تتم في ستة وثلاثين ألف سنة وقطباها قطبا دائرة البروج التي ترسمها الشمس، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى، وقد وجد في رصد بطليموس وأرصاد من كان قبله أن جميع الكواكب الثابتة مركوزة في جرم هذا الفلك، ولذلك لا تختلف أوضاعها، وكلّها تتحرك بحركة فلكها البطيئة على محيط دائرته غير مفارقة لها، وهي كثيرة مختلفة الأقدار مثبتة في جميع جرم هذا الفلك، قال بطليموس: ثخن فلك الثوابت وهو المسافة التي بين سطحه الأعلى، وسطحه الأدنى أربعة وثلاثون ألفاً وسبعمائة وأربعة وأربعون ميلاً بالتقريب، وهذا المقدار هو قطر الكواكب الثابتة التي هي في العظم الأول، وجرم الكواكب الذي هو في العظم الأوّل مثل جرم الأرض أربعة وسبعين مرّة وخمس، وجرم أصغر الكواكب الثابتة وهو الذي يكون في العظم السادس مثل جرم الأرض ثماني عشرة مرّة، وقطر فلك الكواكب الثابتة وهو محدد فلك البروج مائة وأحد وخمسون ألف ألف ميل وخمسمائة وسبعة وثلاثون ألفاً ومائة وأربعة وثمانون ميلاً، ولعل البعض يستبعد معرفة مقادير هذه الأجرام، ويخطر له أنّ الذي على سطح الأرض كيف يدري ثخن الفلك الثامن وأجرام كواكبه، فالأولى تركه الاستبعاد فإنّ الأمر الذي لا يعرفه هو لا يستحيل أن يعرفه غيره، ومن مارس علم الهندسة لا يتعذر عليه براهين هذه الأمور، فإنّ لكل عمل رجالاً، فسبحان من أبدع هذه الأجسام الرفيعة وزيّنها بهذه الأجسام المنيرة، وخص كل واحد منها بما شاء من المقدار، وأعطى الإنسان آلة يدرك بها هذه الأمور الغامضة، فقال تعالى: (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً).

فصل: في الكواكب الثابتة

اعلم أن عددها ممّا يقصر ذهن الإنسان عن ضبطه، لكن الأولين قد ضبطوا منها ألفاً واثنين وعشرين كوكباً، ثم وجدوا من هذا المجموع تسعمائة وسبعة عشر كوكباً، تنتظم منها ثمانية وأربعون صورة كل صورة منها تشتمل على كوكبها، وهي الصور التي أثبتها بطليموس في كتاب المجسطي بعضها في النصف الشمالي من الكرة، وبعضها على منطقة فلك البروج التي هي طريقة السيارات، وبعضها في النصف الجنوبي، فسمّى كل صورة باسم الشيء المشبه بها، فوجد بعضها على صورة الإنسان کالجوزاء، وبعضها على صورة الحيوانات البحرية كالسرطان، وبعضها على صورة الحيوانات البرية كالحمل، وبعضها على صورة الطير كالعقاب، وبعضها خارجاً عن شبه الحيوانات كالميزان والسنبلة. ووجدوا من هذه الصور ما لم يكن تام الخلقة مثل قطعة العرس، ومنها ما بعضه من صورة حيوان، وبعضه الآخر من صورة حيوان آخر كالرامي، ومنها ما لم تتم صورته حتى جعل من صورة أخرى كوكب مشترك منهما مثل ممسك الأعنة، فإنّ صورته لم تتمّ حتى جعل الكوكب النير الذي على طرفي القرن الشمالي من الثور مشتركاً بينهما، فصار على قرن الثور، وعلى رجل ممسك الأعنة، وإنّما ألفوا هذه الصورة وسموها بهذه الأسماء ليكون لكل كوكب اسم يعرف به متى أشاروا إليه، وقد ذكروا موقعه من الصورة وموضعه من فلك البروج، وبعده في الشمال أو الجنوب عن الدائرة التي تمر بأوساط البروج لمعرفة أوقات الليل والطالع في كل وقت.

وأما الكواكب الأخر وهي مائة وثمانية عشر كوكباً، فإنّها لم ينتظم منها شيء من الصور، فأضافوا كل ما وجدوه منها قريباً من صورة إلى تلك الصورة وسموها خارج الصورة مثل النير الذي فوق رأس الحمل الذي تسمّيه العرب الناطح. وأما عدد الصور ومواقعها من الفلك فهي ثمان وأربعون صورة، منها في النصف الشمالي من الكرة إحدى وعشرون صورة، ومنها على البروج اثنتا عشرة صورة، ومنها في النصف الجنوبي من الكرة خمس عشرة صورة. فلنذكر الآن كوكبة كل صورة على الانفراد، وعدد كواكبها وأسمائها وألقابها على مذهب العرب ومذهب المنجمين ليستدل بأحدهما على الآخر، ويعمل صورها المسماة باسمها المشبهة بها، ويرسم كل كوكبة على موقعها من الصورة ليكون مشاكلاً لما يرى في السماء، والتي هي خارجة عن الصورة ليستدل الإنسان بأخذ ارتفاعها على الأوقات، وبها على قدرة الله تعالى صانعها جلت قدرته وتقدست أسماؤه له الحمد كثيراً.

فصل: في الصور الشمالية

وهي إحدى وعشرون صورة، وعدد كواكبها من نفس الصورة ثلاثمائة وأحد وثلاثون كوكباً، والتي حوالي الصورة وليست من نفسها تسعة وعشرون كوكباً، فجميع الكواكب التي في هذا النصف من الكرة ثلاثمائة وستون كوكباً، وهذه أسماؤها:

كوكبة الدب الأصغر: هي أقرب كوكبة إلى القطب الشمالي وكواكبها من نفس الصورة سبعة، والخارج عن الصورة خمسة، والعرب تسمّي هذه السبعة بنات نعش الصغرى، فالأربعة التي على المربع نعش والثلاثة التي على الذنب بنات، وتسمّي النيرين من الأربعة الفرقدين، والنير الذي على طرف الذنب الجدي، وهو الذي يتوخى به القبلة. وجميع الكواكب الداخلة في الصورة والخارجة عنها تشبه بحلقة سمكة، وتسمّى الفأس لشبهها بفأس الرحا الذي يكون القطب في وسطه، وقطب معدل النهار عنده أقرب شيء إلى كوكب الجدي.

كوكبة الدب الأكبر: كواكبه تسعة وعشرون كوكباً من الصورة وثمانية حوالي الصورة، والعرب تسمّي الأربعة النيرة التي على المربع المستطيل، والثلاث التي على ذنبه بنات نعش الكبرى فالأربعة التي على المربع المستطيل نعش، والثلاثة التي على الذنب بنات، وتسمّي الذي على طرف الذنب القائد، والذي على وسطه العناق، والذي يلي النعش وهو الذي على ذنب الجوزاء وفوق العناق، كوكب صغير ملاصق له، تسمّيه العرب السها، وهو الذي يمتحن الناس به أبصارهم، زعموا أن من نظر إليه وقال: أعوذ برب السهية من كل عقرب وحية أمن ليلته، وتسمّي الستة التي على الأقدام الثلاثة على كل قدم منها اثنان قفزات الظباء كل اثنين منها قفزة، والقفزة الأولى، وهي التي على الرجل اليمنى تتبعها الصرفة، وهي الكوكب النير الذي على ذنب الأسد والكواكب المجتمعة التي فوق الصرفة تسمّيها العرب الهقعة تقول العرب ضرب الأسد بذنبه الأرض فقفزت الظباء، والكواكب السبعة التي على عنقه وصدره وعلى الركبتين كأنّها نصف دائرة تسمّى سرير بنات نعش، وتسمّى الحوض أيضاً، والكواكب التي على الحاجب والعينين والأذن والخطم تسمّى الظباء، تقول العرب إنّ الظباء لما قفزت من الأسد وردت الحوض، وأمّا الثمانية التي حول الصورة اثنان منها ما بين الهقعة والقائد وأحدهما أنور من الآخر، تسمّيه العرب كبد الأسد، والستة الباقية تحت القفزة الثالثة التي على اليد اليسرى ثلاثة منها أنور هي ظباء، والبواقي خفية أولاد الظباء.

فصل: في خواص القطب الشمالي

ظاهر حوله بنات نعش الصغرى وكواكب خفية إذا جمعتها صارت في صورة سمكة، والقطب في وسط هذه السمكة، والسمكة تدور حول القطب. زعموا أن لهذا القطب فوائد، منها أنّ النظر إليه وإلى الدب الأصغر يشفي من الرمد وجرب العين، وذلك أن يقوم صاحب الجرب أو الرمد ليلة الأحد إذا ظهرت النجوم بعد ساعتين من غيبوبة الشمس حيال القطب الشمالي والدب الأصغر، فينظر إليه، ثم يأخذ ميلاً من فضة يغمسه في الماورد الخالص، ويكحل به العين، وإن كان المريض إحداهما فعل ذلك من ليلة الأحد، في كل ليلة، وكلّما كان أكثر كان أجود، فإن الرمد والجرب يذهبان بإذن الله تعالى، إلا أنّ الرمد أسرع. ومنها ما زعموا أن الأسد والببر والنمر والدب إذا قامت حيال هذا القطب وأطالت النظر إليه شفيت. ومنها أنّ اللبوة إذا حملت فإنّه ينالها عناء، فربّما بقيت تلك الليلة لا تأكل شيئاً، ثم تأتي إلى نهر فيه ماء حار أو عين ينبع منها ماء، فتقوم في الماء إلى نصف ساقها وتنظر إلى القطب الشمالي فإنّها تبرأ من الوصب.

كوكبة التنين: التنين كواكبه احد وثلاثون كوكباً في الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، والعرب تسمّي الكوكب الذي على اللسان الرابض والأربعة التي على الرأس، العوائذ، وفي وسط العوائذ كوكب صغير جداً تسمّيه العرب الربع، وهو ولد الناقة، وتسمّي النيرين اللذين على مؤخره الذئبين، والاثنين الذين هما في غاية الخفاء قبل الذئبين أظفار الذئب، وقد وقفت العوائذ بين الذئبين وبين النسر الواقع منعطفين على الربع، فشبهت العرب النيرين بذئبين قد طمعا في استلاب الربع، وشبهت العوائد بأربع أينق قد عطفن على الربع، وفي أصل الذئب كوكب يسمّى الذيخ وهو ذكر الضباع.

كوكبة قيقاوس: كواكبه أحد عشر كوكباً في الصورة وعشرة خارج الصورة، وهي من كوكبة ذات الكرسي، وبين الكواكب الجدي وهو النير الذي على ذنب الدجاجة الذي يسمّى الردف، والعرب تسمّي الكوكب الذي على صدره النثرة، والذي على منكبه الأيمن الفرقد، والدائرة التي تحصل من كواكب ذراعه، ومما هو خارج من كواكب الدجاجة من جناحها الأيمن تسمّى القدر، والذي على الرجل اليسرى يسمى الراعي، وبين رجليه كوكب يسمّى كلب الراعي، وبين رجليه وبين الجدي كواكب صغار تسميها العرب الأغنام.

كوكبة العواء: كواكبها اثنان وعشرون كوكباً في الصورة وواحد خارجها، وهو صورة رجل بيده اليمنى عصا، فيما بين كواكب الفكة وبنات نعش الكبرى وتسمّي العرب الكواكب التي على الرأس، والذي على المنكبين عصا الضباع، والذي على يده اليسرى وعلى الساعد من هذه اليد وما حول اليد من الكواكب الخفية أولاد الضباع، والخارج عن الصورة كوكب أحمر نير بين فخذيه يسمّى السماك الرامح، والسماك يسمّى مفرداً حارس السماء وحارس الشمال لأنه يرى أبداً في السماء لا يغيب تحت شعاع الشمس، والكواكب التي على الساق اليسرى تسمى الرامح.

كوكبة الفكة: كواكبها ثمانية، يقال لها بالفارسية كاسه دورشان، وهي على استدارة خلف عصا الضباع وفي استدارتها ثلمة، ولأجل ثلمتها يقال لها قصعة المساكين، ومن كواكبها كوكب يقال له النيّر من الفكة.

كوكبة الجاثي: ويقال له الراقص، هي صورة رجل قد مد يده وجثا على ركبتيه، إحدى رجليه على طرف عصا العوا، وهي اليمنى، والأخرى عند الأربعة التي على رأس التنين التي تسمّى العوائذ، وكواكبه ثمانية وعشرون كوكباً، في الصورة خلاف الكوكب المشترك بينه وبين العواء، وواحد خارج الصورة.

كوكبة السلياق: كواكبه عشرة والنيّر منها يسمّى النسر الواقع، شبهته العرب بنسر قد ضم جناحيه إلى نفسه كأنه واقع على شيء، والعامة تسميه الأثافي، وقدام النير كوكب خفي تسميه العرب الأظفار.

كوكبة الدجاجة: كواكبها سبعة عشر كوكباً في الصورة واثنان خارج الصورة، والعرب تسمّي الأربعة المصطفّة الفوارس، وقد قطعت المجرّة عرضاً والنير الذي على الذنب الردف لأنه يتلو الأربعة، وجعله بعضهم الذي على الصدر في الوسط، واثنان عن يمينه، واثنان عن يساره، والردف خلفه.

كوكبة ذات الكرسي: هي صورة امرأة قاعدة على كرسي له قائمتان كقائمة المنبر وعليه مسند، وقد أدلت رجليها وهي في نفس المجرة فوق الكوكب الذي على رأس قيقاوس، وكواكبها ثلاثة عشر كوكباً، والعرب تسمّي النير من هذه الكواكب الكف المخضب وهي كف الثريا اليمنى المبسوطة، فشبهت العرب تلك الكواكب بيد مبسوطة، والكواكب النيرة منها بأنامل مخضوبة.

كوكبة سياوس: وهو حامل رأس الغول، وهو صورة رجل قائم على رجله اليسرى، وقد رفع رجله اليمنى ويده اليمنى فوق رأسه، وبيده اليسرى رأس غول، وكواكبها ستة وعشرون كوكباً في الصورة، وثلاثة خارج الصورة.

كوكبة ممسك الأعنة: هي صورة رجل قائم خلف رأس الغول بين الثريا وبين كوكبة الدب الأكبر، وكواكبه أربعة عشر كوكباً، وفي وسط الصورة كواكب تسمّيها العرب الخباء، والنير الذي عن المنكب الأيسر تسمّيه العرب العيوق، والذي على المرفق الأيسر العنز، والاثنين اللذين على المعصم الأيسر الجديين، ويسمى العيوق معها العناق، ويسمّى أيضاً رقيب الثريا، ويسمّى الذي على المنكب الأيمن والاثنان اللذان على الكعبين توابع العيوق.

كوكبة الحور والحية: أما الحور فصورة رجل قائم قد قبض بيديه على حية، وكواكبه أربعة وعشرون في الصورة، وخمسة خارجها، وأمّا الحية فكواكبها ثمانية عشر، وعلى عنقها كوكب يسمّى عنق الحية، وتسمّى الكواكب المصطفّة على رأس الحية نسقاً شامياً، والمصطفّة تحت عنقه نسقاً يمانياً، ويسمّى ما بين النسقين الروضة، والكواكب التي بين النسقين في الروضة الأغنام، والذي على رأس الحور يسمى الراعي، والذي على رأس الجاثي كلب الراعي.

كوكبة السهم: هي خمس كواكب بين منقار الدجاجة، وبين النسر الطائر في نفس المجرة العظيمة تصله إلى ناحية المشرق، والفوق إلى ناحية المغرب، وطول السهم في رأي العين إذا كان في كبد السماء نحو ذراعين.

كوكبة العقاب: كواكبه تسعة في الصورة، وستة خارجها، وفي الصورة ثلاثة مشهورة تسمّى النسر الطائر وبإزائه النسر الواقع، والعامة تسمّي الثلاثة المشهورة من خارج الصورة الميزان لاستواء كواكبه، والاثنين اللذين فوقها الظليمين.

كوكبة الدلفين: كواكبه عشرة مجتمعة تتبع النسر الطائر، والنير الذي على ذنبه يسمى ذنب الدلفين، والعرب تسمّي الأربعة التي في وسط العنق الصليب، والذي على الذنب عمود الصليب.

كوكبة قطعة الفرس: كواكبها أربعة تتبع الدلفين، اثنان منها متضايقان بينهما شبر واثنان بينهما ذراع، والأوّل في موضع الفم والآخرون على الرأس.

كوكبة الفرس الأعظم: كواكبه عشرون، وهي على صورة فرس له رأس ويدان وبدن إلى آخر الظهر، وليس له كفل ولا رجلان، والأوّل من كواكبه على السرة، وهو على رأس المرأة المسلسلة مشترك بينهما ويسمّى سرة الفرس، وآخر على متنه يسمّى متن الفرس، وكوكب على منكبه الأيمن يسمّى منكب الفرس، وآخر عند منشأ العنق يسمّى عنق الفرس، وآخر على جحفلته خلف الأربعة التي على قطعة الفرس يسمّى فم الفرس، والعرب تسمّي الأربعة النيّرة التي على المربع أحدها عند منتهى العنق متن الفرس، ومنكب الفرس، وجناح الفرس. والكوكب المشترك الدلو وتسمّي الاثنين المتقدمين عليها العرقوة، والاثنين اللذين في البدن النعائم، والكرب، أيضاً شبهتها العرب بمجموع العرقوتين في الوسط في رأس الدلو حيث يشد فيه الحبل، وذلك الموضع من الدلو يسمّى الكرب، وتسمّي الاثنين اللذين على الرأس سعد البهائم، والاثنين اللذين على العنق سعد الهمام، والاثنين المتقاربين اللذين في الصدر سعد البارع، والاثنين اللذين على الركبة اليمنى سعد المطر.

كوكبة المرأة المسلسلة: كواكبها ثلاثة وعشرون من الصورة سوى النير الذي على الرأس، فإنّه على سرة الفرس، وسمّيت هذه المرأة مسلسلة لامتداد إحدى يديها، وهي اليمنى نحو الشمال والأخرى نحو الجنوب، ولاجتماع الكواكب بين رجليها شبهوها بمن سلسل، ويسمّى الكوكب النيّر الذي فوق مئزرها بطن الحوت.

كوكبة الفرس التام: هو أحد وثلاثون كوكباً، وهو فرس آخر، أحسن شبهاً بالفرس من الأوّل، وبعض الفرس الأوّل داخل فيه، ومن السطر الذي من الكوكب على وجهه ورأسه تولدت صورة الرأس، وتمر على عرفه على تقويس فيفصل بكوكب على متنه، وهو من كواكب الفرس الأعظم الذي على طرف اليد اليمنى، ثم يمر على كوكبين على كفله، ثم على كوكبين على ذنبه، وهو طرف اليد اليسرى من الفرس الأعظم، ثم على كوكبين، أحدهما في وسط ذنبه، والآخر على طرف الذنب، ويخرج من الجحفلة سطر يمر على الغلصمة والنحر وبه تتم صورة العنق والصدر.

كوكبة المثلث: كواكبه أربعة بين الشرطين، وبين النير الذي على الرجل اليسرى من صورة المرأة، وهو على شكل مثلث فيه طول أحدها على رأس المثلث، ويسمّى هذا الاسم وثلاثة على قاعدتها.

فصل: في البروج الاثني عشر

هذه صورة قريبة من الدائرة التي تمر على أوساط البروج في المائل عن طريقة الكواكب السيارة، وهي التي سمّيت البروج الاثنا عشر بأسمائها، كل اسم باسم الصور التي كانت فيه، فلنذكر كوكبة كل صورة وعدد كواكبها وموقعها من الصورة وألقاب بعضها على رأي المنجمين والعرب، ولنبدأ بالصورة التي في الوجه الأوّل منها:

كوكبة صورة الحمل: كواكبه ثلاثة عشر في الصورة، وخمسة خارجها، مقدمه إلى جهة المغرب، ومؤخره إلى المشرق، ووجهه على ظهره، والنيران اللذان على القرن يسمّيان الشرطين، والنيّر الخارج عن الصورة يسمّى النطح، واللذان على الإلية مع الذي على الفخذ وهي على مثلث متساوي الأضلاع تسمّى البطين، والعرب جعلت بطن الحمل منزلاً للقمر كبطن السمكة وسمته البطين.

كوكبة الثور: صورته صورة ثور، مؤخره إلى المغرب، ومقدّمه إلى المشرق، وليس له كفل ولا رجلان تلتفت رأسه إلى جنبه، وقرناه إلى ناحية المشرق، وكواكبه اثنان وثلاثون سوى النيّر الذي على طرف قرنه الشمال، فإنّه على الرجل اليمنى من ممسك الأعنة مشترك بينهما. والخارج عن الصورة أحد عشر كوكباً، وعلى موضع القطع منه أربعة مصطفة، والنيّر الأحمر العظيم الذي على عينه الجنوبية يسمّى الدبران، وعين الثور أيضاً وتالي النجم وحادي النجم والفنيق وهو الجمل الضخم، والتي حواليه من الكواكب القلاص، وهي صغار النوق. والعرب تسمي الكواكب التي على كاهل الثور الثريا، وهما كوكبان نيران في خلالهما ثلاث كواكب صارت مجتمعة متقاربة كعنقود العنب، ولذلك جعلوها بمنزلة كوكب واحد، وسموها النجم وزعموا أن في ذلك المطر عند نوئها الثروة، وتسمّي الاثنين المتقاربين على الأذنين الكلبين، ويزعمون أنهما كلبا الدبران، والعرب تتشاءم بالدبران وتقول: أشأم من حادي النجم، ويزعمون أنهم لا يمطرون بنوء الدبران إلا وسنتهم مجدبة.

كوكبة التوأمين: كواكبها ثمانية عشر في الصورة، وسبعة خارجها، وهي صورة إنسانين رأسهما في الشمال والشرق وأرجلهما إلى الجنوب والمغرب، وقد اختلطت كواكب أحدهما بكواكب الآخر. والعرب تسمّي الاثنين النيرين اللذين على رأسهما الذراع المبسوطة، واللذين على ثدي التوأم الثاني الهقعة واللذين على قدم التوأم المتقدم، وقدام قدمه البخاتي.

كوكبة السرطان: كواكبه تسعة من الصورة، وأربعة خارجها، والعرب تسمي الكوكب النير منها النثرة، وفي "المجسطي" ذكر النثرة باسم المعلف، واسم الكوكبين التاليين للنثرة الحمارين، والكوكب النير الذي على الرجل المؤخرة الجنوبي الطرف.

كوكبة الأسد: كواكبه سبعة وعشرون في الصورة وثمانية خارجها، والعرب تسمّي الكوكب الذي على وجهه مع الخارج عن الصورة سرطان الطرف، وتسمّي الأربعة التي في الرقبة والقلب الجبهة، وتسمّي التي على البطن وعلى الحرقفة الزبرة، والذي على مؤخر الذنب قلب الأسد، وتسمّيه أيضاً الصرفة لانصراف البرد عند سقوطه بالمغرب بالغدوات وانصراف الحر عند طلوعه من تحت شعاع الشمس بالغدوات.

كوكبة العذراء: وهي ستة وعشرون في الصورة وستة خارجها، وهي صورة امرأة رأسها على جنوب الصرفة، وقدمها الزبانان اللذان على كفتي الميزان، والعرب تسمّي التي على طرف منكبها الأيمن العواء، وهو المنزل الثالث عشر من منازل القمر، وزعم بعضهم أنّ الكواكب التي على بطنها وتحت إبطها كأنها كلاب تعوي خلف الأسد، وتسمّى عواء البرد أيضاً، لأنّها إذا طلعت أو سقطت جاءت ببرد، والكوكب النير الذي بقرب يدها التي فيها السلسلة السماك الأعزل سمّي أعزلاً لأنه بإزائه السماك الرامح، ويسمّى أعزلاً لأنه لا سلاح معه. والمنجمون يقولون لهذا الكوكب السنبلة، ويسمّى أيضاً ساق الأسد، والذي على قدمه اليسرى الغفر، وإنما سمّي بالغفر لنقصان ضوء كواكبه كأنه قد سترها.

كوكبة الميزان: ثمانية كواكب في الصورة بين كوكبة العذراء وكوكبة العقرب وتسعة خارجها وليس فيها شيء من الكواكب المشهورة.

كوكبة العقرب: أحد وعشرون كوكباً من الصورة، وثلاثة خارجها، وهي صورة مشهورة، والعرب تسمي الثلاثة التي على الجبهة الإكليل، وتسمّي النير الأحمر الذي على البدن قلب العرب، وتسمّي الذي قدام القلب والذي خلفه النياط، وتسمّي الذي في الخزوات الفقرات، وتسمّي الاثنين اللذين على طرف الذنب الشولة.

كوكبة الرامي: وهو القوس أحد وثلاثون كوكباً في الصورة، وليس حواليه شيء من الكواكب المرصودة، والعرب تسمّي الأوّل الذي على النصل، والذي على مقبض القوس، والذي على الطرف الجنوبي من القوس والذي على طرف اليد اليمني من الدابة النعام الواردة لأنّ المجرة شبهت بنهر، والنعام قد وردت النهر، وتسمّي الذي على المنكب الأيسر والذي فوق السهم والذي على الكتف الأيسر والتي تحت الإبط وهو بعيد عن المجرّة إلى ناحية المشرق النعام الصادرة، شبهتها بنعام شرب الماء، وصدر عن النهر، وتسمّي اللذين على الستّة الشمالية من القوس الظليمين، واللذين على الفخذ اليسرى والساق الصردين.

كوكبة الجدي: كواكبه ثمانية وعشرون كوكباً في الصورة، وليس حوالي الصورة شيء من الكواكب المرصودة، والعرب تسمّي الاثنين اللذين على القرن الثاني سعد الذابح، سمّي ذابحاً للصغير الملاصق له، قيل الصغير شأنه الذي يذبحه، وتسمّي الاثنين النيرين اللذين على الذنب المحبين.

كوكبة ساكب الماء: وهو الدلو كواكبه اثنان وأربعون كوكباً في الصورة وثلاثة خارجها، والعرب تسمّي اللذين على منكبه الأيمن سعد الملك، واللذين على منكبه الأيسر مع الذي على ذنب الجدي سعد السعود، والثلاثة التي على اليد اليسرى سعد بلع، وإنما سميت بهذا الاسم لأنّ البعد بين هذين الاثنين أوسع من البعد بين الذابح، فشبهتها بفم مفتوح ليبلع، وتسمّي الذي على ساعده مع الثلاثة التي على يده اليمنى سعد الأخبية، وإنّما سمّي بذلك لأنه إذا طلع اختبأت الهوام تحت الأرض من البرد، وتسمّي النيّر الذي على فم الحوت الجنوبي الضفدع الأول.

كوكبة السمكة وهي الحوت: وكواكبها أربعة وثلاثون في الصورة وأربعة خارجة، وهما سمكتان أحدهما السمكة المتقدّمة وهي التي على ظهر الفرس الأعظم في الجنوب، والأخرى على جنوب كوكبة المرأة المسلسلة، وبينهما خيط من كواكب يصل بينهما على تعريج.

فصل: في الصورة الجنوبية

هي الكواكب التي في النصف الجنوبي من الكرة، وهي خمسة عشر صورة، نذكر مواضع كواكبها من الصورة إن شاء الله تعالى، ومواضع صورها وأسمائها على مذهب العرب والمنجمين على ما رسمنا فيما تقدّم.

كوكبة قيطس: هي صورة حيوان بحري مقدّمه في ناحية المشرق على جنوب كوكبة الحمل، ومؤخره في ناحية المغرب خلف الثلاثة الخارجة عن صورة ساكب الماء، وكواكبه اثنان وعشرون، والعرب تسمّي الكواكب التي في الرأس الكف الجذماء لأنّ امتداده دون امتداد الكف الخضيب، وتسمّي الخمسة التي على يديه النعامات، والكواكب التي على أصل الذنب تسمّى النظام، والتي على الشعبة الجنوبية من الذنب تسمّى الضفدع الثاني، والأوّل مذكور في الدلو.

كوكبة الجبار: كواكبه ثمانية وثلاثون كوكباً في الصورة، وهو صورة رجل قائم في ناحية الجنوب على طريقة الشمس، بيده عصا وعلى وسطه سيف، والعرب تسمّي الكواكب الثلاثة التي على الوجه الهنعة، والنيّر الأعظم الذي على منكبه اليمنى منكب الجوزاء ويد الجوزاء أيضاً، والكوكب النيّر الذي على المنكب اليسرى الناجذ والمرزم أيضاً، والثلاثة المصطفة التي على وسطه منطقة الجوزاء والثلاثة المنحدرة المتقاربة سيف الجبار، والنيّر العظيم الذي على قدمه اليسرى رجل الجبار، وتسمّي التسعة المقوّسة التي على الكم تاج الجوزاء.

كوكبة النهر: كواكبه أربعة وثلاثون في الصورة، وليس حواليه شيء من الكواكب المرصودة يبتدىء من عند النيّر الذي على قدم الجوزاء، فيمر في المغرب على تعريج إلى قرب الأربعة التي على صدر قيطس، ثم يمر في الجنوب على ثلاثة كواكب، ثم ينعطف إلى المشرق، فيمر على ثلاثة كواكب أيضاً، ثم ينعطف إلى الجنوب، فيمر على ثلاثة كواكب مجتمعة، ثم يتقطع فيمر في الجنوب على كوكبين متقاربين، ثم ينعطف إلى المغرب، فيمر على كوكبين متقاربين أيضاً ثم على ثلاثة كواكب متقاربة، ثم ينتهي إلى كوكب نير على آخر النهر، والعرب تسمي الأوّل والثاني والثالث من كوكبة الكرسي الجوزاء، وتسمّي الأربعة التي في وسط النهر مع الخمسة التي في جانبه الآخر أدحيّ النعام وهو عشه، والتي حوالي هؤلاء الكواكب تسمّى البيض، والنيّر الذي على آخر النهر يسمّى الظليم، وبين هذا الظليم والظليم الذي على فم الحوت كواكب كثيرة تسمّى الرئال، وهي فراخ النعام.

كوكبة الأرنب: هي اثنا عشر كوكباً في الصورة، وليس حواليه شيء من الكواكب المرصودة وهي تحت رجل الجبار وجهه إلى المغرب ومؤخره إلى المشرق، والعرب تسمّي الأربعة التي إثنان منها على يديه وإثنان على رجليه كرسي الجوزاء، وعرش الجوزاء أيضاً.

كوكبة الكلب الأحمر: كواكبه ثمانية عشر في الصورة وأحد عشر خارجها، وهي صورة كلب خلف كوكبة الجوزاء، ولذلك سمّي كلباً، والعرب تسمي النير الأعظم الذي على موضع الفم الشعرى العبور، وكان قوم في الجاهلية يعبدونه لأنه يقطع السماء عرضاً دون غيره من الكواكب، وذلك قوله تعالى: (وإنه هو رب الشعرى)، وسمّي عبوراً لأنه عبر المجرّة إلى سهيل، وتسمّى اليمانية لأنّ مغيبها في شق اليمنى، وتسمّي الأربعة التي منها على كتفه وعلى ذنبه وما بينهما وعلى فخذه العذارى، والأربعة المصطفّة التي على الاستقامة خارج الصورة تسمّى القرود، والنيران من خارج الصورة حضار الوزن، ومن العرب من يسميهما مختلفين لأنهما يطلعان قبل سهيل، فيظن أحدهما سهيلاً فيحلف عليه، والآخر يعلم أنه غير سهيل فيحلف له.

كوكبة الكلب المتقدّم: وهما كوكبان بين النيرين اللذين على رأس التوأمين وبين النير الذي على فم الكلب الأكبر يتأخر عنهما إلى المشرق أحدهما أنور، وتسمّيه العرب الشعرى الشامية لأنّها تغيب في شق الشام وتسميه الشعرى الغميصاء لأنه عندهم أحب سهيلاً، وقد عبرت اليمانية المجرة إلى ناحية سهيل، وبقيت هذه في الشمال الشرقية، فبكت على سهيل وغمصت عيناها، وتسمّي الاثنين أيضاً ذراع الأسد المقبوض، وسمّيت مقبوضة لتأخرها عن الذراع الآخر، وهما النيران اللذان على رأس التوأمين.

كوكبة السفينة: كواكبها خمسة وأربعون كوكباً من الصورة، وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، وذكر بطليموس أن النير العظيم الذي على المجداف الجنوبي هو سهيل، وهو أبعد كوكب عن السفينة في الجنوب يرسم على الأسطرلاب، وأما العرب فالروايات عنها في سهيل، وفي كواكب السفينة مختلفة، فرأى بعضهم أنّ النيّر الذي على طرف المجداف الثاني يسمّى سهيلاً على الإطلاق.

فصل: في فوائد القطب الجنوبي

أمّا القطب الجنوبي فإنّه في مقابلة القطب الشمالي، وإنه خارج عن كواكب السفينة بقرب نيّر المجداف، وتدور حوله كواكبه أسفل من سهيل، وزعموا أن لهذا القطب فوائد منها أنّ كل حيوان أنثى إذا تعسّرت ولادتها تنظر إلى القطب وإلى سهيل تضع في الحال. ومنها أن من انقطعت عنه شهوة الباه من غير شرب دواء يداوم النظر إلى القطب الجنوبي في ليال متوالية ترجع إليه شهوته. ومنها أن صاحب الثآليل إذا أخذ بعدد كل ثؤلول ورقة من شجر الغرب ويومىء إلى سهيل وإلى القطب، ويقول هذا لقلع الثآليل حتى يقول اثنين وأربعين مرّة إمّا في ليلة واحدة أو في ليال، ثم يدق الورق في هاون اسفيدوز، ويجعله على الثآليل، فإنّها تجف وتنفرك، وزعموا أنها من الخواص العجيبة المجربة. ومنها أن صاحب الماليخوليا إذا أدام النظر إلى القطب وسهيل مرّة بعد أخرى، أو في ليلة مرّات يزول عنه ذلك، وزعموا أنهم جرّبوه فوجدوه صحيحاً. ومنها أنّ النظر إلى هذا القطب وسهيل يحدث للإنسان طرباً وسروراً، ولهذا صنّف الزنج مخصوصون بمزيد الطرب لأنهم متقاربون من مدار القطب وسهيل. ومنها أن صاحب الظفرة في العين إذا أدام النظر إلى القطب وسهيل تزول ظفرته، وذلك بأن يديم النظر إلى القطب وسهيل ويحدق النظر إليهما، ويكون النظر متوالياً أوّله ليلة الثلاثاء ولا يقطعه إلى أن تزول الظفرة، فإنّها تذهب إلى تمام اثنين وأربعين أو تسع وأربعين.

كوكبة الشجاع: كواكبه خمسة وعشرون كوكباً في الصورة واثنان خارجها، رأسه على زباني الجنوبي من صورة السرطان وهي بين الشعرى والغميصاء، وقلب الأسد يميل عنهما إلى الجنوب ميلاً يسيراً ثم ينعطف إلى كوكب نير على آخر عقدته عند منشأ الظهر فوقه أربع كواكب على شمال النير، والعرب تسمي الذي على آخر العنق الفرد لانفراده عن أشباهه، وأما سائر كواكب الشجاع فعن العرب فيها روايات كثيرة لا طائل تحتها.

كوكبة البلطية: هي سبع كواكب على شكل كوكبة الشجاع، والعرب تسمي هذه الكواكب المتلف.

كوكبة الغراب: هي سبع كواكب خلف البلطية على جنوب السماك الأعزل، والعرب تسمّي هذه الكواكب عجز الأسد وتسمّيها أيضاً عرش السماك الأعزل وتسمّيها أيضاً الأحمال.

كوكبة قيطورش: هي سبعة وثلاثون كوكباً، وصورته صورة حيوان مقدمه مقدم إنسان من رأسه إلى آخر ظهره ومؤخره مؤخر فرس من منشأ ظهره إلى ذنبه وجهه إلى المشرق ومؤخر ذنبه إلى المغرب، وبیده شمراخان، وقد قبض بيده الأخرى على يد السبع وعلى بطن الدابة نير يسمّى بطناً، وعلى حافر يده اليمنى كوكب حضار، وعلى يده الأخرى الوزن، وهما اللذان يسميان المخلفين كما ذكرنا قبل.

كوكبة السبع: وهي تسعة عشر كوكباً من الصورة خلف كوكبة قيطورش، وبعضها مختلط بكوكبة قيطورش، وقد قبض قيطورش على يده، والعرب تسمّي كوكبة قيطورش والسبع الشماريخ الجملة لكثرتها وكثافة جميعها، وليس حولها شيء من الكواكب المرصودة.

كوكبة المجرّة: كواكبها سبعة في الصورة، ولم يقع على العرب شيء من هذه الكواكب.

كوكبة الإكليل الجنوبي: وهي ثلاثة عشر كوكباً في الصورة قدام الاثنين اللذين على عرقوب الرامي، فمن العرب من يسمّي هذه الكواكب القبة لاستدارتها، ومنهم من يسميها أدحيّ النعام، وهو عشه لأنّها على جنوب النعامين الصادر والوارد اللذين قد مضى ذكرهما.

كوكبة الحوت الجنوبي: وهي أحد عشر كوكباً في الصورة على جنوب كواكب الدالي رأسه إلى المشرق، وذنبه إلى المغرب، ويسمّى النير الذي على فمه فم الحوت، تمت الكواكب الثابتة، وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فصل: في منازل القمر

وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل القمر كل ليلة بواحد منها من مستهله إلى ثمانية وعشرين ليلة من الشهر، ثم يستسر واستسراره محاقه حتي لا يرى منه شيء، فإن كان الشهر تسعاً وعشرين استسر ليلة ثمان وعشرين، وإن كان ثلاثين استسر ليلة تسع وعشرين، وهو في السرار يقطع منزلاً، فهذه المنازل الثمانية والعشرون يبدو منها أبداً أربعة عشر بالليل فوق الأرض، وأربعة عشر تحت الأرض، وكلّما غاب منها واحد طلع رقيبه. والعرب تسمّي أربعة عشر من هذه المنازل شامية وأربعة عشر يمانية، فأوّل الشامية الشرطين وآخرها السماك الأعزل، وأوّل اليمانية الغفر، وآخرها الرشا، والعرب تسمي سقوط النجم في الغرب، وطلوع مقابله مع الفجر نوءاً، وسقوط كل نجم منها في ثلاثة عشر يوماً خلا الجبهة، فإنّ لها أربعة عشر يوماً فيكون انقضاء سقوط الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة، ثم يرجع الأمر إلى الأوّل في ابتداء السنة المستقبلة، وما كان في هذه الثلاثة عشر يوماً من مطر أو ريح أو حر أو برد فهو من نوء ذلك النجم الساقط عند الحكماء، ولهم أقوال طويلة في أحكام نزول النيرين، فأوّل هذه المنازل:

الشرطين: يقال لهما قرنا الحمل ويسمّيان الناطح، وبينهما في رأي العين قاب قوسين، وهذه صورتهما ، إذا حلّت الشمس بهما اعتدل الزمان، واستوى الليل والنهار، وطلوعهما لست عشرة ليلة تخلو من نيسان، وسقوطهما لثمان عشرة ليلة تخلو من تشرين الأوّل، وحلول الشمس بهما لعشرين ليلة تخلو من آذار، وكلّما نزلت الشمس الشرطين فقد مضت سنة، وإنّما سمّيا شرطين لأنهما علامة دخول أوّل السنة.  وفي نوء الشرطين يطيب الرمان، وتكثر المياه، وتنعقد الثمار، ويحصد الشعير، ورقيب الشرطين الغفر.

البطين: يقال له بطن الحمل، وهو ثلاث كواكب خفية كأنها أثافي وهو بين الشرطين والثريا وهذه صورتها  وطلوعه لليلة تبقى من نيسان، وسقوطه لليلة تبقى من تشرين الأوّل، وعند سقوطه يرتج البحر، فلا تجري فيه جارية، ويذهب الحدا والرخم والخطاطيف إلى الغور، ويستكن النمل، وتقول العرب: إذا طلع البطين فقد اقتضى الدين. وحكى ابن الأعرابي أنّهم يقولون ما أتى البطين والدبران أو أحدهما وكان لنوئه مطر إلا كاد أن يكون ذلك العام جديباً، وقالوا إنه أشر الأنواء وأقلها مطراً، وفي نوئه يجف العشب ويتم حصاد الشعير، ويأتي أوّل حصاد الحنطة، ورقيب البطين الزبانا.

الثريا: ويقال له النجم، وهو أشهر هذه المنازل، وهي ستة أنجم، وهذه صورتها ، وفي خلالها نجوم كثيرة خفية، والعرب تقول إن طلع النجم غديه ابتغى الراعي كسيه، وطلوعها لثلاث عشرة ليلة تخلو من أيار، وسقوطها لثلاث عشرة ليلة تخلو من تشرين الآخر، والثريا تظهر في المشرق عند ابتداء البرد، ثم ترتفع في كل ليلة حتى تتوسط السماء مع غروب الشمس، وفي ذلك الوقت أشدّ ما يكون البرد، ثم تنحدر عن وسط السماء فتكون في كل ليلة أقرب من أفق المغرب إلى أن يهلّ الهلال معها، ثم تمكث يسيراً وتغيب نيفاً وخمسين ليلة، وهذا المغيب هو استسرارها، ثم تبدو بالغداة من المشرق في قوّة الحر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع النجم لم يبق من العاهة شيء"، أراد عاهات الثمار لأنها تطلع بها بالحجاز، وقد أزهر البسر، وأما نوءها فمحمود وهو خير نجوم الوسمي، لأنّ مطره في الوقت الذي فقدت الأرض فيه الماء، فإذا طلعت الثريا ارتج البحر، واختلفت الرياح وسلّط الله الجن على المياه، وقال صلي الله عليه وسلم: "من ركب البحر بعد طلوع الثريا فقد برئت منه الذمة"، وفي نوء الثريا تتحرك الرياح، ويشتد الحر، ويدرك التفاح والمشمش، ويجف العشب، وفي آخره يمد النيل، ويكثر اللبن. ورقيب الثريا الإكليل.

الدبران: وهو كوكب أحمر منير يتلو الثريا، ويسمّى تابع النجم، وسمّي دبراناً لاستدباره الثريا، وهذه صورته ، ونوءه غير محمود، والعرب تتشاءم به، وطلوعه لست وعشرين ليلة من أيار، وسقوطه لستة وعشرين ليلة من تشرين الأول، قال الساجع: إذا طلع الدبران يبيت الغدران، وفي نوئه يشتد الحر، وهو أوّل البوارح، وتهب السمائم، ويسود العنب. ورقيب الدبران القلب.

الهقعة: هي رأس الجوزاء، وهي ثلاثة كواكب صغار تشبه الأثافي، وهذه صورتها ، وإنما سمّيت هقعة تشبيهاً بعرض زور الفرس الذي يقال له الهقعة، وتطلع لتسع خلون من حزيران، وتسقط لتسع خلون من كانون الأول، ونوءها لا يكادون يذكرونه إلا بنوء الجوزاء. والعرب تقول: إذا طلعت الهقعة رجع الناس عن النجعة، وفي نوئها يدرك البطيخ وسائر الفواكه، ويشتد الحر، ويكثر هبوب السمائم. ورقيب الهقعة الشولة.

الهنعة: هي كوكبان أبيضان بينهما قيد سوط في المجرّة، وهذه صورتها ، ويقال لأحد الكوكبين الزر وللآخر الميسان، وثلاثة تحيط بهما، فمجموعها خمسة أربعة متتابعة إلى جانب، وواحد في جهة العرض على هيئة الألف الكوفي. وطلوع الهنعة لاثنين وعشرين ليلة تخلو من حزيران، وسقوطها لاثنين وعشرين ليلة تخلو من كانون الأوّل، ونوءها من أنواء الجوزاء. وتقول العرب: إذا طلعت الجوزاء كسب الصبا، وفي نوئها انتهاء شدة الحر وإدراك الرطب والتين وتغيير المياه، ورقيب الهنعة النعائم.

الذراع: وهذه صفته .هو ذراع الأسد المقبوضة، وللأسد ذراعان مقبوضة ومبسوطة، فالمبسوطة تلي اليمن، والمقبوضة تلي الشام، وطلوعها لأربع ليال تخلو من تموز، وسقوطها لأربع تخلو من كانون الآخر، ونوءها محمود قل ما يخلف. وزعمت العرب أنّه إذا لم يكن في السنة مطر لم يخلف الذراع، والعرب قد تقول: إذا طلع الذراع ترقرق الشراب، وفي كل قاع وفي نوئها تشتد بوارح الصيف حراً وسموماً، وفيه يدرك الرمان، ويحمر البسر، ويقطع القصب النبطي، ورقيب الذراع البلدة.

النثرة: وهذه صفتها  هي ثلاثة كواكب متقاربة وهي أنف الأسد، وطلوعها لسبع عشرة ليلة من تموز وتسقط لسبع عشرة ليلة تخلو من كانون الآخر، وتقول العرب: إذا طلعت النثرة قنأت البسرة، أي اشتدت حمرتها، وعند سقوط النثرة يجري الماء في العود ويصلح تحويل الفيل، وفي نوئها غاية شدّة الحر، وفيه سموم حارة حتى قيل إن في نوئها في كل يوم تظهر آفة تفسد شيئاً من الزرع والثمار. ورقيب النثرة سعد الذابح.

الطرف: وهذه صفته  هو طرف الأسد، وهما كوكبان صغيران مثل الفرقدين، وطلوعه لليلة تخلو من آب، وسقوطه لليلة تبقى من كانون الثاني، وتقول العرب: إذا طلعت الطرفة كثرت الطرفة، وعند ذلك قطاف أهل مصر، وفي نوئه بوارح وسموم، وفيه يؤكل الرطب، ويقطف العنب. ورقيب الطرف سعد بلع.

الجبهة: وهذه صفتها  هي جبهة الأسد، وهي أربعة كواكب فيها عوج بين كل كوكبين في رأي العين قيد سوط، وهي معترضة من الجنوب إلى الشمال، والجنوبي منها تسمّيه المنجمون قلب الأسد، وطلوعها لأربع عشرة ليلة تمضي من آب مع طلوع سهيل، وسقوطه لاثنتي عشرة ليلة تخلو من شباط، وعند سقوطه ينكسر حد الشتاء، وتوجد الكمأة، ويورق الشجر، وتهب الرياح اللواقح، وتقول العرب: لولا طلوع الجبهة ما كان للعرب رفهة، ونوءها محمود، يقال ما امتلأ واد من نوء الجبهة ماءً إلا امتلأ عشباً، وسهيل يطلع بالحجاز مع طلوع الجبهة، ومع طلوعها يصير البسر رطباً، وفي نوئها ينكسر البرد، ويكثر الرطب، ويسقط الطل. ورقيب الجبهة سعد السعود.

الزبرة: هي زبرة الأسد أي، كاهله، وهي كوكبان نيران بينهما قيد سوط، والزبرة شعر الأسد الذي ينزل عند الغضب، وأحدهما أنور من الآخر، وفيهما قليل عوج، وطلوعهما لأربع ليال تخلو من آب، وسقوطهما لخمس ليال تخلو من شباط، ويكون في نوئها مطر شديد، فإن أخلف قصر، وعند طلوع الزبرة يرى سهيل بالعراق، ويبرد الليل مع السموم بالنهار. ورقيب الزبرة سعد الأخبية.

الصرفة: وهذه صفتها   هي كوكب واحد على أثر الزبرة، أزهر مضيء جداً، عنده كواكب صغار طمس، ويزعمون أنّها قلب الأسد، وسمّيت صرفة لانصراف الحر والبرد، عند طلوعها وسقوطها وطلوعها لتسع ليال تخلو من أيلول، وسقوطها لتسع ليال تخلو من آذار، ومع طلوعها يزيد النيل وأيام العجوز في نوئها، وزعموا أن الصبي إذا فطم بنوء الصرفة لم يكد يطلب اللبن، وفي نوئها مطر ورياح وبرد بالليل، ويأتي المطر الوسمي. ورقيب الصرفة فرع الدلو المقدم.

العواء: وهذه صفته  هي أربعة أنجم على أثر الصرفة تشبه الهاء المردودة الأسفل بالخط الكوفي والعرب شبهوها بكلاب تتبع الأسد، وقال قوم هي تخلو من آذار، ونوءها يسير، والعرب تقول: إذا طلعت العواء طاب الهواء، وفي نوئها يستوي الليل والنهار، ويأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان، وهو ابتداء الخريف. ورقيب العواء فرع الدلو المؤخر.

السماك: وهذه صفته  هو السماك الأعزل، وأما السماك الرامح فلا ينزله القمر، وهو كوكب أزهر، وإنّما سمّي أعزلاً لأنّ الرامح عنده كوكب يقال له راية السماك، وأما الأعزل فلا شيء عنده، والأعزل هو الذي لا سلاح معه، والعرب يجعلون السماكين ساقا الأسد، وطلوع الشمس الأعزل لخمس ليال مضين من تشرين الأوّل، وسقوطه لأربع ليال تخلو من نيسان، ونوءه غزير قلما يخلف مطره، إلا أنه مذموم لأنه ينبت البسر وهو نبت إذا رعته الإبل، مرضت، والعرب تقول: إذا طلعت السماك ذهبت العكاك، وفي نوئه صرام النخل، وقطع العنب، ويأتي المطر الولي. ورقيب السماك بطن الحوت، وهذا آخر المنازل الشامية.

وأما المنازل اليمانية فأولها:

الغفر: وهذه صفته:  وهو ثلاث كواكب خفية، وإنما سمّي غفراً لأن عند طلوعه تستتر نضارة الأرض وزينتها، وطلوعه لثمان عشرة ليلة تخلو من تشرين الأوّل، وسقوطه لست عشرة ليلة تخلو من نيسان. قال الساجع: إذا طلع الغفر اقشعر السفر وذبل النضر، وفي نوئه يؤبر النخل، ويقطع القصب الفارسي، ومطره ينبت الكمأة. ورقيب الغفر الشرطين.

الزبانا: هي زبانا العقرب أي قرناها، وهما كوكبان مفترقان بينهما في رأي العين مقدار خمسة أذرع، وطلوع الزبانا آخر ليلة من تشرين الأول، وسقوطها لليلة تبقى من نيسان، والعرب يصفونها بهبوب البوارح، وهي الشمال الشديدة الهبوب، وتكون في الصيف حارة، قال الساجع: إذا طلعت الزبانا فاجمع لأهلك ولا تتوانا، وفي نوئه يدخل الناس بيوتهم في اقليم بابل ويشتد البرد، ومطره ينبت الكمأة، والزبانا رقيبه البطين.

الإكليل: وهذه صفته .هو رأس العقرب، وهو ثلاثة كواكب زاهرة مصطفة معترضة، وطلوع الإكليل لثلاث عشرة ليلة تخلو من تشرين الثاني، وسقوطه لثلاث عشرة ليلة تخلو من أيار، والعرب يقولون: إذا طلع الإكليل هاجت السيول، فإذا سقط غارت مياه الأرض، ولا تزال تغور إلى سقوط بطن الحوت، وذلك لخمس مضين من تشرين الأوّل، وفي نوئه تكثر الأمطار والغيوم، ورقيب الإكليل الثريا.

القلب: وهذه صفته  هو قلب العقرب، وهو الكوكب الأحمر، وراء الإكليل بين كوكبين يقال لهما النياط، وليسا على حمرته، وأوّل النتاج بالبادية عند طلوع القلب وطلوع النسر الواقع وهما يطلعان معاً في البرد، وذلك لست وعشرين ليلة تخلو من تشرين الثاني، وسقوطه لست وعشرين ليلة تخلو من أيار، وما نتج في هذا الوقت يكون سيء الغذاء لشدّة البرد وقلة اللبن والزيت والعرب يقولون: إذا طلع القلب جاء الشتاء كالكلب. ونوء القلب تتشاءم به العرب، ويكرهون السفر إذا كان القمر نازلاً في العقرب، وفي نوئه يشتد البرد وتهب الرياح الباردة، ويسكن الماء في عروق الشجر. ورقيب القلب الدبران.

الشولة: وهذه صفتها  هي كوكبان متقاربان يكادان يماسان ذنب العقرب، وسمّيت شولة لارتفاعها، يقال شال بذنبه، وبعدها ابرة العقرب كأنّها لطخة غيم، وهي تطلع لتسع ليال خلون من كانون الأوّل، وتسقط لتسع تخلو من حزيران، وتقول العرب: إذا طلعت الشولة اشتدت على العيال العولة وفي نوئها يسقط الورق كله، وتكثر الأمطار، وتتفرق الأعراب الذين حضروا المياه. ورقيب الشولة الهقعة.

النعائم: وهذه صفتها  هي ثمان كواكب على أثر الشولة أربعة في المجرة وهي النعائم الواردة، سمّيت واردة لأنّها شرعت في المجرّة كأنها تشرب، وأربعة خارجة عن المجرّة وهي النعائم الصادرة سمّيت صادرة لأنها خارجة عن المجرّة كأنّها شربت ثم صدرت عن الماء، وكل أربعة منها على تربيع، وطلوعها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من كانون الأوّل، وسقوطها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من حزيران، والعرب تقول: إذا طلعت النعائم توسعت البهائم، وفي نوئها أوّل الشتاء واستواء الليل والنهار. ورقيب النعائم الهنعة.

البلدة: وهذه صفتها  هي فضاء في السماء لا كوكب بها بين النعائم وبين سعد الذابح، وليس فيه إلا نجم واحد خامد لا يكاد يُرى، وهي ست كواكب مستديرة صغار خفية تشبه القوس ويسمّيها بعض العرب القوس، وطلوع البلدة لأربع ليال خلون من كانون الآخر، وسقوطها لأربع ليال مضين من تموز، وتقول العرب: إذا طلعت البلدة حمت الجعدة، وفي نوئها يجمد الماء ويشتد كلب الشتاء، وتنقى البساتين من الأدغال والحشيش، وتكرب الكروم. ورقيب البلدة الذراع.

سعد الذابح: وهذه صفته  هو كوكبان غير نيرين، بينهما في رأي العين قدر ذراع، وأحدهما مرتفع في الشمال، والآخر هابط في الجنوب، وطلوعه لسبع عشرة ليلة تخلو من كانون الآخر، وسقوطه لسبع عشرة ليلة تمضي من تموز، والعرب تقول: إذا طلع سعد الذابح أهله النابح، وفي نوئه يصعد الماء إلى فروع الشجر، ويدرك الجوز واللوز، ويرجى المطر. ورقيب سعد الذابح النثرة.

سعد بلع: وهذه صفته هو نجمان مستويان في المجرى، أحدهما خفي، وسمّي الأكبر بالعاً كأنه بلع الاخر الخفي، وأخذ ضوءه وطلوعه لليلة تبقى من كانون الآخر، وسقوطه لليلة تبقى من آب، وتقول العرب: إذا طلع سعد بلع صار في الأرض لمع، وفي نوئه يكثر المطر، وتبقى الضفادع وتتزاوج العصافير، ويبيض الهدهد، وتهب الجنوب، ويقل اللبن. ورقيب سعد بلع الطرف.

سعد السعود: وهذه صفته  هو ثلاث كواكب أحدها نير والآخران دونه، والعرب تتيمن به، فلهذا سمي بهذا الاسم، وطلوعه لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شباط، وسقوطه لأربع عشرة ليلة تمضي من آب، وتقول العرب إذا طلع سعد السعود كره في الشمس القعود، ونوءه محمود، وفي نوئه يتحرك أوّل العشب، ويصوت الطير، وتهيج السنانير، ويورق الشجر، وتأتي الخطاطيف، وتصيب الإبل مرعاها، ويدرك الورد وسائر الرياحين ورقيب سعد السعود الجبهة.

سعد الأخبية: وهذه صفته  هو أربعة كواكب متقاربة، واحد منها في وسطها، وهو مثل رجل بطة، اثنان منها على الطول واثنان منها على العرض، يقال إن السعد منها واحد، وهو أنورها، والثلاثة خفية، وقيل إنّما سمّي سعد الأخبية لأنّ عند طلوعه تخرج الحشرات المختبئة في الأرض، وطلوعه لخمس وعشرين ليلة تخلو من شباط، وسقوطه لأربع ليال تبقى من آب، وتقول العرب: إذا طلع سعد الأخبية خلت من الناس الأبنية، ونوءه غير محمود، ويكثر فيه المطر جداً، ويقطع الكرم. ورقيب سعد الأخبية الزبرة.

الفرع الأول: هو فرع الدلو المقدّم، والدلو أربعة كواكب واسعة مربعة، فاثنان منها هما الفرع الأول، واثنان هما الفرع المؤخر، وفرع الدلو هو مصب الماء بين العرقوتين، وطلوع الفرع الأوّل لتسع ليال خلون من آذار، وسقوطه لتسع ليال مضين من أيلول، والعرب تقول: إذا طلع الدلو طلب اللهو، ونوءه محمود، وفيه تسقط الجمرة الثالثة، وينعقد اللوز والتفاح والمشمش بالحر، وبرده يهلك الثمار. ورقيب الفرع الأوّل الصرفة.

الفرع الثاني: قد وصف عند الفرع الأوّل وطلوعه لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من آذار، وسقوطه لاثنتين وعشرين ليلة تمضي من أيلول، ونوءه محمود، وطلوع الفرعين وغروبهما يكون في إقبال البرد وإدباره، وعند سقوط الفرع المؤخر يُجز النخل بالحجاز وتهامة وكل غور، ويشتار العسل، وفي نوئه آخر أمطار الشتاء، وفيه يكثر العنب ويدرك النبق والباقلاء، ويستوي الليل والنهار. ورقيب الفرع الثاني العواء.

بطن الحوت: هي كواكب كثيرة في مثل حلقة السمكة، وتسمّى الرشاء أيضاً، وهي كواكب معترضة ذنبها نحو اليمن، ورأسها نحو الشام، وطلوعها لأربع ليال تخلو من نيسان، وسقوطها لخمس تمضي من تشرين الأوّل، وعند سقوطه ينتهي غور المياه، ويطلع بعده الشرطين، ويعود الأمر إلى ما كان عليه في السنة الأولى، وتقول العرب: إذا طلعت السمكة أمكنت الحركة. ورقيب بطن الحوت السماك، ونوءه غزير المطر قلما يخلف، وهو أوان حصاد الشعير بالجروم، قال أبو إسحاق الزجاجي: إنّ السنة أربعة أجزاء، كل جزء منها سبعة أنواء، كل نوء منها ثلاثة عشر يوماً، وزادوا فيها يوماً لتتم السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، وهو مقدار قطع الشمس فلك البروج، والله الموفق.

النظر العاشر في فلك البروج

اعلم أنه ليس فلكاً كسائر الأفلاك، بل هو أمر موهوم، وذلك لأنهم ذهبوا إلى أن لكل كوكب من الكواكب كرة تخصه، وإنّ لكل كرة حركة تخصها، وأن الكوكب مركوز في جرم الفلك كنقطة، وأن كل كرة تتحرّك على قطبين، وأن النقطة التي عليها برسم دائرة موهومة على سطح الكرة، فإذا تحرك فلك الشمس من المشرق إلى المغرب كانت حركته قسرية، وإنّما حركة فلك الشمس المختصة به من المغرب إلى المشرق، فإذا تمت دورته حدثت من مركز الشمس دائرة عظيمة في فلك الشمس، وتتوهّم هذه الدائرة قاطعة للعالم فتحدث في سطح الفلك الأعلى دائرة عظيمة مركزها مركز العالم، وهي الدائرة التي تسمّى فلك البروج، ثم إنّ الدائرة التي هي أعظم الدوائر التي تمر بمركز العالم وتقطع العالم نصفين، وقطبها قطبا العالم اللذان يسميان الشمالي والجنوبي تسمّى دائرة معدل النهار. فنقول دائرة فلك البروج تقطع دائرة معدل النهار نصفين على نقطتين متقابلتين تسمّى إحداهما نقطة الاعتدال الربيعي، والأخرى نقطة الاعتدال الخريفي، ثم تتوهّم دائرة أخرى تمر بنقطتي معدل النهار، وهما قطبا العالم ونقطتي فلك البروج فتقطع دائرة فلك البروج على نقطتين متقابلتين، إحداهما مما يلي الشمال، والأخرى مما يلي الجنوب، أما الشمالية فتسمى نقطة الانقلاب الصيفي، وأما الجنوبية فتسمّى نقطة الانقلاب الشتوي، فهاتان الدائرتان تقسمان فلك البروج أربعة أقسام متساوية. أما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الربيعي وبين الانقلاب الصيفي فهو الذي يحدثه زمان الربيع، لأنّ الشمس ما دامت بحركة فلكها الخاص مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان ربيعاً. وأما الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الصيفي والاعتدال الخريفي فهو الذي يحدثه زمان الصيف لأنّ الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان صيفاً. وأما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الخريفي والانقلاب الشتوي فهو الذي يحدثه زمان الخريف لأنّ الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان خريفاً.

وأمّا الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الشتوي والاعتدال الربيعي فهو الذي يحدثه زمان الشتاء لأنّ الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان شتاء، وتتوهّم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، فيقطعان الربع الربيعي ثلاثة أقسام متساوية، ويقطعان أيضاً الربع الخريفي المقابل لهذا الربع ثلاثة أقسام متساوية، وتتوهم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، وتقطعان الربع الصيفي والربع الشتوي المقابل له، كل واحد منها ثلاثة أقسام متساوية، فتصير جملة الدوائر الخارجة من قطبي دائرة البروج ستة، فإذا توهمنا ست دوائر قاطعة للعالم تمر بقطبي الدائرة بنقطتين متقابلتين، انقسم كل واحد من الأفلاك التسعة اثني عشر قسماً، يسمّى كل قسم منها برجاً، وكل برج منها مقسوم ثلاثين قسماً، يسمّى كل قسم منها درجة، فالدوائر بجملتها ثلاثمائة وستون درجة، ثم قسموا فلك الثوابت بهذه الدوائر الست اثني عشر قسماً، في كل قسم كواكب متشكلة بأشكال مختلفة،

ففي أحد هذه الأقسام كواكب متشكلة بشكل يشبه صورة الحمل، فسمّي ذلك القسم برج الحمل، ثم يلي هذه القطعة قطعة عليها كواكب متشكلة بصورة شبيهة بالثور، فيسمى هذا القسم برج الثور، وهكذا إلى آخر الأقسام، وذكر بطليموس أن دائرة البروج أربعمائة وستة وثمانون ألف ألف ومائتان وتسعة وخمسون ألفاً وسبعمائة وأحد وعشرون ميلاً وسبع ميل، فطول كل برج تسعة وثلاثون ألف ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانون ألفاً وثلاثمائة وعشرة أميال ونصف وسدس ميل، وعرض كل برج ألف ألف وثلاثمائة واثنان وعشرون ألفاً وتسعمائة وثلاثة وأربعون ميلاً وثلث ميل، والله الموفق للصواب.

النظر الحادي عشر في فلك الأفلاك

سمي بهذا الاسم لإحاطته بجميع الأفلاك وتحريكه كلّها ويقال له الفلك الأعظم لأنه أكبر الأفلاك، ويقال له الفلك الأطلس لأنّهم لم يعرفوا له كوكباً، وحركة هذا الفلك من المشرق إلى المغرب على قطبين ثابتين، ويقال لأحدهما القطب الشمالي، وللآخر القطب الجنوبي، وتتم دورته في أربع وعشرين ساعة، وبحركته تتحرك الأفلاك كلّها مع كواكبها، وحركته أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أن الشمس تتحرك بحركتها القسرية، وهي حركة الفلك الأعظم في مقدار ما يرفع الإنسان قدمه للخطو إلى أن يضعها ثمانمائة فرسخ، ويشهد بصحة هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن دخول وقت الصلاة، فقال: لا، نعم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله لا نعم، فقال: من وقت قلت لا إلى أن قلت نعم مرت الشمس خمسمائة فرسخ.

وبحركة هذا الفلك يتكوّن الليل والنهار، فإذا طلعت الشمس بدوران هذا الفلك على جانب من الأرض أضاء جوّها وأشرق سطحها، وتحركت حيواناتها، وربا نباتها، وفاح نسيمها، وإذا غابت بدوران هذا الفلك عن جانب من الأرض أظلم جوها واسود وجهها، وسكنت حيواناتها، وذبل نباتها، فما دامت هذه الحركة محفوظة، فهذه الحالة موجودة، وأشار إليها بقوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون). والحكماء سموا هذا الفلك محدّداً لاعتقادهم أن ليس وراء ذلك خلاء وملأ، وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي بعد ما أظهر فساد القول بالمحدد: من أراد أن يكتال مملكة الباري تعالى بمكيال العقل فقد ضل ضلالاً بعيداً، وقد أحب بعض السالفين التوفيق بين الآيات والأخبار، وقول الحكماء: فزعم أنّ الكرسي هو الفلك الثامن من الذي ذكرنا سعته وعجائبه، والعرش هو الفلك التاسع الذي هو أعظم الأفلاك، والله تعالى أعلم بصحة هذا القول أو فساده، ولا شك في وجود العرش والكرسي لنصوص الآيات، ولما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة. وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، وأما العرش فإنّه مخلوق عظيم من مخلوقات الله تعالى قبلة لأهل السموات، كما أنّ الكعبة قبلة لأهل الأرض فسبحان العظيم.

النظر الثاني عشر في سكان السموات وهم الملائكة

زعموا أنّ الملك جوهر بسيط ذو حياة وفطر وعقل، والاختلاف بين الملائكة والجن والشياطين كالاختلاف بين الأنواع، واعلم أنّ الملائكة جواهر مقدّسة عن طلب الشهوة، وكدورة الغضب لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون؛ طعامهم التسبيح، وشرابهم التقديس، وأنسهم بذكر الله تعالى، وفرحهم بعبادته، خلقوا على صور مختلفة، وأقدار متفاوتة لإصلاح مصنوعاته وإسكان سمواته، وقال صلي الله عليه وسلم: "أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها قدر شبر إلا وفيه ملك راكع أو ساجد". وقال بعض الحكماء: إن لم يكن في فضاء الأفلاك وسعة السموات خلائق، فكيف يليق بحكمة الباري جلت قدرته تركها فارغة مع شرف جوهرها، فإنّه لم يترك قعر البحار المالحة المظلمة فارغاً حتى خلق فيه أجناس الحيوانات وغيرها، ولم يترك جوّ الهواء الرقيق حتى خلق له أنواع الطير، ولم يترك البراري اليابسة والآجام والجبال حتى خلق فيها أجناس الهوام والحشرات. وأمّا أصناف الملائكة فلا يعرفهم غير خالقهم كما قال تعالى: ﴿وما يعلم جنود ربك إلا هو)، غير أن صاحب الشرع أعلم ببعضهم، وبحسب وقوع الحوادث اهتدى العقل إلى بعضهم حتى قيل: ما من ذرّة من ذرات العالم إلا وقد وُكّل بها ملك أو ملائكة، وما من قطرة إلا ومعها ملك ينزل بها من السحاب، ويدعها في المكان الذي قدّر الله تعالى، هذا حال الذرّات والقطرات، فما ظنك بالأفلاك والكواكب والهواء والغيوم والرياح والأمطار والجبال والقفار والبحار والعيون والأنهار والمعادن والنبات والحيوان، فبالملائكة صلاح العالم، وكمال الموجودات بتقدير العزيز العليم، ولنذكر بعض من أخبر بهم صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه وهم الملائكة المقربون عليه وعليهم الصلاة والسلام.

فمنهم: حملة العرش: صلوات الله عليهم، وهم أعزّ الملائكة وأكرمهم على الله تعالى تتقرب إليهم سائر الملائكة ويسلّمون عليهم بالغدو والرواح لمكانتهم عند الله تعالى وهم يسبحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، فمنهم من هو على صورة النسر، ومنهم من هو على صورة الثور، ومنهم من هو على صورة الأسد، ومنهم من هو على صورة البشر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله حملة العرش، وهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدّهم الله تعالى بأربعة أخرى، فذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذٍ ثمانية)، وهو عظم لا يوصف، فمنهم كما تقدّم من هو على صورة ابن آدم يشفع لبني آدم فى أرزاقهم، ومنهم من هو على صورة الثور يشفع للبهائم في أرزاقها، ومنهم من هو على صورة النسر يشفع للطيور في أرزاقها، ومنهم من هو على صورة الأسد يشفع للسباع في أرزاقها.

ومنهم: الروح الأمين عليه السلام، وهو ملك يقوم صفاً والملائكة كلهم صفّاً لكرامته عند الله تعالى وعظمته، وإنّما سمّي روحاً لأنّ كل نفس من أنفاسه يصير روحاً لحيوان، وقد وكله الله تعالى بإدارة الأفلاك وحركات الكواكب، وبما تحت فلك القمر من العناصر من المولدات والمعادن والنبات والحيوانات، وهو أكبر من الفلك وأقوى منه وأعظم وأشرف وأعلى من الجسمانيات، وهو قادر على تسكين الأفلاك، كما هو قادر على تحريكها بإذن الله تعالى.

ومنهم: إسرافيل عليه السلام، وهو مبلّغ الأوامر ونافخ الأرواح في الأجساد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وأصغى بالأذن حتى يؤمر فينفخ"، قال مقاتل القرن الصور، وذلك أن إسرافيل عليه السلام واضع فاه على القرن وهو كهيئة البوق، ودائرة رأس البوق كعرض السموات ومن في الأرض، وهو شاخص ببصره نحو العرش، ينظر متى يُؤمر فينفخ، فإذا نفخ صعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله تعالى. قالت عائشة رضي الله عنها: قلت لكعب الأحبار رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يارب جبريل وميكائيل وإسرافيل"، أمّا جبريل وميكائيل فسمعت بهما في القرآن، وأما إسرافيل فأخبروني عنه، فقال كعب: إنّه ملك عظيم الشأن له أربعة أجنحة، أحدهما سد به المشرق والآخر سد به المغرب، والثالث ينزل به من السماء إلى الأرض، والرابع التثم به من عظمة الله تعالى، قدماه تحت الأرض السابعة، ورأسه ينتهي إلى أركان قوائم العرش، وبين عينيه لوح من جوهر، فإذا أراد الله عزّ وجل أن يحدث أمراً في عباده أمر القلم أن يخط في اللوح، ثم أدنى اللوح إلى إسرافيل، فيكون بين عينيه، ثم هو ينتهي إلى ميكائيل صلوات الله وسلامه عليهم، فهم أعوان في جميع العالم حتى على الأركان والمولدات، ينفخون أرواحها فيها فيصير معدناً ونباتاً وحيواناً، وهي القوى التي بها صلاحها وحياتها، فسبحان الخالق البارىء المصوّر.

ومنهم: جبريل الأمين عليه السلام، وهو أمين الوحي وخازن القدس، ويقال له الروح الأمين، وروح القدس، والناموس الأكبر، وطاووس الملائكة. جاء في الخبر أنّ الله تعالى إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون، ولا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليه السلام، فإذا جاءهم فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا. قال: ربّكم قالوا: الحق، فينادون الحق بالحق، وجاء في الخبر أيضاً أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: "إنّي أحبّ أن أراك على صورتك التي صوّرك الله فيها"، فقال: إنك لا تطيق ذلك، فقال صلي الله عليه وسلم: "أرني"، فواعده جبريل بالبقيع في ليلة مقمرة، فأتاه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قد سد الآفاق، فوقع مغشياً عليه، فلما أفاق عاد جبريل عليه السلام إلى صورته الأولى، فقال صلي الله عليه وسلم: "ما ظننت أن أحداً من خلق الله تعالى هكذا"، فقال له جبريل عليه السلام: كيف لو رأيت إسرافيل وإنّ العرش لعلى كاهله، وإنّ رجليه قد مرقتا تحت تخوم الأرض السفلى، وإنّه ليتصاغر من عظمة الله تعالى حتى يصير كالوسع، والوسع العصفور الصغير. وقال كعب الأحبار رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام من أفضل الملائكة؛ له ست أجنحة، في كل واحد مائة جناح، وله وراء ذلك جناحان لا ينشرهما إلا عند هلاك القرى، ولما نزل على رسول الله صلي الله عليه وسلم: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة) سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوته، فقال: رفعت قرى قوم لوط بجناحي وصعدت بها حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم، ثم قلبتها. وأعوانه موكلون على جميع العالم، من شأنهم إحداث القوة الغضبية والحمية لدفع الشر والإيذاء.

ومنهم: ميكائيل عليه السلام، وهو موكل بالأرزاق للأجساد والحكمة والمعرفة للنفوس، قال كعب الأحبار: في السماء السابعة البحر المسجور، وعليه من الملائكة ما شاء الله، وميكائيل قائم على البحر المسجور، لا يعرف وصفه وعدد أجنحته إلا الله تعالى، ولو أنّه فتح فاه لم تكن السموات فيه إلا كخردلة في بحر، ولو أشرف على أهل السموات والأرض لاحترقوا من نوره، وله أعوان موكلون على جميع العالم من شأنهم إحداث قوة النهوض في الأركان والمولدات وغيرها التي بها الوصول إلى الغايات وبلوغ الكمال في الكائنات .

ومنهم عزرائيل عليه السلام، وهو مسكن الحركات ومفرق الأرواح من الأجساد. قال كعب الأحبار: عزرائيل في سماء الدنيا، وخلق الله تعالى رجليه في تخوم الأرضين، ورأسه في السماء العليا، ووجهه مقابل اللوح المحفوظ، وله أعوان بعدد من يموت، والخلق كلهم بين عينيه، لا يقبض روح مخلوق إلا بعد أن يستوفي رزقه، وينقضي أجله. وعن أشعث بن أسلم أنّ إبراهيم عليه السلام سأل ملك الموت عليه الصلاة والسلام فقال له: ماذا تصنع إذا كان نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ووقع الوباء بأرض والتقى الزحفان بأخرى؟ فقال: أدعو الأرواح بإذن الله تعالى، فتكون بين اصبعي هاتين. وعن وهب بن منبه رضي الله عنه أن سليمان بن داود عليهما السلام تمنى أن يرى ملك الموت ليتخذه صديقاً، فلم يشعر سليمان حتى أتاه كأنه خرج من تحت سريره فقال له سليمان: من أنت؟ فقال: ملك الموت، فصعق سليمان عليه السلام، فلما رأى ملك الموت ذلك قال: اللهم إنّ عبدك سليمان تمناني ونزل به ما ترى، اللَّهم إنّي أسألك أن تقويه على رؤيتي، فأوحى الله تعالى إليه أن ضع يدك على صدره، ففعل ذلك، فأفاق سليمان عليه السلام وقال: يا ملك الموت، إنّي أراك عظيم الخلق أو كل الملائكة مثلك؟ فقال: والذي بعثك بالحق نبياً إنّ رجلي الآن على منكبي ملك قد جاوزت رأسه السموات السبع وارتفع فوق ذلك بمسيرة خمسمائة عام، ورجلاه قد جاوزتا الثرى بمسيرة خمسمائة عام، وهو فاتح فاه، رافع رأسه، باسط يديه، فلو أذن الله تعالى أن يطبق شفته العليا والسفلى لأطبق على ما بين السماء والأرض، فقال له سليمان عليه السلام: لقد وصفت أمراً عظيماً، فقال له: كيف لو رأيتني على صورتي التي أقبض فيها أرواح الكفّار، فصار ملك الموت صديقاً له، ويأتيه كل خميس ويقعد عنده إلى أن تزول الشمس، فقال له سليمان عليه السلام يوماً: ما لي أراك لا تعدل بين الناس تأخذ هذا وتدع هذا؟ فقال له ملك الموت: ليس المسؤول بأعلم من السائل، إنّما هي كتب فيها أسماء المقبوضين تلقى إلي ليلة الصك، وهي ليلة النصف من شعبان إلى مثلها من السنة القابلة، فأما أهل التوحيد فأقبض أرواحهم بيميني في حريرة بيضاء مغموسة في المسك، وترفع إلى عليين، وأما أهل الكفر فأقبض أرواحهم بشمالي في سربال من قطران، وتنزل إلى سجين، وأمرهم إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئهم بما كانوا يعملون.

وعن الأعمش عن خيثمة قال: دخل ملك الموت على سليمان عليهما السلام، فجعل ينظر إلى أحد جلسائه ويديم النظر إليه، فلما خرج ملك الموت قال الرجل: يا نبي الله من كان هذا؟ قال: إنّه ملك الموت، قال: رأيته ينظر إلي كأنه يريدني، أريد أن تخلّصني منه بأن تأمر الريح لتحملني إلى أقصى بلاد الهند، فأمر سليمان الريح بذلك، ففعلت، فلما عاد ملك الموت إلى سليمان عليه السلام قال: هل رأيتك تديم النظر إلى بعض جلسائي، قال: كنت أعجب منه لأنّي أُمرت أن أقبض روحه بأقصى الهند في ساعة قريبة، ورأيته عندك. وقال وهب: قبض ملك الموت روح جبار من الجبابرة، فقالت الملائكة لملك الموت: لمن كنت أشد رحمة ممن قبضت أرواحهم؟ فقال: أمرت بقبض روح امرأة في فلاة من الأرض، فأتيتها وقد ولدت مولوداً فرحمتها لغربتها، ورحمت ولدها لصغره، وكونه في فلاة لا أحد بها، فقالت الملائكة: الجبار الذي قبضت الآن روحه هو ذلك المولود، فقال ملك الموت: سبحان اللطيف بعباده.

ومنهم: الكروبيون عليهم السلام، وهم العاكفون في حظيرة القدس لا التفات لهم إلى غير الله تعالى لاستغراقهم بجمال حضرة الربوبية يسبحون الليل والنهار، لا يفترون، وفي الخبر أنّ لله تعالى أرضاً بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلاثون يوماً محشوة خلقاً من خلق الله تعالى لا يعلمون أنّ الله تعالى يعصى طرفة عين، قالوا: يارسول الله أمن ولد آدم هم؟ قال: "لا يعلمون أن تعالى خلق آدم"، قيل: يا رسول الله أني غفل عنهم إبليس؟ قال: "لا يعلمون أنّ الله تعالى خلق إبليس"، ثم تلا قوله تعالى: (ويخلق ما لا تعلمون).

ومنهم: ملائكة سبع سموات قال كعب الأحبار: هؤلاء ملائكة مداومون على التسبيح والتهليل في القيام والقعود والركوع والسجود، يسبحون الليل والنهار لا يفترون حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: ملائكة سماء الدنيا على صور البقر، و قد وكل الله تعالى بهم ملكاً اسمه إسماعيل.

وملائكة السماء الثانية على صورة العقاب، و وكل الله بهم ملكاً اسمه ميخائيل .

وملائكة السماء الثالثة على صورة النسر، والملك الموكل بهم اسمه صاعد ياييل.

و ملائكة السماء الرابعة على صورة الخيل والملك الموكل بهم اسمه صلصاييل،

وملائكة السماء الخامسة على صورة الحور العين والملك الموكل بهم اسمه كلكاييل،

و ملائكة السماء السادسة على صورة الولدان، والملك الموكل بهم اسمه سمخائيل،

وملائكة السماء السابعة على صورة بني آدم، والملك الموكل بهم اسمه روقاييل. قال وهب: وفوق السموات السبع حجب فيها ملائكة لا يعرف بعضهم بعضاً لكثرة عددهم، يسبحون الله تعالى بلغات مختلفة كالرعد القاصف.

ومنهم: الحفظة عليهم السلام، وهم الكرام الكاتبون، قال ابن جريج: هما ملكان موكلان بابن آدم أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وقال بعضهم هم أربعة اثنان بالليل، واثنان بالنهار، وخامس لا يفارق ليلاً، ولا نهاراً، وللكفار أيضاً حفظة لأن آية الحفظة نزلت في شأن الكفار، وهي قوله تعالى: (كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون)، وفي الخبر أن الملك ليرفع القلم عن العبد إذا أذنب ست ساعات، فإذا تاب واستغفر لم يكتبه عليه وإلا كتبه، وفي رواية أخرى: فإذا كتبه عليه وعمل حسنة، قال صاحب اليمين لصاحب الشمال وهو أمين عليه ألق هذه السيئة حتى ألقي من حسناته واحدة من تضعيف العشرة، وأرفع تسع حسنات فيفعل صاحب الشمال. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الله تعالى وكل بعبده ملكين يكتبان عليه فإذا مات قالا: یا رب قبضت عبدك فلاناً، فإلى أين تذهب؟ قال الله تعالى: سمائي مملوءة من ملائكتي يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني اذهبا إلى قبر عبدي، فسبحاني وكبّراني وهللاني واكتبا ذلك في حسنات عبدي إلى يوم القيامة."

ومنهم: المعقبات عليهم السلام، وهم الملائكة الذين ينزلون بالبركات ويصعدون بأرواح بني آدم، وأعمالهم بالليل والنهار، فإذا واظب الإنسان على الصلوات في أوّل أوقاتها، فإذا صلّى الفجر أتاه ملائكة النهار وجدوه مصلّياً وفارقه ملائكة الليل وتركوه مصلّياً، وهكذا إذا صلّى المغرب وما بين الصلاتين من الذنوب تكفرها الصلاة، وإذ كان كذلك فلا يرفعون له غير الحسنات، ويحقق أمر هذه الملائكة ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنّه قال: "يقول الله تعالي : يا ابن آدم ما تنصفني أتحبب إليك بالنعم وتمقت إلي بالمعاصي خيري إليك نازل وشرك إلى صاعد ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف لأسرعت إلى مقته".

ومنهم: منكر ونكير عليهما السلام، وهما ملاكان فظان غليظان يسألان في القبر كل أحد عن ربه ونبيه، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه وهو يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل يعني محمداً صلي الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى من مقعدك النار قد أبدل بمقعد من الجنّة، فيراهما جميعاً، وأمّا المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري أقول ما يقول الناس، فيقال له لا دريت ولا تليت ويضرب بمطراق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين".

ومنهم السياحون عليهم السلام، وهم صنف من الملائكة يحبون مجالس الذكر فإذا رأوا مجالس الذكر احتووا عليها، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنّ لله تعالى ملائكة سياحون في الأرض فضلاً عن كتاب الناس، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى ينادون هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا، فإذا انصرفوا يقول الله تعالى على أي شيء تركتم عبادي يصنعونه؟ فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويقدسونك، فيقول الله تعالى: وهل رأوني؟ فيقولون لا، فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تسبيحاً وتحميداً وتمجيداً، فيقول لهم: من أي شيء يتعوّذون؟ فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون لا، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد هرباً منها وأشدّ تعوّذاً، فيقول: أي شيء يطلبونه؟ فيقولون: الجنّة فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشدّ طلباً لها، فيقول: أشهدكم أنّي قد غفرت لهم، فيقولون: كان فيهم فلان، لم يردّهم إنما جاء لحاجة فيقول: هم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم.

ومنهم: هاروت وماروت هما ملكان معذبان ببابل عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما خرج آدم صلي الله عليه وسلم من الجنّة عرياناً نظرت إليه الملائكة، وقالت: إلهنا هذا آدم بديع فطرتك، أقله ولا تخذله، فمر بملأ من الملائكة، فوبّخوه على نقضه عهد ربّه، وكان ممن وبخه يومئذ هاروت وماروت، فقال آدم: يا ملائكة ربي ارحموا ولا توبخوا، فذلك الذي جرى علي كان قضاء ربّي فأبلاهما الله تعالى حتى عصيا ومنعا من الصعود إلى السماء، فلمّا كان أيام إدريس عليه السلام صارا إليه، وذكرا له قصتهما، ثم قالا له: هل لك أن تدعو لنا حتى يتجاوز عنا ربنا؟ فقال إدريس عليه السلام: كيف لي العلم بالتجاوز عنكما؟ قالا: ادع لنا، فإن رأيتنا فهو الاستجابة، وإن لم ترنا هلكنا، فتوضأ إدريس عليه السلام وصلى ودعا الله تعالى، ثم التفت فلم يرهما، فعلم أن العقوبة قد حلّت بهما، واختطفا إلى أرض بابل، ثم خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما مسلسلان معذبان في بئر بأرض بابل منكسين إلى يوم القيامة.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشرفت الملائكة على أهل الدنيا فرأوهم يعصون الله، فقالوا: ياربنا ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك، فقال الله تعالى: لو كنتم في سلاحهم لعصيتموني، قالوا: كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ فقال: اختاروا ملكين، فاختاروا هاروت وماروت، ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهم شهوات بني آدم، ومثلت لهما، فما عصما حتى واقعا المعصية فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال له: ما تقول؟ فقال: أقول إنّ عذاب الدنيا ينقطع وعذاب الآخرة لا ينقطع، فاختارا عذاب الدنيا، فهما اللذان ذكرهما الله تعالى في قوله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، وفي رواية أخرى قال لهما: إنّي أرسل رسولاً إلى الناس، وليس بيني وبينكما رسول انزلا ولا تشركا بي شيئاً ولا تقتلا ولا تسرقا، قال كعب: فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم عليهما.

ومنهم: الملائكة الموكلون بالكائنات لإصلاحها ودفع الفساد عنها، وقد وكل بكل فرد من أفرادها، من الملائكة ما شاء الله تعالى، وروى أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه ما لا يقدر عليه من ذلك بالبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب الذباب عن قصعة العسل في اليوم الصائف"، وأما المائة والستون فأمر عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بنور النبوة ولكنا نمثل جهة التغذي، فإنّه أمر مشترك بين الحيوان والنبات، وأنت تقيس عليه غيره من الجهات.

فنقول إنّ جزءاً من الغذاء لا يصير جزءاً من المغتذي حتى يعمل فيه عدة من الملائكة، ومعنى التغذي أن يصير جزء من الغذاء جزءاً من المغتذي، فإنّ الغذاء جماد لا يصير دماً ولحماً وعظماً بنفسه، كما أن البر لا يصير طحيناً وعجيناً ورغيفاً حتى تعمل فيه الصناع، فصناع الظاهر أناس وصناع الباطن الملائكة، فقد أسبغ الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وأقول أوّلاً لا بد من ملك يجذب الغذاء إلى جوار اللحم والعظم، فإنّ الغذاء لا يتحرك بنفسه، ولا بد من ثان يمسكه حتى تعمل فيه الحرارة، ثم لا بد من ثالث يلبسها صورة الدم، ثم لا بد من رابع يدفع القدر الفاضل عن الغذاء ثم لا بد من خامس يميّز العظم واللحم والعروق وما يليق بها ثم لا بد من سادس يلصق ما اكتسب صورة العظم بالعظم وما اكتسب صورة اللحم باللحم ثم لا بد من سابع يراعي المقادير في الإلصاق فيلحق بالمستدير ما لا يبطل استدارته، وبالعريض ما لا يبطل عرضه، وبالمجوف ما لا يبطل تجويفه، ويحفظ على كل واحد مقدار حاجته ويدفع الزائد فإنّه لو جمع على الأنف من الغذاء مقدار ما لتشوهت الصورة، بل ينبغي أن يسوق إلى الأجفان رقيقها وإلى الحدقة صافيها وإلى الأفخاذ غليظها وإلى العظم صلبها مع مراعاة القدر والشكل وإلا بطلت الصورة، فلو لم يراع هذا الملك هذا القسط فساق الغذاء إلى جميع البدن، ولم يسق إلى رجل واحدة مثلاً لبقيت تلك الرجل كما كانت في أيام الصغر وكبر جميع البدن فترى شخصاً في ضخامة رجل له رجل كانها رجل صبي ولا ينتفع بنفسه البتة، فمراعاة هذه الهندسة مفوّضة إلى هذا الملك، فهذا حال بعض الملائكة الموكلين ببدن بني آدم، فهم مشتغلون بك وأنت في النوم أو تتردد في الغفلة وهم يصلحون بدنك (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، وهكذا حال جميع الكائنات، فما من شيء إلا وقد وكل الله به ملكاً أو ملائكة، والله الموفق.

النظر الثالث عشر في الزمان

زعموا أنّ الزمان مقدار حركة الفلك وهذا على رأي أرسطاطاليس وأصحابه، وعند غيره مرور الأيام والليالي، ثم مقدار حركة الفلك ينقسم إلى القرون، والقرون إلى السنين، والسنون إلى الشهور، والشهور إلى الأيام، والأيام إلى الساعات والزمان أنفس رأس مال به تكتسب كل سعادة، وإنّه يضمحل شيئاً فشيئاً، وزمانك عمرك وهو معلوم القدر عند الله تعالى، وإن لم يكن معلوماً عندك وما مثله إلا كمسافة ساع يسعى في قطعها قوي على السير لا يفتر طرفة عين، فما أعجل انقطاعها، وإن كانت بعيدة، وما أسرع زوالها وإن كانت كعمر لقمان مدة مديدة، ولنذكر شيئاً من خواصها وعجيبها.

القول في الليالي والأيام: أما اليوم فهو الزمان الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس، وأمّا الليل فهو الزمان الذي يقع بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ومجموعهما أربع وعشرون ساعة لا تزيد ولا تنقص، وكلّما نقص من النهار زاد في الليل، وكلّما نقص من الليل زاد في النهار كما قال الله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)، وأطول ما يكون النهار سابع عشر حزيران عند حلول الشمس آخر الجوزاء، فيكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات، وهو أقصر ما يكون، ثم يأخذ النهار في النقصان والليل في الزيادة إلى ثامن عشر أيلول، وهو عند حلول الشمس آخر السنبلة فيستوي الليل والنهار، ويصير كل واحد منهما اثنتي عشرة ساعة، ثم ينقص النهار ويزيد الليل إلى سبع عشرة من كانون الأول، فيصير الليل خمس عشرة ساعة وهو أطول ما يكون والنهار تسع ساعات وذلك أقصر ما يكون ثم يأخذ الليل في النقصان والنهار في الزيادة إلى سادس عشر آذار عند حلول الشمس آخر الحوت فيستوي الليل والنهار، ويصير كل واحد اثنتي عشرة ساعة، ثم يستأنف الدور وقد شبّهوا أوقات اليوم والليلة بأرباع السنة، فقالوا: إنّ الغدو بمنزلة الربيع، وانتصاف النهار بمنزلة الصيف، والمساء بمنزلة الخريف، وانتصاف الليل بمنزلة الشتاء، لكن اختلافها لما كان اختلافاً يسيراً لا تتأثر منه الأبدان تأثرها عن السنة، وربّما تأثرت منه الأبدان الضعيفة، ومن لطف الله تعالى بعباده جعل الليل والنهار لأنّ الإنسان مضطر إلى الحركات في أعماله لمعاشه ولا تنفك قواه عن كلال، فعند ذلك يغلب عليه النوم، ولا بد له من ذلك لزوال الكلال كما قال تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)، فعين وقتاً للنوم ينام فيه كلّهم، ووقتاً للمعاش يعمل فيه كلهم، ولولا ذلك لأفضى إلى عسر قضاء حوائج الناس لأنّ أحدهم إذا طلب غيره لشغل وجده نائماً.

فصل: في فضائل الأيام وخواصها

يوم الجمعة: عيد الملة الحنيفية وسيّد الأيام، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خُلق آدم وفيه أسكن الجنّة وفيه أهبط منها، وفيه تاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلا أعطاه إياه"، وقال بعض السلف إن الله تعالى فضلاً سوى أرزاق العباد لا يعطي من ذلك الفضل إلا من سأله عشية يوم الخميس ويوم الجمعة. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله منه داء وأدخل فيه شفاء. وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد يوم الجمعة وهو يقلم أظفاره ويقول: قلم الأظفار يوم الجمعة من السنة، وبلغني أنه ينفي الفقر، فقلت: يا أمير المؤمنين، وأنت تخشى الفقر؟ فقال: وهل أحد أخشى من الفقر منّي. وفي الأثر أنّ الملائكة يتفقدون العبد إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة، فيسأل بعضهم بعضاً، فيقولون: ما فعل فلان وما الذي أخره عن وقته؟ ثم يقولون: اللهم إن كان أخره فقر فأغنه، وإن كان أخره مرض فاشفه، وإن كان أخره شغل فأفرغه لعبادتك، وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه إلى طاعتك.

يوم السبت: هو عيد اليهود، قال الكلبي: أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل أن يفرغوا في كل أسبوع يوماً للعبادة، فأبوا أن يقبلوا إلا يوم السبت، وقالوا: إنّه يوم فرغ الله فيه من خلق الأشياء، وزعموا أنّ الأمور التي تحدث في يوم السبت تستمر إلى السبت الآخر، فلذلك امتنعوا فيه من الأخذ والعطاء، والمسلمون يخالفونهم في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكور سبتها وخميسهاوزعم أصحاب الفلاحة أنّ النخلة إذا غرست يوم السبت لم تحمل.

يوم الأحد: عيد النصارى، قال أصحاب السير إنّ أوّل الأيام الأحد، وهو أول أيام الدنيا، وبدأ الله فيه خلق الأشياء، وذكروا أن عيسى عليه السلام أمر قومه بالجمعة فقالوا لا نريد أن يكون عيد اليهود بعد عيدنا، فاتخذوا الأحد، وزعموا أنه صالح لابتداء الأمور.

يوم الاثنين: يوم مبارك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير المواظبة على صومه وصوم الخميس، فسئل عن ذلك، فقال: "هما يومان ترفع فيهما الأعمال، فأنا أحب أن يرفع عملي وأنا صائم"، وفي الحديث أنه صلي الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وأتاه الوحي يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجراً يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين، أورده الإمام أحمد بن حنبل في مسند ابن عباس رضي الله عنهم.

يوم الثلاثاء: تستحب فيه العقود وإصلاح حال النفس بالحجامة، وقيل إنّ قابيل قتل هابيل يوم الثلاثاء.

يوم الأربعاء: يوم قليل الخير، والأربعاء الأخير من الشهر يوم نحس مستمر يحمد فيه الاستحمام.

يوم الخميس: يوم مبارك سيّما لطلب الحوائج وابتداء السفر، روى الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما كان يخرج إذا أراد سفراً إلا يوم الخميس، وتكره الحجامة فيه، حدث حمدون بن إسماعيل قال: سمعت المعتصم بالله يحدث عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "من احتجم يوم الخميس فحم مات في ذلك المرضقال: دخلت على المعتصم يوم الخميس، فإذا هو يحتجم فلما رأيته وقفت واجماً ساكتاً حزيناً، فقال: يا حمدون لعلك تذكرت الحديث الذي حدثتك به؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: والله ما ذكرت حتى شرط الحجام فحم من ساعته، وكان المرض الذي مات فيه رحمه الله تعالى.

القول في الشهور

لكل صنف من أصناف الناس شهور مثل شهور العرب والروم والفرس والقبط والترك والهند والزنج، لكن الشهور المستعملة في زماننا هذا شهور العرب والروم والفرس، فاقتصرت على ذكرها، وذكر بعض خواصها والمواسم فيها، وبالله التوفيق.

فصل: في شهور العرب

الشهر عندهم عبارة عن الزمان الذي بين الهلالين، ويتفق ذلك في كل سنة من سنيهم اثنتي عشرة مرة لأنّ ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وكسر من يوم، فإذا جعلنا شهراً ثلاثين وشهراً تسعة وعشرين صارت الشهور منطبقة على أيام السنة، وإذا صارت الكسور يوماً زادوه في آخر ذي الحجة، وقد نطق بذلك الكتاب المجيد: (إنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم)، والأشهر الحرم: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، واحد فرد وثلاثة سرد للحرم، زيادة وقع عند الله تعالى، فالطاعات فيها أكثر ثواباً والمعاصي أعظم عقاباً، وهذه الأشهر كانت محرمة في الجاهلية، وكانت العرب في هذه الأشهر تنزع الأسنة عن رماحها وتقعد عن شن الغارات، وكان الخائف فيها يأمن من أعدائه حتى أنّ الرجل إذا لقي قاتل أبيه أو أخيه لم يتعرض له، فلنذكر الآن الشهور:

المحرم: سمّي محرماً لحرمة القتال فيه، فاليوم الأول منه معظم عند ملوك العرب يقعدون للهناء كما أنّ اليوم الأوّل من سنة الفرس، كان عندهم معظماً وهو النيروز، والسابع منه هو الذي خرج فيه يونس من بطن الحوت، وقيل إنّه كان في رابع عشر ذي القعدة، والعاشر منه يوم عاشوراء يوم معظم في جميع الملل لأنه فيه تاب الله تعالى على آدم عليه السلام، واستوت السفينة على الجودي وولد الخليل وموسى وعيسى عليهم السلام، وبردت النار على إبراهيم عليه السلام، ورفع العذاب عن قوم يونس، وكشف ضر أيوب، وردّ على يعقوب بصره، وأخرج يوسف من الجب، وأعطي سليمان ملكه، وأجيب زكريا حين استوهب يحيى، وهو يوم الزينة الذي غلب فيه موسى السحرة، ولما قدم النبي صلي الله عليه وسلم وجد يهودها يصومون عاشوراء فسألهم عن ذلك، فقالوا: إنّه اليوم الذي غرق فيه فرعون وقومه، ونجا موسى ومن معه، فقال عليه الصلاة والسلام: "أنا أحق بموسى منهم"، فأمر بصوم عاشوراء، وكان الإسلاميون يعظمون هذا الشهر بأجمعهم حتى اتفق في هذا اليوم قتل الحسين رضي الله عنه مع كثير من أهل البيت، فزعم بنو أميّة أنّهم اتخذوه عيداً فتزينوا فيه، وأقاموا فيه الضيافات، والشيعة اتخذوه يوم عزاء ينوحون فيه ويجتنبون الزينة، وأهل السنة يزعمون أن الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة، والسادس عشر منه جعلت القبلة لبيت المقدس، والسابع عشر منه فيه قدوم أصحاب الفيل، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل.

صفر: سمّي صفراً لأنّ الرباع كلّها كانت تصفر من أهلها لأنهم خرجوا للقتال لانقضاء الأشهر الحرم، وذهب الجمهور إلى أنّ القعود في هذا الشهر أولى من الحركة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بشرني بخروج صفر أبشره بالجنة"، اليوم الأول منه عيد بني أمية أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق، والعشرون منه ردت رأس الحسين رضي الله عنه إلى جثته، وترك المأمون لبس الخضرة وعاد إلى السواد بعدما لبسها خمسة أشهر ونصف، والثالث والعشرون منه عاد الأمر إلى بني هاشم وجلس السفاح للخلافة، والرابع والعشرون دخل النبي صلي الله عليه وسلم الغار مع أبي بكر رضي الله عنه.

ربيع الأول: سمّي ربيعاً لارتباع الناس، والمقام فيه هو شهر مبارك فتح الله فيه أبواب الخيرات وأبواب السعادات على العالمين بوجود سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم الثامن منه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والعاشر منه تزوّج صلي الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها، والثاني عشر منه مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ربيع الآخر: في اليوم الثالث منه رمى الحجاج الكعبة بالنار في إحصار ابن الزبير فاحترقت والرابع عشر منه فيه تقرر فرض الصلاة، وفي الحادي والعشرين غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جمادى الأولى: إنّما سميا بذلك لأنهما صادفا أيام الشتاء حين اشتد البرد وجمد الماء، في الثامن منه مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي الخامس عشر وقعة الجمل.

جمادى الأخرى: زعموا أن الحوادث العجيبة كثيراً ما تقع في هذا الشهر حتى قالوا العجب كل العجب بين جمادى ورجب. في اليوم الأول منه نزل الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي السادس ولاية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي التاسع مولد جعفر الصادق، وفي الرابع عشر مولد موسى بن جعفر، وفي الخامس عشر هدم ابن الزبير الكعبة بيده، لحديث سمعه من عائشة رضي الله عنها وردها على هيئة ما كانت عليه في زمن الخليل عليه السلام، وفي العشرين منه مولد فاطمة رضي الله عنها.

رجب: سمّي رجباً لأنه رجب أي عظم، ويقال له أيضاً الأصم لأنه لا يسمع فيه صوت مستغيث، وقيل لأنه لا يسمع فيه قعقعة السلاح، ويقال له أيضاً الأصب لأنّ الله تعالى يصبّ فيه الرحمة والمغفرة على عباده، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة قد دلّت على عظم شأنه وعلى أنّ الطاعات فيه مقبولة والدعاء فيه مستجاب، وكان في الجاهلية إذا أراد المظلوم أن يدعو على الظالم أخره إلى دخول رجب ودعا عليه فيستجاب له، وفي اليوم الأوّل منه ركب نوح عليه السلام السفينة، وفي الرابع وقعة صفين، وفي الثاني عشر مولد جعفر الصادق، وفي الخامس عشر يوم أم داود وصلواتها التي تستجاب، وفي السابع والعشرين ليلة المعراج، وفي الثامن والعشرين البعثة النبوية.

شعبان: سمّي شعباناً لتشعب القبائل فيه، اليوم الثالث منه مولد الحسين، وفي الرابع مولد الحسن رضي الله عنهما، وفي الخامس عشر ليلة الصك، وهي ليلة يغفر الله تعالى فيها أكثر من شعر غنم بني كلب، وفي السادس عشر صرفت القبلة إلى الكعبة، والعشرون منه النيروز المعتضدي.

رمضان: سمّي رمضاناً لمصادفته شدّة الرمضاء في أوّل الوقت في أوّله فتحت أبواب الجنّة وأغلقت أبواب النيران وصفّدت الشياطين، وفي الثالث أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام، وفي الرابع أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي السابع أُنزل التوراة على موسى عليه السلام، وفي الثامن أنزلت الإنجيل على عيسى عليه السلام، وفي التاسع عشر فتحت مكة، والحادي والعشرون ليلة القدر على رأي، وهي الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، والثالث والعشرون قيل ليلة القدر على رأي آخر، وفي الخامس والعشرين ظهور الدولة العباسية بخراسان بدعوة أبي مسلم، وفي السابع والعشرين وقعة بدر ونزول الملائكة لنصرة النبي صلي الله عليه وسلم، وليلته هي ليلة القدر على رأي حسن، وفي اليوم الأخير أعتق الله فيه بعدد ما أعتق من أوّل الشهر إلى آخره، وله عند الفطر كل ليلة سبعون ألف ألف عتيق من النار.

شوّال: سمّي شوّالاً لإشالة الإبل أذنابها عند اللقاح في ذلك الوقت لأنه أوّل أشهر الحج، في اليوم الأوّل منه عيد الفطر، ويقال له يوم الرحمة لأن الله تعالى يرحم فيه عباده، وفيه أوحى الله إلى النحل صنعة العسل، وفي الرابع منه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لمباهلة نصارى نجران، وفي السابع عشر منه غزوة أحد ومقتل حمزة رضي الله عنه ، وفي الخامس والعشرين إلى آخر الشهر هي الأيام النحسات أهلك الله تعالى فيها عاداً، وقيل إنّها أيام العجوز التي كانت تنوح عليهم كل سنة.

ذو القعدة: سمّي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه أوّل الأشهر الحرم في الأوّل منه واعد الله تعالى موسى ثلاثين ليلة، وفي الخامس رفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل عليهما السلام، وفي السابع منه فلق البحر لموسى عليه السلام، وفي الرابع عشر خروج يونس عليه السلام من بطن الحوت، وفي التاسع عشر أنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين ونزل جبريل بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذو الحجة: سمّي ذا الحجّة لأنّهم كانوا يحجون فيه العشر الأول منه الأيام المعلومات وهي أحب الأيام إلى الله تعالى، في اليوم الأوّل تزوّج علي بفاطمة رضي الله عنهما، والثامن يوم التروية وسقاية الحاج بالمسجد الحرام تملأ ويسقى الحجيج في الجاهلية والإسلام حتى تروى، والتاسع منه يوم عرفة، والعاشر يوم النحر وفيه فدي الذبيح بالكبش، وثلاثة أيام بعده أيام التشريق، الثاني عشر منه عيد الغدير وهو اليوم الذي واخى النبي صلي الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فيه، وفي الرابع عشر تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه في الصلاة، وفي السادس والعشرين نزل الاستغفار على داود عليه السلام، وفي السابع والعشرين منه وقعة الحرة، وفي الثامن والعشرين منه خلافة علي رضي الله عنه.

خاتمة: في معرفة أوائل هذه الشهور. وقد عمل لها جدول ليسهل علمها. أمّا طريق العمل بها أن تلقي عدد سنين الهجرة من أوّلها إلى السنة التي أنت فيها أو السنة التي تريد معرفة أوّل شهر من شهورها ثمانية ثمانية، فما بقي تعد من تحت الشهر الذي أنت طالب أوّله، فاليوم الذي ينتهي فيه العدد هو أوّل ذلك الشهر، وإن بقي ثمانية بعد أن أسقطتها كلّها كان أوّل الشهر اليوم الذي في البيت الأخير، وهذه صفة الجدول:

جدول الشهور والأيام

محرم

صفر

ربيع الاول

ربيع الثاني

جمادی الاولي

جمادی الثانية

رجب

شعبان

رمضان

شوال

ذو القعدة

ذو الحجة

الاثنين

الأربعاء

الخميس

السبت

الأحد

الثلاثاء

الأربعاء

الجمعة

السبت

الاثنين

الثلاثاء

الخميس

الجمعة

الأحد

الأثنين

الأربعاء

الخميس

السبت

الأحد

الثلاثاء

الأربعاء

الجمعة

السبت

الاثنين

الثلاثاء

الخميس

الجمعة

الأحد

الاثنين

الأربعاء

الخميس

السبت

الأحد

الثلاثاء

الأربعاء

الجمعة

الأحد

الاثنين

الأربعاء

الجمعة

السبت

الاثنين

الثلاثاء

الخميس

الجمعة

الأحد

الاثنين

الأربعاء

الخميس

السبت

الأحد

الثلاثاء

الأربعاء

الجمعة

السبت

الاثنين

الثلاثاء

الخميس

الجمعة

الأحد

الاثنين

الثلاثاء

الخميس

السبت

الأحد

الثلاثاء

الأربعاء

الجمعة

السبت

الاثنين

الثلاثاء

الخميس

السبت

الأحد

الثلاثاء

الخميس

الجمعة

الأحد

الاثنين

الأربعاء

الخميس

السبت

الأحد

الثلاثاء

الأربعاء

الجمعة

السبت

الاثنين

الثلاثاء

الخميس

الجمعة

الأحد

الثلاثاء

الأحد

الخميس

السبت

قال جعفر الصادق رضي الله عنه: إذا أشكل عليك أول شهر رمضان فعد الخامس من الشهر الذي صمته في العام الماضي، فإنّه أوّل يوم من شهر رمضان الذي في العام المقبل وقد امتحنوا ذلك خمسين سنة، فكان صحيحاً.

فصل في شهور الروم

وهي مختلفة العدد لأنّهم أرادوا أن تكون شهورهم مساوية لمسير الشمس، وحركات الشمس مختلفة في أرباع السنة، فبعضها أكثر أياماً من البعض على ما نطقت به الأرصاد القديمة والحديثة، فلهذا جعلوا بعض الشهور ثلاثين وبعض الشهور واحداً وثلاثين وبعضها ثمانية وعشرين، فأعطوا كل شهر ما يستحقه حتى صار المجموع ثلاثمائة وستين يوماً، وجعلوا يوماً في آخر السنة، وهذا مجموع أيام سنتهم، وقد وضعوها على هذا الوجه:

تشرين الأول

تشرين الثاني

كانون الأول

كانون الثاني

شباط

آذار

نيسان

أيار

حزيران

تموز

آب

أيلول

لا

ل

لا

لا

كح

لا

ل

لا

ل

لا

لا

ل

وقد جمعها الشاعر في هذين البيتين فقال:

فتشـــرینکــــم الثاني كــأيلـــــول ونيســـــــان

ثلاثون ثلاثون أتوا بعد حزيران شباط خص بالنقص وذاك النقص يومان وباقيها ثلاثون ويوم واحد كاني

تشرين الأول: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأوّل تهيج الصبا، وفي الثالث عيد دير الثعالب، وفي الخامس عيد كنيسة القيامة ببيت المقدس، يزعمون أنّ ناراً من السماء تنزل وتسرج الشمع هناك، وفي السابع عيد التباريك، وفي الثالث عشرة تفور المياه، ويقوم سوق أذرعات، ويضطرب البحر، وفي الخامس عشر يبرد الزمان وتكثر الرياح، ويصرم النخل، وإذا قطع خشب لم ينخر خشبه، ولم يسوس، وفي الثامن عشر ينقص النيل، وفي الحادي والعشرين يزرع على نيل مصر، وفي الثاني والعشرين يبتدىء الهواء بالبرد، وفي الثلاثين تذهب الحدأ والرخم والخطاطيف إلى الغور، ويسكن النمل جوف الأرض.

تشرين الآخر: ثلاثون يوماً، في اليوم الأوّل تهب الجنوب، وفي الثاني أوّل أوقات المطر، وفي الخامس تخفى الهوام، وفي السابع لقط الزيتون بالشام، وكثرة الغيوم واضطراب البحر فلا تجري فيه جارية، وفي الثامن غليان البحر وفي التاسع أوّل المرور في بحر فارس، وفي الثالث عشر ابتداء اضطرابه، وإن قطع فيه خشب لا تقع فيه الأرضة والسوس، وفي السابع عشر ابتداء صوم الميلاد وهو أربعون يوماً، وفي العشرين تموت كل دابة لا عظم لها، وفي الثاني والعشرين ينهى عن شرب الماء البارد بالليل، وفي الثالث والعشرين لقط الزيتون عند القبط، وفي الثامن والعشرين امتداد أمواج البحر.

كانون الأول: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأوّل منه يقوم سوق ثوما بدمشق، ويغرس قضيب البان، وفي الحادي عشر قيام سوق الأردن، والرابع عشر أوّل الأربعينات، والسابع عشر ينهى عن تناول لحم البقر والأترنج، وشرب الماء بعد النوم، وعن الحجامة وطلي النورة، ويسمون هذا اليوم الميلاد الأكبر، يعنون به الانقلاب الشتوي ويقولون إنّ فيه مخرج النور من حد النقصان إلى حد الزيادة، وتأخذ الإنس في النشوء والنماء والجن في الذبول والفناء، وفي التاسع عشر غاية طول الليل وقصر النهار، وفي الثالث والعشرين تنتهي زيادة النيل، وتكثر الأنداء ويسقط ورق الأشجار، وفي الخامس والعشرين ميلاد المسيح عليه السلام، وفي التاسع والعشرين ينهى عن شرب الماء عند النوم، ويقولون إن الجن تتقيأ في الماء، و من شربه يغلب عليه البله.

كانون الثاني: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأول منه يرجى المطر وفيه القلفداس بالشام يوقدون ناراً عظيمة، وفي السادس عيد الذبح زعموا أن فيه ساعة تصير فيها المياه المالحة عذبة، وفي العاشر صوم العذارى، وفي السابع عشر يذهب البرد ببلاد فارس، وفي الثاني والعشرين تنتهي الأربعينات، وفي الرابع والعشرين يدور العشب في الأرض وتتزاوج الطيور، وفي الخامس والعشرين يزرع القطن والبطيخ، وتغرس الأشجار بأرض الروم، وتكسح الكروم بأرض مصر، وتغتلم فحول الإبل.

شباط: ثمانية وعشرون يوماً، في السابع منه تسقط الجمرة الأولى، وفي الثالث عشر يجري الماء في العود من أسفله إلى أعلاه، وتتقى الضفادع، وفي الرابع عشر صوم النصارى، وتسقط الجمرة الثانية، وفي العشرين يخرج الذئب، وتتحرك البراغيث، وفي الخامس والعشرين تزرع القثاء والبطيخ وتلد الوحش، ويصوت الطير وتطير الخطاطيف ويلد الماعز، ويغرس شجر الورد، ويزرع الياسمين والنرجس، ويورق الكرم، ويكثر العنب، وفي الحادي والعشرين سقوط الجمرة الثالثة، ومعنى سقوط الجمرات أنّ الناس كانوا يتخذون في قديم الزمان أخبية ثلاثة في الشتاء محيطاً بعضها بالبعض، وكانت دوابهم الكبار كالإبل والبقر في البيت الأوّل، ودوابهم الصغار كالغنم في البيت الثاني، وهم كانوا في البيت الثالث، وكانوا يشعلون جمرات النار في كل بيت ويتخذون الجمر للاصطلاء، فلمّا كان السابع من شباط أخرجوا دوابهم الكبار إلى الصحراء، وجعلوا الصغار مكانها، وهم سكنوا مكان الصغار، فحينئذ سقطت من الجمرات الثلاث جمرة، فإذا مضى أسبوع آخر أخرجوا الغنم أيضاً إلى الصحراء، وهم سكنوا مكانها فسقطت جمرة أخرى، فإذا مضى أسبوع آخر خرجوا إلى الصحراء وتركوا إشعال النار لقلة البرد وطيب الهواء، فسقطت الجمرات الثلاثة، وفي الخامس والعشرين يظهر الدفا وتهب الرياح اللواقح، وتكسح الكروم، وفي السادس والعشرين أول أيام العجوز، وأيام العجوز سبعة أيام ثلاثة من شباط وأربعة من آذار، قيل إنّها سمّيت أيام العجوز لأنّ الله تعالى أهلك قوم عاد في هذه الأيام، فتخلفت منهم عجوز كانت تنوح عليهم كل سنة في هذه الأيام، فهذه الأيام لا تخلو من برد أو رياح، أو كدورة، فذهب بعضهم إلى أنّها من الأمور الطبيعية وأنّ البرد يشتد في آخر الشتاء كما أنّ الحر يشتد في آخر الصيف، وذلك يجري مجرى السراج الذي فنيت رطوبته، فإنّه عند انطفائه يشتد ضوءه دفعات.

آذار: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأوّل يخرج الجراد والدبيب، وفي الرابع آخر أيام العجوز، وذهب بعضهم إلى أنّها إنّما سميت أيام العجوز لأنّ عجوزاً كاهنة من العرب أخبرت قومها ببرد شديد في آخر الشتاء يسوء أثره على المواشي، فلم يكترثوا بقولها وجزوا أغنامهم واثقين بإقبال الربيع، فإذا هم ببرد شديد أهلك الزرع والضرع، فنسبوا تلك الأيام إليها، وفي السابع اختلاف الرياح العواصف، وفي الثاني عشر يؤمر بالحجامة، وفي الثالث عشر تظهر الخطاطيف والحدأ وفي السادس عشر تفتح الحيات أعينها في أيام البرد لأنّها تجتمع في باطن الأرض، فيظلم بصرها، وفي الثامن عشر يعتدل الليل والنهار وهو أوّل ربيع العجم وخريف الصين، ويغلظ ماء البحر لأنّ الشمس تبخر لطيف أجزائه، قالوا إنّ العقيم من الرجال إذا نظر في ليلة هذا اليوم إلى الشهر ثم جامع أهله ولدت، وفي هذا اليوم تهب الرياح اللواقح، وتسنبل الحنطة، ويدرك النبق والباقلاء، ويعقد اللوز والمشمش، ويورق الشجر، ويغرس الكرم، ويخاف التمساح بمصر، وفي الخامس والعشرين غليان البحر.

نيسان: ثلاثون يوماً في اليوم الأوّل منه يرجى المطر وفي الرابع الشعانين، وفي الحادي عشر منه عيد النصارى، وفي العشرين منه تهيج الرياح الشرقية، ويفرخ الطير، وفي الحادي والعشرين قيام سوق فلسطين، وفي الثاني والعشرين هبوب الجنوب، وامتداد الأدوية، وفي الثالث والعشرين موسم دیر أيوب بالشام، وفي التاسع والعشرين يمتلىء الفرات، وفي التاسع والعشرين يهيج الدم، وتنعقد الثمار، ويدرك اللوز.

أيار: أحد وثلاثون يوماً، في ثاني يوم منه عيد دير الثعالب، وفي السابع عيد الصليب، وفي الحادي عشر أوّل البوارح، وفي الخامس عشر عيد الورد المستحدث، وفي السادس عشر تهيج الصبا، ويطيب ركوب البحر، وفي الرابع والعشرين يرتفع الطاعون بإذن الله ويخضر الزرع، ويركب البحر، وتبدو السمائم، وتهب الشمال ويسود العنب، وتبين زيادة نيل مصر، وتهب الدبور، وفي الخامس والعشرين منه عيد الورد، وفريك السنبل، وفي التاسع والعشرين سبت القيامة.

حزيران: ثلاثون يوماً في الحادي عشر منه نوروز الخليفة ببغداد فيه اللعب ورش الماء وغيرهما مما هو مشهور، وفي السادس عشر يتنفس نيل مصر، وتفور المياه، وفي الثامن عشر غاية طول النهار، وقصر الليل وهو الامتلاء الأكبر يعظمه العرب والعجم، وهو الانقلاب الصيفي، وفي الثاني والعشرين يوضع المنجل في الزرع، وتدرك الفاكهة والبطيخ والتين والعنب، ويشتد الحر، وفي الخامس والعشرين مولد يحيى بن زكريا عليهما السلام، وابتداء السمائم بالهبوب وهي أحد وخمسون يوماً ويمتد جيحون، وفي الثامن والعشرين آخر البوارح، وفي التاسع والعشرين ينظر أصحاب التجارب بمصر، فإن كثر فيه الندى قالوا: يمتد النيل وإن لم يكثر قالوا لا يمتد.

تموز: أحد وثلاثون يوماً، في الخامس تطلع الشعرى وبطلوعها يعرفون صلاح الزروع وفسادها، وذلك أنّ أصحاب الفلاحة من العجم أخذوا لوحاً قبل طلوع الشعرى بأسبوع وزرعوا عليه أصناف الحبوب، فلمّا كانت الليلة التي طلعت فيها الشعري وضعوا ذلك اللوح على موضع عال لا يحول بينه وبين السماء شيء، فما أصبح مخضراً من ذلك النبات فهو الذي صلح في تلك السنة، وما أصبح مصفراً فهو الذي فسد، وفي السابع يموت الجراد، وفي العاشر يقوم سوق بصرى، وفي الثامن عشر أول أيام الباحور، وهي سبعة أيام متوالية يستدلون بكل يوم منها على شهر من أشهر الخريف والشتاء من تغيرات وتلون، وزعموا أنّها للسنة كأيام البحران للمريض، وأن كل شهر من تلك الأشهر حاله كحال يوم من تلك الأيام أوّلها كأوّلها وآخرها كآخرها في التغيرات، وفي الرابع والعشرين تشتد صولة الحر، ويرتفع الطاعون، ويكثر الرمد ويزرع البطيخ الشتوي والجزر والذرة، وفي الخامس والعشرين ينهي عن الجماع لشدة الحر، وفي السابع والعشرين يحمر البسر ويقطف العنب والقصب النبطي، وتفور المياه وتنضج الفواكه كلها، وفي الثلاثين عيد كنيسة مريم عليها السلام.

آب: أحد وثلاثون يوماً، في الأوّل وفاة مريم عليها السلام، وفي السادس أوّل عيد التجلي، وفي التاسع تختلف الرياح، وفي العاشر يقوم سوق عمان، وفي الثاني عشر يبدو هواء العراق، وفي السابع عشر آخر عيد التجلي، وفي الثامن عشر تهيج الرياح البوارح، ويكثر الرمان، ويصفر الأترنج، وفي العشرين آخر السموم، وفي الثاني والعشرين فتور الحر، وفي السادس والعشرين يهيج الدم، وفي الثامن والعشرين يطيب الماء، ويكثر الرطب والعنب، ويسقط الطل والمن والسلوى بالشام.

أيلول: ثلاثون يوماً، في الأوّل عيد رأس السنة وتمامها، ويكون سوق منبج، وفي الثالث يبتدأ بإيقاد النار في البلاد الباردة، وفي الثاني عشر يفصد ويشرب الدواء، وفي الثالث عشر تنتهي زيادة النيل في مصر وعيد كنيسة القيامة، وفي الرابع عشر عيد الصليب، وفي السادس عشر فطام الأطفال، وفي الثامن عشر اعتدال الليل والنهار وهو أوّل الخريف عند العجم والربيع عند الصينيين، وزعموا أن المطر في السحاب الذي يرتفع فيه يصبي الروح ويبرىء الجسد، وفي العشرين يرجع الماء من أعالي الشجر إلى عروقه، وفي الرابع والعشرين زعم أصحاب التجارب أنه تهب الريح وتأتي الغربان البقع في أكثر البلاد، وهذه أمور تتكرر في كل سنة على رأي أصحاب التجارب في الأوقات المذكورة.

فصل: في شهور الفرس

وهي متساوية في العدد لأنّ أيام سنتهم عددها ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، فجعلوا كل شهر ثلاثين يوماً ووضعوا في آخر السنة خمسة أيام، والشهر عندهم لا يكون على أسابيع كما هو عند العرب بل هو عندهم من أوّل الشهر إلى آخره، ولكل يوم اسم يعرف به ذلك اليوم ويتميز به عن غيره من الأيام، وهذه صورتها: (أ) هرمز (ب) بهمن (ج) اردیبهشت (د) شهریور (هـ) استداند (و) حودار (ز) مرداد (ح) دي بادر (ط) احدى (ي) دي (يا ) حور (يب) ماه (يج) تير (يد) كوش (يه) ذي بهمن (يو) مهر (یز) سروسن (یح) رشن (یط) قردوميز (ك) بهرام (كا) رام (كب) باد (كج) دي بديز (كد) دي (كه) ارد (کو) اشتاد (کز) اسمان (کح) زامیار (كط) مارال (ل) انير. وإنما وضعوا لكل يوم من الأيام اسماً لأنّ لهم في كل يوم مأكولاً وملبوساً ومشموماً تخالف غيرها، ولهم أعياد منها ما هو موضوع لأمور دنياوية ومنها ما لأمور دينية، أمّا الدنياوية فقد وضعها ملوك الفرس ليتوصلوا بها إلى سرور النفس مع اكتساب الدعاء والحمد والثناء، أخذها الخلف عن السلف تيمناً وتفاؤلاً، وأما الدينية فقد وضعها أرباب الديانات والمطلوب منها الخيرات والسعادات الأخروية فيما يرونه ونحن نذكر ما كان في كل شهر إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.

فروردين ماه: اليوم الأول منه النيروز، وهو أول يوم من السنة واسمه بالفارسية يعطي هذا المعنى، وزعموا أنّ الله تعالى في هذا اليوم أدار الأفلاك وستر الشمس والقمر وسائر الكواكب، واسم هذا اليوم هرمز، وهو اسم من أسماء الله تعالى، وقالوا: في هذا اليوم قسم الله السعادات لأهل الأرض من ذاق صبيحة هذا اليوم قبل الكلام السكر وتدهن بالزيت رفع عنه البلاء في عامة سنته ويتفاءلون بما وقع لهم في هذا اليوم، وكان الملك يجلس في هذا اليوم ويأتيه كل واحد من خدمه وحشمه بطرفة عجيبة، وإذا استيقظ من نومه أوّل ما تقع عينه على غلام حسن الوجه على فرس حسن، على يده بازي حسن، فإنّ هذا الشكل أحسن الأشكال قد أهدي إلى بعض خواصه، والسابع عشر منه سروش روز وسروش اسم ملك هو رقيب الليل، قيل إنّه جبريل عليه السلام وهو أشد الملائكة على الجن والسحرة، فيطلع على الخلق بالليل ثلاثاً، بالأولى يبرد الجو وتعذب المياه، وبالمرة الأخيرة طلوع الفجر، واعتزاز النبات ونماء الزهر، وترويح العليل، وصدق الرؤيا التاسع عشر فردورمیز روز عيد يسمّى فردوميز جان لموافقة اسمه اسم الشهرة، وذلك جار في كل شهر، يعني إذا كان اسم اليوم يوافق اسم الشهر كان عيداً، وملوك الفرس اتخذوا هذا الشهر كله أعياداً وجعلوه أسداساً، كل سدس خمسة أيام، فالأول للملوك والثاني للأشراف والثالث لحرم الملوك والرابع للحاشية والخامس للعامة والسادس للرعاة.

وكان من رسم الأكاسرة أن يأمروا بإعلام الناس بجلوسه لهم عامة، وفي اليوم الثاني لمن هو أرفع مرتبة كالدهاقين والمشايخ وأرباب البيوت، وفي اليوم الثالث لأساورته وعظمائه، وفي اليوم الرابع لأهل بيته وخاصته، وفي اليوم الخامس لأولاده، وكان يوصل إلى كل أحد في كل يوم ما يستحقه من الإنعام والإكرام، وفي اليوم السادس كان فارغاً عن قضاء الحقوق لم يصل إليه إلا أهل أنسه، وكان يأمر بإحضار الهدايا يتأملها.

اردیبهشت ماه: اليوم الثالث منه اردبیهشت روز عيد يسمّى اردبیهشت كان لاتفاق العيدين و اردبیهشت اسم ملك النار والنور وكله الله تعالى بذلك على زعمهم، وبإزالة العلل والأمراض بالأدوية والأغذية واليوم السادس منه هو اشتاذ روز وهو أوّل الكهنيار والكهنيارات ستة كل واحد خمسة وهي أيام عبادات للمجوس وضعها زرادشت نبي المجوس.

خردادماه: اليوم السادس منه خرداد ماه روز، سمّي خرداد كان لاتفاق الإسمين وهو اسم الملك الموكل بالنبات والأشجار يربيها ويدفع النجاسات عن المياه وهو اليوم السادس والعشرون وهو اشتاذ روز أوّل الكهنيار الرابع، فيه خلق الله النبات والأشجار، واليوم الثلاثون هو نيران روز وهو آب ريز كان يعني عيد الاغتسال.

تيرماه: اليوم السادس منه وهو يوم خرداد عيد يسمّى جشن نيلوفر وهو مستحدث، واليوم الثالث عشر منه نيروز، يسمّى النير كان لاتفاق الإسمين ذكروا أنّ في هذا اليوم طلب منوجهر من افراسیان لمّا تغلب على إيران شهر أن يردّها عليه، فأنعم عليه بها، وكان منوجهر متحصناً بطبرستان، واليوم السادس عشر مهر روز، ومهر اسم الشمس هو أوّل الكهنيار الخامس، زعموا أنه يوم خلق الله تعالى فيه البهائم.

شهريورماه: السادس عشر منه مهر روز عيد عظيم الشأن يعرف بالمهرجان لأنّ اسمه موافق لاسم الشهر، وكانت الأكاسرة في هذا اليوم يلبسون أبناءهم تاج الذهب الذي كان عليه صورة الشمس، وعجلتها الدائرة عليها لأنّ مهر اسم الشمس، وذكروا أنّ هذا اليوم خروج افريدون بعد أن أهلك الضحاك بيوراسف كل من كان ينسب إلى جمشيد وفريدون وضعته أمه في غار وتركته، وكانت تأتيه بقرة وحش فترضعه حتى وثب على الضحاك، وطرده، وأخرج افريدون ونزلت الملائكة لعونه، وذكروا أن في هذا اليوم دحا الله الأرض، وجعل الأجساد قرار الأرواح، وقالوا من أكل يوم المهرجان شيئاً من الرمان وشم ماء الورد دفع عنه آفات كثيرة، واليوم الحادي والعشرون هو رام روز وهو اليوم الذي ظفر فيه أفريدون بالضحاك وأسره، فقال لأفريدون لا تقتلني، فأجابه إلى ذلك وحبسه بجبل نهاوند مسلسلاً في غار فيه.

آبان ماه: اليوم العاشر منه أبان روز يسمّى أبان كان لاتفاق الإسمين، قالوا فيه أمر بعمارة الأرض وحفر أنهارها واتصل الخبر بالأقاليم السبعة، والخمسة الأخيرة من هذا الشهر أوّلها اشناد روز وتسمّى الفزورجان فيها، وكانوا يصنعون فيها الأطعمة والأشربة في النواويس على ظهورها يزعمون أن أرواح موتاهم تخرج في هذه الأيام من مواضع ثوابها وعقابها، فتأتيها وتنسب قوتها ويدخنون بيوتهم بالرواسن لتستلذ الموتى برائحته.

آذرماه: اليوم الأول منه هو يوم هرمز فيه ركوب الكوسج، وهو سنة لهم كان يركب في هذا اليوم رجل كوسج حماراً في أطمار من الثياب وقد تناول الأطعمة الحارة والأشربة المسخنة وطلى بدنه بالأدوية، وفي يده مروحة يتروح بها ويقول الحر الحر والناس يتضاحكون ويرمونه بالثلج والجمد، فيصيب بذلك خيراً من الناس، وبقي بذلك في عقبه إلى أن ضرب السلطان على ذلك ضربته، وكان مع الكوسج نقيع المغرة وهي طين أحمر يلطخ به ثياب من لم يسمح له بشيء، وفي هذا اليوم استخرج اللؤلؤ من البحر ولم يكن يعرف قبل ذلك، قالوا إنّه يوم قضى الله فيه الخير والشر، وزعموا أنّ من طعم صبيحة هذا اليوم قبل الكلام سفرجلاً وشم اترنجاً سعد في سائر سنته، واليوم التاسع هو آذر روز عيد يسمّى آذر جشن لاتفاق الإسمين، وفيه اصطلوا بالنار، وآذر اسم الملك الموكل بجميع النيران، وقد أمر زرادشت أن تزار في هذا اليوم بيوت النيران، وتقرب القرابين ويشاور في أمور العالم.

دي ماه: ويسمّى أيضاً جرماه، اليوم الأوّل منه يسمّى حزم روز وهو اسم الله تعالى، وكان الملك في هذا اليوم ينزل عن سرير الملك، ويلبس الثياب البيض، ويرفع الحجاب، ويترك هيئة الملك، وينظر في مصالح الناس ويخاطبه كل من شاء من الوضيع والشريف، ويجالس الدهاقين والمزارعين ويواكلهم ويقول: أنا كواحد منكم ولا قوام للدنيا إلا بالعمارة التي تجري على أيديكم، وقوام العمارة بالملك لا غني لأحدهما عن الآخر، ونحن كأخوين متلازمين، واليوم الحادي عشر أوّل الكهنبار الأوّل، وفيه خلق الله السموات، اليوم الرابع عشر زوركوش فيه عيد يسمّى عيد سيرسو يتناول فيه الثوم والخمر ويطبخ فيه النبات باللحم التي يتحرز به عن الشياطين، وبها يتداوى من العلل المنسوبة إلى الأرواح السوء واليوم الخامس عشر وهو سمهور روز عيد يتخذ فيه شخص من عجين أو طين على هيئة إنسان، ويوضع في مداخل الأبواب ويخدم خدمة الملوك ثم يحرق، وفي هذا اليوم اتفق فطام أفريدون وركوب الثور، وزعموا أن من أطعم صبيحة هذا اليوم قبل الكلام تفاحاً وشم نرجساً عاش سنته بخير وخصب، وأنّ التدخين في ليلته بالسوسن أمان في العام من القحط والفقر، واليوم السادس عشر هو مهر روز عيد كاوكيل زعموا أن جمعاً من الفرس تخلّصوا في هذا اليوم من بلاد الترك وساقوا البقر التي سبيت منهم، وزعموا أن في ليلة هذا اليوم يظهر ثور عجلة القمر وهو ثور قرناه من ذهب، وقوائمه من فضة يظهر ساعة ثم يغيب، والموفق لرؤيته مجاب الدعوة في ساعة النظر إليه.

بهمن ماه: اليوم الثاني منه بهمن روز عيد يسمّى بهمنجه لاتفاق الاسمين، وهو الملك الموكل بالبهائم التي يحتاج الناس إليها للعمارة، وأهل فارس كانوا يطبخون فيه قدوراً يجمعون فيها من كل حب ولحم، ويشربون فيه اللبن، ويزعمون أن ذلك يصلح للحفظ، ولهذا اليوم خاصية في لقط الأدوية من الجبال والأودية، واتخاذ الأدهان وتهيئة البخور والدخن، وزعموا أن ذلك وضع جاماسب الوزير ونفعها بيّن واليوم الخامس وهو يوم اسفندارمد عيد يسمّى نوسده، ومعناه البندق الجديد وهو من مآثر هوراسف، واليوم العاشر وهو أبان يسمّى أبان عيد، ويسمّى السدق وتفسيره المائة، قيل إنّه إنما سمّي سدقاً لأنه بقي إلى آخر السنة مائة يوم، وقيل لأنه تم في هذا اليوم عدد المائة من الأب الأوّل، وهو كيومرت، قالوا إن الشتاء يخرج من جهنم إلى الدنيا في هذا اليوم، والناس في هذا اليوم يوقدون نيراناً وينحرون قرابين لدفع مضرته حتى صار من رسم الملوك في هذه الليلة إيقاد النيران وإرسال الطيور والوحش، وقد شدوا فيها باقات من الشوك مشتعلة مع الشرب والتلهي، واليوم الثلاثون وهو أنيران روز عيد يسمّى إبريز كان بأصبهان، وتفسيره صب الماء، والسبب فيه أنّ القطر احتبس في زمان فيروز جدانو شروان، وأجدب الناس، فترك فيروز الخراج وفتح الخزائن واستدان من بيوت النيران وجاد بها على الرعية وتفقدهم تفقد الوالد الولد حتى لم يمت في تلك السنين أحد جوعاً ثم صلّى ودعا الله تعالى بإزالة ذلك عن الخلق، ودخل بيت النار وأدار يده وساعده حوالي اللهيب، وضمّه إلى صدره ثلاث مرات ضم الصديق صديقه، وبلغ اللهيب لحيته ولم تحترق، وكان ذا لحية كثة ثم قال اللهم إن كان هذا الاحتباس من أجلي وسوء سيرتي فبين لي حتى أخلع نفسي، وإن كان لغيري فبين لي وأزل عن أهل الدنيا ذلك وجد عليهم بالمطر، ثم خرج من بيت النار، فارتفعت سحابة وأقبلت بأمطار لم يعهد مثلها غزارة فأيقن فيروز بإجابة دعائه، وجرت المياه في الخيام والسرادقات، وكان الناس يصب بعضهم على بعض فرحاً وسروراً، فصار ذلك سنة لهم إلى هذا الوقت.

اسفندار مذ ماه: اليوم الخامس وهو اسفندارمذ روز عيد لاتفاق الاسمين وهو اسم الملك الموكل بالأرض والمرأة الصالحة المحبة لزوجها، وهذا عيد خاص للرجال والنساء يحسن بعضهم إلى بعض ويتخذون فيما بينهم العهود، وقد بقي هذا بأصبهان يسمونه، مرذكيران، وهذا اليوم تكتب فيه الرقاع لدفع الهوام والحشرات، فيكتبون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس الرقية المعروفة ويلصقون ثلاثة منها على الجدران الثلاثة من البيت، ويتركون الجدار المقابل لصدر البيت.

القول في فصول السنة

السنة عند العرب اثنا عشر شهراً وعند العجم كذلك إلا أنّ العرب تجعل شهورها على مدار الأهلة وأيامها ثلثمائة وأربعة وخمسون يوماً، وأما العجم فجعلوا شهورهم على مدار الشمس، وأيامها ثلثمائة وخمسة وستون يوماً، وفي هذه المدة تقطع الشمس دائرة الفلك فسنو العرب قمرية وسنو العجم شمسية والتفاوت بينهما كل مائة سنة ثلاث سنين، قال الله تعالى: ﴿ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً) بحساب العرب، وأوّل السنة الشمسية مسامتة الشمس لنقطة الاعتدال الربيعي ثم تتحرك متوجهة نحو الشمال حتى تبلغ غايتها في الشمال ثم ترجع متوجهة إلى نقطة الاعتدال الخريفي حتى تصير مسامتة لها، ثم تتحرك متوجهة نحو الجنوب حتى تبلغ غايتها في الجنوب، ثم ترجع متوجّهة إلى نقطة الاعتدال الربيعي، فلهذا الاعتبار قسموا السنة أربعة أقسام كل قسم فصل، ومن جملة لطف الله تعالى أن أعطى كل فصل طبقة مغايرة لما بعده في كيفية أخرى ليكون ورود الفصول على الأبدان بالتدريج، فلو انتقل من الصيف إلى الشتاء دفعة واحدة لأدّى ذلك إلى تغيير عظيم في الأبدان، فحسبك ما ترى من تغيير الهواء في يوم واحد من الحر إلى البرد كيف يظهر مقتضاه في الأبدان، فكيف إذا كان مثل هذا التغيير في الفصول فسبحانه ما أعظم شأنه وأكثر امتنانه.

أما الربيع: فهو نزول الشمس أوّل دقيقة من برج الحمل، فعند ذلك استوى الليل والنهار في الأقاليم، واعتدل الزمان، وطاب الهواء، وهب النسيم، وذابت الثلوج، وسالت الأودية ومدت الأنهار، ونبعت العيون، وارتفعت الرطوبات إلى أعلى فروع الأشجار، وتلألأ الزهر، وأورق الشجر، وتفتح النوّار، واخضر وجه الأرض وتكونت الحيوانات، ونتجت البهائم ودرت الضروع، وطاب عيش أهل الزمان، وأخذت الأرض زخرفها وازينت، والدنيا كأنّها جارية شابة تجلّت وتزينت للناظرين فلا يزال كذلك دأبها، ودأب أهلها إلى أن تبلغ الشمس آخر الجوزاء، فحينئذ ينتهي الربيع ويقبل الصيف.

وأمّا الصيف: فهو نزول الشمس أوّل السرطان فعند ذلك تناهى طول النهار وقصر الليل ثم أخذ الليل في الزيادة، واشتد الحر، وسخن الهواء، وأدركت الثمار، وجفت الحبوب، وقلّت الأنداء، وأضاءت الدنيا، وسمنت البهائم، واشتدت قوة الأبدان وانتشرت الحيوانات على وجه الأرض بعموم الخير وطاب عيش أهل الزمان، وكثرت السموم، ونقصت الأنهار، ونضبت المياه، وأدرك الحصاد ودرت الأخلاف، واتسع للناس القوت وللطير الحب وللبهائم العلف وتكامل زخرف الأرض، وصارت الدنيا كأنها عروس حسناء ذات جمال كثيرة العشاق، ولا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر السنبلة، فعند ذلك انتهى الصيف، وأقبل الخريف.

وأما الخريف: فهو وقت نزول الشمس أوّل الميزان فعند ذلك استواء الليل والنهار مرّة أخرى ثم ابتداء الليل بالزيادة، وكما ذكرنا أن الربيع زمان استواء الأشجار، وربو النبات، وظهور الأزهار، فبالخريف ذبول النبات، وتغيّر الأشجار وسقوط أوراقها فحينئذ برد الماء، وهبّت الشمال وتغيّر الزمان، ونقصت المياه، وجفت الأنهار، وغارت العيون، ويبست أنواع النباتات، وماتت الهوام، وانحجزت الحشرات، وانصرف الطير والوحش لطلب البلدان الدفيئة، وادخر الناس قوت الشتاء، ودخلوا البيوت، ولبسوا الجلود الغليظة من الثياب، وتغيّر الهواء، وصارت الدنيا كأنّها كهلة تولّت عنها أيام الشباب، ولا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر القوس، وقد انتهى الخريف وأقبل الشتاء.

وأمّا الشتاء: فهو وقت نزول الشمس أوّل الجدي، فعند ذلك تناهى طول الليل وقصر النهار، ثم أخذ النهار في الزيادة، واشتد البرد، وخشن الهواء وتعرى الأشجار عن الأوراق، وانحجزت الحيوانات في أطراف الأرض، وكهوف الجبال من شدّة البرد وكثرة الندى، وأظلم الجو، وكلح وجه الزمان، وهزلت البهائم وضعفت قوى الأبدان ومنع البرد الناس عن التصرف ومن عيش أكثر الحيوان وبرد الليل الذي هو مادة الحياة وانقطع الذباب والبعوض وعدمت ذوات السموم من الهوام، وطاب الأكل والشرب، وهو زمان الراحة والاستمتاع، كما أنّ الصيف زمان الكد والتعب. قيل من لم يغل دماغه في الصيف لم يغل قدره في الشتاء، وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة دنا موتها، فلا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر الحوت، وقد انتهى الشتاء، وأقبل الربيع مرّة أخرى، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

فصل في بعض العجائب المتعلقة بتكرار السنين

قال بعض العلماء إنّ الله تعالى يبعث في كل ألف سنة نبياً بمعجزات غريبة واضحة لرفع أعلام دينه القويم وظهور صراطه المستقيم، ويجوز أن يكون ما بين النبيين أكثر من ألف سنة أو أقل، وكان في الألف الأوّل آدم أبو البشر عليه السلام، وفي الألف الثاني إدريس عليه السلام، ثم نوح عليه السلام على الترتيب المذكور فيه وفي الثالث إبراهيم عليه السلام، وفي الرابع موسى عليه السلام، وفي الخامس سليمان عليه السلام، وفي السادس عيسى عليه السلام، وفي السابع محمد صلي الله عليه وسلم، ثم ختمت به النبوة، وانتهت آلاف الدنيا بألفه، لما روي عن سعيد بن جبير عن ابن الله عباس رضي عنهم أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، وقد مضى ستة آلاف ومائة، وليأتين عليها سنون، وعلى رأس كل مائة من مبعث نبينا محمد يظهر صاحب علم يرفع أعلام العلم، فعلى رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وعلى الثانية محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، وعلى الثالثة أبو العباس أحمد بن شريح، وعلى الرابعة أبو بكر بن الخطيب الباقلاني، وعلى الخامسة أبو حامد الغزالي، وعلى السادسة أبو عبد الله الرازي رحمة الله عليهم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: من عمره الله أربعين سنة كف عنه أنواعاً من البلاء، منها: الجذام والبرص وجنون الشيطان، ومن عمّره الله خمسين سنة في الإسلام خفف حسابه يوم القيامة، ومن عمّره الله ستين سنة رزقه الإنابة إليه بما يحب له عزّ وجل، ومن عمره سبعين سنة أحبّه أهل السموات وأهل الأرض، ومن عمره ثمانين سنة محي سيئاته وكتب حسناته، ومن عمّره تسعين سنة غفر له ذنوبه، وكان أسير الله في الأرض، وشفع في أهل بيته.

وذهب العلماء إلى أنّ تكرر الأعوام يرى فيه حوادث عجيبة الشكل غريبة غير معهودة، وبحسب اختلاف الأهوية معادن غريبة ونبات وأشجار بديعة، وربّما يصير العامر غامراً والغامر عامراً، والبر بحراً والبحر براً، والسهل جبلاً والجبل سهلاً، كل ذلك بتقدير العزيز العليم ولنختم هذا الفصل بحكاية عجيبة.

وهي ما روي أنه كان في بني إسرائيل شاب عابد، وكان الخضر عليه السلام يأتيه، فسمع بذلك ملك زمانه، فأحضره بين يديه، وقال: إذا جاءك الخضر فأتني به وإلا قتلتك، فقال الشاب: ويحك، آتيك بالخضر؟ قال: نعم وإلا قتلتك، فرجع الشاب إلى مكانه متفكّراً في أمره حتى جاءه الخضر عليه السلام، فحدثه بحديث الملك، فقال: امض بي إليه، فلما دخلا على الملك قال له الملك: أنت الخضر؟ قال: نعم، قال: حدثني أعجب شيء رأيته، فقال الخضر عليه السلام: رأيت كثيراً من عجائب الدنيا وأحدثك بما حضرني الآن، كنت في اجتيازي مررت بمدينة كثيرة الأهل والعمارة سألت رجلاً من أهلها: متى بنيت هذه المدينة، فقال: هذه مدينة عظيمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، ثم اجتزت بها بعد خمسمائة سنة، فلم أر للمدينة أثراً، ورأيت هناك رجلاً يجمع العشب، فسألته: متى خربت هذه المدينة؟ فقال: لم تزل هذه الأرض كذلك، فقلت: أما كان ههنا مدينة؟ فقال: ما رأينا ههنا مدينة ولا سمعنا عن آبائنا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام، فوجدت بها بحراً فلقيت هناك جمعاً من الصيادين، فسألتهم: متى صارت هذه الأرض بحراً؟ فقالوا: مثلك يسأل عن هذا؟ إنّها لم تزل كذلك، قلت: أما كان قبل ذلك يبساً؟ قالوا: ما رأيناه ولا سمعنا به عن آبائنا، ثم اجتزت بعد خمسمائة عام وقد يبست، فلقيت بها شخصاً يختلي، فقلت: متى صارت هذه الأرض يبساً؟ فقال: لم تزل كذلك، فقلت له: أما كان بحر قبل هذا؟ فقال: ما رأيناه ولا سمعنا به قبل هذا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام فوجدتها مدينة كثيرة الأهل والعمارة أحسن مما رأيتها أولاً، فسألت بعض أهلها: متى بنيت هذه المدينة؟ فقال: إنّها عمارة قديمة ما عرفنا مدّة بنائها نحن ولا آباؤنا، فقال الملك: إنّي أريد أن أتبعك وأفارق ملكي، فقال له: إنك لا تقدر على ذلك، ولكن اتبع هذا الشاب، فإنّه يدلّك على الرشاد، والله الموفق للصواب.

تمت المقالة الأولى في العلويات، والحمد لله رب العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى الأزلي الذي لا أوّل لوجوده ولا ينتقل من حالة إلى أخرى، الأبدي الذي لا آخر لدوامه، وإليه المرجع والمنتهى، خلق الأرض والسموات العلى وأبدع الأركان والأمزجة والأعضاء والقوى وأنشأ الجماد والحيوان وأزواجاً من نبات شتى، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وإمام المتقين محمد خير الورى، وعلى آله مصابيح الدجى ومفاتيح الهدى.

أما بعد: فقد أردنا أن نذكر بعض عجائب ما دون فلك القمر من كرة الأثير و عجیب آثارها، وكرة الهواء وصحوها وأمطارها، وفوائد معادنها، وخواص نباتها وأشجارها، وخواص حيوانها وآثارها، مستعيناً بالله ومتوكلاً على الله، وبالله التوفيق.

المقالة الثانية في السفليات

وهو ما دون فلك القمر من العناصر والمولدات والنظر فيها في أمور: في حقيقة العناصر وطباعها وترتيبها وانقلاب بعضها إلى بعض.

ذهبوا إلى أنّ العنصر هو الأصل، وإنما سميت هذه الأجسام عناصر لأنها أصل المولدات أعني المعادن والنبات والحيوان، وتسمّى أيضاً أركاناً وهي أربعة: النار والهواء والماء والتراب، فالنار حارة يابسة مكانها الطبيعي تحت الفلك، وفوق الهواء، والهواء حار رطب ومكانه الطبيعي تحت النار وفوق الماء، والماء بارد رطب ومكانه الطبيعي تحت الهواء وفوق الأرض، والأرض باردة يابسة ومكانه الطبيعي الوسط ثم إنّ كل واحد من هذه الأركان متكيّف بكيفيتين يشاكل الذي بقربه بكيفية ويضاده بأخرى، فلأجل مشاكلتها تقاربت مراكزها، ولأجل تضادها تباينت، واختص كلٌّ بمركز لا يقف إلا فيه إلا إذا منعه مانع، فإذا ارتفع المانع كان النزوع إلى مركز العالم، فهو ثقيل، وإن كان إلى المحيط فهو خفيف، والله أعلم.

فصل في انقلاب هذه العناصر بعضها إلى بعض

أما الهواء فينقلب ماءً كما يشاهد في القطرات المجتمعة على سطح الإناء المتخذ من الصفر، فإنّك إذا تركت فيه ماء يرى على أطراف الإناء قطرات من الماء، ومعلوم أن ذلك ليس من ترشح الإناء بل سببها أنّ الهواء المحيط بالكون يصير بارداً بسبب برودة الجمد، فيصير ماء ويقع على أطراف الإناء والماء أيضاً ينقلب هواء كما يشاهد من البخارات الصاعدة من حرارة الشمس أو النار والهواء ينقلب ناراً كما يشاهد من السموم في بعض المواضع عند شدة الحر وكما نرى من كير الحدادين إذا بالغوا في نفخه فإنّ هواءه يصير بحيث إذا دنا منه شيء يحترق والماء ينقلب أرضاً كما ترى من بعض المياه أنّها تصير حجراً والأرض تنقلب ماء، كما يفعله أصحاب الإكسير بسحق أجزائها، وخلط بعض الأدوية بها حتى تصير كلّها ماء ولا تبقى فيها أجزاء الأرضية، والله تعالى هو الموفق للصواب.

النظر الأوّل في كرة النار

النار جرم بسيط، طباعه أن يكون حاراً يابساً مكانه تحت كرة الفلك لا لون لها، زعموا أن النار الصرف لا يدركها البصر لأنا نرى الشمع إذا اشتعل كانت شعلته منفصلة عن الفتيلة ولا شك أنّ الحرارة عند اتصال الفتيلة أقوى، وأيضاً إن كير الحدادين إذا بالغوا في نفخه صار هواء بحيث إذا دنا منه شيء يحترق ولا ضوء له، فعلم أن النار القوية الصرف لا لون لها، والنار التي هي فوق العناصر في غاية القوة والخلوص، فلذلك لا تدركها الأبصار، انظر إلى حكمة الباري كيف جعل كرة الأثير دون فلك القمر كيما يحترق بحرارتها الأدخنة الغليظة الصاعدة، وتلطف البخارات العفنة ليكون الجو أبداً شفافاً، وجعلها طبقة واحدة شديدة الحرارة، محيلة لكل ما وصل إليها من الأبخرة والأدخنة ناراً صرفاً لما ذكرنا من الحكمة وخلقها غير ملونة إذ لو كانت مضيئة كالنار التي عندنا لمنعت الأبصار عن رؤية عالم الأفلاك ثم حجبها بكرة الزمهرير ليمنع برد الزمهرير وهج الأثير عن الحيوانات والنبات، وإلا لأدّى إلى هلاكها، ثم أي شيء أعجب من خروج هذا الجرم النوراني من الحديد والحجر الكثيفين أو من الشجر الأخضر الذي يخالف طبيعة النار أو من الحرارة والضياء اللتين يلازمانها، ثم من غلبتها وسلطانها على الأجسام حتى على الصخرة الصماء، فتجعلها تراباً، وعلى الحديد فتذيبه، وإذا تفكرت في المصابيح المتعلقة بها للخلق سيما لنوع الإنسان وجد فهم الإنسان عن ضبطها قاصراً، ولهذا قال تعالى: (نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين فسبح باسم ربك العظيم)، فسبحانه ما أعظم شأنه.

ومن النيران العجيبة نار خلقها الله لقبول القرابين تنزل من السماء تأكل القربان المقبول، وهي التي أكلت قربان هابيل دون قربان قابيل، وكان ذلك الامتحان في بني إسرائيل أيضاً إذا أرادوا امتحان إخلاصهم تركوا القربان في بيت لا سقف له، ونبيهم يدخل البيت ويدعو الله تعالى والناس خارج البيت، فينزل من السماء نار بيضاء لها دوي محيط بالقربان فتأكله، وهي التي أخبر الله تعالى عنها حيث قال: (الذين قالوا إنّ الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار)، فهذه نار الرضا، فسبحان من جعلها مرة للرضا ومرة للسخط.

ومنها نار جعلها الله تعالى لسخطه كنار أصحاب الجنة التي ذكرها الله تعالى وهو أنه كان لرجل صالح بستان إذا كان يوم قطافه يطعم من جاءه من المساكين، فلما مات عزم أولاده على أن لا يطعموا المساكين شيئاً ويقطفوها سراً، فلما ذهبوا إليها وجدوها قد احترقت، (فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون) إلى قوله: (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون)

ومنها نار الصاعقة، وهي نار تسقط من السماء تحرق أي جسم صادفته وتتقد في الصخرة الصمّاء لا يرد عليها إلا الماء، ذكروا أنّها ربما تحجرت فتصير ألماساً فقطاع الألماس منها، والله أعلم بذلك. ومنها نار الحرتين، كانت ببلاد عبس، فإذا كان الليل تسطع من السماء، وكانت بنو طييء تنفش بها إبلها من مسيرة ثلاث، وربّما بدر منها عبق، فيأتي كل شيء بقربها فتحرقه، وإذا كان النار كانت دخاناً، فبعث الله تعالى خالد بن سنان العبسي وهو أوّل نبي من بني إسماعيل فاحتفر لها بئراً وأدخلها والناس ينظرون حتى غيبها، وقصتها مشهورة.

فصل: في الشهب وانقضاض الكواكب

زعموا أنّ الدخان إذا صعد الهواء ولم تصبه برودة حتى يصل إلى الطبقة النارية فإن لم تنقطع مادته عن الأرض وكان في الدخان دهنية تشتعل النار فيه، ويصير کله ناراً ويرجع إلى مادة الدخان، مثاله أنّ السراج إذا أطفىء وجعل تحت شعلته سراج آخر فإذا وصل دخان المنطفىء إلى الشعلة ترجع النار عن الشعلة وتوقد السراج المنطفىء، وأمّا إذا كانت مادته لطيفة تأخذها النار وتصير ناراً صرفاً، وقد ذكرنا أنّ النار الصرف لا ترى، وإن كانت المادة كثيفة فإذا أخذت النار فيها تبقى زماناً فترى منها أشكال بحسب مادة الدخان وهيئتها، فربّما يرى كوكباً ذا زاوية وعلى شكل تنين أو على شكل حيوان ذي قرنين أو على شكل أعمدة مخروطة، وربما يرى على شكل كرة تتدحرج على شكل الفلك، وربّما كانت المادة الدخانية كثيرة، فإذا أخذت النار فيها اشتعلت اشتعالاً عظيماً أضاء الهواء منها واستنار وجه الأرض منها، والله الموفق للصواب.

خاتمة: من الحكماء من شبه تعلق النفس الإنساني ببدنه إذا صار مستعداً لقبول النفس بتعلق النار بالفتيلة إذا صارت مستعدة لذلك، وكما أن إبطال هذا التعلق سهل بنفخه أو غيره، فكذلك إبطال تعلق النفس بالبدن سهل بطريق الاخترام، وكما السراج ينطفىء بانتهاء الدهن، فكذلك النفس تفارق عند انتهاء الرطوبة الغريزية بحدوث الحمى وغيرها، والإنسان يعيش في مكان لا ينطفىء فيه النار، ولذلك إذا أراد أصحاب المعادن والخبايا دخول فتق أو مغارة أخذوا شعلة على رأس خشبة طويلة وقدّموها، فإن بقيت الشعلة دخلوها، وإن انطفأت لم يتعرضوا لها وتركوها، والمصباح عند ذهاب دهنه وانطفائه ينتعش مرتين أو ثلاثاً انتعاشاً ساطعاً ثم يخمد، كما أنّ الإنسان قبيل موته يزيد قوة وتسمّى راحة الموت، ولم يكن بعد ذلك لبث، والله الموفق للصواب.

النظر الثاني في كرة الهواء

الهواء جرم بسيط، طباعه أن يكون حاراً رطباً شفافاً متحركاً إلى المكان الذي تحت كرة النار وفوق الماء، زعموا أنّ الأجرام الواقعة ما بين سطح الماء وسطح فلك القمر ثلاثة أقسام: أوّلها ما يلي القمر، وآخرها ما يلي سطح الماء والأرض، وأوسطها الهواء الواقع بينهما، أما الهواء المماس لفلك القمر فلدوام دورانه مع الفلك وسرعة حركته صار ناراً في غاية الحرارة، ويسمّى الأثير، وقد مر ذكرها، وكلّما كان منهبطاً إلى أسفل كان أبطأ حركة وأقل حرارة، وكلما قلت الحرارة غلبت البرودة إلى أن تصير في غاية البرد، ويسمّى الزمهرير، وأما القسم الثالث، فإنّه بواسطة مطارح شعاعات الشمس وغيرها من الكواكب على سطح الأرض، وانعكاسها صار معتدلاً، ولولا ذلك لكان الهواء المماس لسطح الأرض أشد برداً مما سواه كما يعرض ذلك للموضع الذي تحت القطب الشمالي لبعد الشمس عنه، فيبرد فيه الهواء ويجمد فيه الماء ويظلم الجو ويهلك الحيوان والنبات، وذكروا أن أكثر ما تكون كرة النسيم ستة عشر ألف ذراع ارتفاعاً وأقله ما يطابق سطح الأرض، فإنّ أعلى جبل يوجد على وجه الأرض لا يبلغ ارتفاعه هذا المبلغ ولا تمنع حرارة الجو هناك من انعقاد الغيم، فإنّ المانع من انعقاد الغيم في الهواء حرارة الجو، وأما سطح كرة النسيم فإنّه متداخل في عمق الأرض إلى نهاية ما ثم يقف، فإنّ النازلين إلى أسفل لطلب المعادن إذا احتاجوا إلى النسيم نفخوا بالمنافخ والأنابيب ليتنشقوا النسيم، ويضيء سراجهم، فإنّ النسيم متى انقطع عنهم انطفأ سراجهم واختنقوا، ولا يعيش الحيوان دون البرية إلا في موضع يوجد به النسيم، وللهواء تغيرات عجيبة واستحالات من النور والظلمة والحر والبرد، وقد سبق القول فيه، وأما ما يحدث من كثرة الأبخرة والأدخنة واختلاف الرياح والزوابع والهالة وقوس قزح والغيوم والرعود والبروق والصواعق والأمطار والضباب والطل والصقيع والثلوج والشهب وذوات الأذناب، فإنّ بعضها يقع في كرة الأثير، وقد ذكرناه. ومنها ما يقع في كرة الزمهرير وكرة النسيم فلنذكر الآن ذلك، والله الموفق للصواب.

فصل: في السحاب والمطر وما يتعلق بهما

زعموا أنّ الشمس إذا أشرقت على الماء والأرض حللت من الماء أجزاء لطيفة مائية تسمّى بخاراً، ومن الأرض أجزاء لطيفة أرضية تسمّى دخاناً، فإذا ارتفع البخار والدخان في الهواء ودافعهما الهواء إلى الجهات، ومن فوقهما برد الزمهرير، ومن أسفلهما مادة البخار غلظاً في الهواء، وتداخلت أجزاء بعضهما في بعض فيكون منهما سحاب مؤلف متراكم، ثم إنّ السحاب كلّما ارتفع انضمت أجزاء البخار بعضها إلى عض حتى يصير ما كان منها دخاناً ركاماً، وما كان بخاراً ماء، ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضها إلى بعض فتصير قطراً ثم تأخذ راجعة إلى أسفل، فإن كان صعود ذلك البخار بالليل والهواء شديد البرد منعه من الصعود وأجمده أوّلاً فصار سحاباً رقيقاً، وإن كان البرد مفرطاً أجمده البخار في الغيم، وكان ذلك ثلجاً لأن البرد يجمد الأجزاء المائية ويختلط بالأجزاء الهوائية وينزل بالرفق، فلذلك لا يكون له في الأرض وقع شديد كما للمطر والبرد، فإن كان الهواء دفئاً ارتفع البخار في الغيوم وتراكمت منه السحب طبقات بعضها فوق بعض كما ترى في أيام الربيع والخريف كأنها جبال من قطن مندوف، فإذا عرض لها برد الزمهرير من فوق غلظ البخار وصار ماء وانضمت أجزاؤها فصارت قطراً عرض لها الثقل، فأخذت تهوي من أعلى السحاب وتلتئم القطرات الصغار بعضها إلى بعض حتى إذا خرجت من أسفلها صارت قطراً كباراً، فإن عرض لها برد مفرط في طريقها جمدت وصارت برداً قبل أن تبلغ الأرض، وإن لم تبلغ الأبخرة إلى الهواء البارد فإن كانت كثيرة صارت ضباباً، وإن كانت قليلة وتكاثفت ببرد الليل ولم تجمد نزلت طلا، وإن انجمدت نزلت صقيعاً، والله أعلم.

واعلم أنّ من لطف الباري عزّ وجل أن أنزل المطر في كل سنة مقداراً معلوماً عنده إلى مستقر الحيوان لا إلى القفار البلاقع التي لا حيوان بها، فإنّ أهل التجربة زعموا أنّ كل بقعة بينها وبين البحر لا يكون أكثر من مسيرة أربعين يوماً، فإنّها لا تصلح لمسكن الحيوان لأنّ المطر لا ينزل بها، ثم من تمام لطفه عزّ وجل أن أنزل القدر الذي يكون كافياً لا قاصراً فلا ينبت شيئاً ولا زائداً على الحاجة فيعفن النبات، ويفسده ويضر بالحيوان كما فعل بقوم نوح عليه السلام، وإلى هذا المعنى أشار جلت قدرته بقوله: (أنزل من السماء ماءً بقدر)، ثم أنزله قطرات صغيرة فلو صبّه صباً خدش الأرض وأتلف الزرع، فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه وأوضح برهانه، والله الموفق.

فصل: في الرياح

زعموا أن حدوث الرياح من تموّج الهواء وتحركه إلى الجهات، كما أن تموّج البحر هو تدافع الماء بعضه لبعض إلى الجهات، فإنّ الهواء والماء بحران واقعان، غير أنّ أجزاء الماء ثقيلة الحركة، وأجزاء الهواء خفيفة الحركة، وأما كيفية حدوثها فإنّ الأدخنة التي تصعد من الأرض من تأثير الشمس وغيرها إذا وصلت إلى الطبقة الباردة إما أن ينكسر حرّها وإما أن تبقى على حرارتها، فإن انكسر حرّها تكاثفت وقصدت النزول فيموج بها الهواء فيحدث الريح، وإن بقيت على حرارتها تصاعدت إلى كرة النار المتحركة بحركة الفلك، فتردها الحركة الدورية إلى أسفل، فيموج بها الهواء فيحدث الريح، وربّما يحلّل تلك الأدخنة الهواء فيتحرك من جانب إلى جانب فيحدث منها الريح أيضاً، وسبب تحلّل الهواء لها إما من خروجها من مخرج معوج أو رد الرياح النازلة إيّاها من الصعود المستقيم، وربما تصل إليها رياح أخر وتمدها أدخنة من السفل فتميلها إلى جهة أخرى، والله الموفق.

ومن الرياح العجيبة: الزوبعة وهي الريح التي تدور على نفسها شبه منارة، وأكثر تولّدها من رياح ترجع من الطبقة الباردة فتصادف سحاباً تذروه الرياح المختلفة، فيحدث من دوران الغيم تدوير في الريح، فينزل على تلك الهيئة، وربّما يكون ملك صعودها مدوراً، فيبقى هبوبها كذلك مدوراً، كما يشاهد في الشعر الجعد، فإنّ سبب جعودته قد يكون لاعوجاج المسام، وربما يكون سبب الزوبعة التقاء ريحين مختلفي الهبوب، فإنّهما إذا تلاقيا تمنع إحداهما الأخرى عن الهبوب، فتحدث بسبب ذلك ريح مستديرة تشبه منارة، وربّما صادفت الزوبعة السفينة فترفعها وتدورها وتغرقها، وربّما وقعت قطعة من الغيم في وسط الزوبعة فتدوّرها في الهواء، فترى شبه تنين يدور في الجو وهذا كله من أمر الله وقدره، والله أعلم بالصواب.

القول في أصول الرياح

أصول الرياح أربعة:

الشمال: ومهبها من بنات نعش إلى مغرب الشمس

والجنوب: ومهبها من مطلع سهيل إلى مشرق الشمس.

والصبا: ومهبها من مطلع بنات نعش إلى المشرق.

والدبور: ومهبها من مطلع سهيل إلى المغرب.

أما الشمال: فإنّها باردة يابسة لأنّها تأتي من الناحية التي لا تسامتها الشمس أصلاً بل لا تقرب منها، وتكون الثلوج والمياه الجامدة بها كثيرة، فالريح يجتاز بها ويكتسب منها، وأيضاً هذه الناحية قليلة البحار كثيرة البراري والجبال، فتكسب منها يبساً وتكون أشدّ هبوباً من الجنوب لأنّها تهب من موضع ضيق من وسط الجبال، والجبال بناحية الشمال كثيرة، فيكون مهبها كخروج الماء من الأنبوب الضيق.

وأما الجنوب: فمهبها على البحار المتسعة، فتكون كخروج الماء من الإناء الواسع الرأس.

والشمال تصح الأبدان وتصلبها، وتقوي الأدمغة، وتصفّي اللون، وتصحح الحواس، وتهيج الشهوة. وزعموا أن الرياح الشمالية والجنوبية إذا دام هبوبها على مواضع تولد الحيوان، والشمالية تجعل أكثر أولادها ذكوراً، والجنوبية أكثر أولادها إناثاً، والله أعلم.

وأما الجنوب فحارة رطبة لأنّ هبوبها من ناحية خط الاستواء، والحر مفرط هناك لأنّ الشمس تسامتها في السنة دفعتين ولا تباعد عنها، فتزداد بذلك حراً، وأيضاً هذه الجهة كثيرة البحار، فتبخّر الشمس منها أبخرة رطبة فتكسب الجنوب منها رطوبة والجنوب ترخي الأبدان وتورث الكسل، وتحدث ثقلاً في الأسماع وغشاوة في البصر، ويظهر عند هبوب الجنوب في البحر سواد عظيم، ومن العجب أن الجنوب إذا هبت على الماء الحار برّدته، والشمال إذا هبت عليه تركته على حرارته كما كان، قالوا: سبب ذلك أنّ عند هبوب الشمال تكمن الحرارة في داخل الماء، كما ترى في الشتاء أنّ الحرارة تكمن في جوف الأرض، فيبقى داخلها حاراً، وأما عند هبوب الجنوب فتخرج الحرارة من داخل الماء كما ترى في الصيف، فإنّ الحرارة تخرج من جوف الأرض إلى خارجها، ويبقى داخلها بارداً، فخرجت الحرارة من داخل الماء عند هبوب الجنوب والماء في نفسه بارد يعود إلى طبعه.

والعرب تزعم أن اللواقح من الجنوب. ولا يأتي بالمطر إلا الجنوب.

وأما الصبا فقريبة من الاعتدال فإن كان هبوبها في أوّل النهار فهي مائلة إلى البرد لأنها تمر على مواضع باردة فبردت ببعد الشمس عنها بالليل، فتكون طيبة جداً إلا أنّ زمانها قليل لأنّ شعاع الشمس يسوقها من خلفها، فإذا طلعت الشمس ساقها إلى قدامها، فلا تزال كذلك تمر قدام الشعاع والشمس تلطفها وتسخنها بحرّها وضيائها حتى تصير معتدلة، وهي النسيم السحري الذي يلتذ به الإنسان ويطيب النوم عليه، ويجد المريض راحة عند هبوبها، ويكون هبوب هذا الريح بالأسحار من الليل والغدوات من النهار، والله الموفق.

وأما الدبور، فإنّها مخالفة للصبا لأنّها تهب والشمس مدبرة عنها فلا تسخنها تسخين الصبا، وكذلك تهب في آخر النهار ولا تهب قبله ولا تهب بالليل لأنّ الشمس تبلغ موضع مهبها في ذلك الوقت، فتحلل منه البخارات، ولهذا المعنى يكون زمان هبوبها قليلاً، وجميع ما ذكرنا من فوائد الصبا أمر الدبور ضد ذلك، وحسبك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور".

فصل: في فوائد عجيبة للرياح

منها: حكايتها لما تمر به من صوت أو رائحة أو كيفية أو بخار أو دخان، ومنها: إلقاحها الشجر، وترطيبها الزرع، وتجفيفها إيّاه، وتغييرها طباع الحيوان حتى قيل إنّ لها تأثيراً في الذكور والإناث كما ذكرنا، وتأثيرها في الحيوان أن بعضها يرخي البدن وبعضها يصلب، ومنها ما يصحح القوى ويصفي البشرة، ويذكي الحواس ويهيج الشهوة، ومنها ما يكون بضد ذلك، ومنها إجراء السفينة الثقيلة وقطع المسافة الطويلة بمدة يسيرة وأعجب من هذا نشرها السحاب وسوقها إياه إلى المواضع المحتاجة إلى السقي لإحياء البلاد والعباد كما قال تعالى: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات).

فصل: في الرعد والبرق وما يتعلق بهما

زعموا أنّ الشمس إذا أشرقت على الأرض حللت منها أجزاء أرضية يخالطها أجزاء نارية ويسمّى ذلك المجموع دخاناً، ثم الدخان يمازجه البخار ويرتفعان معاً إلى الطبقة الباردة من الهواء، فينعقد البخار سحاباً ويحتبس الدخان فيه، فإن بقي على حرارته قصد الصعود، وإن صار بارداً قصد النزول وأياً ما كان يمزق السحاب تمزيقاً عنيفاً، فيحدث منه الرعد، وربّما يشتعل نار لشدة المحاكة، فيحدث منه البرق إن كان لطيفاً والصاعقة إن كان غليظاً كثيراً، فتحرق كل شيء أصابته، فربّما يذيب الحديد على الباب، ولا يضر بخشبه وربّما يذيب الذهب في الخرقة، ولا يضر الخرقة، وقد يقع على الماء فيحرق حيتانه، وعلى الجبل فيشقه، واعلم أن الرعد والبرق يحدثان معاً، لكن يرى البرق قبل أن يسمع الرعد، وذلك لأنّ الرؤية تحصل بمراعاة البصر. وأما السمع فيتوقف على وصول الصوت إلى الصماخ، وذلك يتوقف على تموج الهواء، وذهاب النظر أسرع من وصول الصوت، ألا ترى أنّ القصار إذا ضرب الثوب فإن النظر يرى ضرب الثوب ثم يسمع الصوت بعد ذلك بزمان والرعد والبرق لا يكونان في الشتاء لقلة البخار الدخاني ولهذا المعنى لا يوجد في البلاد الباردة عند نزول الثلج لأن شدة البرد تطفىء البخار الدخاني والبرق الكثير يقع عنده مطر كثير وذلك لتكاثف أجزاء الغمام فإنّها إذا تكاثفت انحصر الماء فيها، فإذا نزل نزل بشدة كما إذا احتبس الماء ومنع جريه ثم أطلق فإنّه يجري جرياً شديداً، ولهذه العلة من أمسك نفسه عن الضحك قهقه بغتة، والله الموفق.

فصل: في الهالة وقوس قزح وغيرهما من الأشياء التي تظهر ونراها في الجو

قال القاضي عمر بن سهلان المناوي رحمه الله تعالى: تحقيق هذه الأمور موقوف على مقدمات.

المقدمة الأولى: في معنى انعكاس البصر وهو لا يقاس على انعكاس الضوء لأنّ انعكاس الضوء له حقيقة في الخارج، وأمّا انعكاس البصر فلا حقيقة له في الخارج، وإنّما يقدر بطريق التوهم إذ لا فرق في مقصودنا بين الانعكاسين، أمّا انعكاس الضوء فهو أن يقع شعاع من جسم مضيء على جسم كثيف صقيل وينعكس منه ويقع على جسم كثيف يكون وضعه من هذا الجسم الصقيل كوضع الجسم المضيء من ذلك الصقيل، لكنه يخالفه في الجهة على وجه تكون زاوية الاتصال كزاوية الانعكاس، وليس ذلك بشكل هندسي ولتكن دائر (كر) جرم الشمس ودائرة خط المرآة الصقيلة، وخط (اب) شعاع الشمس و(لح) الجسم الكثيف الذي هو في خلاف جهة الشمس من المرآة، فإنّ الشعاع يرجع من المرآة ويقع على الجسم الكثيف إذا لم يكن بينهما حائل، فلو قدرنا أنّ من شعاع (اب) يقوم على سطح المرآة خط كالعمود، وفرضنا على سطح المرآة خطاً وهو (ده) تظهر من خط (اب) الذي هو شعاع (يه ) المفروض على سطح المرآة زاوية، ومن خط (لح) الذي هو الشعاع الراجع، ومن خط (يه ) زاوية أخرى موازية للزاوية المتقدمة، فزاوية (أي د) زاوية اتصال الشعاع، وزاوية (هب ح) زاوية انعكاس الشعاع، فإذا فرضنا خط الشعاع عموداً على سطح المرآة كخط (وي) كان ناكصاً على أعقابه فإذا عرف انعكاس الضوء فيقاس عيه انعكاس البصر، فنقول: إذا كان في محاذاة النظر جسم صقيل وتوهمنا أنّ خطاً خرج من الحدقة واتصل بالجسم الصقيل، وقدرنا خروج خط هذا من السطح بين سطح الجسم الصقيل وبين سطح الخط المتصل من الناظر فيظهر من الخطين أعني الخط المتصل من الناظر إلى الجسم الصقيل والخط المرسوم على سطح الجسم زاويتان، فإن كانتا قائمتين فانعكاس البصر ناكص على أعقابه، وإن لم تكونا قائمتين فالتي تكون من طرف الناظر حادة، والأخرى منفرجة فلو فرضنا خطاً خارجاً من النقطة المشتركة بين هذين الخطين مخالفاً لجهة الناظر، ويكون وضعه من هذا الجسم الصقيل كوضع خط الناظر، فكل جسم كثيف وقع في طريق هذا الخط يراه الناظر، وتسمى هذه الرؤية انعكاس البصر كما إذا رأى الإنسان فى المرآة من كان خلفه أو كان على جانبيه أو كان فوقه أو تحته إذا كان بهذه الشرائط، والله الموفق.

المقدمة الثانية: إنّ المرآة الصغيرة لا يرى فيها شكل الأشياء كما هي بل يرى منها لونها كالشكل المربع والمثلث وأمثالهما، فإنّ شكلها لا يرى في المرآة الصغيرة بل يرى لونها كأحمر وأسود.

المقدمة الثالثة: إنّ المرآة إذا كانت ملونة لا يرى فيها لون الأشياء كما هي، بل ترى فيها مشوبة بلون المرآة كالكافور في الشيء الأخضر، فإنّه يرى أبيض مشوباً بلون الخضرة، وهكذا سائر الألوان.

المقدمة الرابعة: إنّ ما يرى في المرآة لا حقيقة له في المرآة لأنه لو كان له في المرآة حقيقة لكان الناظر إذا انتقل إلى مكان آخر رأى ذلك الشيء فيه على وضعه وليس كذلك لأنا نرى شجرة في المرآة، ثم إذا انتقلنا إلى جانب آخر نرى الشجرة في جانب غير ذلك الجانب وما كان حقيقياً لا يتغير مكانه بسبب تغير مكان الناظر إليه، فثبت أن ما يرى في المرآة لا حقيقة له، بل هو من باب الخيال، ومضي الخيال في المقام أن ترى صورة الشيء مع صورة غيره بتوهم أن إحداهما داخلة في الأخرى، ولا يكون في الحقيقة كذلك، بل إحداهما ترى بواسطة الأخرى من غير ثبوتها فيها، فإذا نظر الناظر في المرآة فكل جسم تكون نسبته إلى المرآة كنسبة الناظر على ما بيناه في انعكاس شعاع البصر يصير مرئياً. إذا عرفت هذه المقدمات فنقول وبالله التوفيق:

أما الهالة: فتحدث من أجزاء صقيلة صغيرة حدثت في الجوّ وأحاطت بغيم رقيق لطيف لا يستر ما وراءه وانعكس من الأجزاء الصقيلة شعاع البصر إلى القمر لأنّ ضوء البصر وغيره إذا وقع على الصقيل ينعكس إلى الجسم الذي يكون وضعه من ذلك الصقيل كوضع المضيء منه إذا كانت جهته مخالفة لجهة المضيء فيرى ضوء القمر ولا يرى شكله لأنّ المرآة إذا كانت صغيرة لا يرى شكل المرئي فيها بل ضوءه، فيؤدّي كل واحد من تلك الأجزاء ضوء القمر، فترى دائرة مضيئة وهي الهالة.

وأما قوس قزح: فإنّما يكون إذا حدثت في خلاف جهة الشمس أجزاء مائية شفافة صافية من نزول مطر أو بخار، وكانت الشمس مكسوفة قريبة من الأفق المقابل، ووراء تلك الأجزاء جسم كثيف مثل جبل أو سحاب مظلم، وإذا استدبر الناظر الشمس ونظر إلى تلك الأجزاء صارت الشمس في خلاف جهة الناظر، فانعكس شعاع البصر من تلك الأجزاء إلى الشمس لكونها صقيلة، فأدت ضوء الشمس دون الشكل لكونها أجزاء صغيرة، فكل واحد يؤدّي ضوء الشمس دون شكلها كما بينا، وسبب استدارة القوس وقوع الأشياء مستديرة بحيث لو جعلنا مركز جسم الشمس قطب دائرة على محيط فلكها لكانت تلك الأجزاء مسامتة لتلك الدائرة، وتختلف ألوان القوس بحسب تركب لون المرآة ولون الشمس كما بينا، فترى قسياً مختلفة الألوان بعضها أحمر وبعضها أخضر وبعضها أرجواني وأغلب الأوقات لونها مركب من ثمانية، وقد ترى في بعض الأوقات فيها أصفر أيضاً، فلو لم يكن وراء الأجزاء الصقيلة التي حدثت بعد المطر أو البخار جسم كثيف لا يظهر قوس قزح لأنّ الأجزاء الشفافة ينفذ شعاع البصر فيها ولا ينعكس كالبلور إذا جعلته في مقابلة الشمس من غير أن يكون وراءه جسم كثيف ينعكس عنه شعاع البصر، قال بعضهم: سبب اختلاف ألوانها قربها من الشمس وبعدها، فما يرى منها أحمر فإنّه أقرب إلى الشمس، وما يرى أصفر فإنّه أبعد من الأحمر، وما يرى أرجوانياً فبعيد عن الشمس ومخالط للظلمة، وما يرى كميتاً فمركب من الصفرة والأرجواني والبنفسجي. وحكى الشيخ الرئيس أنّه كان على الجبل الذي بين باورد وطوس وإنّه أعلى الجبال، وكانت السماء مكشوفة، فقال: كنت في وسط الجبل بيني وبين الأرض سحاب رطب والشمس في وسط السماء، فنظرت إلى السحاب الذي كان بيني وبين الأرض، فرأيت دائرة نقية بلون قوس قزح، فشرعت في النزول عن الجبل، والدائرة تصغر، فكلّما نزلت رأيتها أصغر مما كانت قبل ذلك إلى أن وصلت إلى السحاب فاضمحلّت.

النظر الثالث في كرة الماء

الماء جرم بسيط طباعه أن يكون بارداً رطباً شفافاً متحركاً إلى المكان الذي تحت كرة الهواء وفوق كرة الأرض. زعموا أنّ شكل الماء كروي لأنّ راكب البحر إذا قرب من جبل ظهر أعلاه أولاً ثم أسفله مع أن البعد بينه وبين الأعلى أكثر ممّا بينه وبين الأسفل، ولو لم يكن للماء حدبة تمنع من ذلك لما رأى أعلاه قبل أسفله لكن استدارة كرة الماء غير صحيحة لأنّ الباري تعالى لما أراد أن يجعل الأرض مقراً للحيوان، وحيوانات البر لا بد لها من الهواء للتنفس، ومن الأرض للمقر فخلق جلّت قدرته الأرض ذات تضاريس خارجة من الماء بمنزلة خشونات تكون على ظاهر الكرة، وذلك لا يقدح في أن يكون شكل الماء أو شكل الأرض كروياً ثم إنه تعالى جعل التضاريس محلاً للحيوانات البرية والوهاد للحيوانات المائية وكل واحد من الأركان في حيّزه محيط بالآخر إلا الماء فإنّه منعته العناية الإلهية عن الإحاطة بجميع جوانب الأرض لما ذكرنا من الحكمة.

واعلم أنّ الماء عذب ومالح وكل واحد منهما له فائدة لا توجد في الآخر؛ أمّا المالح فملوحته من الأجزاء الأرضية السبخة التي احترقت من تأثير الشمس، واختلطت بالمياه وجعلتها مالحة، فلو بقيت على عذوبتها لتغيرت من تأثير الشمس وكثرة الوقوف لأنّ من شأن الماء العذب أن ينتن من كثرة الوقوف وتأثير الشمس فيه، ولو كان كذلك لسارت الرياح بنتنها إلى أطراف الأرض فأدى إلى فساد الهواء، ويسمّى ذلك طاعوناً، فصار ذلك سبباً لهلاك الحيوان، فاقتضت الحكمة أن يكون ماء البحر مالحاً لدفع هذا الفساد، ومن فوائد الماء المالح الدر والعنبر وأنواع ما يؤتى به من البحر، وسيأتي شرحها مفصلاً إن شاء الله تعالى، والمياه المالحة في الحماءة فيها شفاء للأمراض الصعبة وماء زمزم صالح لجميع الأمراض المتفاوتة، قالوا: لو جمع جميع من داواه الأطباء لا يكون شطراً ممن عافاه الله تعالى بشرب ماء زمزم.

وأما العذب فمعظم فائدته الشرب، وفيه قوّة إذا نقعت فيه مطعوماً كالزبيب مثلاً يمص جميع حلاوتها حتى لا يترك فيها شيئاً من الحلاوة، وإذا خالط شيئاً يأخذ طبعه ولونه فيصير عسلاً وزيتاً وخلاً ولبناً ودماً، يقبل جميع الألوان والطعوم ولا لون له ولا طعم، ومن عجيب لطف الله تعالى أن كل مأكول ومشروب يحتاج إلى تحصيل أو معالجة حتى يصلح للأكل إلا الماء، فإنّ الله تعالى أكثر منه ولا حاجة إلى معالجته لعموم الحاجة إليه، فإنّ الله تعالى كفى الخلق معالجة اصطلاح الماء بتأثير الشمس في مياه البحر وارتفاع البخار منها، ثم إنّ الرياح تسوق ذلك البخار إلى المواضع التي شاء، وينزلها مطراً، ثم يخزن ذلك في الأوشال والكهوف في جوف الجبال وتحت الأرض، وتخرج منها شيئاً بعد شيء، وتجري الأنهار والأودية وتظهر من القني والآبار بقدر ما يكفي العباد لعامهم، فإذا جاء العام المقبل أتاهم مطر، وهكذا مثل الدولاب يدور حتى يبلغ الكتاب أجله، فسبحانه ما أعظم شأنه.

فصل: في صيرورة البحر في جانب في الأرض

إن من عجيب صنع الله تعالى انحسار الماء عن وجه بعض الأرض، ولولا ذلك لكان الأمر الطبيعي يقتضي أن يكون الماء لابساً جميع وجه الأرض حتى تصير الأرض في وسطه شبيهة بمح البيض، والماء حولها بمنزل البياض، ولو كان كذلك لبطل النظام الحسي، والحكمة العجيبة التي مر ذكرها من خلق الحيوان والنبات فاقتضى التدبير الإلهي المخالفة بین مركز الأرض ومركز الشمس لتدور على مركزها الخاص الذي هو غير مركز الأرض ليقرب من جانب من الأرض، ويبعد من الأخرى، فصارت الناحية القريبة منها تحمي ماءها، ومن شأن الماء إذا حمي أن ينجذب إلى الجهة التي يحمى فيها بالبخار، فإذا انجذب إلى هناك انحسر عن وجه الأرض من الجانب الذي يقابله من الشق الذي تبعد عنه الشمس، والشق الذي قربت منه الشمس هو الجنوب والشق الذي بعدت عنه هو الشمال فصار جانب الجنوب بحراً وجانب الشمال يبساً لتتم حكمته وينتظم أمر العالم على ما هو موجود، وما نرى من البحار من مستنقعات على وجه الأرض، وسيأتي شرحها إن شاء الله تعالى.

فصل: في أحوال عجيبة تعرض للبحار

إنّ للبحار أحوالاً عجيبة من ارتفاع مياهها وهيجانها في أوقات مختلفة من الفصول الأربعة وأوائل الشهور وأواخرها وساعات الليل والنهار. أمّا ارتفاعها فزعموا أن الشمس إذا أثرت في مياهها لطفت وتحللت وملأت مكاناً أوسع مما كان فيه قبل فدافعت أجزاؤها بعضها بعضاً إلى الجهات الخمس الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق، فتكون على سواحلها في وقت واحد رياح مختلفة، هذا ما ذكروه في سبب ارتفاع مياهها، وأما مد بعض البحار في وقت طلوع القمر، فزعموا أن في قعر البحر صخوراً صلدة وأحجاراً صلبة، وإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك متراجعة فسخنت تلك المياه وحميت ولطفت، فطلبت مكاناً أوسع وتموّجت إلى ساحلها ودفع بعضها بعضاً وفاضت على شطوطها وتراجعت المياه التي كانت تنصب إليها إلى خلف فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعاً إلى وسط سمائه، فإذا أخذ ينحط سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك دائماً إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي ثم يبتدىء المد على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال ذلك دائماً إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض وينتهي المد ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ الماء راجعاً إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي، هذا قولهم في مد البحار وجزرها، وأما هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان فإنّك ترى صاحب الدم والصفراء وغيرهما يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلاً قليلاً، وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: "إنّ الملك الموكل بالبحر يضع رجله بالبحر، فيكون منه المد ثم يرفع فيكون منه الجزر".

ولنذكر الآن هيئات البحار وبعض ما يتعلق بها من العجائب، والله الموفق.

البحر المحيط: هو البحر العظيم الذي منه مادة سائر البحار، ولم يعرف ساحله يسميه اليونانيون أوقيانوس، والبحار التي نراها على وجه الأرض هي بمنزلة الخلجان له، وفيها من الجزائر المسكونة والخربة ما لا يعلمه إلا الله تعالى، قال أبو الريحان الخوارزمي رحمه الله: إن البحر الذي في مغرب المعمورة على ساحل بلاد الأندلس يسمّى البحر المحيط وتسمّيه اليونانيون أوقيانوس لا يولج فيه، وإنما يسلك بالقرب من ساحله، ويمتد من هذه البلاد نحو الشمال فيخرج منه خليج نبطس عند اليونانيين وعند غيرهم بحر طرابزنده يمر عليه سور القسطنطينية، ويتضايق حتى يقع في بحر الشام ثم يمتد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة، ويخرج منه خليج عظيم في شمال الصقالبة يمتد إلى أرض قريبة من أرض البلغار.

البحر الأبيض: ينحرف نحو المشرق بين ساحله وبين أقصى أرض الترك أرضون وجبال مجهولة وخربة غير مسلوكة ثم يتشعب منه خليج من أعظم الخلجان يكون منه البحر الذي يسمّى في كل مواضع من الأرض التي تحاذيه باسمه فيكون أولاً بحر الصين ثم بحر الهند ثم يخرج منه خليجان عظيمان أحدهما بحر فارس والآخر بحر القلزم، ثم ينتهي إلى بحر معروف ببحر البر، ويمتد من عدن إلى سقالة الزنج، وهذا البحر لا يتجاوزه مركب لعظم المخاطرة، ثم ينتهي إلى الجبال المعروفة بالقمر التي ينبع منها عيون نيل مصر ثم إلى أرض سودان المغرب ثم إلى بلاد الأندلس وبحر أوقيانوس، وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يعرفه إلا الله تعالى، وأما ما وصل إليه الناس فكثير، كل جزيرة من عشرين فرسخاً إلى مائة فرسخ وإلى ألف فرسخ، والمشهور منها جزيرة قبرص وجزيرة شامس، وجزيرة رودوس وجزيرة صقلية، وفي جهة الجنوب جزائر الزنج وسرنديب، وسقطر أو جزائر الدنيجات، وأما بحر الخزرج فإنّه غير متصل بالمحيط ولا بشيء من البحار وهو مستدير إذا أراد السائر أن يطوف به على ساحله لا يمنعه شيء، وذكر السمرقندي في كتابه أنّ ذا القرنين أراد أن يعرف ساحل هذا البحر، فبعث مركباً فيه، وأمره بالمسير سنة كاملة لعل أن يأتي بخبر فسار المركب سنة كاملة ما رأى سوى سطح الماء وأراد الرجوع، فقال بعضهم: نسير شهراً آخر لعلنا نطلع على شيء نبيّض به وجوهنا عند الملك، ونقلل الزاد والماء في الرجوع فساروا شهراً آخر، فإذا هم بمركب فيه أناس فالتقى المركبان ولم يفهم أحدهما كلام الآخر، فدفع قوم ذي القرنين إليهم امرأة وأخذوا منهم رجلاً ورجعوا به وزوجوه امرأة منهم، فأتت بولد يفهم كلام الوالدين، فقالوا له: سل أباك من أين جئت؟ فقال: من ذلك الجانب، فقال: لأي شيء؟ قال: بعثنا الملك لنعرف حال هذا الجانب، فقيل له: وهل لكم ملك؟ قال: نعم أعظم من هذا الملك، والله أعلم بصحة هذا القول.

بحر الصين: هو متصل بالبحر المحيط حده من المشرق إلى القلزم ومنه إلى المغرب وليس على الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط، ويقال له بحر الهركند، وهو كثير الموج عظيم الاضطراب بعيد العمق. قال البحريون: جميع المد والجزر في بحر الهركند وما يتصل به كما في بحر فارس وكيفيته أنّ القمر إذا بلغ مشرق البحر ابتدأ بالمد، ولا تزال كذلك إلى أن يبلغ القمر وسط سماء ذلك الموضع فعند ذلك ينتهي المد منتهاه، فإذا انحط القمر عن وسط سمائه خنس الماء ورجع ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر مغرب ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك ابتدأ المد هناك مرة ثانية ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض، فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثانياً، ويبتدىء الجزر مرة ثانية إلى أن يبلغ القمر أفق ذلك الموضع، فيعود الحال المذكور مرة ثانية. قال أبو الريحان في كتابه المسمى بالآثار الباقية أن بحر الصين إذا قرب هيجانه يستدل على ذلك بارتفاع السمك من قعره إلى وجه الماء، وإذا دنا سكونه يبيض طائر مشهور في البر في مجمع القرى، وهو طائر لا يصير إلى الأرض أبداً ولا يعرف غير لجّة البحر، ووقت سكون البحر وقت بيضه، وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يحصى، وفيه مغاص الدر في الماء العذب يقع فيه الحب الجيد؛ وفي بعض جزائره ينبت الذهب، وفيه الحيوانات العجيبة الأشكال، وفيه الدردور وهو الموضع الذي إذا وقعت السفينة فيه لا تخرج، ولنذكرها إن شاء الله تعالى.

فصل: في جزائر بحر الصين

جزائر هذا البحر كثيرة لا يعلمها إلا الله، لكن بعضها مشهور يصل إليه الناس، منها: جزيرة رانج، وهي جزيرة كبيرة في حدود الصين أقصى بلاد الهند، يملكها ملك يقال له المهراج، قال محمد بن زكريا: للمهراج جباية تقع في كل يوم مائتي منّ من الذهب زنة كل منّ ستمائة درهم يتخذ منها لبناً ويطرحه في الماء، وخزانته الماء. وقال ابن الفقيه: بها سكان شبه الآدميين إلا أن أخلاقهم بالوحش أشبه، ولهم كلام لا يفهم، وبها أشجار وهم يطيرون من شجرة إلى شجرة، قال: وبها نوع من النسانيس له أجنحة كأجنحة الخنافس من أصل الأذن إلى الذنب، وفيها وعول كالبقر الوحشية ألوانها حمر منقطة ببياض، وأذنابها كأذناب الظباء، ولحومها حامضة، وبها دابة الزباد وهي شبه الهر يجلب منها الزباد، وبها فأر المسك، وبها جبل يسمّى النصان، وهو جبل مشهور به حیات عظام منها ما يبتلع الفيل، وبها قردة بيض كأمثال الجواميس، وأمثال الكباش، ونوع آخر أبيض الصدر أسود الظهر؛ قال زكريا بن خاقان: بجزيرة الرانج صنف من الببغاء بيض وحمر وصفر يتكلم بأي لغة تكون، وبها خلق على صورة الإنسان يتكلّم بكلام لا يفهم، يأكل ويشرب كالإنسان، وهم بيض وسود وخضر، ولها أجنحة تطير بها، وقال ابن بحر السيرافي: كنت في بعض جزائر الرانج فرأيت ورداً كثيراً أحمر وأصفر وأزرق وغير ذلك، فأخذت ملاءة حمراء وجعلت فيها شيئاً من الورد الأزرق، فلمّا أردت حملها رأيت ناراً في الملاءة، فأحرقت ما فيها من الورد، ولم تحترق الملاءة، فسألت الناس عنها، فقالوا إنّ في هذا الورد منافع كثيرة ولا يمكن إخراجه من هذه الغيضة، قال محمد بن زكريا: من عجائب هذه الجزيرة شجر الكافور، وهو عظيم جداً، الشجرة تظل مائة إنسان وأكثر فينقر أعلى الشجرة فيسيل ماء الكافور عدة جرار ثم ينقر أسفل من ذلك وسط الشجرة فتنثر منها قطع الكافور وهو صمغ تلك الشجرة، فإذا أخذ منها ذلك يبست.

ومنها جزيرة رامني، فيها عجائب كثيرة، قال ابن الفقيه: فيها ناس حفاة عراة رجال ونساء لا يعرف كلامهم، مساكنهم رؤوس الأشجار، وعلى أبدانهم شعور تغطي سوأتهم، وهم أمّة لا يحصى عددها، مأكلهم ثمار الأشجار، ويستوحشون من الناس، فإذا حمل أحد منهم إلى مواضع الناس لا يستقر وينفر إلى الغياض، وقال محمد بن زكريا الرازي: بجزيرة الرامني ناس عراة لا يفهم كلامهم لأنه شبه صفير، ويستوحشون من الناس، طول أحدهم أربعة أشبار، وجوههم عليها زغب أحمر، ويصعدون على الأشجار، وبها شجر الكافور والخيزران والبقم، ويغرس شجر البقم غرساً، وحمله أشبه بالخرنوب وطعمه طعم العلقم، وقال محمد بن زكريا الرازي: بجزيرة الرامني الكركند وهو حيوان على شكل الحمار العظيم جداً، على رأسه قرن واحد معقف، وقال أيضاً: إنّ بها جواميس لا أذناب لها.

ومنها جزائر السلاهي وهي جزائر كثيرة من دخلها من الآدميين لا يخرج منها لكثرة خيرها، وفيها ذهب كثير وبزاة شهب وشواهين، ومن العجائب ما حكي أن ملوك السلاهي يهادون ملك الصين، ويزعمون أنهم إن لم يفعلوا ذلك قحطت بلادهم ولم يمطروا، حكاه ابن الفقيه في كتابه.

ومنها جزيرة الواقواق، تتصل بجزيرة الرانج، والمسير إليها بالنجوم، قالوا: إنّها ألف وسبعمائة جزيرة تملكها امرأة، قال موسى بن المبارك السيرافي: دخلت عليها فرأيتها على سرير عريانة وعلى رأسها تاج من ذهب وعندها أربعة آلاف وصيفة أبكاراً، قالوا: إنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّ بها شجراً يسمع من يمر بها صوته كأنه يقول واق واق، وأهلها يفهمون من هذا الصوت شيئاً فيتطيرون منه. قال محمد بن زكريا: هي جزيرة كثيرة الذهب حتى أنّ أهلها يتخذون منه سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب، وبها شجرة الإبنوس.

ومنها جزيرة البنات، فيها قوم عراة، ألوانهم بيض، ولهم جمال وحسن صورة، يأوون إلى رؤوس الجبال ويأكلون الناس. ومن وراء ذلك جزيرتان عظيمتان طولاً وعرضاً فيهما قوم سود لهم خلق عادي، أجسامهم عظيمة وشعورهم مغلغلة، ووجوههم طوال وقدم أحدهم مقدار ذراع، ويأكلون الناس أيضاً.

ومنها جزيرة أطوران، وهي جزيرة كبيرة بها الكركند، ونوع من القرود كالحمر العظام، وبها شجرة الكافور، وذكر أن مراكب الإسكندر وقعت في هذا البحر فوصلت إلى جزيرة فيها قوم على هيئة الإنسان، رؤوسهم كرؤوس السباع، فلما دنوا منهم غابوا عن أبصارهم.

فصل: في الحيوانات العجيبة التي وجدت في هذا البحر

منها أنه إذا كثرت أمواج هذا البحر ظهرت فيه أشخاص سود، طول الواحد منهم أربعة أشبار كأنهم أولاد الحبشة، فيصعدون المراكب من غير ضرر.

ومنها ما حكى التجار أنّهم يرون في هذا البحر شبه طائر من نور يستطيع الناظر أن ينظر إليه لأنه يملأ بصره، فإن ارتفع على أعلى الرقل يرون البحر يسكن والأمواج تهدأ، ويكون ذلك دليل السلامة، ثم إنّه يفقد فلا يدرون كيف ذهب.

ومنها طائر يسمّى خرشة، أكبر من الحمام، قال في تحفة الغرائب: إذا طار هذا الطائر يأتيه طائر آخر يقال له كركر يطير تحته ويتوقع وقوع ذرقه فإن غدا كركر تحته ذرق خرشة عليه، وإنّه لا يذرق إلا في طيرانه.

ومنها دابة المسك، تخرج من الماء في كل سنة في وقت معلوم، فتصطاد، وهي شبيهة بالظباء، تذبح، ويوجد في صرّتها دم هو المسك، ولا يوجد لها هناك رائحة حتى تحمل إلى غيرها من البلاد.

ومنها دابة تستوطن شيئاً من الجزائر هناك لها رؤوس كثيرة ووجوه مختلفة وأنياب مقعقعة، ولها جناحان تأكل دواب البحر.

ومنها سمكة تزيد على ثلاثمائة ذراع يخاف على السفينة منها، وتوجد عند جزيرة واقواق، فإذا عرف القوم مرورها صاحوا وضربوا بالخشب لتهرب من أصواتهم، فإذا رفعت جناحها يكون كالشراع.

ومنها سلاحف، استدارة كل سلحفة عشرون ذراعاً، تبيض كل واحدة ألف بيضة، وهذا أيضاً يوجد بقرب جزيرة واقواق.

ومنها سمكة تسمّى سيلان، قال صاحب تحفة الغرائب: هذه السمكة تبقى على اليبس يومين حتى تموت، فإذا جعلت في القدر وغطي رأسه تنضج، وإن ترك رأس القدر مكشوفاً فإذا أثرت فيها النار طفرت و هربت، وتختبيء في كل موضع كابن عرس.

ومنها سمكة يقال لها الأطم، وجهها كوجه الخنزير، ولها فرج كفرج النساء، ولها مكان الفلوس شعر، وهو طبق من لحم وطبق من شحم.

ومنها نوع من السرطان، يخرج من البحر يكون كالشبر وأصغر من ذلك وأكبر، فإذا بانت عن الماء بسرعة حركة وطارت إلى البر عادت حجراً وزالت عنها الحيوانية، وتدخل في أكحال العين وأدويتها، وأمره مستفيض.

ومنها حيات عظيمة تخرج إلى البر وربما تبلع الجاموس والفيل وتنطوي على صخرة أو شجرة فتكسر عظامها في بطنها، فيسمع لكسر العظام صوت، و في هذا البحر مغاص الدردور، فإذا وقعت السفينة دارت فيه، ولم تكد تخرج، والملاحون يعرفون مكانه ويجتنبون عنه. وحكى بعض التجار قال: ركبت هذا البحر في جمع من التجار، فجاءتنا ريح عاصف صرفت المركب عن طريق المقصد، وكان معلم المركب شيخاً حاذقاً إلا أنّه كان أعمى، وكان يستصحب معه في السفينة شيئاً كثيراً من الحبال، وأصحابه ينكرون عليه ويقولون: لو حملنا مكان الحبال أحمال التجارة لأصبنا خيراً كثيراً، فلما أصابتنا الريح العاصف كان المعلم يقول لأصحابه: انظروا ماذا ترون، وهم يخبرونه بالحال إلى أن قالوا نرى طيراً أسود على وجه الماء، فجعل يدعو بالويل والثبور ويضرب على رأسه ويقول: هلكنا والله، فسألناه عن سبب ذلك، فقال: سترون ما يغنيكم عن إخباري، فما كان إلا يسير حتى وقعنا في الدردور الذي حسبناه طيراً أسود، كانت مراكب فيها أناس موتى، فبقينا حياري، وانقطع رجاؤنا عن الحياة وانتظرنا الموت، فلمّا شاهد المعلم منا ذلك قال: يا قوم هل لكم أن تجعلوا إليّ شطر أموالكم على إخراجي إيّاكم من هذه الغمرة؟ فقلنا: رضينا بذلك، فأمر بأخذ قنينتين مملوءتين من الدهن فأدليتا في البحر، فاجتمع عليها السمك ما لا يحصى، ثم أمر بتشريح الموتى الذين كانوا في المركب وشدّها في الحبال التي كانت معه ورموها في البحر، فأكلها السمك، ثم أمر القوم بضرب الدف والأخشاب والصياح والتصفيق، فإذا المركب تحرك عن مكانه وجرى، فلم يزل يفعل ذلك حتى خرجنا من الدردور، ثم أمر بقطع الحبال، فنجونا سالمين بإذن الله تعالى.

بحر الهند: هو أعظم البحار وأوسعها وأكثرها خيراً، ولا يعلم أحد بكيفية اتصاله بالبحر المحيط لعظم اتصال الموضع وسعته، وليس كالبحر الغربي، فإنّ انفصال البحر الغربي عن المحيط ظاهر، ويتشعب من الهندي خلجان، وأعظمها بحر فارس والقلزم، فالآخذ منه نحو الشمال بحر فارس، والآخذ منه نحو الجنوب بحر الزنج. قال ابن الفقيه: بحر الهند حاله مخالف لبحر فارس لأن عند نزول الشمس الحوت وقربها من الاستواء الربيعي يبدأ بالظلمة وكثرة الأمواج، فلا يركبه أحد لظلمته وصعوبته، ولا يزال كذلك إلى قرب الاستواء الخريفي، وأشد ما تكون ظلمته وصعوبته عند نزول الشمس في الجوزاء، فإذا صارت الشمس إلى السنبلة تقل ظلمته وتنقص أمواجه ويلين ظهره، ويسهل ركوبه إلى أن تصير الشمس إلى الحوت، وألين ما يكون عند نزول الشمس بالقوس، وفي هذا البحر عجائب كثيرة من الجزائر والحيوان وغيرهما، فلنذكر بعضها إن شاء الله تعالى.

فصل: في جزائر هذا البحر

قال بطليموس: إنّ في هذا البحر من الجزائر ما يزيد على عشرين ألف جزيرة، وفيها من الأمم ما لا يحصى عددهم لكن المشهور منها ما يصل إليه أهل بلادنا.

منها جزيرة برطاييل، وهي قريبة من جزيرة الرانج، قال ابن الفقيه: بها قوم وجوههم كالمجان المطرقة وشعورهم كأذناب البراذين، وبها الكركدن، وبها جبال يسمع منها بالليل صوت الطبل والدف والصياح المزعجة والصيحة المنكرة. والبحريون يقولون إن الدجّال فيها ويخرج منها، وفي هذه الجزيرة يباع القرنفل، وذلك أن التجار ينزلون عليها ويضعون بضاعتهم وأمتعتهم على الساحل، ويعودون على مراكبهم ويبيتون فيها، فإذا أصبحوا جاؤوا إلى أمتعتهم فيجدون إلى جانب كل بضاعة شيئاً من القرنفل، فإن رضيه أخذه وترك البضاعة، وإن أخذ البضاعة والقرنفل لم تقدر مراكبهم على السير حتى يرد أحدهما إلى مكانه، وإن طلب أحدهم الزيادة ترك البضاعة والقرنفل فيزاد له فيه.

وذكر بعض التجار أنه صعد هذه الجزيرة فرأى قوماً مرداً صفراً، وجوههم كوجوه الأتراك آذانهم مخروقة، ولهم شعور على زي النساء فغابوا عن بصره، ثم إنّ التجار بعد ذلك قاموا مدّة يترددون إلى الساحل، فلم يخرجوا إليهم شيئاً من القرنفل، فعلموا أن ذلك بسبب نظرهم إليهم ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه. وخاصية هذا القرنفل أنّه إذا أكله الإنسان رطباً لا يهرم ولا يشيب شعره، ولباس هذه الأمة ورق شجرة يقال لها اللوف يأكلون ثمرتها ويلتحفون بورقها، ويأكلون أيضاً السمك والموز والنارجيل، ويصطادون من البحر حيواناً على شكل السرطان، وهذا الحيوان إذا خرج إلى البر صار حجراً صلداً، وهو مشهور يدخل في الأدوية التي تتعلق بالكحل.

ومنها جزيرة السلامة يجلب منها الصندل والنيل والكافور ويخرج إليها من البحر سمكة تصعد الأشجار وتأكل فواكهها وتمصها مصاً ثم تسقط كالسكران، فيأتي الناس فيأخذونها، وقال في تحفة الغرائب: بهذه الجزيرة عين فوّارة يفور الماء منها وبقربها ثقبة ينزل فيها، فما بقي من الرشاشات، على أطرافها ينعقد حجراً صلداً، فما كان من الرشاشات في النهار يصير حجراً أبيض، وما كان في الليل يصير حجراً أسود.

ومنها جزيرة القصر وهي جزيرة فيها قصر أبيض يتراءى للمراكب، فإذا شاهدوا ذلك تباشروا بالسلامة، والربح والفائدة، ذكروا أنّه قصر مرتفع شاهق لا يدرى ما في داخله. وكان بعض الملوك سار إليها فدخل القصر بأتباعه فغلبهم النوم وخدرت أجسامهم، فلم يقدروا على الحركة، فبادر بعضهم إلى المراكب، وهلك الباقون.

ومنها أنّ أصحاب ذي القرنين رأوا في بعض الجزائر أمة رؤوسهم رؤوس الكلاب، وأنيابهم خارجة من أفواههم مثل لهيب النار، خرجوا إلى المراكب وحاربوهم فرأوا نوراً بعيداً ساطعاً، فإذا هو قصر من البلور تخرج منه هذه الأمة، فأراد ذو القرنين النزول عليهم ودخول القصر فمنعه بهرام الفيلسوف، وقال: من نزل هذا القصر يغلبه النوم والغشي، ولا يستطيع الخروج، فتظفر به هذه الأمة.

ومنها الجزائر الثلاث، قال صاحب تحفة الغرائب: هي ثلاث جزائر إحداها بجنب الأخرى، في إحداها تبرق السماء طول الليل، وفي الثانية تهب ريح شديدة، وفي الثالثة تمطر السحاب، ولا تزال كذلك من سنة إلى سنة أخرى.

ومنها جزيرة حارة، بها جبل عليه نار عظيمة بالليل ترى من بعد بعيد، وبالنهار دخان، ولا يقدر أحد على الدنو منها، وبها العود والموز والنارجيل وقصب السكر. وسكانها قوم شقر، على صورة الناس إلا أن وجوههم على صدورهم.

ومنها سمكة كبيرة معروفة عندهم يكتب الكتاب برطوبتها لا يبين على الكاغد شيء، فإذا كان الليل يظهر على الكاغد كتابة واضحة، ويكتب برطوبتها من أراد أن لا يطلع على مكتوبه أحد.

ومنها سمكة خضراء، رأسها كرأس الحيّة، من أكل منها اعتصم من الطعام أياماً.

ومنها سمكة مدورة يقال لها مارماهي، على ظهرها شبه عمود محدد الرأس لا تقوم لها في البحر سمكة إلا تضربها بذلك العمود وتقتلها.

واعلم أن في البحر حيوانات كثيرة ذوات صور شتّى، وليس في ذكرها فائدة، فالاقتصار على البعض أولى، وقد قيل حدّث عن البحر ولا حرج. وأما الحيوانات المائية المشهورة فنذكرها إن شاء الله تعالى.

بحر فارس: هو شعبة من بحر الهند الأعظم، من أعظم شعبها، وهو بحر مبارك كثير الخير، لم يزل ظهره مركوباً واضطرابه وهيجانه أقل من سائر البحار. قال محمد بن زكريا: سئل عبد الغفار الشامي البحري عن مد البحار وجزرها فقال: لا يكون المد والجزر في البحر الأعظم في السنة إلا مرتين، مرّة يمد في شهور الصيف شرقاً بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر وانحسر عن مشارقه، وأما بحر فارس فإنه يكون على مطالع القمر، وكذلك بحر الصين والهند وبحر طرابزنده، فإنّ القمر إذا صار في أفق من آفاق هذا البحر أخذ المد مقبلاً مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك الموضع، فيجزر الماء، ولا يزال راجعاً إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك انتهى الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد هناك مرة ثانية إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وتد الأرض فحينئذ انتهى المد منتهاه في المرّة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدىء الموضع بالجزور والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع، فيعود الماء على مثال ما كان عليه أوّلاً، ولهذا البحر مد آخر بحسب امتلاء القمر، ونقصانه، فإذا كان أوّل الشهر أخذ الماء في الزيادة ويزداد كل يوم إلى منتصف الشهر، فعند ذلك بلغ المد منتهاه، ثم يأخذ في النقصان، وينقص كل يوم إلى آخر الشهر، فعند ذلك بلغ الجزر منتهاه، ثم يعود إلى ما كان أوّلاً، ويأخذ في المد. قال ابن الفقيه: بحر فارس وإن كان متصلاً ببحر الهند إلا أنّ حالهما مختلف في السكون والاضطراب لأن بحر فارس تكثر أمواجه ويصعب ركوبه عند لين بحر الهند وسكونه، وكذلك بحر الهند تكثر أمواجه عند سكون بحر فارس، فأوّل ما تبدو صعوبة بحر فارس عند نزول الشمس ببرج السنبلة قريبة من الاستواء الخريفي، ولا يزال يزداد في كل يوم اضطرابه حتى تصير الشمس في الحوت، وأصعب ما يكون آخر الخريف عند نزول الشمس القوس، فإذا قربت من الاستواء الربيعي يعود إلى السكون، وأسهل ما يكون ظهره آخر الربيع حال نزول الشمس الجوزاء، قال أبو عبد الله الحسيني: خصص الله تعالى بحر فارس بمزيد الخيرات والفوائد والعجائب، فإنّ فيه المد والجزر وغزارة الماء، فإنّ الماء فيه من سبعين ذراعاً إلى ثمانين، وفيه مغاص اللؤلؤ الجيد البالغ الذي لا يوجد مثاله في شيء من البحار، وفي جزائره معدن العقيق وأنواع اليواقيت والسنبادج ومعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس وأنواع الطيب والأفاويه، وفيه الدردور أيضاً الذي لا ينجو منه شيء من المراكب إذا وقع فيه إلا ما شاء الله، وفيه عوير وكسير وهما موضعان قلما يسلم منهما مركب، وفيه حيوانات عجيبة الأشكال والصور، وسيأتي ذكر بعضها إن شاء الله تعالى.

ومنها جزيرة ليكالوس، أهلها عراة، وطعامهم الموز والسمك الطري والنارجيل، وأموالهم الحديد يتعاملون عليه، وتأتي التجار ويعاملونهم في البحر، ويتحلّون بالحديد كما يتحلى الناس بالذهب.

ومنها جزيرة التنين، وهي جزيرة واسعة عامرة، وفيها جبال وأشجار، وعلى حصونها سور عال يظهر به تنين عظيم، فاستغاث أهلها بالإسكندر، وذكروا أن التنين أتلف مواشيهم وأنّهم يأخذون له كل يوم ثورين وينصبونهما قريباً من موضعه، فيقبل كالسحابة السوداء وعيناه يقدّان كالبرق الخاطف، والنار تخرج من فيه، فيبلع الثورين ويعود إلى موضعه، فلمّا سمع الإسكندر ذلك أمر بإحضار الثورين، فسلخهما وحشا جلدهما زفتاً وكبريتاً وكلساً وزرنيخاً وجعل مع ذلك كلاليب من حديد، وجعلهما في ذلك المكان، فخرج التنين وابتلعهما، فاضطربت أحشاؤه في جوفه وتعلقت الكلاليب بأحشائه، فانتظره الناس في اليوم الآخر، فما وجدوا له أثراً، فذهبوا إليه، فإذا هو ميت فاتح، فاه، ففرح الناس بموته وشكروا سعي الإسكندر، وحملوا إليه هدايا عجيبة، ومن جملتها دابة عجيبة يقال لها المهراج، مثل الأرنب أصفر اللون وعلى رأسها قرن واحد أسود لم يرها شيء من السباع إلا هرب، والله أعلم.

فصل: في حيوانات هذا البحر

قال صاحب عجائب الأخبار: في هذا البحر طائر يقال له فنسون وهو مكرم لأبويه، وذلك أنّ هذا الطائر إذا كبر وعجز عن القيام بأمر نفسه اجتمع عليه فرخان من فراخه يحملانه على ظهرهما إلى مكان ويبنيان له عشاً وطيئاً ويتعاهدانه بالماء والعلف. ذكروا أنّ الله تعالى أكرم هذا الطائر بأن سخّر له البحر، فإنّه إذا باض سكن البحر أربع عشرة ليلة حتى تخرج فراخه في هذه المدة اليسيرة. والبحريون يتبركون به، فإذا كان أوّل سكون البحر علموا أنّ هذا الطائر قد باض.

ومنها سمكة وجهها كوجه الإنسان، وبدنها كبدن، السمك، وعلى وجهها نقط، وتظهر على وجه الماء.

ومنها سمكة تطفو على وجه الماء، فإذا رأت حيواناً مفتوح الفم تدخل في فمه وتصير غذاءه، ذكره صاحب تحفة الغرائب، ومنها حيوان يطلع من الماء ويرتفع والنار تخرج من منخره وتحرق ما حول مرتعه، فإذا رأوا الأرض المحترقة عرفوا أنّها مراتع ذلك الحيوان، ذكره صاحب تحفة الغرائب.

ومنها سمكة طيّارة، تطير ليلاً وتأكل الحشيش طول الليل، فإذا كان قبل طلوع الشمس عادت إلى البحر.

فصل: في جزائر هذا البحر

اعلم أن أكثر جزائر هذا البحر مسكونة معمورة، يأتيها الرجال، منها جزيرة خارك، بها معادن اللؤلؤ، ذكر البحريون أنّ صدف الدر لا يوجد إلا في بحر تصب فيه الأنهار العذبة، فإذا أتى وقت الربيع يكثر هبوب الرياح وارتفاع الأمواج، فتحمل الرياح رشاشات من بحر أوقياس، وفيه ماء شبيه بالزئبق لزج مثل الغراء، فيتولد منه الدربان، تقع تلك الرشاشات في محل الصدف، فيلقمه الصدف كما يلقم الرحم المني، فربما وقعت فيه قطرة كبيرة فتنعقد دراً كبيراً، وربما تقع رشاشات فتنعقد منها أجزاء صغار، كما ترى في أكثر الأصداف، ثم إنّ الصدفة إذا التقمت المطر خرجت من قعر الماء إلى ظاهره عند هبوب الشمال وطلوع الشمس وغروبها، ولا يخرج في وسط النهار، فإنّ شدة حرارة الشمس ووهجها تفسد الدر، فإذا خرجت فتحت فاها ليقع الشمال على الدر، فينعقد من أثر الشمال وحرارة الشمس، ويتكوّن في الصدف كما يتكوّن الجنين في الرحم، ثم إنّ جوف الصدف إن كان خالياً من الماء المر يكون الدر كدراً أو أصفر غير مهندم، وإذا تم الدر في الصدف ينتقل الصدف إلى موضع صلب، وتثبت عروقه فيه، ويكون عند الناس خيراً من وصول قفل الصدف، فإذا انتقل إلى أرض البحريين يهنىء الناس بعضهم بعضاً بوصول قفل الصدف، والغواص إذا نزل لإخراجه يقلعه من الأرض بالقوة، فما أخرج في وقته يبقى طرياً صقيلاً، وما أخرج قبل وقته أو بعده لا يبقى كذلك بل يتغيّر لونه، والله الموفق.

ومنها جزيرة جاشك، وهي بقرب جزيرة قيس لأهلها خبرة وصبر على الحركة الماء، فإنّ الرجل منهم يسبح في الماء أياماً كثيرة وهو يجالد بالسيف كما يجالد غيره على وجه الأرض وغير أهل هذه الجزيرة يعجز عن ذلك، وسمع من غير واحد أن بعض ملوك الهند أهدى إلى بعضهم جواري هنديات في مراكب، فوقع شيء من تلك المراكب إلى هذه الجزيرة، فخرج الجواري يتفسحن في الجزيرة فاختطفتهن الجن وافترستهن فولدن هؤلاء الذين بها، فلذلك فيهم من الجلادة مادة يعجز عنها غيرهم.

ومنها جزيرة كندولاودي، وأنا شاك في أنّ هذه الجزيرة في بحر فارس، أظن أنها في غيره، وقد ذكر جمع من العمانيين والسرافيين أنّ العنبر ينبت في قعر هذا البحر كما ينبت القطن في الأرض، فإذا اشتد اضطراب البحر قذفه البحر، فلذلك يرى قطعاً، وربّما أكل منه السمك الكبير فيموت ويطفو على الماء، فإذا اجتاز به أصحاب المراكب جذبوه بالكلاليب والحبال إلى الساحل، وأخذ العنبر من بطنه، والله أعلم.

فصل: في ذكر بعض الحيوانات العجيبة في هذا البحر

منها نوع من السمك يطفو على وجه الماء، وسبب طفوه هيجان البحر يعرفه البحريون، قال أبو الريحان في الآثار الباقية: في اليوم الثالث عشر من كانون الثاني: يضطرب البحر إلى فارس وإلى الإسكندرية، ويبقى أياماً يتغمط، وتشتد أمواجه، ويتكدر هواءه، وتكثر ظلمته ذكروا أنّه يقع في قعره ريح تهيج البحر، ويستدل على ذلك بنوع من السمك يظهر فيه، وظهوره إنذار بتحرك الريح في قعره، وربّما يتقدم بيوم.

ومنها الأسيور وهو نوع من السمك يأتي بالبصرة في وقت معين يعرفه أهل البصرة، ويبقى مقدار شهرين وبعده لا توجد هناك واحدة من هذا النوع.

ومنها الجراف وهو أيضاً نوع من السمك، ووصفه مثال وصف الاسيور.

ومنها البرستوح، قال البحريون: إنّ البرستوح يقبل من بلاد الزنج، يستعذب ماء دجلة البصرة ويعرف هذا النوع بأرض الزنج ثم يعود ما فضل من صيد الناس إلى مكانه ولا يوجد هذا النوع فيما بين البصرة والزنج إلا في أوان مجيئه، فإذا انقضى أوانها لا يوجد فيه واحد. وذكر البحريون أنّ البرستوح في الوقت الذي يوجد في البصرة لا يوجد بالزنج، وفي الوقت الذي يوجد في الزنج لا يوجد في البصرة، وحاله كحال الخطاطيف وغيرها من الطيور ينتقل من موضع إلى موضع، فسبحان من ألهم كل حيوان ما فيه مصالح نفسه.

ومنها الكوسج، وهو نوع من السمك شر من الأسد في الماء، يقطع الحيوان بأسنانه كما يقطع السيف الماضي، رأيته وهو سمك مقدار ذراع أو ذراعين، وأسنانه كأسنان الإنسان، ينفر الحيوان منه، وإذا أدرك سمكة كبيرة قطعها، وإذا أدرك آدمياً قتله أو قطع يده أو رجله، فإنّه نائبة عظيمة في هذا البحر، وله وقت معين يكثر فيه بدجلة البصرة.

ومنها حيوان يعرف بالتنين شر من الكوسج، في فمه أنياب مثل أسنة الرماح، وهو طويل مثل النخلة، وهو أحمر العينين مثل الدم، كريه المنظر جداً، يفر منه الكوسج وغيره.

ومنها سمكة خضراء اللون أطول من ذراع، لها خرطوم عظمى أقصر من ذراع يشبه منشاراً يكون كلا حدّيه أسناناً يضرب بها الحيوان يجرحه، ومن هذا النوع في بحر الحبابة كثير رأيتهم يصطادونه ويبيعونه مقلياً في السوق هناك.

ومنها سمكة مدورة، ذنبها أطول من ثلاثة أذرع، وعلى وسط ذنبها شوكة معقفة شبه كلاب، وهي سلاحها تضرب بها، وهي نمراء بياضها في غاية البياض ونقط سوادها في غاية السواد، ولها منخران على ظهرها، وفم على بطنها، وفرج كفرج النساء، والبحر لا تحصى عجائبه، وفي هذا القدر كفاية، والله الموفق.

ولنختم عجائب هذا البحر بحكاية عجيبة من دردوره أوردها صاحب كتاب "عجائب البحر" في كتابه: حدثني رجل من أصفهان أنه ركبته ديون ونفقة عيال عجز عنها، ففارق أصفهان ودارت به الدوائر حتى ركب البحر مع بعض التجار، قال: فتلاطمت بنا الأمواج حتى جعلنا في دردور بحر فارس المشهور، فاجتمع التجار إلى المعلم وقالوا: هل تعرف لأمرنا مخلصاً؟ فقال المعلم: يا قوم إن هذا دردور لا يتخلّص منه مركب إلا ما شاء الله تعالى، فإن سمح أحدكم بنفسه لأصحابه وأنا أبذل جهدي لعل الله يخلّصنا، فقلت أنا: يا قوم كلنا في معرض الهلاك، وأنا رجل سئمت من الشقاء وكنت أتمنى الموت، وكان في السفينة جمع من الأصفهانيين فقلت لهم احلفوا أنكم تقضون ديوني وتحسنون إلى أولادي، وأنا أفديكم بنفسي فأجابوا إلى ذلك فقلت للمعلم: ماذا تأمرني؟ فقال: أن تقف على هذه الجزيرة وكان بقرب الدردور جزيرة مسيرة ثلاثة أيام بلياليها ولا تفتر عن ضرب هذا الدهل، فقلت لهم: أفعل ذلك، فحلفوا لي أيماناً مغلظة على ما شرطت عليهم وأعطوني من الماء والزاد ما يكفيني أياماً وأنا على طرف الجزيرة، فذهبت ووقفت وشرعت في ضرب الدهل، فرأيت المياه تحركت وجرت المركب وأنا أنظر إليه حتى غاب عن بصري، قال: فلما غاب عني المركب جعلت أتردد في الجزيرة، فإذا أنا بشجرة عظيمة لم أر أعظم منها، وعليها شبه سطح غليظ، فلمّا كان آخر النهار أحسست بهدة شديدة، فإذا طائر لم أر حيواناً أعظم منه جاء ووقع على سطح تلك الشجرة، فاختفيت منه خوف أن يصطادني إلى أن بدا ضوء الصباح، فنفض جناحيه وطار، فلمّا كانت الليلة الثانية جاء ووقع على عشه، وكنت أيضاً آيساً من حياتي، ورضيت بالهلاك، ودنوت منه فلم يتعرض بشيء، وطار، مصبحاً، فلمّا كانت الليلة الثالثة قعدت عنده من غير دهشة إلى أن نفض جناحيه عند الفجر، فتمسكت برجله، فطار أسرع طيران إلى أن ارتفع النهار، فنظرت نحو الأرض فما رأيت سوى لجّة البحر، فكدت أترك رجله من شدة ما نالني من الوجع، فحملت نفسي على الصبر إلى أن نظرت نحو الأرض، فرأيت القرى والعمارات، فدنا من الأرض وتركني على صبرة تبن في بيدر لبعض القرى والناس ينظرون إلي، ثم طار نحو الهواء وغاب عنّي، فاجتمع علي الناس وحملوني إلى رئيسهم، فأحضر لي رجلاً يفهم كلامي، فقالوا لي: من أنت؟ فحدثتهم بحديثي كلّه، فتعجبوا مني وتبركوا بي، وأمر الرئيس لي بمال، فبقيت عندهم أياماً، فمشيت يوماً إلى طرف البحر أتفرّج فإذا قد وصل مركب أصحابي، فلما رأوني أسرعوا إليّ سائلين عن حالي، فقلت لهم: ياقوم، إنّي بذلت نفسي الله تعالى، فأنقذني بطريق عجيب، وجعلني آية للناس ورزقني المال وأوصلني إلى المقصد قبلكم. فهذه حكاية عجيبة وإن كانت غير بعيدة من لطف الله تعالى.

بحر القلزم: هو شعبة من بحر الهند جنوبي بلاد البربر والحبشة، وعلى ساحله الشرقي بلاد العرب وعلى الغربي اليمن، والقلزم اسم مدينة على ساحله، سمّي البحر بها، وأما حديث هيجانه ومده وجزره كما في بحر الهند فلا نعيده، وهو البحر الذي أغرق الله تعالى فيه فرعون لعنه الله وجنوده قالوا: كان بين البحر وأرض اليمن جبال يحول الماء عنها، وامتداده في أرض اليمن، وكان بين البحر واليمن مسافة، فقد بعض الملوك ذلك الجبل بالمعاول ليدخل منها خليجاً يهلك بعض أعدائه، فقطع من الجبل غلوتي سهم، وأطلق البحر في أراضي اليمن، فطفا الماء وأهلك أمماً كثيرة، واستولى على بلاد كثيرة، وصار بحراً عظيماً وصل إلى بلاد اليمن وجدة وجاوى، وينبع ومدين مدينة شعيب عليه السلام، وأيلة إلى القلزم.

فصل: في جزائره

وأكثرها لا مسلوكة ولا مسكونة. منها جزيرة ثارات، وهي قريبة من أيلة يسكنها قوم يقال لهم بنو جدان، معاشهم السمك، وليس لهم زرع ولا ضرع ولا ماء عذب، وبيوتهم السفن المكسرة، يسألون الماء والخبز ممن يمر بهم في الدهر الطويل، وعندهم دوارة ماء في سفح جبل إذا وقع الريح على دورته انقسمت قسمين وتلقى المركب بين شعبتين متقابلتين، فتخرج الريح من كليهما، فيثور البحر على كل سفينة تقع في تلك الدوران باختلاف الريحين فتنقلب ولا تسلم، ومقدار طوله ستة أميال؛ قيل هذا الموضع الذي غرق فيه فرعون بجنوده لعنه الله.

ومنها الحسامية، وفيها دابة تتجسس الأخبار وتأتي بها الدجال؛ روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهيرة وقام خطيباً، وقال: "إنّي لم أجمعكم لرغبة ولا لرهبة ولكن لحديث حدثنيه تميم الداري، حدثني أنّ نفراً من قومه أقبلوا في البحر فأصابهم ريح عاصف ألجأهم إلى جزيرة فإذا هم بدابة، قالوا لها: من أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: أخبرينا الخبر، قالت: إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير، فإنّه فيه رجلاً بالأشواق إليكم، قال: فأتيناه، فقال: من أنتم؟ فأخبرناه فقال ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: تدفق بين أجوافها، قال: فما فعلت نخل عمان؟ قلنا: يجتنيها أهلها، قال: فما فعلت عين زعر؟ قلنا: يشرب منها أهلها، فقال: لو يبست أنفذت من وثاقي فوطئت بقدمي كل منهل إلا مكة والمدينة".

ومنها جبل المغناطيس، وهو جبل في هذا البحر يوجد فيه المغناطيس الذي يجذب الحديد والمراكب المستعملة في هذا البحر لا يجعل فيها شيء من الحديد خوفاً من أن يجذبها المغناطيس.

فصل: في حيوان هذا البحر

أما الحيوانات التي توجد في غيره فلا نعيدها، والتي توجد في هذا البحر:

منها سمكة عظيمة تضرب السفينة بذنبها فتغرقها، طولها مائتا ذراع، يخاف على المراكب منها خوفاً شديداً.

ومنها سمكة مقدار ذراع، بدنها بدن السمك، ووجهها وجه البوم.

ومنها سمكة طولها عشرون ذراعاً، وظهرها الذبل الجيد، وإنّها تلد وترضع، وفيه سمكة كخلقة، البقر، تلد وترضع، والله الموفق.

بحر الزنج: وهو بحر الهند بعينه، وبلاد الزنج منه في جانب الجنوب، بجنب سهيل، ومن ركب هذا البحر يرى القطب الجنوبي، وسهيلاً ولا يرى القطب الشمالي وبنات نعش أبداً، وأقصى هذا البحر يتصل بالبحر المحيط، وموج هذا البحر عظيم كالجبال الشواهق، ونفحه يرتفع كالأطواد الشوامخ وينخفض، وماؤه يحفظ ليكون من الأدوية، ولا ينكسر موجه، ولا يظهر منه زبد كما يكون لسائر البحار، وفيه جزائر كثيرة ذات أشجار وغياض، لكنها غير ذات ثمار، وإنما هي نحو شجر الآبنوس والصندل والساج والقنا، والعنبر يلتقط من سواحله، فربّما توجد قطعة كتل عظيم.

ولنذكر شيئاً من جزائره وحيوانه:

منها الجزيرة المحترقة وهي جزيرة واغلة في هذا البحر، قلما يصل إليها من بلادنا أحد، حكى بعض التجار قال: ركبت هذا البحر فدارت بي الدوائر حتى حصلت في هذه الجزيرة، فرأيت فيها خلقاً كثيراً وبقيت بها زماناً، واستأنست بهم وتعلمت لغتهم، فإذا الناس في بعض الأيام مجتمعون ينظرون إلى كوكب طلع أفقهم، ثم شرعوا في البكاء والعويل، وقالوا: إنّ هذا الكوكب يطلع في كل ثلاثين سنة مرة، فإذا وصل إلى سمت رؤوسنا يحرق ما في هذه الجزيرة، فتأهبوا للنقل في المراكب، فلما دنا الكوكب من سمت رؤوسهم ركبوا فيها وأخذوا معهم ما خف من القماش، فركبت معهم فغبنا عنها مدّة، فلما علموا أنّ الكوكب زال عن سمت رؤوسهم عادوا إليها، فوجدوا جميع ما كان فيها رماداً، فشرعوا في استئناف العمارة.

ومنها جزيرة الضوضاء، وهي جزيرة ممّا يلي بلاد الزنج؛ وحكى بعض التجار أن بهذه الجزيرة مدينة من حجر أبيض يسمع منها ضوضاء زجلية ولا ساكن بها من البشر، وربما دخلها البحريون وشربوا من مائها، فوجدوه حلواً طيباً فيه رائحة الكافور، ويقولون: كنا نعرف منتهاها، غير أن بقربها جبالاً عظيمة تتوقد منها بالليل نار عظيمة، وذكر أن في حواليها حيّة تظهر في كل سنة مرة، فيحتال ملوك الزنج في أخذها، فإذا أخذوها يطبخونها ويتخذون من جلدها فراشاً يجلس عليها صاحب السل يأمن من غائلته، ويوجد ذلك في خزائن الملوك.

ومنها جزائر العور، حكى يعقوب بن إسحاق السراج قال: رأيت رجلاً من أهل رومية قال: ركبت هذا البحر فألقتني الريح إلى بعض الجزائر، فوصلت بها إلى مدينة أهلها ناس قامتهم قدر ذراع، وأكثرهم عور، فاجتمع عليّ جمع منهم وساقوني إلى ملكهم، فأمر بحبسي، فجعلوني في شبه قفص، فكسرته فأمنوني، فرأيتهم في بعض الأيام يتأهبون للقتال، وقالوا: لنا عدو يأتينا، وهذا أوان مجيئه فلم نلبث أن طلعت عليهم عصابة من الغرانيق، وكان عور نفر من الغرانيق أعينهم، فأخذت عصا وشددت عليها، فطارت وذهبت فأكرموني؛ وذكر أرسطاطاليس في كتاب الحيوان أن الغرانيق تنتقل من خراسان إلى ناحية مصر حيث يسيل ماء النيل، تقاتل هناك رجالاً قامتهم قدر ذراع.

ومنها جزيرة سكسار، حكى يعقوب بن إسحاق السراج قال: رأيت رجلاً في بعض الأسفار في وجهه خموش فسألته عن ذلك، فقال: ركبت البحر فألقتنا الريح إلى جزيرة لم نستطع أن نبرح عنها، فأتى قوم وجوههم وجوه الكلاب، وسائر أبدانهم كأبدان الناس، فسبق إلينا واحد منهم بعصا، ووقف الآخرون، فساقنا إلى منازلهم، فرأينا هناك الجماجم والسيقان وأذرع الناس، فأدخلونا بيتاً رأيت فيه إنساناً فجعلوا يأتوننا بالفواكه والمأكول، فقال ذلك الرجل: يطعمونكم لتسمنوا، ومن سمن منكم أكلوه، قال: فكنت أقلل المأكول حتى لا أسمن، وكل من سمن من أصحابي أكلوه حتى بقيت أنا وذلك الرجل لأنّي كنت هزيلاً، والرجل كان عليلاً، فقال ذلك الرجل إنّهم إذا حضر لهم عيد يخرجون كلهم إليه ثلاثة أيام، فإن أردت النجاة فانج بنفسك، وأما أنا فقد ذهبت رجلاي لا يمكنني الهرب، وأعلم أنّهم أسرع شيء طلباً وأشد استنشاقاً، وأعرف بالأثر إلا من دخل تحت شجرة كذا، فإنّهم لا يطلبونه ولا يقدرون عليه، قال: فكنت أسير ليلاً وأكمن نهاراً، فلما رجعوا وتفقدوني جعلوا يقصون أثري، فأدركوني، وكنت تحت الشجرة فانقطعوا عنّي، فلما أمنت جعلت أسير في تلك الجزيرة إذ رمقت أشجاراً كثيرة، فانتهيت إليها، فإذا بها من كل الفواكه وتحتها رجال أحسن صورة، فقعدت إليهم لا أفهم كلامهم ولا يفهمون كلامي، فبينما أنا جالس معهم إذ دنا إليّ واحد منهم ووضع يده على عاتقي، فإذا هو جالس على رقبتي ثم لوى رجليه عليّ، فأنهضني، فجعلت أعالجه لأطرحه عن رقبتي فخمشني في وجهي وسخرني كما يسخّر أحدكم مركوبه، فجعلت أدور على الأشجار وهو يقطف ثمارها ويرمي بها إلى أصحابه وهم يضحكون، فبينما أسير به في وسط الأشجار إذ أصاب عينيه بعض عيدان الأشجار، فعمي فعصرت له شيئاً من العنب ثم قلت له اکرع، فكرع، فتحللت رجلاه، فرميته وبقي أثر الخموش في وجهي، والله الموفق.

فصل: في حيوان هذا البحر

منها المنشار، قال بعض التجار: إنّها سمكة مثل الجبل العظيم ومن رأسها إلى ذنبها مثل أسنان المنشار، من عظام سود مثل الآبنوس كل سن منها في رؤية العين مقدار ذراعين، وعند رأسها عظمان طويلان كل عظم مقدار عشرة أذرع، وكانت تضرب بالعظمين البحر يميناً وشمالاً، فيسمع صوته صوتاً هزيلاً؛ قال: وكنا نرى الماء يخرج من فيها وأنفها ويصعد نحو السماء، وتصل إلينا رشاشاته مثل المطر، وبيننا مسافة بعيدة، وهذه السمكة تقطع السفينة إذا عبرت من تحتها أو خرجت عليها، فإذا رأى أصحاب المراكب هذه السمكة يضجون إلى الله تعالى حتى يدفعها عنهم مكرمة.

ومنها سمكة تعرف بالبال، طولها أربعمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع، فيظهر في بعض الأوقات طرف من جناحه يكون كالشراع العظيم، ويظهر رأسه وينفخ بفيه الماء، فيذهب الماء في الجو أكثر من غلوتين، والمراكب تفزع منها ليلاً ونهاراً، فإذا أحسوا بها ضربوا بالدبادب وضجّوا حتى تنفر، وإنّها تحسو بذنبها وأجنحتها السمك إلى فيها، فإذا بغت على حيوان البحر بعث الله سمكة نحو الذراع تدعى اللشك تلتصق بأذنابها ولا خلاص للبال منها، فتطلب قعر البحر وتضرب الأرض بنفسها حتى تموت، وتطفو فوق الماء كالجبل العظيم، وربّما يقذف البحر عند اشتداده قطعاً من العنبر كالتلال فيأكلها البال، فيقتلها فتطوف فوق الماء، ولها أناس يرصدونها في المراكب من الزنج، فإذا أحسوا بذلك طرحوا فيها الكلاليب وجذبوها إلى الساحل، ويشقون بطنها ويستخرجون العنبر منها، فما يكون في بطنها يكون شهكاً تعرفه التجار والعطارون بالعراق وفارس والهند، وما يكون في ظهرها يكون جيداً نقياً، والله الموفق.

بحر المغرب: هو من بحر الشام وبحر قسطنطينية، مأخذه من البحر المحيط، ثم يمتد شرقاً، فيمر بشمالي أندلس، ثم ببلاد الفرنج إلى قسطنطينية، ويمتد من جهة الجنوب إلى بلاد أولها سلا ثم سبتة وطنجة إلى طرابلس والإسكندرية، ثم سواحل الشام إلى أنطاكية، وفيه الجزائر العظيمة كجزائر أندلس وغيرها، وذكر في كتاب أخبار مصر بعد هلاك الفراعنة كان ملوك بني دلوكة في شق البحر المحيط من المغرب، وهو بحر الظلمات، فغلب على كثير من البلدان العامرة والممالك العظيمة، وامتد إلى الشام وبلاد الروم، وصار حاجزاً بين بلاد مصر والروم، وهو الخليج الذي في زماننا هذا على أحد ساحليه المسلمون، وعلى الآخر النصارى والفرنج، وهناك مجمع البحرين، وهما بحر الروم والمغرب، وعرضه ثلاثة فراسخ، وطوله خمسة وعشرون فرسخاً، وفيه يظهر المد والجزر في كل يوم وليلة أربع مرات، وذلك في البحر الأسود وهو بحر المغرب، عند طلوع الشمس يعلو فينصب في مجمع البحرين حتى يدخل في بحر الروم وهو البحر الأخضر إلى وقت الزوال، فإذا زالت الشمس غاض البحر الأسود وانصب فيه الماء من البحر الأخضر إلى مغرب الشمس، ثم يغيض الماء الأخضر ويعلو البحر الأسود إلى نصف الليل، ثم يغيض البحر الأسود، وانصباب الماء من البحر الأخضر إلى طلوع الشمس، وفي هذا البحر من الجزائر والحيوان ما يتعجب منه، فلنذكر بعضها إن شاء الله تعالى.

فصل: في جزائره

ذكر أبو حامد الأندلسي في كتابه الذي ألفه للوزير ابن هبيرة أنّ مجمع الترب. جزيرة فيها منارة مبنية من الصخر الصلد لا يعمل فيها الحديد شيئاً، ولها أساس راسخ، وليس للمنارة باب، وعلى رأس المنارة صورة إنسان ملتحف بثوب كأنه من ذهب، يده اليمنى ممدودة إلى البحر الأسود يشير بإصبع إلى شيء، وعلو المنارة أكثر من مائة ذراع؛ وقال غيره إنّ تلك الصورة طلسم عمله بعض الملوك صيانة لذلك الموضع من إتيان العدو، وإنّه مأمون ما دام ذلك الطلسم باقياً.

ومنها جزيرة تيس، وهي في بحر الروم، وذكر أبو حامد الأندلسي أنها جزيرة عظيمة فيها مدن وقرى كثيرة، من عجائبها أنّه يخرج إليها في كل يوم طير يصطادونه، ويبقى أياماً، ثم ينقطع ذلك النوع ويظهر نوع آخر، ويبقى أياماً، وهكذا أبداً، ويتم مائة ونيفاً وثلاثين نوعاً، وأساميها مكتوبة، رأيت في نقل ذلك سآمة.

ومنها جزيرة ذكرها صاحب الغرائب قال: إنّ في بحر الروم جزيرة كثيرة الأشجار والأزهار من شمّ شيئاً منها نام في ساعته.

ومنها ما ذكره أبو حامد الأندلسي على البحر الأسود من ناحية أندلس جبل عليه كنيسة من الصخر منقورة في الجبل وعليها قبة عظيمة، وعلى القبة غراب لا يبرح من أعلى القبة، وفي مقابلته القبة وهي كشبه مسجد يزوره الناس ويقولون إن الدعاء فيه مستجاب، وقد شرط على القسيسين ضيافة لمن زار المسجد من المسلمين، فإذا قدم زائر أدخل الغراب رأسه في روزنة على تلك القبة ويصيح، وإذا قدم اثنان صاح صيحتين، وهكذا كلّما وصل زائر أو زوار صاح على عددهم فيخرج الرهبان بطعام يكفي الزائرين، وتعرف الكنيسة بكنيسة الغراب؛ وزعم القسيسون أنهم ما زالوا يرون غراباً على تلك الكنيسة ولا يدرون من أين مأكله.

ومنها جزيرة مالطة، قال أبو حامد الأندلسي: رأيت في بحر الروم هذه الجزيرة مملوءة من الغنم الجبلية مثل الجراد المنتشر لا يمكنها الفرار من الناس لكثرتها، فإذا وصلت المراكب إليها أخذت منها ما شاء الله، وهي أغنام سمان كبار نعاج وحملان وليس فيها غير الغنم، وفيها أشجار وعشب كثير، وهي على طريق الإسكندرية في البحر، تقصدها السفن من كل جانب، وظنّي أنه لو حملت كل سفينة في ذلك البحر منها لا تفنى الغنم، ومنها جزيرة الدير، ذكر البحريون أنّها بقرب قسطنطينية، وهي دير ينكشف عنه الماء في كل سنة يوماً واحداً يحجها أهل تلك النواحي، وينتظرون ذلك اليوم ويزورون الدير ويحملون إليها الهدايا حتى إذا كان ذلك اليوم ينكشف عنه الماء، فيبقى ظاهراً إلى وقت العصر ثم يأخذ الماء في الازدياد، ويغطيها إلى العام القابل، والله الموفق.

فصل: في الحيوانات العجيبة في هذا البحر

حكى عبد الرحمن بن هارون المغاربي قال: ركبت هذا البحر فوصلنا إلى موضع يقال له البطرون، وكان معنا غلام صقلي معه صنارة، فألقاها في البحر فصاد بها سمكة نحو البشر، فنظرنا فإذا خلف أذنها اليمنى مكتوب لا إله إلا الله، وفي قفاها محمد، وخلف أذنها اليسرى رسول الله.

ومنها ما حكى أبو حامد قال: رأيت ملاحاً غاص بحر الروم فانكشف عن سنام جبل وعليه نارنج أحمر كأنه قطف الآن من شجرة، فظننت أنها سقطت من بعض السفن فقبضت على واحدة منها، فإذا هي حيوان التصق بالحجر لم أقدر على قلعه، فرمت قطعه بالسكين، فلم تعمل فيه السكين، وليس له عين ولا رأس، وفمه في موضع العرجون، فكنت ألفّ الثوب عليه، وأجرّه بقوّتي فيخرج من فمه مائية كاللعاب، وهو لين محبب شديد الحمرة لا يغادر من النارنج شيئاً، فإذا تركته كان يفتح فاه ويتحرك كأنه يتنفس.

ومنها ما ذكر صاحب تحفة الغرائب أنّ في بحر المغرب طائراً يقال له الماروز طائر مبارك يتبرك به أصحاب المراكب، يبيض عند سكون البحر على الساحل، فإذا رأوا بيضها عرفوا أن البحر يسكن، وهذا الطائر إذا كانت المراكب قريبة من مكان مخوف يأتي ويطير قدام المركب، ويصعد وينزل كأنه يخبرهم بالخوف حتى يدبروا أمرهم، والملاحون يعرفونه، والله الموفق.

ومنها الشيخ اليهودي، قال أبو حامد: حيوان وجهه كوجه الإنسان، وله لحية بيضاء، وبدنه على شبه بدن الضفدع، وشعره كشعر البقرة، وهو في حجم عجل، يخرج من البحر ليلة السبت إلى البر حتى تغيب الشمس ليلة الأحد، فإذا غابت الشمس ليلة الأحد وثب كما يثب الضفدع ويدخل الماء فلا تلحقه السفن؛ وذكروا أنّ جلده إذا وضع على النقريس أزال وجعه في الحال، والله الموفق.

ومنها سمكة تعرف بالبغل؛ قال أبو حامد الأندلسي: رأيت بمجمع البحرين سمكة مثل جبل عظيم صاحبة صيحة ما سمعت أهول منها يكاد القلب ينشق منها، فاضطرب الماء منها وكثرت الأمواج حتى خفنا الغرق قال البحريون: إنّها سمكة يقال لها البغل، هربت من السمكة الكبيرة وذلك أنّ السمكة الكبيرة تتبعها لتأكلها في بحر الظلمات فتنفر منها وتعبر في مجمع البحرين إلى بحر الروم، وتأتي السمكة الكبرى خلفها لتعبر في مجمع البحرين فلا يمكنها لعظمها، هكذا ذكر أهل ذلك الموضع يعني مجمع البحرين.

ومنها حوت موسى ويوشع عليهما السلام؛ قال أبو حامد الأندلسي: رأيت سمكة بقرب مدينة سبتة، هي نسل الحوت المشوي الذي أكل موسى ويوشع نصفه فأحيا الله النصف الآخر فاتخذ سبيله في البحر عجباً، ولها نسل في البحر إلى الآن في ذلك الموضع، وهي سمكة طولها أكثر من ذراع، وعرضها شبر واحد في أحد جنبيها شوك وعظام، وجلدها رقيق ملتصق على أحشائها ورأسها نصف رأس، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها ويحسب أنّها مأكولة ميتة، ونصفها الآخر صحيح، والناس يتبركون بها ويهدونها إلى المحتشمين ويشويها اليهود ويقدّدونها ويحملونها إلى الأماكن البعيدة.

ومنها سمكة بلغارية كأنّها قلنسوة بلغارية؛ قال أبو حامد الأندلسي: رأيتها وفي جوفها شبه المصارين، ولا رأس لها ولا عين، ولها مرارة كمرارة البقر سوداء، فإذا اصطادها أحد تحركت فيسود الماء الذي حولها مثل الحبر، وأظن ذلك السواد من تلك المرارة، فإذا وقعت في الشبكة يبقى ما حولها أسود جدّاً، فيؤخذ من ذلك الماء ويكتب به أحسن من كل مداد لا ينمحي وله سواد وبريق.

ومنها سمكة، ذكر أبو حامد أنها تقطع قطعاً وهي تتحرك، وربّما قلبت القدر إذا أرادوا طبخها فيها، ولا يسكن اضطرابها حتى تصير نضجاء، وهي سمكة لحمها طيب الطعم جداً.

ومنها سمكة تعرف بالخطاف، قال أبو حامد: ولها جناحان، على ظهرها أسودان: وأنها تخرج من الماء وتطير في الهواء وتعود إلى البحر.

ومنها سمكة تعرف بالمنارة ترمي نفسها على السفينة فتكسرها ويعرفها أهلها، فإذا أحس الناس بها ضربوا بالطشوت والبوقات لتبعد عنهم وهي محنة عظيمة في البحر.

ومنها سمكة كبيرة، إذا نقص الماء بقيت على الطين ولا تزال تضطرب إلى ست ساعات ثم تنسلخ من شدّة اضطرابها وقوّة تململها فيظهر لها جناحان من تحت جلدها فتطير وتتحول إلى البحر، ذكرها أبو حامد، والتنانين في هذا البحر كثيرة، وأكثر ما يكون عند طرابلس واللاذقية والجبل الأقرع من أعمال إنطاكية، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

بحر الخزر: هو البحر الذي في جهة الشمال على شرقيه جرجان وطبرستان وفي شماله بلاد الخزر، وفي غربيه جبال العقيق، وفي جنوبه الجبل والديلم وهو بحر عظيم واسع لا اتصال له بشيء من البحار على وجه الأرض، فلو أنّ رجلاً طاف حوله رجع إلى مكانه الذي ابتدأ منه، وهو بحر صعب المسلك سريع المهلك كثير الاضطراب، شديد الأمواج، لا مد فيه ولا جزر، ولا يرتفع منه شيء من اللآلى والجواهر، وجزائره غير مسكونة، ولكن في جزائره غياض ومياه وأشجار، وليس فيها أنيس؛ قالوا إن دوران هذا البحر ألف وخمسمائة فرسخ، وطوله ثمانمائة ميل، وعرضه ستمائة ميل، وهو مدور الشكل، فلنذكر شيئاً من جزائره وبحاره.

فصل: في جزائره وبحاره

منها ما ذكره أبو حامد، قال: رأيت في هذا البحر جبلاً من طين أسود كالقير والبحر محيط به، وفي سنام ذلك الجبل شق طويل يخرج منه الماء، ويوجد في ذلك الماء سناج الدانق من الصفر، وربما يكون أكبر أو أصغر يحملها الناس إلى الآفاق للتعجب.

ومنها جزيرة الحيات، قال أبو حامد إنّها بقرب الجبل الذي ذكر وهي جزيرة امتلات من الحيات، وفيها حشيش كثير، والحيات في وسطها لا يقدر أحد أن يضع رجله على الأرض لكثرة ما فيها من الحيّات الملتفة بعضها على بعض، وفيها طيور كثيرة، والحيّات لا تتعرض لبيض الطيور وفراخها، رأيت الناس يأخذون بأيديهم العصا ويزيلون الحيات بها عن مكان أقدامهم، ويمشون بين الحيات ويأخذون بيض الطيور، وفراخها والحيات لا تؤذي أحداً منهم.

ومنها جزيرة الجن، وهي جزيرة ليس بها أنيس ولا شيء من الوحوش، وتسمع أصوات كأنّهم يقولون غلب الجن عليها ولا يجسر أحد أن يقربها والله أعلم.

ومنها جزيرة الغنم، قال سلام الترجمان رسول الخليفة إلى ملك الخزر وهي جزيرة ما بين الخزر والبلغار، فيها من الأغنام الجبلية مثل الجراد لا يمكنها الفرار لكثرتها، وما رأيت في تلك الجزيرة حيواناً غيرها، وفيها عيون وحشيش وأشجار كثيرة فسبحان من لا تحصى تحصى نعمه.

فصل: في حيوان هذا البحر

ذكر أبو حامد الأندلسي في كتاب العجائب الذي ألفه للوزير ابن هبيرة عن سلام الترجمان رسول الخليفة إلى ملك الخزر قال: أقمت عند ملك الخزر أياماً، ورأيت أنّهم اصطادوا سمكة عظيمة جداً وجذبوها بالحبال، فانفتحت أذن السمكة وخرجت منها جارية بيضاء حمراء، طويلة الشعر، حسنة الصورة، فأخرجوها إلى البر وهي تضرب وجهها وتنتف شعرها وتصيح، وقد خلق الله تعالى في وسطها غشاء كالثوب الصفيق من سرتها إلى ركبتيها كأنّه إزار مشدود على وسطها، فأمسكوها حتى ماتت.

ومنها التنين العظيم، ذكروا أنه يرتفع من هذا البحر تنين عظيم شبه السحاب الأسود، والناس ينظرون إليه. زعموا أنّها دابة تؤذي دواب البحر فيبعث الله إليه سحاباً يخرجه من البحر ويحتمله، وهو على صورة حية سوداء لا يمر ذنبها على شيء من شجر أو بناء عظيم إلا هدته، وربما تتنفس فتحرق الشجر، فيلقيها إلى يأجوج ومأجوج تكون لهم غذاء، وعن ابن عباس رضي الله عنه نحو هذا.

ولنختتم هذا الفصل بحكاية عجيبة وهي أنّ كسرى أنوشروان لما فرغ من من سد بليخ وأحكمه سُر بذلك سروراً شديداً، وأمر بنصب سريره على السد ورقي على السرير وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يارب الأرباب أنت ألهمتني سد هذا الثغر وقمع العدو، فأحسن الموهبة إليّ، وعزّني، وسجد سجدة أطالها ثم استوى على فراشه واستلقى وقال: الآن استرحت، يعني من سطوة الخزر ومقاساة الترك، ثم أغفى، فطلع طالع من البحر سد الأفق بطوله وارتفعت معه غمامة سدت الضوء فتبادرت الأساورة إليه، فانتبه أنوشروان وقال: ما شأنكم؟ قالوا: الذي ترى، فقال: أمسكوا عن سلاحكم لم يكن الله عز وجل يلهمني الشغل اثني عشر عاماً وستة أشهر وتهده بهيمة من بهائم البحر، فنحى الأساورة، وأقبل الطالع نحو السد حتى علاه، ثم قال: أيها الملك أنا من سكان البحر، رأيت هذا الثغر مسدوداً سبع مرات، فأوحى الله تعالى أن ملكاً عصره عصرك، وصورته صورتك يسد هذا الثغر فينسد أبداً، وأنت ذلك الملك، فأحسن الله معونتك، ثم غاب عن البصر كأنه طار في الجوّ أو غاص في الماء، والله الموفق.

القول في حيوان الماء

حيوان الماء على قسمين، منه ما ليس له رئة كأنواع السمك، فإنّه لا يعيش إلا في الماء، ومنه ما له رئة كالضفدع، فإنّه يجمع بين الماء والهواء، فأما التي لا تعيش إلا في الماء فلا حاجة لها إلى استنشاق الهواء، لأنّ الباري تعالى لما خلقها في الماء جعل حياتها منه، وجعلها على طبيعة الماء، وركب أبدانها تركيباً بحيث يصل إليها برد الماء وروح الحرارة الغريزية التي في بدنها، وينوب عن استنشاق الهواء، فلذلك تراها لا صوت لها لفقد الرئة التي لا حاجة لها إليها. والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون لكل حيوان أعضاء كثيرة مختلفة، وكل حيوان يكون أنقص، فهو أقل حاجة، ثم اقتضت أن لكل حيوان أعضاء مشاكلة لبدنه ومفاصل مناسبة لحركاته وجلوداً صالحة لوقايته فجعل أبدان حيوان الماء إما صدفية صلبة لا يعمل فيها الشيء الحاد أو فلوسية أو ما شاكلهما غطاء ووقاية من العاهات العارضة، وجعل لبعضها أجنحة وأذناباً تسبح بها في الماء، كما يطير الطير في الهواء وجعل بعضها أكلاً وبعضها مأكولاً، وجعل نسل المأكول أكثر لبقاء أشخاصها، فسبحانه ما أعظم شأنه، ولنذكر بعض حيوان الماء وعجائبه وخواصه على ترتيب حروف المعجم، والله أعلم بالصواب:

أرنب البحر: هو حيوان رأسه كرأس الأرنب وبدنه كبدن السمك، قال الشيخ الرئيس ابن سينا: هو حيوان صدفي إلى الحمرة، ما بين أجزائه شبيه بورق الأشنان ينقي الكلف والبهق، ورأسه تحرق لتنبت الشعر في داء الثعلب، سيما مع شحم الدب.

إليس: نوع من السمك عظيم جداً، وحيوانات الماء كلها تصطاد إلا هذه السمكة من خواصه أنّه لو شوي وأطعم شخصان منه، وكان بينهما خصومة شديدة تبدلت بالمحبة.

إنسان الماء: يشبه الإنسان إلا أنّ له ذنباً، وقد جاء شخص بواحد منه في زماننا في بغداد، فعرضه على الناس وشكله على ما ذكرناه، وقد ذكر أنه في بحر الشام ببعض الأوقات، يطلع من الماء إلى الحاضرة إنسان، وله لحية بيضاء يسمونه شيخ البحر ويبقى أياماً ثم ينزل، فإذا رآه الناس يستبشرون بالخصب.

وحكي أن بعض الملوك حمل إليه إنسان مائي فأراد الملك أن يعرف حاله، فزوجه امرأة، فجاء منها ولد يفهم كلام الأبوين، فقيل للولد ماذا يقول أبوك؟ قال: يقول أذناب الحيوانات كلها على أسافلها ما بال هؤلاء أذنابهم على وجوههم.

بقرة الماء: زعموا أنه حيوان يطلع إلى البر للرعي، روثه عنبر، والله أعلم بصحته فإنّ الناس ذهبوا إلى أنّ العنبر ينبت في قعر البحر كالقير والنفط، فإن كان صحيحاً فروث هذا الحيوان ينفع الدماغ والحواس والقلب، والله أعلم.

بال: نوع من السمك عظيم يأكل العنبر فيموت، وقد ذكرناه في بحر الزنج، فلا نعيده، وفي دماغه دهن كثير، ويستعملونه لإشعال السرج.

تمساح: هو حيوان على صورة الضب من أعجب حيوان الماء، له فم واسع وستون ناباً في فكه الأعلى وأربعون ناباً في الأسفل، وبين كل نابين سن صغير مربع يدخل بعضه في بعض عند الانطباق، ولسان طويل، وظهره كظهر السلحفاة ولا يعمل الحديد فيه، وله أربعة أرجل وذنب طويل، رأسه ذراعان، وغاية طوله ثمانية أذرع، يحرك فكه الأعلى عند المضغ بخلاف سائر الحيوانات، ولا يقدر أن يلتوي ولا أن ينقبض لأنّه ليس لظهره خرزات بل ظهره قطعة واحدة، وهو كريه المنظر جداً، كثير العدوان يلتقم الآدمي والشاة، ويقتل الخيل والجمال، ولا يوجد إلا في النيل ونهر السند، وإذا رأى إنساناً على طرف الماء يمشي تحت الماء إلى أن يقرب منه، ثم يثب وثبة واحدة يأخذه، ويبيض كالطيور، ويشم من بيضه رائحة المسك، وزبله يخرج من فيه إذ لا منفذ له، وإذا أكل يبقى في خلل أسنانه شيء يتولد منه الدود، فيخرج من الماء ويفتح فاه مستقبل الشمس فيأتيه طائر مثل العصفور ويدخل فاه ويلتقط ما في خلل أسنانه، فإذا رأى صياداً رفرف وصاح وأخبر التمساح حتى يرجع إلى الماء، فإذا أحس التمساح أنّه نقى خلال أسنانه أطبق فاه على الطائر ليأكله، وقد خلق الله تعالى على رأس ذلك الطائر عظماً أحد من الإبرة فيضرب به حنك التمساح، فيرفع حنكه فيطير الطائر، وإذا انقلب التمساح لم يستطع أن يتحرك، وإذا أراد السفاد خرج من النيل وأنثاه معه، فيلقي الأنثى على ظهرها، فإذا قضى وطره قلبها، فإن تركها صيدت، فإنّها لا تقدر أن تنقلب.

فصل: في خواص أجزائه

زعموا أن عينه تشدّ على صاحب الرمد يسكن وجعه في الحال اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، وسنّه الأيمن تعلّق على الإنسان يزيد في الباه، وأوّل سن من جانب فكه الأيسر تشد على صاحب القشعريرة تذهب في الحال، ومرارته يكتحل بها تزيل بياض العين، وشحمه يجعل ضماداً على عضته فإنّه نافع في الحال، وكبده يدهن به المصروع يزول ما به، وزبله يزيل بياض العين اكتحالاً، وجلده يشد على جبهة الكبش في النطاح.

تنين: حيوان عظيم الخلقة، هائل المنظر، طويل الجثة عريضها كبير الرأس براق العينين، واسع الفم والجوف، كثير الأسنان، يبلع من الحيوان كثيراً يخافه حيوان البر والبحر، إذا تحرك يموج البحر لكثرة قوته، والتنين أول أمره يكون حية متمردة تأكل من دواب البر ما ترى، فإذا عظم فسادها يبعث الله تعالى ملكاً يحتملها ويلقيها في البحر، فتفعل بدواب البحر ما كانت تفعله بدواب البر، ويعظم جسمها فيبعث الله تعالى ملكاً فيحملها ويلقيها إلى يأجوج ومأجوج. وروي عن بعضهم أنه رأي تنيناً سقط فوجد طوله نحو الفرسخين، ولونه مثل لون النمر مفلساً كفلوس السمك، وله جناحان عظيمان على هيئة جناح السمك ورأس مثل التل العظيم كرأس الإنسان، وأذنان طويلان وعينان مدوران كبيران جداً، ويتشعب من عنقه ستة أعناق طوال، كل عنق نحو عشرين ذراعاً، على كل عنق رأس كرأس الحية.

أما خاصية، أجزائه، فزعموا أن أكل لحمه يورث الشجاعة، ولحمه يوضع على عضه ينفع نفعاً بيناً، ودمه إذا طلي به على الذكر وجامع تحصل للمرأة لذة عظيمة.

جري: هو الذي يقال له مارماهي متولّد من الحيّة والسمك، قال الجاحظ: إنّه يأكل الجرذان وهو آكل لها من السنانير، وذلك أنّ جرذان السنانير تخرج بالليل إلى شارع البصرة للماء، والجري قد يكمن لها واضعاً فاه على الشرعة، فإذا دنا الجرذان إلى الماء التقمها، مرارته يسعط بها الفرس المجنون يذهب جنونه، ولحمه يجود الصوت وينفع قصبة الرئة، وإذا تضمد به أخرج السلاء من أعماق اللحم، وأكله يزيد في الباه سيما الطري.

جلكا: نوع منه يشبه المارماهي، يخرج من البرك والعنس لطلب الغذاء، وإذا ذبح لا يخرج منه دم، وعظمه رخو يؤكل مع لحمه، ولحمه يسمن النساء إذا أكل، وهو نعم العلاج لذلك.

دلفين: حيوان مبارك، إذا رآه أصحاب المراكب استبشروا، وذلك أنه إذا رأى غريقاً في البحر ساقه نحو الساحل، وربّما دخل تحته وحمله، وربما جعل ذنبه في يده ويمشي به إلى الساحل؛ وقيل له جناحان طويلان، فإذا رأى المركب تسير بقلوعها رفع جناحيه تشبيهاً بالمركب وينادي، وإذا رأى الغريق قصده.

رعاد: سمكة صغيرة مخدرة جداً، إذا وقعت في الشبكة والصياد ماسك حبل الشبكة يرتعد من برودة هذه السمكة، والصيادون يعرفون ذلك، فإذا أحسوا به شدّوا حبل الشبكة في وتد أو شجر حتى يموت، فإذا مات بطلت خاصيته.

وأطباء الهند يستعملونه في الأمراض الشديدة الحر، وأما في غير بلاد الهند لا يمكن استعماله، وقال ابن سينا: الرعاد إذا قرب من رأس المصروع وهو حي أخدره عن الحس، وإذا  علقت المرأة منه شيئاً على نفسها لم يقدر زوجها على فراقها، والله الموفق.

ذامور: سمكة مباركة يحبها البحريون والصيادون إذا رأوها في الشبكة أطلقوها، زعموا أنّ هذه السمكة تحب الإنسان، وإذا رأت مركباً في البحر تمشي قدامه كالدليل، وإذا قصد السفينة شيء من الحيات الكبار تدخل أذنها وتشغلها عن السفينة بتحريك دماغها، فالسمكة العظيمة تطلب حجراً وتضرب رأسها عليه حتى تموت، فإذا ماتت خرجت من دماغها.

سرطان: هو حيوان لا رأس له، وعيناه على قفاه، وفمه على صدره، وله ثمانية أرجل يمشي على أحد جانبيه، وفي كل سنة يسقط جلده سبع مرات، ولمكانه بابان، أحدهما إلى الماء، والآخر إلى اليبس، فإذا انسلخ جلده يسد الباب الذي في الماء لئلا يدخل بيته شيء من حيوانات الماء في حال ضعفه وعجزه، ويترك الباب الذي على اليبس مفتوحاً ليهب الهواء منه، وإذا كثر وقوع الهواء عليه يصلب جلده ويعود إلى حاله فحينئذ يفتح باب الماء ويخرج منه لطلب معاشه، وزعموا أنه إذا وجد سرطان ميت في حفرة مستلقياً على ظهره في أرض أو قرية تأمن تلك البقعة من الآفات السماوية، وإذا علق على الأشجار يكثر ثمرها وما عليها من الثمار يبقى ويذبح السرطان ويوضع على الجراحات تخرج النصول والشوك وينفع من لسع الحيات والعقارب، وإذا أُحرق وشرب نفع من عضة الكلب، وإذا اكتحل به نفع من بياض العين، ونزول الماء، وإذا أُحرق وطلي به يجلو الأسنان، ورماده يوضع على العضو يخرج منه النصل والشوك، قال ابن سينا: لحمه صالح للمسلولين جداً سيما بلبن الأتن، وينفع من نهش العقارب والرتيلاء، وعينه تشد على النائم يرى منامات صالحة، وإن كان به رمد زال عنه، وعيناه إن علقتا على شجرة لم يسقط ثمرها، وشوكه يدخن به تحت ذیل صاحب حمّى الربع، ويكرر ذلك سبع مرات يبرأ، ورجله يعلق على صاحب الخنازير مع الكافور والعنبر يدفع عنه الخنازير، وإذا علّق رجل السرطان على أحد لم تعرض له الخنازير ما دامت عليه.

سرطان البحر: هو حيوان عجيب الشكل كأنه خمس حيات برأس واحد. إذا أُحرق بعظامه وسحق جلا البهق والكلف والأسنان وينفخ في عيون الدواب يزيل عنها البياض العارض ويكتحل به مع الكحل يزيل الظفر، وقال ابن سينا: محرقه يجلو الأسنان ويجفف القروح وينفع من الجرب.

سقنقور: قال ابن سينا: إنّه ورل مائي يصطاد في نيل مصر، وقال غيره إنّه من نسل التمساح، إذا وضع خارج الماء فما قصد الماء صار تمساحاً وما قصد البر صار سقنقوراً، وذكروا أنّه إذا عض إنساناً غسل الإنسان معضه بريقه، فإن كان قبل عود السمك إلى الماء مات السمك، وإن كان بعد عوده إلى الماء مات الإنسان، وله قضيبان كما للضب، لحمه إذا أكل هيّج قوة الباه، وكلّما كان جسمه أكبر كانت خاصة لحمه أقوى، وشحمه يهيج الباه تهييجاً لا يسكن إلا بحسو مرق الخس والعدس، وخرزته الوسطى التي في صلبه إذا علّقها الإنسان على صلبه هيجت به الباه.

سلحفاة: حيوان برّي وبحري، أمّا البحري فقد يكون عظيماً جداً حتي تظن أصحاب المراكب أنه جزيرة؛ وحكى بعض التجار قال: وجدنا في وسط البحر جزيرة مرتفعة عن الماء، فيها نبات أخضر، فخرجنا إليها وحفرنا للطبخ إذ تحركت الجزيرة، فقال الملاحون: هلموا إلى مكانكم، فإنّها سلحفاة أصابها حرارة النار لئلا تنزل بكم، قال: وكان من عظم جسمها ما شابه جزيرة، واجتمع التراب على ظهرها بطول الزمان، حتى صار كالأرض، ونبت، قالوا: إذا أراد الذكر السفاد والأنثى لا تطاوعه يأتي الذكر بحشيشة في فمه من خاصيتها أن حاملها يكون مقضي الحاجة، فعند ذلك تطاوعه الأنثى وهي حشيشة تسمّيها العجم مهركياه، لكن الناس لا يعرفونها، وإذا باضت صرفت همتها إلى بيضها محاذية له، ولا تزال كذلك حتى يخلق الله الولد فيها إذ لا بد لها أن تحضن البيض حتى يدرك بحرارتها فإنّ أسفلها صلب لا حرارة فيه، وربما تقبض السلحفاة على ذنب الحيّة وتمضغ من ذنبها، والحية تضرب بنفسها على ظهر السلحفاة حتى تموت، قال بليناس الحكيم: إذا قلبت السلحفاة على ظهرها في مكان فيه البرد لا يقع في ذلك المكان من البرد ضرر.

أمّا خواص أجزائها فعينها تشد على صاحب الرمد يبرأ وقالوا كل عضو من أعضاء السلحفاة إذا شد على مثله من أعضاء الإنسان، وكان وجعاً أبرأه ورجلها تشد على المنقرس اليمني على اليمنى، واليسرى على اليسرى تنفعه، ودمها يطلى به على العانة والإبط بعدما ينتف ما عليهما مرتين أو ثلاثاً لا ينبت شعره، وتأثيرها في النساء أقوى، ومرارة البحري أقوى منها تخلط بعسل النحل الشهد، تمنع من نزول الماء إذا اكتحل بها، وتزيل البياض والكدورة، وتصلح للخناق شرباً، وإذا وضعت على منخر المصروع نفعته، وظهرها إذا اتخذ منه مكبة ووضعت على رأس القدر لم تغل أصلاً وبيضها إذا سقي من صفرته ثلاث مثاقيل باللبن الحليب نفع من السعال الشديد.

سمك: أصناف السمك كثيرة جداً، ولكل صنف اسم خاص منها ما لا يدرك الطرف أوّلها، وآخرها لعظمها، ومنها ما لا يدركها الطرف لصغرها. وحكى بعض التجار قال: مرت بنا سمكة، وانتهى ذنبها بعد أربعة أشهر، وذكروا أنّ السمكة إذا باضت تأتي إلى ماء ضحضاح وتحفر فيه حفرة وتبيض فيها وتغطيها بالطين فتفقس فيها بإذن الله تعالى.

وأما خاصيته فإنّ السكران الثمل إذا شمّه يرجع إليه عقله، ويزول سكره، وقال ابن سينا: لحم السمك نافع لماء العين، ويحد البصر مع العسل؛ وقال غيره يزيد في الباه، ويخصب البدن، ومرارة السمك إذا شربت تنفع للخناق وكذلك إذا نفخت في الحلق مع شيء من السكر، والله أعلم.

شبوط: نوع من السمك مشهور وطوله ذراع، وعرضه أربع أصابع طيب اللحم جداً يكثر منه بدجلة؛ ذكر بعض الصيادين أن الشبوط ينتهي إلى الشبكة، فلا يستطيع الخروج منها فيعلم أنّه ليس ينجيه إلا الوثوب فيتأخر قاب رمح، ثم يقبل جامزاً بجراميزه حتى يثب، فربّما كان وثوبه في الهواء أكثر من عشرة أذرع، فيخرق الشبكة ويخرج منها.

شفنين: حيوان بحري تسمّى بهذا الاسم، وله وجمة وشكل عجيب، وجمته منقلبة إلى خلاف الناحية التي ينبت منها قشره تدلك به السن يسكن وجعها في الحال.

صيرة: سمكة صغيرة يسمّيها أهل الشام بهذا الاسم يتخذ منه المري ويتمضمض به صاحب القلاع الخبيث، ينفع نفعاً بيناً.

ضفدع: حيوان بري وبحري له عينان بارزتان غاية البروز وخاصة سمعه وبصره حادة جداً. عن أنس بن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا الضفدع، فإنّها مرت بنار إبراهيم عليه السلام، فحملت في أفواهها الماء، وكانت ترشه على النار"، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لا تقتلوا الضفدع، فإن نقيقهن تسبيح، وأوّل نشء الضفادع أن تظهر في الماء شبه معي رقيق وترى في الماء شبه حب أسود كالدخن، فإذا امتلأ ذلك الوعاء من ذلك الحب خرجت منه كالدعموص، ثم بعد أيام تنبت منه اليدان والرجلان، قال الشيخ الرئيس: إذا كثرت الضفادع في شيء من السنين على خلاف العادة وقع الوباء عقيبه، والضفدع كثير النقيق بالليل، فإذا رأى النهار ترك النقيق، وقال بعضهم: إذا ألقي في النبيذ يموت، وإذا أُلقي في الماء عادت حياته، قال الجاحظ: الضفدع لا يمكنه النقيق إلا إذا كان حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار الماء في فمه صاح ولهذا لا تصيح الخارجات من الماء، وضفدع البر أخضر وهو سم، من سقي منه فسد مزاجه، وينتفخ بطنه، ويعرض له الاستسقاء، وإذا وضع على الثآليل قلعها، وإذا شق بطنه ووضع على لسعة الحيّة ينفع نفعاً بيناً؛ وقال الشيخ الرئيس: الضفادع الأجامية الخضرة والبحرية تورث من شربها كمودة اللون وظلمة البصر ونتن الفم والدوار أيضاً، ويعرض له اختلاط عقل، ومن سلم تسقط أسنانه؛ قال الجاحظ: إن الأشد في مناقع المياه والآجام تأكلها أشد أكل، قال بليناس: إن جعلت ضفدعاً فوق قدر تغلي زال غليانها، وإن علق على صاحب حمى الربع برأ.

ومن خواصه العجيبة ما ذكر أنّ الضفدع إذا أخذ فقد نصفين من رأسه إلى أسفله، وتنظر إليه امرأة غلبت شهوتها وكثر ميلها إلى الرجال، فإن شهوتها تنكسر، وأمّا خواص أجزائه فإنّ لسانه إذا جعل في الخبز ويطعم من اتهم بالسرقة أقرّ بها، وإن وضعته على امرأة نائمة تكلمت بما عملت في اليقظة وهي نائمة، وأطرافه تحرق بنار القصب ويطلى برمادها الموضع الذي ينبت عليه الشعر، فإنّ الشعر لا ينبت عليه، ودمه يطلى به على الموضع الذي نتف شعره، فإنّه لا ينبت؛ وقال بليناس: من لطخ به وجهه أحبه كل من يراه، وشحمه يوضع على اللثة يسقط السن بلا وجع.

ولنختتم خواص الضفدع بحكاية عجيبة، وهي: أني كنت بالموصل وبنى صاحب الموصل في بستان مجلساً وبركة وتوالدت الضفادع فيها، وكان نقيقها يؤذي سكان المجلس طول الليل؛ فقال الأمير: دبّروا دفع هذا النقيق فما أفاد شيئاً، حتى جاء رجل وقال: اجعلوا طشطاً على وجه الماء مكبوباً، ففعلوا، فلم يسمع بعد ذلك شيء من النقيق أصلاً.

علق: حيوان أسود اللون بقدر الأصبع الخنصر، يوجد في المياه، يستعمل في المعالجات، فإنّ الأطباء إذا أرادوا إخراج الدم من موضع مخصوص أخذوا هذا الحيوان في قطعة طين وقرّبوه من العضو، فإنّه يتشبث به، ويمص الدم منه، وإذا أرادوا سقوطه رسوا عليه ماء الملح، فإنّه يسقط في الحال، وربما يكون العلق في الماء يشربه الحيوان يتشبث العلق بحلقه، فطريقه أن يدخن بوبر الثعلب، فإذا أصابها دخانه سقط في الحال، وإن دخنت البيت بالعلق هلك ما فيه من الأنحل والبق والبعوض وأمثاله، وإذا ترك العلق في قارورة حتى يموت، ثم يسحق وينتف الشعر ويطلى به موضعه، فإنّه لا ينبت الشعر بعد ذلك أبداً.

قطا: صنف من الدواب الصدفية، يوجد ببلاد الهند في المياه القاتمة المنبتة للناردين، ويوجد بأرض بابل أيضاً، وهو من أعجب الحيوانات، له بيت صدفي يخرج منه، وجلده أرق شيء، وله رأس وأذن وعينان وفم، فإذا دخل في بيته يحسبه الإنسان صدفة، وإذا خرج منه ينساب على الأرض، ويجر بيته معه، فإذا جفت المياه في الصيف تجمع، ورائحته عطرة لأنّ هذا الحيوان يرتعي الناردين، وإذا بخر بها ينفع من الصرع، وإذا أحرق يجلو رماده الأسنان، وإذا نثر على حرق النار وترك حتى يجف عليه نفع نفعاً بيناً، والله الموفق.

فرس الماء: قالوا إنّه كفرس البر إلا أنّه أكبر عرفاً وذنباً وأحسن لوناً، وحافره مشقوق كحافر بقر الوحش وجثته دون فرس البر وفوق الحمار بقليل، وربما يخرج هذا الفرس من الماء وينزو على فرس البر، فيتولد منهما ولد في غاية الحسن.

حكي أنّ الشيخ أبا القاسم ويعرف بكركان رحمه الله وهو من مشايخ خراسان نزل على ماء وكان معه حجرة فخرج من الماء فرس أدهم عليه نقط بيض كالدراهم ونزا على الحجرة، فولدت مهراً شبيهاً بالذكر، عجيب الصورة، فلما كان ذلك الوقت عاد إلى ذلك المكان، والحجرة والمهر معه طمعاً في مهر آخر، فخر الفحل وشم مهره، ثم وثب في الماء ووثب المهر بعده فكان الشيخ يعاود ذلك الموضع مع الحجرة فسمّي أبا القاسم، كركان، قال عمر بن سعد: فرس الماء بمصر يؤذن بطلوع النيل بأثر وطئه، فإنّهم حيث وجدوا أثر رجله عرفوا أن ماء النيل ينتهي إلى ذلك الموضع.

أما خواص أجزائه فسنّه نافعة لوجع البطن، ذكروا أنّ جمعاً من السودان الذين يسكنون شاطىء النيل من الحبشة يشربون الماء المكدر ويأكلون السمك النيء، فيصيبهم المغص، فيشدون هذا السن على العليل فيزول عنه في الحال، عظامه تُحرق وتُخلط بشحمه ويضمد به السرطان يردعه ويزيل أثره في الحال، خصيته تجفف وتسحق وتشرب لنهش الهوام، جلده إن دفن وسط قرية لم يقع بها شيء من الآفات ويحرق ويجعل على الورم يسكن.

قاطوس: سمكة عظيمة تكسر السفينة، والملاحون يعرفونها يتخذون خرق الحيض ويعلقونها على السفينة فإنّها تهرب عنهم.

قطا: سمكة عظيمة، ذكروا أن عظم ضلعه يتخذ قنطرة يعبر الناس عليها، شحمه إذا طُلي به البرص يزول بإذن الله.

قندر: برّي وبحري، يكون في الأنهار العظام في بلاد ايسودون، ويتخذ من البر بيتاً إلى جانب النهر ويجعل لنفسه فيه مكاناً عالياً كالصفة، ولزوجته دون الذي له بدرجة، وعن شماله لأولاده، وفي أسفل البيت لعبيده، ولمسكنه بابان باب إلى البر وباب إلى البحر، فإن جاءه العدو من جهة الماء أو طغى الماء خرج إلى البر، وإن جاءه من جهة البر خرج إلى الماء يأكل لحم السمك وخشب الخليج، والتجار في تلك البلاد يعرفون جلد الخادم والمخدوم، ولأنّ الخادم يجذب خشب الخليج فتسقط طاقات جلده.

أما خواص أجزائه فخصيته تسمّى الجندبادستر تنفع من ريح أم الصبيان، إذا سقي منه قدر حبة الجلبان وهو مجرب، وينفع أيضاً من الفالج واللقوة والنسيان والرياح الغليظة كلها؛ قال الشيخ الرئيس: إنّه ينفع من القروح القتالة والرعشية والتشنّج والكزاز والخدر والفالج، وينفع من النسيان ويخرج المشيمة والجنين، وهو نافع من لسع الهوام.

قنفذ الماء: هو حيوان مقدمه يشبه القنفذ البري، ومؤخره يشبه السمك، لحمه طيب الطعم، يدر البول، جلده ينفع الجرب إذا طلي به، زعموا أنه إذا أخذ طائر اسفیدرون و شد عليه من جلد هذا السمك فإنّ الهوام تموت من صوته والسباع تهرب.

قوقي: صنف من السمك، عجيب جداً، على رأسه شوكة قوية يضرب بها، حكى الملاحون أنّ هذه السمكة إذا جاعت رمت نفسها إلى شيء من الحيوان ليبلعها، ثم إنّها تضرب بشوكتها أحشاءه حتى تهلكه، وربما تخرج من شق بطنه وتتغذى به هو وغيره، وإذا قصدها قاصد في الماء تضرب السفينة بالشوكة، فتفتحها وتغرق أهلها وتأكل منها، والملاحون لما عرفوا ذلك ألبسوا السفينة جلد ذلك السمك الذي تقدم ذكره، فإنّ شوكته لا تعبر عليه.

كلب الماء: حيوان مشهور، يداه، قصيرتان، ورجلاه أطول منهما، ذكروا أنّه يلطخ بدنه بالطين ليحسبه التمساح طيناً ثم يدخل جوفه ويقطع أحشاءه ويأكلها، ثم يمرق ويخرج منه، ولذلك من كان معه شحم كلب الماء يأمن غائلة التمساح، وذكر بعضهم أن جندبادستر خصية هذا الحيوان، وأنّ الذكر لا يصلح جلده للفراء، وإنّما الأنثى جلدها جيد والذكر لا يصلح إلا لخصيتيه، والصيادون إذا ظفروا به سلوا خصيتيه وسيبوه، فإن وقع في الشبكة مرة أخرى يرفع الصياد رجليه ليعلم أن خصيتيه قد نزعتا ليخلصه من الشبكة.

أما خواص أجزائه فإنّ دماغه ينفع من ظلمة العين اكتحالاً، ومرارته قدر عدسة منها سم قاتل، وقال ابن سينا: خصيته تنفع من نهش الهوام، مجرب لريح أم الصبيان، إذا سقي قدر حبة الجلبان، وجلده يتخذ منه جورب يلبسه المنقرس يزول عنه بإذن الله تعالى، والله الموفق.

کوسج: صنف من السمك معروف، طوله مقدار ذراع لها أسنان كأسنان الناس، ويضرب بها الحيوان يقطعه وأكثرها بقرب البصرة؛ قال الجاحظ في جوف الكوسج شحمة طيبة يسمونها الكبد، فإن اصطادوا هذه السمكة ليلاً وجدوا هذه الشحمة وافرة، وإن اصطادوها نهاراً لم يجدوا تلك وقد مر ذكر كوسج في بحر فارس، فلا نعيده.

النظر الخامس في كرة الأرض

الأرض جسم بسيط طباعه أن يكون بارداً يابساً متحركاً إلى الوسط؛ زعموا أنّ شكل الأرض كرة والقدر الخارج من الماء جذبته لأنّ القوم اعتبروا خسوفاً واحداً، فوجدوه في البلاد الشرقية والغربية مختلف الأوقات، فلو كان طلوع القمر وغروبه في وقت واحد بالنسبة إلى الأماكن لما اختلف، وإنّما خلقت باردة يابسة للغلظ والتماسك إذ لولا ذلك لما أمكن قرار الحيوان على ظهرها، وجذوب المعادن والنبات في بطنها وهي مركز الأفلاك واقفة في الوسط بإذن الله تعالى، والماء محيط بها إلا القدر البارز الذي جعله الله تعالى مقراً للحيوان وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساوية ليس شيء من ظاهر سطح الأرض أسفل كما توهم كثير من الناس ممن ليس له دراية بالهيئة والهندسة، ثم إنّ الإنسان في أي موضع وقف على سطح الأرض فرأسه أبداً مما يلي السماء، ورجله أبداً مما يلي الأرض، وهو يرى السماء نصفها، وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من السماء بقدر ما خفي من الجانب الآخر لكل تسعة وعشرين فرسخاً درجة، والبحر المحيط الأعظم أحاط بأكثر وجه الأرض، والمكشوف منها قليل على مثال بيضة غائصة في الماء وانكشف بعضها، وعلى المنكشف منها الجبال والتلال والوهاد، ولها منافذ وخلجان وأنهار وبطائح و آجام وغدران، وما فيها قدر شبر إلا وهناك معدن أو نبات أو حيوان ولا يعلم تفصيلها إلا الله، (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين).

فصل: في اختلاف آراء القدماء في هيئة الأرض

قال بعضهم: إنّها مبسوطة التسطيح في أربع جهات: الشرق والغرب والجنوب والشمال، وقال بعضهم: هي كشكل الترس، ومنهم من زعم أنها كهيئة الطبل، وذهب آخرون إلى أنها كنصف الكرة، والذي يعتمد عليه جماهيرهم أن الأرض مدورة كالكرة موضوعة من جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة، وأنّها في الوسط على مقدار واحد من جميع الجوانب، ومن القدماء من أصحاب فيثاغورس من قال: الأرض متحركة دائماً على الاستدارة، والذي نرى من دوران الفلك إنّما هو دور الأرض لا دور الكواكب؛ وقال بعضهم إنّها واقفة في الوسط على مقدار واحد من كل جانب، والفلك محيط بها من كل وجه فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية لأن قوة الأجزاء متكافئة، مثال ذلك حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد لأنّ في طبع الفلك أن يجتذب الأرض وقد استوى الجذب من جميع الجهات، فوقعت في الوسط، ومنهم من قال إنّها مدورة واقفة في الوسط، وسببه دوران الفلك وسرعة حركته ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط كما أنه لو جعل تراب أو حجر في قارورة مدورة وأديرت في الخرط بقوة قام التراب أو الحجر في الوسط، والله الموفق.

فصل: في مقدار جرم الأرض ومعمورها وخرابها

قال أبو الريحان: طول قطر الأرض بالفراسخ ألف ومائة وثلاثة وستون فرسخاً وثلثا فرسخ ودورها بالفراسخ ستة آلاف وثمانمائة فرسخ، فعلى هذا يكون مساحة سطحها الخارج أربعة عشر ألفاً وسبعمائة وأربعة وأربعين ألفاً ومائتين واثنين وأربعين فرسخاً وخمسي فرسخ، وقال المهندسون لو حفر في الوهم وجه الأرض لأدى إلى الوجه الآخر، ولو نقب بأرض فرسخ مثلاً لنفذ بأرض الصين واحتجوا على هذا ببراهین هندسية واعتبرت مساحة الأرض في زمن أمير المؤمنين المأمون بارتفاع قطب معدل النهار، فكان نصيب كل درجة فلكية ستة وخمسين ميلاً وثلثي ميل.

فصل: في أرباع الأرض وعماراتها

قال أبو الريحان سطح معدل النهار يقطع بنصفين على دائرة تسمى خط الاستواء، فيسمّى أحد نصفيها شمالياً والآخر جنوبياً، وإذا توهمت دائرة عظيمة على الأرض مارة على قطب خط الاستواء قسمت كل واحد من نصفي الأرض بنصفين، فانقسم جملتها أرباعاً جنوبيان وشماليان، فالربع الشمالي المسكون يسمى ربعاً معموراً، وهذا الربع يشتمل على ما يعرف ويسلك من البحار والجزائر والجبال والأنهار والمفاوز والبلدان والقرى إلا أنه بقي منه قطعة غير معمورة من إفراط البرد وتراكم الثلوج؛ وقال غيره: معدل النهار يقطع الأرض بنصفين، كل نصف بربعين، شماليين وجنوبيين، فالشماليان هما المعمورة وهو من العراق إلى الجزيرة والشام ومصر والروم وفرنجة ورومية والسوس إلى جزائر السعادات، فهذا الربع غربي شمالي، ومن العراق إلى الأهواز والشمال وخراسان، وتبت إلى الصين إلى واقرها، فهذا الربع شرقي شمالي، وكذلك النصف الجنوبي ربعان شرقي جنوبي فيه بلاد الزنج والحبشة والنوبة وربع غربي جنوبي لم يطأه أحد البتة وهو متاخم للسودان الذين يتاخمون البربر، وحكي أن بطليموس الملك اليوناني بعث إلى هذا الربع قوماً ليبحثوا عن بلاده، فذهبوا وبحثوا عن أهل بلاده ثم انصرفوا وأخبروا أنه خراب يباب ليس فيها عمارة ولا حيوان، فسمّي هذا الربع الخراب؛ وقيل الربع المحترق.

فصل: في أقاليم الأرض

واعلم أن الربع المسكون قد قسم سبعة أقسام، كل قسم يسمّى إقليماً كأنه بساط مفروش من المشرق إلى المغرب طوله وعرضه من جهة الجنوب إلى جهة الشمال، وهي مختلفة الطول والعرض، فأطولها وأعرضها الإقليم الأوّل، فإنّ طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من مائة وخمسين فرسخاً، وأقصرها طولاً وعرضاً الإقليم السابع، فإنّ طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ألف وخمسمائة فرسخ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من سبعين فرسخاً، وأما سائر الأقاليم التي بينهما فيختلف طولها وعرضها بالزيادة والنقصان ثم إنّ هذه الأقسام ليست أقساماً طبيعية لكنها خطوط وهمية وضعها الملوك الأوّلون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض ليعلم بها حدود البلدان والممالك مثل أفريدون وإسكندر وأردشير.

فصل: فيما يعرض للأرض من الزلزلة والخسف

زعموا أنّ الأبخرة والأدخنة الكثيرة إذا اجتمعت تحت الأرض ولا يقاومها برودة حتى تصير ماء، وتكون مادتها كثيرة لا تقبل التحليل بأدنى حرارة، ويكون وجه الأرض صلباً لا يكون فيها منافذ ومسام، فالبخارات إذا قصدت الصعود ولا تجد المسام والمنافذ تهتز منها بقاع الأرض وتضطرب كما يضطرب بدن المحموم عند شدة الحمى بسبب رطوبات عفنة احتبست في خلال أجزاء البدن، فتشتعل فيها الحرارة الغريزية فتذيبها وتحللها وتصيّرها بخاراً ودخاناً، فيخرج من مسام جلد البدن فيهتز من ذلك البدن ويرتعد ولا يزال كذلك إلى أن تخرج تلك المواد، فإذا خرجت يسكن، وهكذا حركات بقاع الأرض بالزلزال، فربّما ينشق ظاهر الأرض ويخرج من الشق تلك المواد المحتبسة دفعة واحدة، والله أعلم.

فصل: في صيرورة السهل جبلاً والبر بحراً وعكسهما

قالوا: إذا امتزج الماء بالطين وكان في الطين لزوجة وأثرت فيه حرارة الشمس مدة طويلة، صار حجراً كما ترى النار إذا أثرت في اللبن صلبتها وجعلتها أجراً، فإنّ الآجر نوع من الحجر إلا أنّه رخو، وكلّما كان تأثر النار فيه أكثر كان أشبه بالحجر؛ فزعموا أن تولد الجبال من اجتماع الماء والطين وتأثير الشمس، وأما سبب ارتفاعها وشموخها فجاز أن يكون بسبب زلزلة فيها خسف فتنخفض بعض الأرض وترفع بعضها ثم المرتفع يصير حجراً لما ذكرنا، وجاز أن يكون أن بسبب الرياح تنقل التراب من مكان إلى مكان فتحدث تلال ووهاد، ثم يتحجر بسبب ما قلنا، وذكر صاحب علم "المجسطي" أن في كل ستة وثلاثين سنة ينتقل أوجات الكواكب ويدور في البروج الاثني عشر دورة واحدة، فإذا انتقلت من الشمال إلى الجنوب تختلف مسامتات الكواكب ومطارح شعاعاتها على بقاع الأرض، فيختلف بها الليل والنهار والشتاء والصيف والحر والبرد ويتغير أرباع الأرض فيصير العمران خراباً والخراب عمراناً والبراري بحاراً والبحار براري والسهول جبالاً والجبال سهولاً، وأما صيرورة الجبال سهولاً فإنّ الجبال من لا فإنّ الجبال من شدّة إشراق الشمس والقمر وسائر الكواكب عليها بطول الزمان تنشف رطوبتها وتزداد يبساً وجفافاً وتنكسر خاصته عند الصواعق، فتصير أحجاراً وصخوراً ورمالاً، ثم إنّ السهول تحملها إلى بطون الأنهار والأودية، ثم تحملها بشدة جريانها إلى البحار فتنبسط في قعرها ساقاً بعد ساق بطول الزمان ويتلبد بعضها في بعض فيحصل في البحار جبال وتلال كما يتلبد من هبوب الرياح دعاص الرمل في البر، ولذلك قد يوجد في جوف الأحجار إذا كثرت صدفة أو عظم وذلك بسبب اختلاط طين هذا الموضع بالصدف والعظم، وقد يصير البحر يبساً واليبس بحراً لأنه كلّما انطمت قطعة من البحار على الوجه الذي ذكرناه فالماء يرتفع ويطلب الاتساع على سواحله ويغطي بعض البر بالماء ولا يزال كذلك حتى تصير مواضع البر بحراً وهكذا لا تزال الجبال تنكسر وتصير حصى ورمالاً يحملها سيول الأمطار مع طين في ممرها إلى قعر البحر وينعقد فيها كما ذكرناه حتى يستوي مع وجه الأرض. فيجف وينكشف وينبت العشب عليها والأشجار فتصير مسكناً للسباع والوحوش فيقصده الناس لطلب المنافع من الصيد والحطب وغيرهما، فيصير مسكناً للناس موضعاً للزرع والغرس فيصير مدناً وقرى فسبحانه ما أعظم شأنه.

فصل: في فوائد الجبال وخواصها وعجائبها

أمّا فائدتها العظمى، فما ذكره الله تعالى في كتابه: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)؛ وقال بعضهم لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض مستديراً أملس فكان مياه البحار تغطيها من جميع جهاتها وتحيط بها إحاطة كرة الهواء بالماء، فبطلت الحكمة المودعة في المعادن والنبات والحيوانات فاقتضت الحكمة الإلهية وجود الجبال لما ذكرناه من الحكمة؛ وقال بعضهم إنّ الجبال لوجود الماء العذب السائح على وجه الأرض الذي هو مادة حياة النبات والحيوان، وذلك لأنّ سبب هذا الماء انعقاد البخار في الجو، فيصير سحاباً والجبال الشامخة الطوال في المشرق والمغرب والجنوب والشمال تمنع الرياح أن تسوق البحار، بل تجعلها منحصرة حتى يلحقها البرد فيصير مطراً أو ثلجاً، فلو فرضت الجبال مرتفعة على وجه الأرض لكانت الأرض كرة لا غور فيها ولا نتوء، والبخار المرتفع لا يبقى في الجو منحصراً إلى وقت يضربه البرد، بل يتحلل ويستحيل هواء فلا يجري الماء على وجه الأرض إلا قدراً ينزل مطراً ثم تنشفه الأرض فيعرض من ذلك أن الحيوان والنبات يعدم الماء في الصيف عند شدة الحاجة إليه كما في البادية البعيدة فاقتضى التدبير الإلهي وجود الجبال ليحصر البخار المرتفع من الأرض من أغوارها ويمنع من السيلان، ويمنع الرياح أن تسوقها، كما يمنع السقف الماء، فيبقى محفوظاً إلى أن يلحقه البرد زمان الشتاء، فيجمده ويعصره فيصير ماء، ثم ينزل مطراً وثلجاً، والجبال في أجرامها مغارات وأهوية وأوشال وكهوف، فيقع على قللها الأمطار والثلوج وينصب إلى تلك المغارات والأوشال وتبقى فيها مخزونة وتخرج من أسافلها من منافذ ضيقة وهي العيون، فساحت منها المياه على وجه الأرض فينتفع بها النبات والحيوان وما فضل ينصب إلى البحار، فإذا فني ما استفادته من الأمطار والثلوج لحقها نوبة الشتاء، فعادت مكان ما، ولا يزال دأبها كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ولنذكر بعض الجبال وخواصها العجيبة مرتباً على حروف المعجم إن شاء الله تعالى:

جبل أولشان: بأرض الروم في وسط هذا الجبل درب فيه دوران من اجتاز فيه، وهو في حال اجتيازه يأكل الخبز بالجبن، ويدخل من أوّله ويخرج من آخره فلا يضره عضة الكلب الكلب، وإن عض إنساناً غيره يعبر بين رجلي هذا المجتاز يأمن غائلته، وهذا أمر مشهور عندهم.

جبل أبي قبيس: مطل على مكة؛ يزعم الناس أنّ من أكل عليه الرأس المشوي يأمن من أوجاع الرأس، وكثير من الناس يفعلون ذلك.

جبل أروند: مطل على همذان أخضر نضر، دخل رجل من همذان على جعفر الصادق رضي الله عنه فقال: من أين أنت؟ قال: من همذان، قال: أتعرف جبلها أروند؟ قال: نعم، قال: إنّ فيها عيناً من عيون الجن، وأهل همذان يرون أنها الماء الذي على قلة الجبل، وذلك أن ماءها يخرج في وقت من أوقات السنة معلوم ومنبعه من شق في صخرة، وهو ماء عذب شديد البرد لا يجد شاربه منه ثقلاً، فإذا جاوزت أيامه المعدودة انقطع إلى وقته من العام الآخر لا يزيد ولا ينقص وهو شفاء للمرضى يأتونه من كل وجه؛ قالوا إنّه يكثر إذا كثر الناس ويقل إذا قلوا.

جبل أروند: جبل آخر بسيستان، فيه ماء ينبت فيه قصب كثير، فما كان من القصب في الماء فهو كالحجر، وما كان خارج الماء فهو قصب، وما سقط من ذلك القصب في الماء يصير حجراً وكذلك لو كان قشراً أو ورقاً، هكذا ذكره صاحب تحفة الغرائب.

جبل أسبرة: بناحية الشاش بما وراء النهر؛ قال الأصطخري: هناك جبال فيها منافع كثيرة من النفط والحديد والنحاس والآنك والصفر والفيروزج والذهب، وفيها حجر كله أسود مثل الفحم ويحترق مثل الفحم، يباع منه وقور وقران بدرهم، فإذا احترق اشتد بياضاً، وماؤه يستعمل في تبييض الثياب لا يعرف مثله من المواضع أصلا.

جبل التر: على ثلاث فراسخ من قزوين شامخ جداً لا تخلو قلته من الثلج لا صيفاً ولا شتاء، وعليه مسجد يأوي إليه الأبدال، والناس يقصدونه للتبرك، ويتولد من ثلجه دود أبيض إذا غرزت فيه بأدنى شيء يخرج منه ماء أبيض صاف مقدار ما يروي دابة، وقال بعضهم: إنه ليس بحيوان.

جبل أندلس: في جبل منها غار لا ترى منه النار وإذا أخذ فتيلة ودهنها وشدّها على رأس خشبة طويلة ودخل الغار اشتعل، وبقرب هذا الجبل جبل آخر تشعل النار على قلته بالليل والنهار، يصعد منه دخان عظيم شديد الحرارة، وعلى جبل من جبالها عينان بينهما مقدار شبرين ينبع من إحداهما ماء شديد الحرارة، ومن الأخرى ماء بارد شديد البرودة، والله أعلم.

جبل هجنة: بتركستان، على قلته شبه خرقات من الحجر، وداخل الخرقات عين ينبع الماء منها، وعلى الخرقات شبه كوة يخرج منها الماء وينصب من الخرقات إلى الكوة، ومنها إلى الجبل ومن الجبل إلى الأرض، وتفوح من ذلك الماء رائحة طيبة، والله الموفق.

جبل البرانس: بالأندلس، فيه معدن الكبريت الأحمر والأصفر، ومعدن الزئبق وهو غزير جداً يحمل إلى سائر الآفاق، وبه معدن الزنجفر وليس في جميع الأرض يعرف إلا هناك.

جبل القدس: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض القدس جبل فيه شبه بيت غار يمشي إليه الزوار، فإذا أظلم الليل يضيء البيت ولا سراج فيه ولا كوة يدخل منها الضوء فيه من خارج.

جبل تحميد: قال صاحب تحفة الغرائب بأرض أندران جبل يقال له تحميد، وفيه قرية في طريقها مضيق لو صاح المار فيه صيحة يهب فيه هواء لا يقدر الإنسان على الوقوف فيه.

جبل نيسون: بين حلوان وهمذان جبل عال ممتنع لا ترتقى ذروته؛ قال مسعود بن مهلهل: هو على فرسخ من قرمسين حفر فيه إيوان فيه صورة شبرين خطه كسرى أبرويز على حائط الإيوان وعلى وسط الإيوان صورة أبرويز على فرشه سرير منحوت من حجر عليه درع من الحديد، وقد ثبت بمسامير وردة وقد بولغ في تجويدها إلى حد، من يراه يحسب أنّه متحرك، وبين يدي أبرويز رجل في زي فاعل على رأسه قلنسوة وهو مشدود الوسط، بيده مسحاة كأنّه يحفر الأرض والماء يخرج من تحت رجله.

جبل ثبير: بمكة بقرب منى، وهو جبل مبارك يقصده الزوار، وهو الذي أهبط عليه الكبش الذي جعله الله تعالى فداء لإسماعيل عليه الصلاة والسلام؛ والعرب تقول أشرق ثبير كيما نغير.

جبل ثور الطحل: بقرب مكة فيه الغار الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضي الله تعالى عنه لما خرجا من مكة مهاجرين؛ وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال: (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار).

جبل حراب: بأرض الهند، في ذروته نار تتقد مقدار مائتي ذراع في مثلها، وبالنهار دخان، وحواليه منابت العطر يجلب منها إلى سائر الآفاق.

جبل جيش إرم: في بلاد طيىء، على ذروته مساكن لعاد إرم فيها صور منحوتة من الحجر لا يعرف حالها، الله أعلم بفائدتها.

جبل الجودي: بقرب جزيرة ابن عمر، من الجانب الشرقي استوت عليه سفينة نوح عليه الصلاة والسلام كما أخبر الله تعالى، وقد بنى فيه نوح عليه الصلاة والسلام مسجداً وهو باق إلى الآن تزوره الناس.

جبل جوشن: في يمين حلب، وفيه معدن النحاس الأحمر؛ قيل إنّه بطل منذ عبر عليه الحسين رضي الله عنه، وكانت زوجة الحسين رضي الله عنه حاملاً، فأسقطت هناك، فطلبت منهم الماء في ذلك الجبل فمنعوها وشتموها فدعت عليهم، فإلى الآن من عمل فيها لا يربح.

جبل الحارث والحويرث: جبلان بأرمينية لا يقدر أحد على ارتقائهما؛ قال ابن الفقيه: كان على نهر الرس بأرمينية ألف مدينة، فبعث الله إليهم نبياً دعاهم إلى الله تعالى، فكذبوه وعصوا أمره، فدعا عليهم فحول الله عليهم الحارث والحويرث من الطائف، وأرسلهما عليهم، فقالوا: إن أهل الرس تحت هذين الجبلين.

جبل حراء: بمكة على ثلاثة أميال منها، به غار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوحي يأتيه للخلوة، فأتاه جبريل عليه السلام هناك، وهو موضع مبارك يزوره الناس، والله أعلم.

جبل حودقور: حدث أحمد بن يحيى التميمي أن في ناحية قورشقا في جبل يقال له حودقور، غور مقداره خمسة أرماح، وعرضه قليل ينبت فيه دكة، فمن أراد أن يتعلم شيئاً من السحر عمد إلى ماعز أسود ليس فيه شعرة بيضاء، وذبحه وسلخه وقسمه سبعة أجزاء وأعطى جزءاً منها للراعي المقيم بالجبل وستة أجزائه ينزل بها إلى الغار ويأخذ الكرش، فيشقها وينطلي بما فيه ويلبس جلد الماعز مقلوباً، ويدخل الغار ليلاً، ومن شرطه أن لا يكون له أب ولا أم، فإذا دخل الغار لم ير أحداً فينام، فإذا أصبح ووجد جسمه نقياً مما كان عليه كأنه مغسول، دل على القبول، وإن أصبح بحاله دل على أنه لم يقبل، فإذا خرج من الغار لم يحدث أحداً ثلاثة أيام بعد القبول فيصير ساحراً، وحودقور بين حضرموت وعمان.

جبل الحيات: بأرض تركستان، فيه حيات من نظر إليها يموت إلا أنها لم تخرج من ذلك الجبل البتة.

جبل دامغان: جبل مشهور و دامغان يقرب من الري، وعلى هذا الجبل عين ماء، إذا أُلقي فيها نجاسة تهب ريح قوية بحيث يخاف منها الهدم، ذكره صاحب تحفة الغرائب.

جبل دماوند: بقرب الري، يناطح النجوم ارتفاعاً ويحكيها امتناعاً؛ قال مسعود بن مهلهل: إنّه جبل شاهق لا يفارق أعلاه الثلج شتاءً ولا صيفاً، ولا يقدر الإنسان أن يعلو ذروته، زعموا أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام حبس به مارداً يقال له صخر، وذكروا أنّ أفريدون حبس به بني راسف الذي يقال له الضحاك؛ قال: فصعدت الجبل إلى أن وصلت إلى نصفه بمشقة ومخاطرة بالنفس، وما أظن أحداً يجاوز هذا الموضع الذي وصلت إليه، رأيت عيناً كبريتاً وحولها كبريت مستحجر، إذا طلعت الشمس عليها التهبت وصارت ناراً، وسمعت من أهل تلك الناحية يقولون إنّ النمل إذا كثر جمع الحب على هذا الجبل يكون بعده جدب وقحط، وإنّهم إذا دامت عليهم الأنداء والأمطار فصبوا لبن الماعز على النار انقطع قال: فاعتبرت هذا فوجدتهم صادقين، وإنه ما يرى في وقت من الأوقات قلة الجبل منحسراً عن الثلج إلا وقد وقعت فتنة وأهريقت الدماء من الجانب الذي يرى منحسراً،

وهذه أيضاً صحيحة بإجماع أهل تلك الناحية، وقال محمد بن إبراهيم الضراب: إنّ أبي عرف أن بجبل دهاوند الكبريت الأحمر، فاتخذوا مغارف حديد طول السواعد، فذكروا أنّه لا يقرب من ناره حديدة إلا ذابت في ساعتها، وذكر أهل دهاوند أنّه جاءهم رجل من خراسان ومعه مغارف حديد طوال مطلية بماء عالجها بها، وأخرج الكبريت منها لبعض الملوك؛ وذكر محمد بن إبراهيم أنّ الأمير موسى بن حفص كان والياً على الري إذ ورد عليه كتاب المأمون يأمره بالشخوص إلى دهاوند ويعرفه حال المحبوس به، قال: فوافينا القرية التي بحضيض الجبال ومكثنا أياماً لا نرى الاهتداء أتانا حتى شيخ فعرفناه أمر الخليفة، فقال: أمّا الوصول إلى ذلك المكان فلا سبيل إليه، لكن إذا أردتم صحة ذلك أريتكم، فاستحسن الأمير قوله، فعند ذلك صعد الشيخ بين أيدينا وصعدنا خلفه وأوقفنا على موضع فبالغنا في حفره حتى انكشف لنا عن بيت منقور من الحجارة، وفيه تمثال على صورة عجيبة يضرب بمطرقة على أعلاه ساعة بعد ساعة من غير فتور، فاستخبرنا الشيخ عن شأنه، فقال: هذا طلسم ليبوراسف المحبوس ههنا لئلا ينحل من وثاقه، ثم أمرنا أن لا نتعرض للطلسم وأن نرده إلى ما كان، ففعلنا ثم دعا بسلالم أطول ما يكون، فأمر الأمير بإحضارها فشد بعضها إلى بعض حتى بلغ مقدار مائة ذراع ثم رفعها ونقب موضعها فظهر باب، فوصلنا إلى أسكفته وعليها مسامير من حديد مذهبة، كان الصائغ قد فرغ منها عن قريب، وفوق الأسكفة كتابة بالذهب تنطق بأنّ على هذه القبة سبعة أبواب من حديد، على كل باب مصراع أربعة أقفال من حديد، وعلى العضادة مكتوب: هذا حيوان له أمد إلى غاية لا يتعرض أحد لهذه الأبواب، فإنّ فتحه من يهجم على هذا الإقليم آفة لا تدفع، فقال الأمير لا يتعرض أحد لشيء من هذا حتى نستأذن الخليفة، فأمر برد البيت على ما كان، واستأذن الخليفة فيه، فكتب المأمون إليه أن يترك ذلك على حاله، والله تعالى الموفق للصواب.

جبل ربوة: على فرسخ من دمشق، ذكر بعض المفسرين أن المراد بقوله تعالى: (وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين)، هو جبل عال على قلته مسجد حسن وهو في بعض البساتين من جميع جوانبها الخضرة والأشجار والرياحين، وللمسجد مناظر إلى البساتين، ولما أرادوا إجراء نهر بردى وقع هذا الجبل في طريقه فنقبوا تحته وأجروا الماء فيه، ويجري على رأسه نهر يزيد وينزل من أعلاه إلى أسفله، وفي هذا الجبل كهف صغير زعموا أن عيسى عليه الصلاة والسلام ولد فيه، ورأيت في هذا المسجد في بيت صغير حجراً كبيراً ذا ألوان عجيبة، حجمه كحجم صندوق، وقد انشق نصفين، وبين شقيه مقدار ذراع لم ينفصل أحد النصفين عن الآخر، بل متصل به کرمان متشقق، ولأهل دمشق في ذلك أقاويل، والله أعلم بصحتها، ولا ريب أنه شيء عجيب.

جبل رضوى: قال عامر بن أصبع: هو من المدينة على سبعة مراحل وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية يرى من البعد أخضر، وبه مياه وأشجار كثيرة، زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم فيه وأنه بین أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهو المهدي المنتظر، وإنّما عوقب بهذا الحبس لخروجه إلى عبد الملك بن مروان، وقتله أبا يزيد بن معاوية، وكان السيد الحميري على هذا المذهب، وهو يقول:

ألا قل للوصي فدتك نفسي                                    أطلت بذلك الجبل المقاما

ومن رضوى يقطع حجر المسن ويرفع إلى جميع الآفاق، والله الموفق.

جبل الرقيم: هو المذكور في القرآن: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)؛ قيل الرقيم اسم الجبل الذي فيه الكهف؛ وقيل اسم القرية التي كان أصحاب الكهف منها، والجبل بالروم بين عمورية ونيقية؛ روي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه رسولاً إلى ملك الروم أدعوه إلى الإسلام، قال: فسرت حتى دخلت بلاد الروم، فلاح لنا جبل أحمر قالوا إنّه جبل أصحاب الكهف، فوصلنا إلى دير فيه وسألنا أهلها عنهم، فأوقفونا على سرب في الجبل، فقلنا لهم: نحن نريد أن ننظر إليهم ووهبنا لهم هبة فدخلوا ودخلنا معهم في ذلك السرب، وكان عليه باب من حديد ففتحوه فانتهينا إلى بيت عظيم محفور في الجبل فيه ثلاثة عشر رجلاً مضطجعين على ظهورهم كأنهم رقود، على كل واحد منهم جبة غبراء وكساء أغبر قد غطوا بها رؤوسهم إلى أرجلهم، فلم نر ما ثيابهم من صوف أو وبر إلا أنها أصلب من الديباج، وإذا هي تقعقع من الصفاقة وعلى أكثرهم خفاف إلى انصاف سوقهم منتعلين بنعال مخصوفة ولنعالهم وخفافهم من جودة الخرز ولين الجلود ما لم ير مثله، فكشفنا عن وجوههم رجلاً بعد رجل، فإذا هم من وضاءة الوجوه وصفاء الألوان كالأحياء، وإذا الشيب قد وخط بعضهم وبعضهم شباب موفورة شعورهم وبعضهم مضمومة وهم على زي المسلمين، فانتهينا إلى آخرهم فإذا هو مضروب الوجه بالسيف كأنه ضرب في يومه، فسألناهم عن حالهم فذكروا أن قوماً يدخلون عليهم في كل عام يوماً يجتمع أهل تلك النواحي عند باب هذا الكهف، فيدخل عليهم من ينفض التراب عن وجوههم وجباههم وأكسيتهم، ويقلم أظفارهم ويقص شواربهم ويتركهم على الهيئة التي ترونها، فقلنا لهم: هل تعرفون من هم؟ وكم هم؟ وكم مدة ما لهم ههنا؟ فذكروا أنّهم يجدون في كتبهم أنهم كانوا أنبياء بعثوا في زمان واحد، وكانوا قبل المسيح بأربعمائة سنة؛ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ أصحاب الكهف سبعة وهم مكسلمينا، أمليخا، مرطوکش، نوالس، سانیوس، بطنيوس، کشفوطط، واسم كلبهم قطمير.

جبال رانك: قال صاحب تحفة الغرائب: إنّها بأرض تركستان وهناك جمع من الترك يقال لهم رانك، وهم أناس ليس لهم زرع ولا ضرع، وفي جبالهم ذهب وفضة كثيرة، وربّما قطعه كرأس شاة، فمن أخذ القطع الصغار ينتفع بها، ومن أخذ الكبار يموت هو وأهل البيت الذي يكون فيه تلك القطع الكبار، وما يزال الموت فيهم حتى يردوها إلى مكانها، وإذا أخذ الغريب لا يضره.

جبل زغوان: بقرب تونس، وهو جبل منيف يرى من مسيرة أيام لعلوه ويرى السحاب دونه، وأهل إفريقية يقولون فلان أثقل من جبل زغوان، وفيه قرى كثيرة ومياه وأشجار وثمار، وفيها مأوى الصالحين وكثيراً ما يمطر سفحه ولا يمطر أعلاه، فمن كان بيته في سفح الجبل يشكون من شدة المطر، ومن كان بيته في أعلاه يشكون من قلة الماء وكثرة العطش.

جبل ساوة: هو جبل على مرحلة منها، رأيته وهو شامخ جداً، فيه غار شبه إيوان يسع ألف نفس، وفي آخر الغار قد برز من سقفه أربعة أحجار شبيهة بثدي النساء يتقاطر الماء من ثلاثة والرابع يابس، قالوا: مصه كافر فيبس، وتحتها حوض يجتمع فيه الماء، وماؤه طيب غير متغير مع طول وقوفه، وعلى باب الغار ثقب ذو بابين يدخلون من أحدهما ويخرجون من الآخر؛ زعموا أن من لم يكن له ولد يرشده لا يقدر على الخروج منهما، ورأيت رجلاً دخل فيهما فما خرج إلا بعد جهد شديد، والله الموفق.

جبل سیلان وهو بقرب مدينة أردبيل بأذربيجان من أعلى جبال الدنيا؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) إلى قوله تعالى: (وكذلك تخرجون) كتب الله له من الحسنات بعدد كل ودق وثلج وقع على جبل سیلان"، قيل: وما سيلان يا رسول الله؟ قال: "جبل أرمينية وأذربيجان عليه عين من عيون الجنّة، وفيه قبر من قبور الأنبياء"؛ قال أبو حامد الأندلسي: على رأس الجبل عين عظيمة ماؤها بارد جداً وحول الجبل عيون حارة تقصدها الناس، وفي حضيض الجبل شجر كثير وبينها حشيش لا يتناوله شيء من الحيوانات إلا مات من ساعته، قال: ولقد رأيت البهائم من الخيل والحمير والبقر والغنم يقصدونها، فإذا قربت منها نفرت حتى العصافير، قال: وفي سفح الجبل قرية اجتمعت بقاضيها وهو أبو الفرج بن عبد الرحمن الأردبيلي، فسألته عن حال تلك الحشيشة، فقال: إنّها تحميها الجن؛ وذكر أنه بنى في القرية مسجداً فاحتاج إلى قواعد حجرية لأعمدة المسجد فأصبح وعلى باب المسجد قواعد من الصخر المنحوت محكمة الصنعة من أحسن ما يكون.

جبال السراة: حاجزة بين تهامة واليمن، عظيمة الطول والعرض، وهي كثيرة الأهل والأنهار والأشجار وبأسفلها الأودية تنصب إلى البحر، وكل هذه الجبال منابت القرظ، وفيها الأعناب وقصب السكر والإسجل، وفيها معدن البرام.

جبل السماق: جبل عظيم من أعمال حلب، يشتمل على مدن وقرى وقلاع، أكثرها للإسماعيلية، وهو منبت السماق، وهو هذا مکان نزه ترابه طيب، ومن عجيب الجبل أنّ فيه بساتين ومزارع ومياهاً عذبة، فتنبت الحبوب والفواكه في الحسن والطراوة كالمشقوق حتى المشمش والقطن والسمسم.

جبل سرنديب: هو الجبل الذي أهبط عليه آدم وهو بأعلى الصين في بحر الهركند ذاهب في السماء، يراه البحريون من مسافة أيام، وفيه أثر قدم آدم عليه السلام مغموسة في الحجر ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب، ولا بد له في كل يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم عليه السلام؛ وقيل إنّ الياقوت الأحمر يوجد على هذا الجبل تحدره السيول والأمطار إلى الحضيض، ويوجد به الماس أيضاً، وبه يوجد العود.

جبل سمرقند: قال صاحب تحفة الغرائب جبل سمرقند فيه غار يتقاطر الماء فيه في الصيف وينعقد جمداً، وفي الشتاء يكون حاراً حتى لو أن أحداً غمس يده فيه احترقت.

جبل السم: ذكر الهيجاني أنّ أهل الصين نصبوا من رأس جبل إلى رأس آخر قنطرة في طريق حسن إلى تبت، فإنّ من جاوزها يدخل في هواء يأخذ بالأنفاس ويثقل اللسان ويموت من المارين كثير من أهل تبت بجبل السم.

جبل الشب: بأرض اليمن، على قلة الجبل ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن يصل إلى الأرض، والشب الأبيض اليماني من ذلك.

جبل شبام: قال محمد بن أحمد بن إسحق الهمذاني: هو جبل بقرب صنعاء وبينها وبينه يوم واحد، وهو صعب المرتقى ليس له إلا طريق واحد، وذروته واسعة فيه ضياع كثيرة ومزارع وكروم ونخيل، والطريق إليها في دار الملك، وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك، من أراد النزول إلى السهل دخل إلى الملك وأعلمه بذلك ليأمره بفتح الباب، وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا مسلك فيها ولا يعلم أحد ما وراءها، ومياه هذا الجبل تنصب إلى سد هناك، فإذا امتلأ السد ماء فتح فيجري الماء إلى صنعاء ومخاليفها.

جبل شرق البعل: في طريق الشام من المدينة فيه بنيان عظيم للأصنام، صنعوا فيها من النقوش العجيبة محفورة في الحجر ما لا يتأتى حفره في الخشب مع علو سمكها وعظم أحجارها وطول أساطينها، وهو شيء عجيب إذا رآها الناظر يتحير في صنعتها، والله أعلم بما كان في غرضهم منه.

جبل شقان: بخراسان، ذكر بعض فقهاء خراسان أن من داخله غاراً من دخله برىء من المرض أي مرض كان، وذكر أيضاً أنّ به جبلاً آخر من ارتقى ذروته لا يحس بشيء من هبوب الريح حتى يبقى بينه وبين أعلى ذروته ذراعان، وهناك يحس بهبوب الريح.

جبل شکران: بأرض شکران، هو جبل ولست أدري أنه بالأندلس أو باليمن على قلته شبه مسرجة من الحجر في كل سنة يرى ثلاث ليال على تلك المسرجة سراج مضيء ولا يقدر أحد على الصعود إلى مكان المسرجة لهبوب الريح العاصف، لأنه

عند وصوله إلى نصف الجبل ترميه الريح، وفي الليلة التي يرى فيها السراج على المسرجة يرى في منارها شبه طاووس على تلك المسرجة، ولا علم للناس بحقيقة ذلك، والله أعلم.

جبل الصور: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض كرمان جبل من أخذ منه حجراً وكسره يرى في وسطه شبه صورة إنسان قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً، وإن دققت هذا الحجر ثم سحقته وحللته في الماء حتى يرسب ترى في الراسب مثل ما كان في الحجر.

جبل الصفا: بين بطحاء مكة، والواقف على الصفا بحذاء الحجر الأسود والمروة يقابله؛ قيل إنّ الصفا والمروة كانا اسمي رجل وامرأة زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجراً فوضعوا كل واحد على الحجر المسمى باسمه لاعتبار الناس، وجاء في الحديث أن الدابة التي هي من أشراط الساعة تخرج من الصفا، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يضرب عصاه على الصفا ويقول: إن الدابة تسمع قرع عصاي هذا.

جبل صقلية: هو جبل في وسط بحر المغرب؛ قال الحسن بن يحيى في تاريخ صقلية أنّه جبل مطل على البحر ذروته ثلاثة أيام، فيه أشجار كثيرة أكثرها البندق والصنوبر والأرزن، وحوله أبنية كثيرة، وفيها أصناف الثمار وفي أعلاه منافس يخرج منها النار والدخان، وربّما سالت النار منه إلى بعض جهاته فتحرك جميع ما مرت عليه وتجعله مثل خبث الحديد، وعلى قمة هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار أبداً صيفاً وشتاء؛ وزعم أهل الروم أنّ الحكماء كانوا يدخلون إلى هذه الجزيرة للنظر إلى عجائبها، واجتماع النار والثلج فيه، وفيه معدن الذهب وتسميه أهل الروم بجزيرة الذهب أو جبل الذهب.

جبلا الضلعين: في طريق مكة من البصرة يسمّى أحدهما ضلع بني مالك، والآخر ضلع بني سيصيان، وهم بطن من الجن كفار، فأما ضلع بني مالك فيحل به الناس ويصطادون صيدها ويرعون كلاها، وأمّا ضلع بني سيصيان فلا يصطاد صيدها ولا يرعى كلؤها، وربما مر عليها من لا يعرف حالها، فأصابوا لا يعرف حالها، فأصابوا من كلئها أو من صيدها فأصابهم شر في أنفسهم وأموالهم، ولم يزل الناس يذكرون كفرها ولا يريدون إسلام هؤلاء، ولهم حديث عجيب يأتي في مقالة الجن إن شاء الله تعالى.

جبل طارق: بطبرستان، ذكر أبو الريحان الخوارزمي في "الآثار الباقية" من تصانيفه أنّ في هذا الجبل مغارة فيها دكة تعرف بدكة سليمان بن داود عليهما السلام، إذا لطخت بشيء من الأقذار انفتحت السماء ولا تزال تمطر حتى يزال القذر عنها.

جبل الطاهر: بأرض مصر، قال صاحب تحفة الغرائب: على هذا الجبل كنيسة، فيها حوض يجري من الجبل ماء عذب إلى ذلك الحوض، ويسمّى ذلك الماء الطاهر فإذا امتلأ الحوض ينصب الماء من جميع جوانبه فإذا ورد الحوض جنب أو حائض وقف الماء ولا يجري حتى يراق ما في الحوض وينظف تنظيفاً جيداً وبعد ذلك يجري الماء.

جبل طبرستان: قال صاحب تحفة الغرائب: به حب شجر يسمّى جوز ماثل من قطعه ضاحكاً وأكله غلب عليه الضحك، ومن قطعه باكياً وأكله غلب عليه البكاء، ومن قطعه راقصاً فكذلك فعلى أي صفة من قطعه وأكله تغلب عليه تلك الصفة.

جبل طور سيناء: بقرب مدين بين الشام وبين قرى مدين؛ وقيل إنه بقرب أيلة، كان عليه الخطاب لموسى عند خروجه من مصر ببني إسرائيل، فكان إذا جاءه سيدنا موسى ينزل عليه غمام وهو عليه يدخل في ذلك الغمام ويكلمه ربه وهو الجبل الذي ذكره الله تعالى حيث قال: (فلما تجلّى ربّه للجبل جعله دكا)، والذي بقرب مدين لا يخلو من الصلحاء، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجر العليق.

جبل طورهارون: جبل مشرف على قبلي بيت المقدس، وإنما سمّي طور هارون لأن موسى بعد قتل عبدة العجل أراد المضي إلى مناجاة ربّه، فقال له هارون: احملني معك فإنّي لست آمناً أن يحدث ببني إسرائيل حدث فتغضب عليّ مرة أخرى، فحمله معه، فلمّا كان ببعض الطريق إذا هما برجلين يحفران قبراً فوقفا عليه وقالا: لمن تحفران هذا القبر؟ فقالا: لأشبه الناس بهذا الرجل، وأشاروا إلى هارون، ثم قال له: بحق إلهك إلا ما نزلت وأبصرت هل هو واسع؟ فنزع هارون ثيابه ودفعها إلى موسى أخيه ونزل القبر ونام فيه، فقبض الله روحه في الحال، وانضم القبر عليه، فانصرف موسى باكياً حزيناً على مفارقته، وانصرف إلى بني إسرائيل بثياب هارون فاتهموه بقتله، فدعا الله تعالى حتى أراهم تابوته بين الصفا على رأس الجبل فسمّي الجبل جبل هارون.

جبل الطير: بصعيد مصر في شرقي النيل بقرب انصنا، وإنما سمّي بذلك لأنّ صنفاً الطير أبيض يقال له البوقير يجيء في كل عام في وقت معلوم فينعكف على الجبل، وفيه كوة يأتي كل واحد منها ويدخل رأسه في هذه الكوة ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل ويقوم ويذهب من حيث جاء حتى يدخل واحد رأسه فيها فيقبض على رأسه من تلك الكوة فيضطرب ويبقى معلقاً فيها إلى أن يتلف فيسقط نفسه مدة، فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته، فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى ذلك الوقت المعلوم من العام القابل؛ قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصباً قبضت الكوة عى طائرين وإن كان متوسطاً فعلي واحد، وإن كان مجدباً لم تقبض شيئاً، والله أعلم بحاله.

جبل غزوان: في ذروة الطائف ليس بجميع الحجاز موضع أبرد منه؛ قالوا إنّ الماء يبرد فيه، ومن هذا الجبل اعتدال هواء الطائف، وليس بالحجاز موضع يجمد به الماء إلا غزوان.

جبل عوير وكسير: هما جبلان في وسط البحر بين عمان والبصرة، عظيمان يخاف على المراكب منهما، صعب مسلكهما قلّما ينجو منهما مركب، فلصعوبة المنجي منهما سمّوهما بهذا، يقولون عوير وكسير وثالث ليس فيه خير.

جبل فرغانة: قال صاحب تحفة الغرائب إنّه ينبت به نبات على صورة الآدمي، منها على صورة الرجال ومنها على صورة النساء، يوجد مع الطرقيين كثيراً يتكلمون عليها ويقولون أكلها يزيد في الباه.

جبل قيلوان: قال أبو الريحان الخوارزمي: إنّه بقرب المهرجان، فيه صفة محفورة والماء يترشح من سقفها دائماً، وإذا برد الهواء جمد على شكل القضبان.

جبل قاسيون: مشرف على دمشق، فيه آثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومغارات وكهوف منها مغارة تعرف بمغارة الدم؛ قالوا: فيها قتل قابيل هابيل، وهناك حجر يزعمون أنّه الحجر الذي فلق به هامته، وفيه مغارة أخرى يسمونها مغارة الجوع، يقولون إنه مات فيها أربعون نبياً جوعاً.

جبل قاف: قال المفسرون أنّه جبل محيط بالدنيا وهو من زبرجدة خضراء منه خضرة السموات ووراءه عالم وخلائق لا يعلمهم إلا الله تعالى.

جبل فدفد: بمكة، وهو من الجبال التي لا يرتقى ذروتها، وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد.

جبل قصران: قال الشيخ الرئيس إنّ العسل يقع بجبل قصران كما هو طلا ويختلف بحسب ما يقع عليه من الشجر والحجر، والظاهر منه يلقطه الناس والخفي يلقطه النحل.

جبل الكحل الأثمد: بالأندلس بقرب مدينة بسطة؛ قالوا إذا كان أوّل الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل وهو كحل أسود ولا يزال كذلك إلى نصف الشهر، فإذا زاد على النصف نقص الكحل، ولا يزال يرجع الذي خرج إلى تمام الشهر، والله الموفق للصواب.

جبل:کرنان: عند ناحية المعادن جبال فيها صخور إذا اشتعلت في النار اتقدت كما يتقد الحطب.

جبل گلستان: گلستان من قری طوس، ذكر بعض فقهاء خراسان أن في هذا الجبل كهفاً شبه إيوان، وفيه دهليز يمشي فيه الإنسان منحنياً مسافة ثم يظهر الضوء عن حظيرة محوطة فيها عين ينبع الماء منها، وينعقد حجراً على شكل القضبان، وفي هذه الحظيرة ثقب يخرج منه ريح شديدة جداً لا يمكن دخوله لشدة هبوب الريح.

جبل الأرجان: بأرض طبرستان، فيه ماء يتقاطر من الجبل من كل جانبه ومن كل قطرة ينعقد حجراً مسدساً أو مثمناً، والناس يتخذون منه الخرز.

جبل لبنان: مطل على حمص، فيه الفواكه والزرع من غير أن يزرعها أحد، يأوي إليه الأبدال لما فيه من القوت الحلال، وفي تفاحه أعجوبة، وهي أن يحمل من الشام ولا رائحة له حتى يتوسط نهر الثلج، فإذا توسط النهر فاحت رائحته.

جبل المغناطيس: قال المهلبي جبال المغناطيس متصلة بجبال القلزم وقد علا الماء عليها، ولهذا المعنى لا يستعمل في مراكب هذا البحر المسامير الحديد خوفاً من جذب المغناطيس إياها.

جبل موركان: بأرض فارس، فيه كهف يتقاطر الماء من سقفه؛ قالوا إن دخل الكهف واحد خرج من الماء وما يكفي الواحد، وإن دخل ألف خرج من الماء ما يكفي الألف.

جبل النار: بأرض تركستان، فيه غار، من دخله من الحيوانات يموت في الحال.

جبل نهاوند: قال ابن الفقيه: على هذا الجبل طلسمان صورة ثور وسمك، يقال إنّهما للماء حتى لا يقل ماؤه، ينقسم قسمين قسم يجري إلى نهاوند والآخر إلى.دينور

جبل هرمز: بأرض، طبرستان، جبل يسمّى هرمز ينزل منه الماء وينصب إلى وهدة، فإذا صاح الإنسان صيحة يقف، وإذا صاح أخرى يسيل، وهكذا جبل الهند؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الهند جبل عليه صورة أسدين والماء يخرج من فمهما، فيصير ساقيتين، وعليهما شرب قريتين على كل ساقية قرية، فوقعت بين القريتين خصومة على الماء فكسروا فم إحدى الصورتين فانقطع ماؤه، وخربت القرية، والله أعلم.

جبل واسط: قال أحمد بن عمر العذري أنه بالأندلس بقرب سدونة، في هذا الجبل كهف فيه شق، وفي الشق فأس حديد متعلق تراه العيون وتناله الأيدي، ومن أراد إخراجه لم يطق ذلك، وإذا رفعته اليد ارتفع وغاب في الشق ثم يعود إلى حالته؛ ذكر بعض مشايخ بسدونة أنّ بعض الناس أوقد ناراً عظيمة على هذه الصخرة ورشّ عليها الخل لتنفتح الصخرة ويخرج الفأس فما أفاد شيئاً.

جبل بله سيم: بل اسم ضيعة من ضياع قزوين هناك جبل؛ حدثني من صعد هذا الجبل قال: عليه صور الحيوانات مسخها الله تعالى حجراً، منها راع متكيء على عصا يرعى غنمه، وامرأة تحلب بقرة، وغير ذلك من صور الإنسان والبهائم كلها مسخت حجراً، وأهل قزوين يعرفون ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب.

فصل في تولد الأنهار

إذا وقعت الأمطار والثلوج على الجبال تنصب إلى المغارات وتبقى مخزونة فيها في الشتاء، فإذا كان في أسفل الجبال منافذ ينزل الماء من الأوشال بتلك المنافذ، فتحصل منها الجداول وينضم بعضها إلى بعض فيحدث منها أنهار وأودية، فإن كانت الخزانات في أعلى الجبال فيستمر جريانها أبداً لأن مياهها تنصب إلى سفح الجبال، ولا تنقطع مادتها لوصول مددها من الأمطار، وإن كانت الخزانات في أسافل الجبال فتجري منها الأنهار عند وصول مددها، ثم ينقطع عند انقطاع المدد وتبقى المياه فيها واقفة، كما ترى في الأودية التي تجري في بعض الأيام ثم تنقطع لانقطاع مادتها؛ قال صاحب تحفة الغرائب إنّ في هذا الربع المسكون مائتين وأربعين نهراً طوالاً، منها ما طوله من خمسين فرسخاً إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، ومنها ما يجري من المشرق إلى المغرب، ومنها ما يجري من المغرب إلى المشرق، ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب، ومنها ما يجري من الجنوب إلى الشمال، وكلّها تبتدىء من الجبال وتنتهي إلى البحار والبطائح وفي ممرها تسقي المدن والقرى، وما فضل ينصب إلى البحار ويختلط بالماء المالح، والشمس تشرق فيها فيصعد بخاراً وينعقد غيوماً وتسوقها الرياح إلى الجبال والبراري وتمطر هناك وتجري في الأودية والأنهار وتسقي البلاد ويرجع فاضلها إلى البحر ولا يزال هذا دأبها وتدور كالرحا في الشتاء والصيف إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

ولنذكر بعض الأنهار وخواصها وعجائب أحوالها وغرائب حيواناتها مرتباً على حروف المعجم:

نهر أتل: نهر عظيم يقارب دجلة في بلاد الخزر، مجيئه من أرض الروس وبلغار، ومصبّه بحر الخزر؛ وقالوا يتشعب من هذا النهر نيف وسبعون نهراً، وعمقه يبقى كما كان لا يتغيّر لغزارة الماء، فإذا انتهى إلى البحر يجري فيه يومين فيغلب ماء البحر ويبين لونه من لون ماء البحر، ويجمد في الشتاء لعذوبته. وفي هذا النهر حيوانات عجيبة؛ ذكر أحمد بن فضلان عن رسول المقتدر بالله إلى بلغار قال: لما وصلت إلى بلغار سمعت أنّ عندهم رجلاً عظيم عظيم الخلقة فسألت الملك عنه فقال: نعم، ما كان من أهل بلادنا ومن خبره أنّ قوماً خرجوا إلى نهر أتل وكان قد مد وطغى، فقالوا: أيها الملك قد وقف على الماء رجل إن كان من أمة تقرب منا فلا مقام لنا، فركبت معهم حتى صرت إلى النهر، وإذا رجل طوله اثنا عشر ذراعاً ورأسه كأكبر ما يكون من القدر، وأنفه أطول من شبر، وعيناه عظيمتان، وكل اصبع منه شبر فأقبلنا نكلمه وهو لا يزيد على النظر إلينا فحملته إلى مكاني وكتبت إلى أهل ويسو وبيننا وبينهم ثلاثة أشهر فعرفوني أنّ هذا الرجل من يأجوج ومأجوج، قالوا: يحول بيننا وبينهم البحر، قالوا: فأقام الرجل عندنا مدة ثم أصابه في نحره علة مات منها، فخرجت ورأيت جثة هائلة جداً.

نهر أذربيجان: قال محمد بن زكريا الرازي عن الجيهاني صاحب "المسالك والممالك" الشرقية أنّ بأذربيجان نهراً يجري ماؤه فيستحجر ويصير صفائح صخر يستعملونه في البناء.

نهر أسفار: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض اسفار نهر يجري الماء فيه سنة ثم ينقطع ثمان سنين، ثم يعود في التاسع ثم ينقطع ثمان سنين، وهكذا دأبه.

نهر آنه: قال العذري صاحب "الممالك والمسالك" الأندلسية: يخرج هذا النهر من موضع يعرف بفج العروس ثم يفيض ويجري تحت الأرض لا يبقى له أثر على وجه الأرض ثم يجري بقرية يقال لها آنه، ثم يفيض ويجري تحت الأرض ثم يبدو، ثم يفيض بين ماردة وبطليوس، ثم يبدو وينصب في البحر.

نهر جيحون: قال الاصطخري: جيحون يخرج من حدود بدخشان ثم ينضم إليه أنهار كثيرة في حدود الجبل ووحش فيصير نهراً عظيماً ثم يمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم ولا ينتفع به شيء من البلاد إلا خوارزم لأنها مستقلة به، ثم ينصب في بحيرة خوارزم بينها وبين خوارزم ستة أيام، و جيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء عند اشتداد البرد فيجمد أوّلاً قطعاً تجري على وجه الماء ويلتصق بعضها ببعض حتى يصير سطح جيحون سطحاً واحداً، ثم يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار والماء يجري تحت الجمد فيحفر أهل خوارزم آباراً بالمعاول ليستقوا منها لشربهم، فإذا استحكم جموده عبرت عليه القوافل والعجل المحملة، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويتظاهر عليه الغبار، ويبقى على ذلك شهرين، فإذا انكسر البرد عاد ينقطع قطعاً كما بدأ أول مرة إلى أن يعود إلى حاله الأول، وإنّه نهر قتال قلّما ينجو منه غريقه.

نهر حصن المهدي: قال صاحب تحفة الغرائب: إنّه بين البصرة والأهواز في بعض الأوقات يرتفع منه شبه منارة يسمع منها أصوات الطبل والبوق ولا يعرف أحد سبب ذلك.

نهر جريح: بأرض الترك، فيه حيّات إذا وقع عين أحد من الحيوان عليها يغشى عليه.

نهر دجلة: هو نهر بغداد مخرجه من أصل جبل بقرب آمد عند حصن ذي القرنين بحري عين دجلة من تحته، وهناك ساقية وكلّما امتدت انضم إليها مياه جبال ديار بكر وآمد يخاض فيه بالدواب ثم يمتد إلى مياه فارقين ثم إلى حصن كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى الموصل وينصب فيه الرايات، ومنها يعظم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم إلى البصرة ثم ينصب إلى بحر فارس. وماء دجلة من أعذب المياه وأصفاها وأخفّها وأكثرها نفعاً لأنّ مجراه من مخرجه إلى مصبه في العمارات؛ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الله تعالى أوحى إلى دانيال عليه الصلاة والسلام أن احفر لعبادي نهرين واجعل مفيضهما البحر فقد أمرت الأرض أن تطيعك، فأخذ خشبة يجرها في الأرض والماء يتبعه وكلّما مر بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ ناشده الله تعالى فيحيد عنهم؛ قيل دجلة والفرات من ذلك، ودجلة نهر مبارك كثيراً ما ينجو غريقها.

حكي أنّهم وجدوا فيها غريقاً فأخذوه فإذا فيه رمق، فلما رجعت إليه نفسه سئل عن حاله، فكان من موضع وقوعه إلى موضع نجاته مسيرة أيام.

نهر الذهب: بالشام، يزعم أهل حلب أنّه وادي بطنان ومعنى قولهم نهر الذهب لأنّ جميعه يباع أوّله بالميزان وآخره بالكيل فإنّ أوّله تزرع عليه الحبوب وتغرس عليه الأشجار وآخره ينصب إلى بطيحة فرسخين ينعقد ملحاً، والعجب من هذا النهر أنه لا يضيع منه شيء، بل يباع كله بالذهب.

نهر الرأس: بأذربيجان، شديد جري الماء وبأرضه حجارة بعضها ظاهرة وبعضها مغطاة بالماء، ولهذا ليس للسفن فيه مجرى، وله أجراف هائلة ذات حجارة عظيمة لا مشارع لها؛ زعموا أنّه من عبر نهر الرأس بدجلة إذا مسح برجليه ظهر امرأة عسرت ولادتها تضع في الحال وكان بقزوين شيخ تركماني اسمه الخليل كان يفعل ذلك؛ وزعموا أيضاً أنّ نهر الرأس مسامح بالغرقى كثيراً ما ينجو غريقه، ومن العجائب ما ذكر ديسم بن إبراهيم صاحب أذربيجان قال: كنت أجتاز على قنطرة الرأس بعسكري فإذا صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة ومعها طفل في قماطه، فصدمتها دابة رمتها فسقط الطفل من يديها في النهر، فوصل إلى الماء بعد زمان لبعد ما بين القنطرة وسطح الماء ثم غاص وطغا الماء يجري به وسلم من الحجارة التي في النهر وللعقبان أوكار على أجراف النهر فرآه عقاب فانقض عليه فرفعه وخرج به إلى الصحراء فأمرت جماعة بالركض في أثر العقاب، فإذا العقاب قد وقع على الأرض، واشتغل بخرق القماط فأدركه القوم وصاحوا به وركضوا نحوه فطار وترك الطفل فوجدوه سالماً يبكي فردوه إلى أمه.

نهر بين الموصل وأربل: يبتدىء من أذربيجان وينصب في دجلة؛ يقال له الزاب المجنون لشدّة جريانه ولقد شربت من مائه وقت القيظ عند الظهيرة وكان بارداً جداً، وذلك لشدّة جريه، فإنّ الشمس لا تؤثر فيه حتى يسخن ماؤه.

نهر زریر: ونهر أصفهان، موصوف باللطافة والعذوبة يغسل فيه الثوب الخشن يصير ليناً مثل الحرير، مخرجه من قرية يقال لها بياكان ويعظم بانضمام المياه إليه عند أصفهان ويسقي بساتينها ورساتيقها، ثم يغور في رمل هناك ويخرج بكرمان ثم ينصب في بحر الهند؛ ذكر بعضهم أنهم أخذوا قصبة وعلموها وأرسلوها في موضع الغور، فخرجت بكرمان.

نهر زوبر: بأذربيجان بقرب مزيد، لا يخوضه، الفارس، فإذا وصل إلى قرب مزيد يجري تحت الأرض أربعة فراسخ ثم يظهر على وجه الأرض؛ أخبر به الشريف محمد بن ذي الفقار العلوي المزيدي.

نهر سنجة: هو نهر عظيم بأرض مصر بين حصن المنصور وكيسوم لا يتهيأ خوضه لأن قراره رمل سيال، وعلى هذا النهر قنطرة وهي إحدى عجائب الدنيا لأنها عقد واحد من الشط إلى الشط مقدار مائتي خطوة من حجر مهندم طول كل قطعة عشرة أذرع. وحكي أنّه عنده طلسم على لوح إذا عاب موضع من القنطرة أدلى ذلك اللوح على موضع العيب، فينعزل الماء عنه فيصلح، ثم يرفع اللوح فيعود الماء إلى حاله الأول، والله أعلم.

نهر شلف: بإفريقية، حدثني الفقيه سليمان المالياني أن في كل سنة أيام الورد يظهر فيه صنف من السمك يسمّى الشبوق طيب اللحم إلا أنّه كثير الشوك، طوله قدر ذراع ويبقى شهرين ويكثر صيدها في هذا الوقت، ويرخص ثمنها ثم ينقطع فلا يرى فيها شيء إلى العام القابل.

نهر صقلاب: بأرض صقلاب، في كل أسبوع يجري فيه الماء يوماً واحداً ثم ينقطع ستة أيام ثم يجري في السابع وهكذا.

نهر طبرية: نهر عظيم والماء الذي يجري فيه نصفه حار ونصفه بارد لا يختلط أحدهما بالآخر، فإذا أخذ في الإناء يبقى كله بارداً خارج النهر.

نهر العاصي: نهر حماه وحمص مخرجه من قدس ومصبه البحر قرب أنطاكية، وإنّما سمّي العاصي لأنّ أكثر الأنهر تتوجّه من نحو الجنوب هناك وهذا يتوجه من نحو الشمال.

نهر الفرات: مخرجه من أرمينية، ثم من قاليقلا قرب أخلاط، ثم إلى ملطية ثم إلى سميساط ثم إلى الرقة ثم إلى غانة ثم إلى هيت ثم ينصب في دجلة بعد ما يسقي المزارع والبساتين بهذه البلاد، والفاضل منها ينصب في دجلة بعضه وبعضه في بحر فارس، وللفرات فضائل كثيرة؛ روي أنّ أربعة أنهار من الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيحان، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال: يا أهل الكوفة إن نهركم هذا يصب إليه ميزابان من الجنّة؛ وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه شرب من ماء الفرات ثم ازداد وحمد الله تعالى وقال: ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافتيه القباب، ولولا ما يدخله من الخطائين ما اغتمس فيه ذو عاهة إلا برىء؛ وعن السدي أنّ الفرات مد في زمن علي رضي الله عنه فألقى رمانة عظيمة كان فيها كر حب، فأمر المسلمين أن يقتسموه بينهم، وكانوا يرون أنها من الجنة.

نهر القورج: بين القاطول وبغداد، وكان سبب حفره أن كسرى لما حفر القاطول أضرّ بأهل الأسافل فخرج أهل تلك النواحي للتظلم فوافوه وقد خرج متنزّهاً فقالوا: جئناك متظلمين، فقال: ممن؟ قالوا منك، فثنى رجله ونزل عن دابته وجلس على الأرض فأتي بشيء يجلس عليه فأبى أن يجلس على غير التراب إذ أتاه قوم للتظلم ثم قال: ما مظلمتكم؟ قالوا: حفرت القاطول وقطعت الماء عنا فخربت ديارنا، فقال: إنّي لأسدّه ليعود الماء إليكم، قالوا: لا نجشمك ذلك، لكن مر ليعمل لنا مجرى دون القاطول، فعمل لهم مجرى بناحية القورج، فعمرت بلادهم، وأما الآن فهو بلاء على أهل بغداد فإنّهم يجتهدون في سده وإحكامه، فإذا زاد الماء تعدى إلى البلد.

نهر الكر: بين أرمينية وأران وهو نهر عظيم سليم أكثر ما يقع فيه من الحيوان ينجو حدثني بعض فقهاء نقجوان قال: وجدنا غريقاً في نهر الكر يجري به الماء، فبادر القوم إلى إمساكه فأدركوه وقد بقي منه رمق، فلما استقرت نفسه وسكن جاشه قال أي موضع هذا؟ قالوا: نقجوان، قال: إنّي وقعت في الماء في الموضع الفلاني، فكان بينه وبين نقجوان ستة أيام، فطلب منهم طعاماً، فذهبوا لإحضار الطعام، فانقض عليه الجدار الذي كان قاعداً تحته، فتعجب القوم من مسامحة الماء، وتعدّي الجدار.

نهر الملك: ببغداد، مشتمل على كوة واسعة؛ قيل أول من حفره سليمان عليه السلام؛ وقيل حفره الإسكندر؛ وقيل حفره أردشير بن بابك، وأخذ ملكه، فقال إنّه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة، وإنّما وضع هذا ليكون ذخيرة لقوت سنة كل قرية قوت يوم لو أجدبت غيرها من الأرض كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام بالفيوم بمصر.

نهر مهران: بالسند، عرضه کعرض جيحون يقبل من المشرق إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل الهند؛ قال الاصطخري مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ويظهر بملطان ثم على المنصورة ثم يقع في البحر، وهو نهر كبير جداً، ماؤه عذب، فيه تماسيح كما في النيل، وإنّه يرتفع ويمتد على وجه الأرض، ثم ينضب فيزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر؛ قالوا: إن تماسيح هذا النهر أصعب من تماسيح النيل وأصغر.

نهر مكران: عليه قنطرة من الحجر قطعة واحدة من عبر عليها يتقيأ جميع ما في بطنه حيث لا يبقى فيه شيء ولو كانوا ألوفاً كان هذا حالهم، فمن أراد من الناس القيء عبر على تلك القنطرة.

نهر النيل: ليس في الدنيا أطول من النيل لأنه مسيرة شهر في بلاد الإسلام وشهران في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء، وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر حين ينقص الأنهار كلها، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب غيره وسبب مده أن الله تعالى يبعث ريح الشمال فيقلب عليه البحر المالح فيصير كالسكن له فيزيد فيعم الربا والتلال ويجري في الخلجان حتى يملأها، فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضر زمان الحراثة بعث الله الريح الجنوب فأخرجته إلى البحر وانتفع الناس بما أروى من الأرض، ولمّا كان زمان يوسف عليه السلام اتخذ مقياساً يعرف به قدر الزيادة والنقصان فيزرعون عليه، فإذا زاد على قدر كفايتهم يستبشرون بخصب السنة وسعة الرزق، وذلك المقياس عمود قائم في وسط بركة على شاطىء النيل لها طريق إلى النيل يدخلها الماء إذا زاد وعلى ذلك العامود خطوط معروفة عندهم يعرفون بوصول الماء إليه مقدار زيادته فأقل ما يكفي أهل مصر لسنتهم أن يزيد أربعة عشر ذراعاً، فإن زاد ستة عشر ذراعاً زرعوا ما يفضل عن عامهم، وأكثر ما يزيد ثمانية عشر ذراعاً، والذراع أربعة وعشرون إصبعاً، وذكر عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الحكم أنّ المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وقالوا: أيّها الأمير إنّ لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها وذلك أنّه إذا كان لاثنتي عشر ليلة من شهر بؤنة عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون وألقيناها في النيل ليجري، فقال لهم عمرو: إنّ هذا في الإسلام لا يكون، فأقاموا بؤنة وابيت ومسرى والماء لا يجري قليلاً ولا كثيراً وهم الناس بالجلاء، فلمّا رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه بذلك، فكتب في جوابه: أما بعد فقد أصبت في أن هذا في الإسلام لا يكون وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل، فإذا في الكتاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك فلا تجري، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء، فأصبحوا يوم الصليب وقد أجرى الله تعالى النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، فإذا استوى الماء كما ذكرنا عند المقياس كسر الخلجان حتى يمتلىء جميع الأرض من مصر وتبقى التلال والقرى عليها، وسائر الأرض تكون في البحر، فإذا استوفت الأرض الماء ورويت وزرعت عليها أصناف الزرع واكتفت بتلك الشربة لأنه كلما تأخر الوقت برد الجو فلا تنشف الأرض إلى أن يدرك الزرع، وعاد الوقت يأخذ في الحر والصيف حتى ينضج الزرع فيأخذوا في حصادها، وفي ذلك عبرة. ومن عجائب النيل السمك الرعاد والتمساح، وقد ذكرناهما في حيوان الماء، وفي النيل موضع يجتمع فيه السمك في كل سنة يوماً معلوماً فالإنسان يصيب بيده ما يشاء ثم يفترق إلى ذلك اليوم من السنة القابلة.

نهر هند مند: بسجستان، نهر عظيم يقول أهل سجستان إنه ينصب فيه ألف نهر ولا تتبين زيادة في عموده وينشق منه ألف نهر ولا يظهر فيه نقصان وإنّه في الحالتين سواء.

نهر اليمن: قال صاحب تحفة الغرائب بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس، يجري من المشرق إلى المغرب وعند غروبها يجري من المغرب إلى المشرق، والله تعالى أعلم.

فصل في تولد العيون والآبار وعجائبها

ذهبوا إلى أنّ في جوف الأرض منافذ ومسام وفيها إما هواء أو ماء، فإن كان هواء يصير ماء بسبب برودة تلحقها فإن كان أصابه مدد من جهة أخرى لا يسع ذلك الموضع تنشق الأرض إن كانت رخوة ويظهر على وجهها وإن لم يكن لها قوة الخروج فيحتاج إلى أن ينحى عن التراب حتى يظهر كماء القنوات والآبار هذا إذا لم يكن لها مادة من البحار والأنهار والأوشال فإن كان لها مدد فسببها ظاهر، وأما سبب اختلاف العيون فإنّ منها حارة وباردة وعفصية وشبية وأمثال ذلك فإن المياه تسخن تحت الأرض في الشتاء وتبرد في الصيف بسبب أنّ الحرارة والبرودة ضدان في باطن الأرض لا يجتمعان في مكان واحد وزمان واحد فإذا جاء الشتاء برد الجو وفرّت الحرارة إلى باطن الأرض، والأمر في الصيف بضد ذلك، فإن كانت مواضعها كبريتية بقيت الحرارة فيها دائمة بسبب المادة الكبريتية وهي مادة رطوبة دهنية، فإن أصابها نسيم الهواء وبرد الجو جمدت فصارت زئبقاً أو قيراً أو نفطاً أو شباً أو ملحاً أو ما شابه ذلك بسبب اختلاف تراب بقاعها وتغير أهوية أماكنها.

ولنذكر بعض العيون العجيبة ثم الآبار العجيبة مرتبة على حروف المعجم، والله الموفق:

عين أذربيجان: قال في تحفة الغرائب: بأذربيجان عين ينبع الماء منها وينعقد حجراً والناس يتخذون قالب اللبن ويصبون من ذلك الماء عليه ويصبرون عليه يسيراً والماء في القالب يصير حجراً.

عين أدربيهستل: أدربيهستل ضيعة من ضياع قزوين على ثلاث فراسخ منها بها عين إذا شرب الإنسان من مائها أسهل إسهالاً شديداً؛ ومن خواصها أنّ الإنسان يقدر أن يشرب منها عشرة أرطال ويقصدها في كل يوم خلق كثير من النواحي لشربها لأجل الإطلاق، وإذا حمل من مائها إلى قزوين زالت خاصيته فلا يعمل شيئاً، وسمعت أهل قزوين يقولون: بين هذه الضيعة وبين قزوين نهر إذا جاوز ذلك النهر بطلت خاصيته.

عين إسكندرية: عين مشهورة فيها نوع من الصدف يطبخ ويؤكل لحمه ويشرب مرقه ينفع من الجذام ويبرئه ويوجد فيها كل وقت لا يخلو عنه شيء من الأوقات.

عین ایلابستان: قال صاحب تحفة الغرائب إنّها بين اسفرايين وجرجان ضيعة تسمّى أيلابستان، بها عين ينبع منها ماء كثير، فربّما ينقطع في بعض الأوقات ويدوم انقطاعها شهراً، فعند ذلك يخرج أهل الضيعة رجالها ونساؤها في أحسن ثيابهم بالدفوف والشبابات والملاهي ويرقصون عند ماء العين ويلعبون، فإن الماء ينبع ويجري وهو ماء كثير مقدار ما يدور رحوين.

عين بادحاني: قال صاحب تحفة الغرائب: مكان بدامغان يسمى كهن به عين تسمّى بادحاني، فإذا أراد أهل الضيعة هبوب الريح عند الدياس لتنقية الحبوب أخذوا خرقة الحيض ورموها في تلك العين فيتحرك الهواء، ومن شرب من مائها ينتفخ بطنه، ومن حمل معه شيئاً من ذلك الماء إذا فارق منبعه يصير حجراً.

عين باميان: قال في تحفة الغرائب: بأرض باميان عين ينبع منها ماء كثير بصوت وجلبة ويشم رائحة الكبريت، من اغتسل به يزول جربه وإذا ترك من ذلك الماء في كوز وسد رأسه سداً وثيقاً وتركته يوماً يصير خاثراً شبه الخمير، وإذا عرضت عليه شعلة نار يشتعل، والله أعلم.

عين جاج: قال في تحفة الغرائب: إذا خرجت من جاج بقربها عقبة على رأسها عين ماء إذا كانت السماء مصحية لا ترى فيها قطرة ماء وإذا كانت السماء مغيمة ترى العين مملوءة من الماء.

عين جاجرم: هي منبع قناة بين جاجرم وإسفرايين؛ حدثني بعض فقهاء خراسان أن من غاص في مائها وبه جرب زال جربه، ويقصدها أصحاب الجرب للعلاج.

عيون جبال: سيران بناحية باميان جبال فيها عيون لا تقبل شيئاً من النجاسة، وإذا أُلقي فيها شيء من النجاسة ماج وعلا نحو الملقي، فإن أدركه أحاط به حتى يغرقه.

عين جبل ملطية: حدثني بعض التجار أن بقرب ملطية جبلاً فيه عين يخرج منها ماء عذب غزير شديد البياض يشرب الحيوان منه ولا يضره، فإذا جرى مسافة يسيرة ينعقد حجراً.

عين وادان: عين فيها نبات من غاص فيها يلتف عليه ذلك النبات يمسكه وكلّما سعی في تخليص نفسه كان إمساكه له أشد، وإذا لم يسع في التخليص انحل عنه يسيراً.

عيون دوراق: حدثني الشيخ عمر التسلمي أنّها عيون كثيرة تنبع في جبل كلها حارة، فربّما يصعد منها دخان يلتهب فترى شعلته بيضاء وحمراء وصفراء وخضراء يجتمع في حوضين أحدهما للرجال والآخر للنساء، يقصدها الناس لدفع الأمراض البلغمية، فمن نزل فيها يسيراً انتفع به، ومن ظفر فيها يحترق جميع بدنه ويتنفط، والله أعلم.

عين رأس الناعور: بشرقي الموصل عين في قرية تسمى زراعة بها عين فوارة غزيرة الماء ينبت فيها من اللينوفر شيء كثير يباع بثمن جيد ويسد من غلة تلك الضيعة.

عین نهاوند: بقرب البحيرة المنتنة بأرمينية جمة شريفة كثيرة المنفعة، وذلك أنّ الحيوان يغوص فيها وبه كلوم فتراه عن قريب قد اندملت قروحه والتحمت ولو كان دونها عظام موهنة وأزجة كامنة وشظايا غامضة تنفجر أفواهها وتجتمع على النظافة ويأمن الإنسان غائلتها.

عين زعر: على طرف البحيرة المنتنة بينها وبين البيت المقدس ثلاثة أيام وزعر اسم بيت لوط عليه السلام وهي العين التي جاء ذكرها في حديث الجساسة وعدوها من أشراط الساعة.

عین سیاه سنك: قال صاحب تحفة الغرائب: بجرجان موضع يسمّى سياه سنك به عين على تل تأخذ الناس ماءها للشرب، وفي الطريق إليها دودة فمن أخذ من ذلك الماء وأصابت رجليه تلك الدودة يصير الماء الذي معه مراً فيبرد ويعود إليها مرة أخرى.

عين شميرم: وهي ناحية بين أصفهان وشيراز بها مياه مشهورة وهي من عجائب الدنيا، وذلك أنّ الجراد إذا وقعت بأرض يحمل من ذلك الماء إليها بشرط أن لا يوضع الظرف الذي فيه ذلك الماء على الأرض ولا يلتفت حامله إلى ورائه فينبع ذلك الماء من الطير الأسود، عدد لا يحصى ويقتل الجراد وهذا مجرب، ولقد وقع بأرض قزوين جراد كثير وأكل جميع زرعها وباضت فبعث أهل قزوين لطلب هذا الماء فجاؤوا به فجاء الطير خلفه وأكل الجراد جميعه.

عين شيركيران: وهي من ضياع مراغة، فيها عينان يفور منهما الماء وبينهما قدر ذراع ماء إحداهما في غاية البرودة وماء الأخرى في غاية الحرارة، أخبر به الفقيه حسن المراغي.

عيون طبرية: ذكروا أنّ هناك عيوناً ينبع الماء منها سبع سنين متواليات ثم ييبس سبع سنين متواليات، وهكذا على مرور الأيام.

عين العقاب: قال صاحب تحفة الغرائب بأرض الهند عين على رأس جبل إذا هرم العقاب تأتي به فراخه إلى هذه العين وتغسله فيها ثم تضعه في شعاع الشمس، فإن ريشه يتساقط عنه وينبت له ريش جديد ويزول عنه الضعف وترجع إليه القوة والشباب.

عين غرناطة: قال أبو حامد الأندلسي: بقرب غرناطة من أرض الأندلس كنيسة عندها عين ماء وشجرة زيتون يخرج الناس إليها في يوم معلوم من السنة يقصدونها وإذا طلعت الشمس في ذلك اليوم فاضت تلك العين بماء كثير ويظهر على الشجرة زهر الزيتون ثم ينعقد زيتوناً ويكبر ويسود في يومه ويؤخذ من ذلك الزيتون من قدر على أخذه وكذلك يأخذون من ماء تلك العين للتداوي، هذا الحديث قرأته في كتب عديدة.

عين عرنة: بقرب عرنة عين إذا ألقي فيها شيء من القاذورات يتغير الهواء ويظهر البرد والريح العاصف والمطر ويبقى على تلك الحالة إلى أن تنحي النجاسة عنها، وذكروا أنّ السلطان محمود بن سبكتكين لما أراد فتح عرنة كان كلما قصدها بادر أهل عرنة إلى العين وألقوا فيها شيئاً من القاذورات فلم يمكنه الإقامة هناك حتى عرف ذلك منهم فبعث السلطان أوّلاً على العين حفاظاً ثم سار إليهم فلم ير شيئاً ممّا كان يرى قبل ذلك ففتحها.

عين الفرات: بقرب أرز الروم، من اغتسل بمائها في الربيع يأمن من أمراض تلك السنة.

عين قراور: وهي بأرض خراسان، حدّثني بعض فقهاء خراسان وقال: من المشهور عندنا أنّ من اغتسل بالعين التي بقراور يزول عنه حمى الربع، والله أعلم.

عين القيارة: بالموصل على مرحلة منها ينبع منها شيء كثير من القير ويحمل منها إلى سائر البلدان يقصدها الناس من الموصل يستحمون بها ويستشفون بمائها.

عين المشقق: وهو واد بالحجاز، قال ابن إسحاق: كان بها وشل يخرج منه ماء يروي الراكب والراكبين، فقال صلي الله عليه وسلم في غزوة تبوك: "من سبقنا فلا يسقين منه شيئاً حتى نأتيه"، فسبقه نفر من المنافقين فاستسقوا منها، فلما أتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليها فلم ير فيها شيئاً فقال: "من سبقنا إلى هذه؟" فقالوا: فلان وفلان يا رسول الله، فقال: صلي الله عليه وسلم: "أولم أنههم أن يسقوا منها شيئاً؟"، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء ما شاء الله، ثم نضحه به ومسحه بيده، ثم دعا بما شاء فانخرق من يده من الماء ما يسمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم، فقال صلي الله عليه وسلم: "لئن بقيتم أو بقي منكم أحد ليسمعن بهذا الوادي وقد اخضر ما بين يديه وما خلفه"، وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

عين منكور: ذكر أبو الريحان الخوارزمي في "الآثار الباقية" أن ببلاد كيمال جبل يسمّى منكوراً، وفيه عين في حفرة على قدر ترس كبيرة وقد استوى سطح الماء حافتها فربّما يشرب منه عسكر ولا ينقص أصبعاً وعند هذه العين صخرة عليها أثر رجل إنسان وأثر كفيه بأصابعهما وأثر ركبتيه كأنه كان ساجداً وأثر قدم صبي وأثر حوافر حمار ويسجد لها الأتراك للقربة.

عين منية هشام: وهي قرية بأرض طبرية. حكى الثعالبي أن بها عيناً يجري ماؤها سبع سنين دائماً ثم ينقطع سبع سنين دائماً هكذا وذلك معروف.

عين النار: بين أقشهر وأنطاكية، حدثني من رآها قال: إذا غمست فيها قصبة احترقت وقال: كنت مع السلطان علاء الدين كيخسرو عند اجتيازه بها فوقف عليها وأمر بتجربتها فكان صحيحاً.

عين ناطول: ناطول اسم موضع بمصر فيه غار وفي الغار عين ينبع الماء منها ويتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين قاراً؛ حكى بعضهم قال: رأيت من ذلك الطين قطعة نصفها قار والباقي طين.

عين نهاوند: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الجبال بقرب نهاوند عين في شعب جبل من احتاج إلى الماء لسقي الأرض يمشي إليها ويدخل الشعب وعنده يقول بصوت رفيع: إنّي محتاج إلى الماء ثم يمشي نحو زرعه فالماء يجري نحوه، فإذا انقضت حاجته يرجع إلى الشعب عند العين ويقول قد كفاني الماء، ويضرب برجله على الأرض فإنّ الماء ينقطع.

عين هرماس: عين عجيبة بقرب نصيبين على مرحلة منها وهي مسدودة بالحجارة والرصاص لئلا يطلع منها ماء كثير، فيغرق المدينة، وكان المتوكل على الله لما وصل إلى نصيبين سمع بأمر هذه العين وعجيب شأنها وكثرة مياهها أمر بفتحها ففتح منها شيء يسير فغلب عليه الماء غلبة شديدة فأمر بإحكامها وردّها إلى ما كانت، فمن هذه العين يحصل نهر الهرماس فيسقي نصيبين وفاضل مائها ينصب إلى الخابور ثم إلى الثرثار ثم إلى دجلة.

عين الهم: قال صاحب تحفة الغرائب: إذا توجّهت من طريق جهينة إلى جرجان ترى في سفح جبل عيناً يجتمع ماؤها في غدير مقدار غلوة سهم في غلوة سهم وفي هذا الغدير شجرة ليس عليها غصن ولا لحى ترى بالليل كأنها تدور في ذلك الغدير وقد تختفي أربعة أشهر ولا علم لأحد بحالها ثم تظهر، وربّما يتفق في بعض الأوقات أن يكون مدة اختفائها سنتين ثم تظهر وإذا كانت السنة مطيرة كان ظهورها أسرع، وفي بعض الأوقات شدّوها بالحبال لما دنت مدة غيبتها شداً وثيقاً فأصبحوا والحبال مقطعة والشجرة ذاهبة فأخبر بذلك رافع بن هرثمة صاحب جرجان وخراسان، فوکل بها من ينظر إليها لما دنت مدة غيبتها ليلاً ونهاراً، فترقبوا أربعة أشهر، ثم اتفق لهم غيبة فعادوا والشجرة قد ذهبت، فأخبر بذلك رافع وكان في عسكره غواص كوفي فأمره أن يغوص ويعرف حالها فغاص زماناً طويلاً ثم خرج وقال: نزلت ألف ذراع وما رأيت لها أثراً، وتسمّى هذه العين عين الهم بينها وبين بحر السكون يوم.

عين ياسي جمن: بين أخلاط وأرز الروم موضع يقال له ياسي جمن به عين يفور الماء منها فوراناً شديداً يسمع صوته من بعيد وإذا دنا الحيوان منها يموت في الحال فترى حولها من الطيور والوحوش موتى ما شاء الله تعالى وقد وكلوا بها من يمنع الغريب عنها.

عين يل: يل ضيعة من ضياع قزوين عندها جبل يخرج من شعب من شعابه به ماء كثير حار جداً ويجتمع في حوضين هناك يقصدها الزمني والجربا وأصحاب العاهات تنفعهم نفعاً بيناً وتسمّى يله،كرمان، والله الموفق للصواب.

فصل: في الآبار

أما الآبار فنقول وبالله التوفيق:

بئر أبي كنود: بطرابلس، من شرب من مائه يتحمق؛ يقال للرجل إذا أتى بما يلام عليه لا نعتبك فإنّك شربت من ماء أبي كنود.

بئر بابل: قال الأعمش: كان مجاهد يحب أن يسمع من الأعاجيب وكان لا يسمع بشيء إلا صار إليه وعاينه، فأتى بابل فلقيه الحجاج وقال: ما تصنع ههنا؟ قال: لحاجة أن تسير إلى رأس الجالوت لتريني هاروت وماروت فأرسل إلى رجل وقال: اذهب بهذا فأدخله على هاروت وماروت لينظر إليهما فانطلق به حتى أتى موضعاً وكان هناك يهودي عارف بذلك الموضع فسألاه أن يريهما فرفع صخرة، فإذا شبه سرداب، فقال اليهودي: انزل معي وانظر إليهما ولا تذكر اسم الله تعالى، قال مجاهد: فنزل اليهودي ونزلت معه، فلم يزل يمشي بي حتى نظرت إليهما مثل الجبلين العظيمين منكوسين على رؤوسهما وعليهما الحديد من أعقابهما إلى ركبهما، فلما رآهما مجاهد لم يملك نفسه أن ذكر الله تعالى، فاضطربا اضطراباً شديداً حتى كادا يقطعان ما عليهما من الحديد، فهرب اليهودي ومجاهد تعلّق به حتى خرجا، فقال له اليهودي: أما قلت لك لا تفعل ذلك؟ كدنا والله نهلك.

بئر بدر: بین مكة والمدينة، في الموضع الذي كانت فيه الوقعة المباركة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم و مشركي مكة، فقتلوا المشركين ورموهم في البئر، فدنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا عتبة يا شيبة هل وجدتم ما وعدكم الله حقاً"، فقيل: يا رسول الله هل يسمعون كلامنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الستم بأسمع منهم". وحكى بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه أنه رأى في اجتيازه هناك شخصاً خرج من البئر هارباً فخرج عقبه آخر معه سوط فضربه وردّه إليها.

بئر برهوت: بئر بقرب حضرموت وهي التي قال صلي الله عليه وسلم: "فيها أرواح الكفار والمنافقين"، وهي بئر عادية في فلاة وواد عظيم؛ وعن علي رضي الله تعالى عنه: أبغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت فيه بئر ماؤها أسود منتن تأوي إليها أرواح الكفار. وحكى الأصمعي عن رجل من أهل حضرموت أنه قال: نجد من ناحية برهوت في بعض الأوقات رائحة فظيعة منتنة جداً، فيأتينا الخبر بموت عظيم من عظماء الكفار؛ وذكر أنّ رجلاً بات بوادي برهوت قال: كنت أسمع طول الليل يا دومة يادومة، فذكرت ذلك لرجل من أهل العلم فقال: إنّه اسم الموكل بأرواح الكفار.

بئر بضاعة: بالمدينة في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بئر بضاعة فتوضأ من الدلو وردها إلى البئر وبصق فيها وشرب من مائها، فكان إذا مرض المريض في أيامه صلي الله عليه وسلم يقول: "اغسلوه بماء بضاعة"، فيغتسل فكأنما نشط من عقال؛ وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه: كنا نغسل المرضى من بضاعة ثلاثة أيام فيعافون.

بئر بنحن: بقرب واد في زبيدة مشهورة وهي البئر التي حبس أفراسياب فيها بنحن مكبلاً، وأنزل على رأس البئر صخرة عظيمة فذهب إليه دستم مختفياً وسرقه، وأتى به بلاد إيران ولها قصة طويلة.

بئر قنصورة: وهي جزيرة بأرض الهند يجلب منها الكافور القنصوري فيها صنف من السمك إذا أخرجته من البئر يصير صلداً.

بئر جندق: جندق قرية من أعمال مراغة يخرج منها حمام كثير؛ حدثني بعض فقهاء مراغة أنّهم أرسلوا إليها رجلاً ليعرف حال الحمام فنزل في البئر حتى زاد الجبل على خمسمائة ذراع، ثم أخرج فأخبر أنّه لم ير من الحمام شيئاً ورأى في آخرها ضوءاً وشيئاً كثيراً من الحيوانات الموتى.

بئر دماوند: بئر عميق بجبل دماوند يصعد منها بالنهار الدخان وبالليل النار، وإذا رميت فيها شيئاً ينزل ويلبث ساعة ثم يرجع ويقع خارج البئر على الأرض.

بئر ذروان: بالمدينة، طب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض مرضاً شديداً، فبينما هو بين النائم واليقظان رأى ملكين أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما وجعه؟ قال: طب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وأين طبه؟ قال: في كرمة تحت صخرة في بئر کملی، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفظ كلام الملكين، فوجه علياً وعماراً مع جمع من الصحابة حتى أتوا لبئر كملى، وهو بئر ذروان فنزحوا ماءها حتى انتهوا إلى الصخرة فقلبوها فوجدوا الكوبة تحتها، وفيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأحرقوا الكوبة وما فيها فزال عنه صلي الله عليه وسلم لا وجعه كأنه نشط من عقال فأنزل الله تعالى المعوذتين إحدى عشرة آية على قدر عدد العقد، والله الموفق.

بئر زمزم: في الخبر أنّ إبراهيم لما ترك إسماعيل وأمه هاجر بموضع الكعبة وأراد الرجوع قالت له هاجر إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله، قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها، فأدركتها الحنة على ولدها إسماعيل بموضعه وارتقت على الصفا تنظر هل ترى عيناً أو شخصاً فلم تر شيئاً، فدعت ربها واستسقته، ثم نزلت حتى أتت المروة فدعت مثل ذلك ثم سمعت صوت السباع فخشيت على ولدها فأسرعت نحو إسماعيل فوجدته يفحص والماء قد انفجر من عين من تحت عقبه، فلمّا رأت هاجر ذلك الماء جعلت تحوّطه بالتراب لئلا يسيل ويذهب؛ قيل لو لم تفعل ذلك لكان عيناً جارية؛ وقال محمد بن أحمد الهمذاني: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها أربعين ذراعاً، وفي قعرها عيون تجري عين حذاء الركن الأسود وعين حذاء أبي قبيس والصفا وعين حذاء المروة، ثم قل ماؤها في سنة أربع وعشرين ومائتين، فحفر فيها محمد بن الضحاك تسعة أذرع فزاد ماؤها، ثم جاء الله تعالى بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فزاد ماؤها وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه أحد عشر ذراعاً وسعة فمها ثلاثة عشرة أذرع وثلثا ذراع وعليها ميلان من ساج مربعة فيهما اثنا عشر بكرة يستقى عليها، وأوّل من عمل عليها الرخام وفرش به أرضها المنصور، وقال مجاهد: ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاء شفاك الله تعالى، وإن شربته لظمأ أرواك الله تعالى، وإن شربته لجوع أشبعك الله؛ وقال المسعودي: إن ملوك الفرس يزعمون أنهم من أولاد الخليل من سبي بني إسرائيل وكانوا يحجون البيت ويطوفون به تعظيماً لجدهم، وكان آخر من حج منهم أردشير بن بابك طاف بالبيت وزمزم على البئر، وزمزمة المجوس قراءتهم عند صلواتهم وطعامهم.

بئر ضاهك: بكورة أرجان ذكر أهلها أنّهم امتحنوا قعرها بالأرسان فلم يقفوا على شيء ويفور منها الماء الدهر كله مقدار ما يدير رحاً تسقي تلك القرية.

بئر عروة: بعقيق المدينة، منسوبة إلى عروة بن الزبير، قال الزبير بن بكار: كان الناس إذا مروا بالعقيق أخذوا من ماء بئر عروة يهدونها إلى أهاليهم، قال: ورأيت أبي يأمر به فيغلى ثم يجعله في القوارير ويهديه إلى الرشيد وهو بالرقة.

بئر غرس: بالمدينة بقباء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيب ماءها ويبارك فيها؛ وقيل إنه صلي الله عليه وسلم بصق فيها، فلهذا وجد فيها البركة، وروي أنّ فيها عيناً من عيون الجنّة.

بئر قرية عبد الرحمن: بأرض فارس جافة القعر طول السنة حتى إذا كان الوقت المعروف من السنة ينبع منها ماء يرتفع على وجه الأرض مقدار ما يدير رحاً، ويجري وينتفع به في سقي الزروع ثم يغور.

بئر الكلب الكلب: بقرية من قرى أعمال حلب إذا شربت منها من عضه الكلب الكلب برىء، وإنّها مشهورة، قال بعض أهل القرية: إذا لم يجاوز المكلوب أربعين يوماً وشرب منها برىء، أما إذا جاوز الأربعين مات إن شرب، وذكر أنه شاهد ثلاثة أنفس مكلوبين فشربوا، فسلم اثنان وكانا لم يبلغا الأربعين ومات الثالث وكان قد جاوز الأربعين، وهذه بئر منها يشرب أهل الضيعة.

بئر المطرية: في قرية من قرى مصر، عليها شجر البلسان ويسقى من البئر، والخاصية في البئر يقال إنّ المسيح عليه الصلاة والسلام اغتسل فيها، والأرض التي تنبت هذا الشجر نحو مد البصر في مثله محوط عليه وماء هذا البئر عذب فيه دهنية لطيفة، وقد استأذن الملك الكامل أباه الملك العادل أن يزرع فيه شيئاً من شجر البلسان فأذن له فغرم غرامات كثيرة وزرعها فلم ينجح شيئاً ولا خلص منه دهن البتة، فسأل أباه أن يجري له ساقية من المطرية، فأذن له ففعل ذلك فنجح، وليس في جميع الدنيا موضع يثبت فيه البلسان إلا هذا الموضع، والله الموفق للصواب

بئر نيسابور: آبار كثيرة وهي معادن الفيروزج، كان يوجد فيها القطع الجيدة فظهر فيها العقارب القتالة فامتنع الناس عنها بسبب ذلك الشيء.

بئر هندیان: هنديان ضيعة بفارس بها بئر يخرج منها دخان يعلو لا يتهيأ لأحد أن يقربها، وإذا طار طائر فوقها سقط محترقاً.

بئر يوسف الصديق: صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء. التي ألقاه فيها إخوته وهي بالأردن على أربعة فراسخ من طبرية مما يلي دمشق؛ قال الاصطخري وغيره: كان منزل يعقوب عليه السلام بين نابلس وبين قرية يقال لها سخل ولم تزل هذه البئر مراراً للناس يتبركون بها ويشربون من مائها، وليكن هذا آخر الكلام في الأنهار والعيون والآبار، والله الموفق للصواب.

النظر في الكائنات وهي الأجسام المتولدة من الأمهات

فنقول: الأجسام المتولدة من الأمهات إما أن تكون نامية أو لم تكن، فهي المعدنيات وإن كانت نامية فإما أن تكون لها قوة الحس والحركة أو لم تكن، فإن لم تكن فهي النبات، وإن كانت فهي الحيوانات؛ زعموا أنّ أوّل ما يستحيل إليه الأركان الأبخرة والعصارات، فالبخار ما يصعد من لطائف مياه البحر والآجام والأنهار من تسخين الشمس، والعصارات ما ينجلب في باطن الأرض من مياه الأمطار ويختلط بالأجزاء الأرضية ويغلظ وتنضجها الحرارة المستنبطة في عمق الأرض فتصيرها مادة للنبات والمعادن والحيوان، وإنّها متصلة بعضها ببعض بترتيب عجيب ونظام بديع تعالى صانعهما عمّا يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. فأوّل مراتب هذه الكائنات تراب وآخرها نفس ملكية طاهرة، فإنّ المعادن متصلة أوّلها بالتراب أو الماء وآخرها بالنبات، والنبات متصل أوله بالمعادن وآخره بالحيوان، والحيوان متصل أوله بالنبات وآخره بالإنسان، والنفوس الإنسانية متصلة أوّلها بالحيوان وآخرها بالنفوس الملكية، والله تعالى أعلم بالصواب.

النظر الأول في المعدنيات

هي أجسام متولدة من الأبخرة والأدخنة تحت الأرض، إذا اختلطت على ضروب من الاختلاطات مختلفة في الكم والكيف وهي إمّا قوية التركيب أو ضعيفة التركيب، وقوية التركيب إمّا أن تكون متطرقة، أو لم تكن متطرقة، وهي الأجساد السبعة أعني الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والإسرب والخارصين، والتي لا تكون متطرقة فقد تكون في غاية اللين، كالزئبق وقد تكون في غاية الصلابة كالياقوت والتي تكون في غاية الصلابة قد تنحل بالرطوبات، وهي الأجسام الذهبية كالزرنيخ والكبريت، والأجساد السبعة إنّما تتولد من اختلاط الزئبق بالكبريت على اختلاف في الكم والكيف، والزئبق يتولد من أجزاء مادية اختلطت بأجزاء أرضية لطيفة كبريتية، والكبريت يتولد من أجزاء مائية وهوائية وأرضية نضجتها حرارة قوية حتى صار مثل الدهن وأمّا الأجسام الصلبة الشفافة فتتولد من مياه عذبة وقعت في معادنها بين الحجارة الصلدة زماناً طويلاً حتى غلظ وصفا وأنضجته حرارة المعدن بطول وقوفها، وأما غير الشفافة فمن امتزاج الماء بالطين إذا كانت فيه لزوجة وأثرت فيه حرارة الشمس بمدة طويلة، وأما الأجسام التي تنحل بالرطوبات فمن ماء مختلط بأجزاء أرضية محترقة يابسة اختلاطاً شديداً، وأمّا الأجسام الدهنية فمن الرطوبات المختلفة في باطن الأرض إذا احتوت عليها حرارة المعدن تحللت ولطفت واختلطت بتربة القاع وحرارة المعدن دائماً في نضجها وطبخها حتى تزداد غلظاً وصار مثل الدهن، وسيأتي الكلام في تولد كل واحد منهما إن شاء الله تعالى؛ وزعموا أنّ الذهب لا يتولد إلا في البراري الرملية والجبال والأحجار الرخوة، وأما الفضة والنحاس والحديد وأمثالها فلا يكون إلا في جوف الجبال والأحجار المختلطة بالتراب والندى، والكباريت لا تتكوّن إلا في الأراضي الندية والتراب الندي، والرطوبات الدهنية والأملاح لا تنعقد إلا في الأراضي السبخة والاسفيداج لا ينعقد إلا في الأرض الرملية المختلط ترابها بالجص والزاجات والشبوب لا تتكون إلا في التراب العفص النشف وعلى هذا القياس حكم أنواع الجواهر كل واحد منها مختص ببقعة من البقاع وتولدها فيها من خاصية تلك البقعة وهي مع كثرة أفرادها داخلة تحت ثلاثة أنواع: الفلزات والأحجار والأجسام الذهبية، فلنتكلم فيها إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.

النوع الأول الفلزات

وهي الأجساد السبعة؛ زعموا أن تولدها من اختلاط الزئبق والكبريت، فإن كان الزئبق والكبريت صافيين واختلطا اختلاطاً تاماً وشرب الكبريت رطوبة الزئبق كما تشرب الأرض نداوة الماء وكان فيه قوة صباغة، ومقدارهما متناسبين وحرارة المعدن تنضجهما على اعتدال، ولم يعرض لهما عارض من البرد واليبس قبل إنضاجهما انعقد ذلك مع طول الزمان الذهب الإبريز وإن كان الزئبق والكبريت صافيين وانطبخا انطباخاً تاماً وكان الكبريت مع ذلك أبيض تولدت منه الفضة وإن أصابه قبل النضج برد عاقد تولد،الخارصيني، وإن كان الزئبق صافياً والكبريت رديئاً وفيه قوة محرقة تولد النحاس، وإن كان الكبريت غير جيد المخالطة مع الزئبق تولد الرصاص، وإن كان الزئبق والكبريت رديئين وكان الزئبق متحللاً أرضياً والكبريت رديئاً تولد الحديد، وإن كان الزئبق والكبريت رديئين وكانا مع رداءتها ضعيفي التركيب تولد الإسرب فبسبب هذا الاختلاط اختلفت أنواع الجواهر المعدنية وهي العوارض التي تعرض لها من كمية الكبريت والزئبق وكيفيتهما، والذي يدل على هذه الأشياء كلها تجربة أهل الصناعة، ولنذكر بعض عجائبها وخواصها العجيبة إن شاء الله تعالى.

الذهب: طبعها حار لطيف ولشدة اختلاط أجزائها المائية بأجزائها الترابية لا تحترق بالنار لأنّ النار لا تقدر على تفريق أجزائها ولا تبلى بالتراب ولا يصدأ على طول الزمان وهي لينة صفراء برّاقة حلوة الطعم طيبة الرائحة ثقيل رزين جداً، فصفرة لونها من ناريتها ولينها من دهنيتها وبريقها من صفاء لونها ورزانتها من ترابيتها، و أشرف نعم الله تعالى على عباده إذ بها قوام أمور الدنيا ونظام أحوال الخلق، فإنّ حاجات الناس كثيرة وكلّها تنقضي بالنقود فإنّ النقدين يباع بهما كل شيء ويشترى بهما كل شيء لرواجهما بخلاف سائر الأموال، فإنّها لا يرغب فيها كل أحد رغبته في النقود، فإنّهما كالقاضيين يقضيان حاجة كل من لقيهما ولذلك قال الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)، لأنّ المقصود منهما تداولهما بين الناس لقضاء حوائجهم، فمن كنزهما فقد أبطل الحكمة التي خلقها الله تعالى كمن حبس قاضي البلد ومنعه أن يقضي حوائج الناس. ومن خواصها ما ذكر أرسطاطاليس أنّها تقوي القلب وتدفع الصرع إن علق على إنسان ويمنع الفزع، وإن اتخذ من الذهب ميلاً وأديم التكحل به وإدخاله في العين جلا العين وحسن النظر وقواه، وإن ثقب الأذن بإبرة من الذهب لم تلتحم، وإذا كوي بالذهب لم ينتفط موضعه ويبرأ سريعاً؛ وقال الشيخ الرئيس: إمساك الذهب في الفم يزيل البخر، والذهب يقوي العين كحلاً وينفع من أوجاع القلب والخفقان، وحديث النفس.

الفضة: أقرب الفلزات إلى الذهب ولولا برد أصابها قبل النضج لكادت أن تكون ذهباً وهي تحترق بالنار إذا داوم عليها وتبلى في التراب بطول الزمان؛ قال أرسطو: إنّ للفضة وسخاً بخلاف الذهب، فإذا أصابها رائحة الذهب والزئبق تكسرت عند الطرق فإذا أصابها رائحة الكبريت اسودت، وإن طرح الكبريت على مذابها احترقت واسودت وتكسرت،كالزجاج، وإذا ألقي عليها شيء من البورق ردّها إلى حالها لكن ينقص منها شيء كثير، والأسرب والقلي يعيبانها ولكن لا كتعيب الذهب. ومن خواصها تقطيع الرطوبات اللزجة إذا خالطت سحالتها بالأدوية المشروبة، وتنفع من البخر إذا أمسكها في الفم وتنفع للحكة والجرب وعسر البول، وتدخل في أدوية الخفقان جداً وتنفع مع الزئبق للبواسير طلاء، والله تعالى أعلم.

النحاس: قريب من الفضة والفرق بينهما حمرة اللون واليبس وكثرة الوسخ، وأما الحمرة فمن إفراط الحرارة والكبريتية وأمّا يبسه ووسخه فلغلظ مادته فمن قدر على تبييضه وتليينه فقد ظفر بحاجته، وإذا طلي بالحموضات أخرج الزنجار وإن اتخذ منه إبرة وسقيت دماً وثقب بها شحمة الأذن لم تلتحم منه اتخذ ومن منه آنية لطعامه أو شرابه يتولد فيه أمراض لا دواء لها.

الحديد: تولده كتولد سائر الأجساد وقد مضى ذكرها، وسواد لونه لإفراط الحرارة، والحديد أكثر فائدة من سائر الفلزات ولذلك قال الله تعالى: ﴿وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)، فالبأس في النصول والمنافع في الآلات حتى قيل ما من صنعة إلا وللحديد فيها أو في أداتها مدخل. ومن خواصه العجيبة ما ذكر أرسطو أن برادة الحديد إذا علقت على إنسان يغط في نومه يزول عنه ذلك، ومن استصحب شيئاً من الحديد يقوى قلبه ويزول عنه المخاوف والأفكار الرديئة ويسر في نفسه ويطرد عنه الأحلام الرديئة ويزيد هيبته في أعين الناس وصدوه يأكل أوساخ العيون اكتحالاً وينفع من جرب العين والرمد والسيل، ويخفف ثقل الأجفان وينفع كحلاً للعين وينفع للنقرس وإذا احتمل من صدئه نفع للبواسير، ومن أخذ مسماراً ويحميه حتى يحمر ثم يدلك بذلك النصل لا يصدأ.

الرصاص: قال أرسطو: إنّه صنف من الفضة لكنه دخل عليه ثلاث آفات رائحة ورخاوة وصريرة، فدخلت عليه هذه الآفات في بطن الأرض كما تدخل على الجنين في بطن أمه فيفسد. ومن خواصه ما ذكره أرسطو أنّ اتخذ منه طوقاً وطوق به شجرة عند أصلها من الأرض لم يسقط من ثمرتها شيء، ويزيد فيها، وإن شد منه صفيحة على الظهر أو البطن سكن الإنعاظ، وإن ألقي في قدر لا ينضج اللحم، والرصاص يطلى بالدهن والملح ويؤخذ سواده يطلى به السيف فإنّه لا يصدأ.

الأسرب: تولده كالرصاص وهو صنف أردأ منه لأنّ مادته أكثر وسخاً. ومن خواصه تكليس الذهب وتكسير الماس ولو وضع الماس على السندال وضرب بالمطرقة دخل إمّا في السندال أو في المطرقة ولو وضع على الأسرب تكسر بأدنى ضربة ويكون جميع اقطاعه مثلثاً؛ وقال الرئيس ابن سينا: تؤخذ منه صفيحة وتشد على الخنازير والغدد تذيبها؛ وقال بليناس في كتاب الخواص: من اتخذ منه صفيحة وزنها ثمانية وعشرون درهماً وشدّها على بطن إنسان بطلت شهوته.

الخارصيني: تولده كتولد الأجساد المذكورة معدنه بأرض الصين ولونه أسود يضرب إلى الحمرة نصله شديد الضرب جداً ويتخذ منه الكلاليب يصاد بها الحوت الكبير لأنها إذا انتشبت بشيء لا ينفصل منه إلا بالشدة ويتخذ منه المرآة ينظر فيها صاحب اللقوة في بيت مظلم فإنّه أنفع دواء لهذا المرض، ويتخذ منه منقاش ينتف به الشعر ويدهن موضعه مراراً يفعل ذلك فإنّ الشعر لا ينبت.

النوع الثاني من الأحجار

وهي أجسام تتولد من مياه الأمطار والأنداء التي احتبست تحت الأرض وإن كانت شفافة، ومن امتزاج الماء بالأرض إن كان في الطين لزوجة وأثرت حرارة الشمس فيها تأثيراً شديداً.

أمّا القسم الأوّل فنقول: إذا احتبست مياه الأمطار والأنداء في المعادن والكهوف والأهوية لا يخالطها شيء من الأجزاء الأرضية وأثرت فيها حرارة المعدن وطال وقوفها هناك ازدادت المياه صفاءً وثقلاً وغلظاً فينعقد منها الأحجار الصلبة التي لا تتأثر من النار والماء كأنواع اليواقيت وما شاكلها فذهب قوم إلى أن اختلاف ألوانها بسبب حرارة المعدن وقلتها وكثرتها؛ وقال آخرون بسبب أنواع الكواكب التي تدل على ذلك النوع من الجواهر ومطارح شعاعاتها على تلك البلاد فزعموا أن السواد لزحل والخضرة للمشتري والحمرة للمريخ والصفرة للشمس والزرقة للزهرة والمتلون لعطارد والبياض للقمر، والله الموفق للصواب.

وأما القسم الثاني: فيتولد من امتزاج الماء بالأرض إذا كان فيها لزوجة وأثرت فيها حرارة الشمس مدة طويلة كما ترى النار إذا أثرت في اللبن فتصلبها وتجعلها أجراً فإنّ الآجر أيضاً صنف من الحجر إلا أنّه رخو وكلّما كان تأثير النار أكثر كان أصلب ثم إن هذه الأحجار تختلف باختلاف بقاعها، فإن كانت في بقاع ترابية وطين انعقد حجراً مطلقاً، وإن كانت في بقاع سبخة تولد منها أنواع الأملاح والبوارق والشبوب، وإن كان في بقاع عفصية تولدت منها ضروب الزاجات الأحمر والأصفر والأخضر ونحوها، ولكل موضع خاصية لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد ينعقد الحجر من الماء، فإنا نرى في بعض المواضع ينعقد الحجر من الماء وذلك إما من خاصية ذلك الماء أو من خاصية ذلك الموضع، وقد يتولد الحجر في الهواء وذلك من أجزاء دخانية يغلب عليها الأرضية فإذا ضربها البرد انطفت حرارتها وتصير حجراً وقد يقع في وسط الصواعق مثل هذه الأحجار ومثل الحديد والنحاس؛ قال الشيخ الرئيس: أخذت من هذه الأجسام وعرضتها على النار لتذوب فما حصل منه الذوبان وارتفع منه دخان يضرب إلى الخضرة، وما زال هكذا حتى صار رماداً.

وحكى الشيخ الرئيس أيضاً أنّ في زمانه وقع من الهواء بأرض جورجابان جسم كقطعة حديد في قدر خمسين مناً كحبات الجاورس المنضمة، فما كان يتناثر من الحديد والجواهر المعدنية كثيرة لا يعرف الإنسان منها إلا القليل. فمن الحكماء من كان له بها عناية بحث عنها واستخرج خاصية بعضها فأوردنا طرفاً منها وما فيها من الخواص العجيبة ومعادنها وكيفية جلبها، فأقول وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.

إثمد: قال أرسطو: هو حجر معروف له معادن كثيرة وأغلبها في أكناف المشرق وأجود أصنافه الأصفهاني وهو حجر يخالطه الرصاص وينفع العيون اكتحالاً، ويرفع عنها طبق الماء ويقوي أعصابها ويدفع عنها كثيراً من الآفات والأوجاع لاسيما المشايخ والعجائز الذين ضعفت أبصارهم، وإذا جعل معه شيء من المسك يكون غاية، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بالإثمد فإنّه ينبت الشعر ويحد البصر وينفع من حرق النار إذا طلي بالشحم".

حجر أرسون: حجر يوجد بأرض الروم وهو أملس مخمس إذا كسر قطعاً أقطاعه مخمساً وخاصيته أنّ حامله يبقى مهيباً محترماً بين الناس، ومن يكون جميع اكتحل به لا يصيبه رمد إن شاء الله تعالى.

حجر إسفيذاج: هو رماد الرصاص القلعي والآنك، فإذا أفرط تحريقه صار سرباً، والإسفيذاج الرصاصي إذا دلك به لسعة العقرب نفع، وإن نقع مع شيء من قثاء الحمار في ماء وملح ثم رش به البيت، خرج منه البراغيث وإذا اتخذت منه المراهم، يأكل منه اللحم الميت العفن وينبت اللحم الطري وينفع من حرق النار إذا طلي ببعض الأدهان، ولا يكاد يستحيل موضع الحرق إلى البياض بل يبقى على لون الجسد.

حجر افرنجس: قال أرسطو: هو حجر يصاب في مواضع الزرنيخ من کلسه حتى يبيض وألقى منه وزن مثقال على خمسين مثقالاً من النحاس الأحمر بيضه ولين جسمه، وهو إذا خلط مع الكلس حلق الشعر وهو في الحدة أقوى من الزرنيخ، وإذا سحق وطلي به موضع الورم سكنه.

حجر أقليميا الذهب: قال أرسطو: إذا خلط الذهب بغيره من الأحجار ثم أدخل النار للخلاص يتخلص منه الأجساد التي خالطها وعلاه جسم مشوب بسواد وقد يكون على لون الزجاج وهو المسمى بالإقليميا ينفع من وجع العين ويذهب بالبياض الحادث فيها، وينفع من البلة التي تتحلب من العين ومن ابتداء الماء في العين ويدمل القروح الخبيثة وينقي أوساخها.

حجر إقليميا الفضة: وقال أرسطو: إنّ الفضة أيضاً إذا أدخلت النار للخلاص من الأجساد التي خالطتها يعلوها جسم يسمّى إقليميا الفضة نافع من القروح والسعفة والجرب، طلاء الأدهان. وقال غيره ينفع من وجع العين ذروراً، وفي المراهم مع ينبت اللحم في الجراحات.

حجر باهت: أبيض في لون المرقشيئا البيضاء يتلألأ حسناً إذا وقعت عليه عين الإنسان يغلبه الضحك؛ وقيل إنه مغناطيس الإنسان.

حجر بسد: هو أصل المرجان منه أبيض ومنه أحمر ومنه أسود، يقطع نزف الدم ذروراً ويقوّي العين اكتحالاً وينشف رطوباتها الفضلية ويقوّي القلب وينفع من عسر البول، وإذا علق على المصروع نفعه نفعاً بيناً، والأولى أن يعلق على رقبته.

حجر بلور: قال أرسطو: إنّه صنف من الزجاج إلا أنه أصلب وهو مجتمع الجسم في المعدن بخلاف الزجاج فإنّه متفرق الجسم يجمع بالمغنيسيا والبلور ويصبغ بألوان الياقوت، فيشبه الياقوت، والملوك يتخذون من البلور أواني على اعتقاد أنّ للشرب فيها فوائد والبلور إذا قابل الشمس فيقرب منه قطنة أو خرقة سوداء تأخذ فيها النار؛ وقال غيره: البلور الأغبر إذا علق على من يشتكي وجع الضرس يسكن في الحال.

حجر البورق: أجزاء سبخة من الأرض كالملح إلا أن البورق أقوى، قال: إنّه إذا طلي به الكلف في الحمام يزيله؛ وقال أرسطو: أنواع البورق كثيرة، فمنه ما يتكوّن من الماء الجاري ومنه ما يتكوّن من الحجر في معدنه ومنه أبيض وأحمر وأغبر، وألوانه كثيرة وهو يذيب الأجساد كلها ويلينها للسبك وينفع من الجرب والبرص طلاء وينضج الدماميل، وينفع الصمم، ويجلو البياض العتيق من العين، وينفع من الحمى التي تنوب بأدوار إذا مزج به قبل الدور بساعة؛ وقال ابن سينا: أنه إذا ضمد به يجذب الدم إلى ظاهر البدن ويحسن اللون.

حجر تنجادق: قال أرسطو: إنّه حجر أحمر اللون وحمرته غير حمرة الياقوت ومعدنه بلاد الشرق، فإذا خرج من معدنه أصابه ظلمة، فإذا قطعه الصناع خرج نوره وحسنه فمن تختم منه بوزن عشرين شعيرة يدفع عنه الأحلام الرديئة، ومن أدام النظر إليه في شعاع الشمس نقص نور عينيه، وإذا مسح به الرأس واللحية ثم وضع رأسه على الأرض أتاه ما حواليه من عود وتبن.

حجر تدمر: قال أرسطو: إنّه حجر يوجد بناحية الغرب في شاطىء البحر، وليس يوجد إلا في هذه المواضع فقط، وهو أبيض مثل الرخام، خاصيته أنه إذا شمه انسان جمد دمه في جسده ومات من ساعته.

حجر تنكار: قال أرسطو: إنّه حجر من جنس الملح، يوجد فيه طعم البورق، معدنه ساحل البحر وهو يعين على سبك الذهب ويلينه وينفع من تأكل الأسنان ويقتل دودها ويسكن ضربانها ويجلوها، له في تسكين أوجاع الأسنان خاصية عجيبة.

حجر توتيا: قال أرسطو: حجر معدني ذو أنواع أبيض وأخضر وأصفر، معادنها سواحل بحر الهند والسند كلها تنفع العيون المرطوبة وتزيل الصنان.

حجر جالب النوم: قال أرسطو: هو حجر شديد الحمرة صافي اللون يرى بالنهار كأنه يخرج منه شبه بخار وبالليل يسطع ضوءه حتى يضيء به ما كان حوله، وإذا علق منه على إنسان ولو وزن در همين أورثه نوماً ثقيلاً، وإن جعلته تحت رأس إنسان نائم لا يستيقظ حتى يدور رأسه، وإذا طلي به موضع الحمرة أبرأها.

حجر جزع: قال أرسطو: وهو حجر ذو ألوان كثيرة يؤتى به من اليمن أو الصين والناس يكرهون أخذ شيء منه لأنه يكثر الهموم والغموم لمن يستصحبه ويورث أحلاماً رديئة ويعسر معه قضاء الحوائج ولا يفلح لابسه في الأمور كلها، وإذا علق على صبي كثر بكاؤه ونكده وفزعه وسيلان لعابه ومن سقي منه مسحوقاً قل نومه وكثر فزعه وساء خلقه وثقل لسانه، وإن سحق وجلي به الياقوت حسنه وصيره مشرقاً نيراً، والنظر إليه يورث الهم وإن وضع بين قوم لا علم لهم به يقع بينهم عداوة شديدة، وإذا علق على المرأة تسهل ولادتها، وإن وضع بقربها خف وجعها.

حجر حامى: قال أرسطو: هو حجر شديد الحمرة مشوب بنقط سود صغار يجلب من بلاد الهند، من أزال تلك النقط من هذا الحجر حتى يصير كله أحمر وألقاه على النحاس حمره مثل الذهب لأنّ تلك النقط دخان الفضة وتنفع من الفالج إذا استعط به.

حجر بليناس: قال في كتاب الخواص: إذا كان الجمل كثير الرغاء فربطت في ذنبه حجراً لا يرغو البتة؛ وقال صاحب كتاب الفلاحة: الحجر الذي فيه ثقبة خلقة إذا علق على شيء من الأشجار يكثر ثمرها ولا يصيب ثمرها شيء من الآفات.

حجر اسمانجوني: قال أرسطو: إذا كان الحجر اسمانجونياً فحككته فخرج أبيض، من استصحبه يبقى فرحاً غير حزين وإن خرج أسود من علقه عليه لم ينجح في عمله وإن خرج أصفر فهو صالح لكل عمل وإن طرح في بئر أو نهر قل ماؤها، وربّما انقطع، وإن خرج أحمر من استصحبه يرى كل خير وإن خرج أخضر من أمسكه يزكو ما يزرع سواء إن زرع في أرض خير أو أرض سوء، وإن خرج أغبر واكتحل به على اسم امرأة أحبته.

حجر أبيض: قال أرسطو: إذا كان الحجر أبيض فحككته فخرج من محكه أصفر فإنّ من أمسكه إذا تكلم بشيء سواء كان صادقاً أو كاذباً يقع وإن خرج محكه أحمر فكل شيء يعمله يرتفع سريعاً، وإن خرج أغبر على لون الأرض فكل من استعان به في شيء من عمله أعين عليه، وإن خرج محكه اسمانجونياً فلا يزال صاحبه الذي يمسكه طيب النفس، وإن خرج أخضر إن علق في بستان أسرع خروج غرسه وتعظم أشجاره سريعاً، وإن خرج أسود أبرأ من سقي السم القاتل ومن لدغ الحية والعقرب، إذا شرب من محكه وعلق عليه.

حجر أحمر: قال أرسطو: إذا كان الحجر أحمر فخرج محكه أبيض فإنّ حامله حجر ينجح في كل عمل يعمله، وأن خرج أسود كان حامله أي شيء يحدث به نفسه يقدر عليه، وإن خرج أصفر فمن ربطه على عضده يحبه الناس، وإن خرج أغبر فإنّه حيث ذهب على عمل يحبه الناس، وينجح، وإن خرج أخضر فإنّ الذي يمسكه معه يصرف؛ قال الشيخ الرئيس: إنّ في الأحجار حجراً أحمر يشبه البز وزن دائق منه عنه السلاح؛ قتال يفعل بحمله جوهره كالبيش.

حجر أخضر: قال أرسطو: إذا كان أخضر فحككته فخرج محكه أبيض فمن حجر أمسكه معه وغرس غرساً أو زرع زرعاً وجعل هذا الحجر في خرقة أو قطنة ودفنه في الزرع ينبت بإذن الله تعالى أحسن نبات، وإن خرج أسود يجتمع لمن أمسكه خير كثير، وإن خرج أصفر فكل دواء يعطيه إنساناً يوافقه وإن خرج أحمر تكثر له من كل أحد العطية ويكرم، وإن خرج أغبر لا يعالج مريضاً به إلا برأ بإذن الله تعالى.

حجر أسود: قال أرسطو: إذا كان أسود فحككته فخرج محكه أبيض ينفع من حجر سم الحية والعقرب إذا شرب الملدوغ من محكه أو علق عليه، وإن خرج أصفر فمن أمسكه لم يعي كثيراً وكل بيت هو فيه يصح أهله من الداء، وإن خرج أسود على لونه فمن أمسكه تقضى له الحوائج من الناس ويزيد في عقله، وإن خرج أخضر فمن أمسكه لم تلدغه الهوام.

حجر أصفر: قال أرسطو: إذا خرج محكه أبيض من أمسكه معه يحصل له كل شيء يطلبه من الناس وإن خرج أخضر فإنّه إذا وضعه على شيء من الأعمال كان جديراً أن يقع، وإن كان أحمر لقن الجواب عن كل شيء يسأل عنه بإذن الله تعالى، وإن خرج أسود فمن أخذه معه وسمّى اسم من يريد فإنّه يتبعه ولا ينقطع عنه ما دام الحجر معه.

حجر أغبر: قال أرسطو: إذا كان الحجر أغبر وخرج محكه أبيض أو سحيقه فإن سحق على اسم إنسان أو اكتحل به وسمّى اسم ذلك الإنسان فإنّه يحبه ويشفق عليه، وإن خرج محكه أسود فمن اكتحل بحاكته يكرمه كل أحد، وإن اكتحلت به النساء أحبهن أزواجهن، وإن خرج أصفر يثني عليه كل من رآه حيث ذهب، وإن خرج أحمر فحيث ما ذهب يبسط عليه المعاش، وإن خرج أخضر فمن أمسكه إذا جلس مع قوم أكرموه، وإن خرج اسمانجونياً فإنّ صاحبه يعد حكيماً، وإن لم يكن كذلك.

حجر الباءة: قال أرسطو: إنّ الإسكندر أصاب هذا الحجر بإفريقية ومعدنه هناك، وخاصيته أنه إذا أدني من الإنسان أو الحيوان ظهر به شهوة الوقاع فمنع الناس من حمله إلى عسكره مخافة افتضاح النساء، ومن أمسك من هذا الحجر تحت لسانه أمن من العطش، وإذا سقي منه صاحب الماء الأصفر ولو أربع شعيرات أسهله من ساعته؛ وذكر أنّ بأرض مصر حجراً من شدّه على ظهره يثور به شهوة الوقاع.

حجر البحر: قال أرسطو: هذا حجر يوجد على ساحل البحر يتولد من لطيف أجزاء الأرض وبخار البحر وهو حجر أسود خشن المجس مثل الرحا إلا أنّه خفيف لا يغوص في الماء، وخاصيته أنّ الإنسان إذا استصحبه وركب البحر أمن من الغرق وإذا ألقي في القدر لم يغل، وإن أوقد تحته حطب كثير؛ وذكروا أن الإسكندر أصاب هذا الحجر في الظلمات وأبرأ به الزمني وأصحاب العاهات.

حجر الحبارى: يوجد في حوصلة الحبارى يشد على الإنسان لم يحتلم ما دام عليه، وإن كان به إسهال يحبس بطنه.

حجر الحصاة: قال أرسطو: حجر فيه رخاوة يخرج من بحيرة بأرض المغرب يشرب منه مقدار عشر حبات يفتت حصاة المثانة، وهذا حجر عزيز ترميه الأمواج إلى الساحل كأنّه الفلك الذي يغزل بها النساء.

حجر الحية: يقال له بالفارسية مهرة حار في حجم بندقة صغيرة توجد على رأس الحيات بعضها لا كلها وخاصيته أنّ العضو الملدوغ يجعل في اللبن أو في الماء الحار وهذا الحجر يلقى فيه فإنّه يلتزق بموضع اللدغ، ويستخرج منه السم؛ وقال ابن سينا: إنّه ينفع من نهش الحية تعليقاً؛ قال جالينوس: أخبرني بذلك رجل صدوق.

حجر الخطاف: الخطاف يوجد في عشه حجران، أحدهما أحمر والآخر أبيض، فإن علق الأحمر على من يفزع في نومه يدفع عنه ذلك، وإن علق الأبيض على من به صرع يزول عنه.

حجر الدجاج: حجر اسمانجوني يوجد في قانصته إذا شد على المصروع يزول عنه الوجع والصرع، ويزيد في قوة الباه، إذا علق على الإنسان يدفع عنه العين السوء، ويترك تحت رأس الصبي لا يفزع في نومه.

حجر الرحا: يشد من السفلاني قطعة على المرأة التي تسقط ولدها، فإنّها لا تسقط وينحى عنها عند الطلق كي لا يتعسر عليها، وإذا أحمي ورش عليه الخل وجلس عليه قطع نزف الدم ويحلل الأورام الحادة.

حجر السامور: حجر يقطع الأحجار كلها، ذكر أن سليمان بن داود عليهما السلام لما أراد بناء البيت المقدس أمر الشياطين بقطع الأحجار، فشكا الناس من صوت قطع الأحجار فجمع علماء بني إسرائيل وعلماء الجن وطلب منهم قطع الحجر من غير صوت، فقال بعض العفاريت: أنا أعلم حجراً له هذه الخاصية ولكن لست أعرف مكانها ولي حيلة في تحصيله، ثم قال: علي بعش العقاب وبيضها، فجاء بها بعض العفاريت في الحال، فدعا بجام من القوارير غليظاً شديد الصفاء وكبه على بيض العقاب ووكرها، وأمر بردها إلى مكانها فعادت العقاب إلى عشها فرأتها مغطاة فضربتها برجليها فلم تعمل فيه شيئاً، فسارت وأقبلت صبيحة اليوم الثاني وفي منقارها قطعة حجر ألقته على الجام فانشق نصفين من غير صوت، فدعا سليمان عليه الصلاة حجر والسلام العقاب، وقال: أخبرني من أي موضع حملت هذا الحجر، فقال: يا نبي الله من جبل بالمغرب يقال له السامور، فبعث سليمان عليه الصلاة والسلام الجن فحملوا منه مقدار حاجته، وكان بعد ذلك يقطع الجن الصخور من غير أن يسمع لها صوت.

حجر السم: هو حجر كالجزع وليس بجزع، يوجد في خزائن الملوك، خاصيته أنه يتحرك إذا حضر السم. حكى الوزير نظام الملك الحسن بن علي قدس الله روحه في كتاب سير الملوك أنّ سليمان بن عبد الملك قال ذات يوم: إن مملكتي ليست تقصر عن مملكة سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، إلا أن الله تعالى سخر له الجن والطير والريح وليس لأحد من الملوك على وجه الأرض مثل ما لي من الأموال والعدة، قال بعض الحاضرين: أهم شيء يحتاج إليه الملوك ليس عندك يا أمير المؤمنين، قال: ما هو؟ قال: وزير يكون وزيراً ابن وزير ابن وزير كما أنك خليفة ابن خليفة ابن خليفة، قال: وهل تعرف وزيراً هذه صفته؟ قال: نعم، جعفر بن برمك، فإنّه ورث الوزارة أباً عن جد إلى زمن أردشير، ولهم كتب مصنفة في الوزارة يعلمون أولادهم ذلك، فكتب سليمان إلى عامل بلخ وأمره بإرسال جعفر إلى دمشق مع التجمل والإعزاز، فلما وصل إلى دمشق ودخل على سليمان فرأى سلیمان صورته استحسنه، وتحرك له وأمره بالجلوس بين يديه، فما كان إلا يسيراً حتى عبس سليمان وجهه وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قم من عندي فأقامه الحاجب ولم يعرف أحد ذلك إلى أن خلا سليمان بندمائه، فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين طلبت جعفراً من خراسان بإعزاز، فلمّا حضر أبعدته فقال سليمان: لولا أنه جاء من أرض بعيدة لأمرت بضرب عنقه لأنه حضر بين يدي ومعه السم القاتل، فكان أوّل ما جاءنا وصحبته السم القاتل، فقال ذلك النديم: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أكشف عن هذا؟ فقال: افعل، فذهب إلى جعفر وقال له: أنت لما حضرت عند أمير المؤمنين أكان معك شيء من السم؟ قال: نعم، وهو الآن معي تحت فص خاتمي هذا لأن آبائي احتملوا من الملوك مشاق كثيرة طلبوا منهم الأموال وعذبوهم وإنّي خشيت أن أكلف شيئاً من ذلك فأحببت أن أمص خاتمي هذا وأستريح من الإهانة، فرجع النديم إلى سليمان وأخبره بما سمع من جعفر فتعجب سليمان من نظره في العواقب فأحضره مرّة أخرى وخلع عليه وأقعده بجنبه ووضع الدواة بين يديه حتى وقع بحضور سلیمان عدة تواقيع، فلما انبسط معه بعد ذلك سأله ذات يوم فقال: يا أمير المؤمنين كيف عرفت أن السم مع العبد فقال: خرزتان لا أفارقهما أبداً من خاصيتهما أنهما يتحركان إذا حضرتا من كان معه من السم، فلما دخلت علي تحركتا وحين قعدت بين يدي اضطربتا وكادتا أن تقع إحداهما على الأخرى فلما قمت من عندي سكنتا ثم فتحهما وعرضهما على جعفر فكانا خرزتين كالجزع.

حجر الشياطين: قال أرسطو: هو حجر أملس أحمر اللون لونه كلون الياقوت وکسره ککسره، وليس له شفاف إذا غمس في الماء اصفر مثل الزرنيخ وإذا كلس ثلاث مرات احمر وصار مثل الزنجفر فإن ألقي جزء منه على أربعة عشر جزءاً من الفضة صبغها ذهباً أحمر.

حجر الصدف: هو حجر أحمر يضرب إلى سواد يجلب من أرض كرمان ويسمّى أيضاً حجر الخمار يسقى من أضرّ به النبيذ أو أصابه صداع الخمار يستريح في الحال ويحل ويكتب به مثل الزنجفر.

حجر الصنونو: قال أرسطو: إنّه صالح نافع لدفع اليرقان، يوجد في عش الخطاف والحيلة في تحصيله أن يلطخ فرخ الخطاف بالزعفران ويترك في مكانه فإذا عادت أمه ترى عليه أثر الصفرة تحسب أنّ به اليرقان فتذهب بهذا الحجر وتتركه في العش وتدلك الأفراخ به.

حجر العاج: قال ابن سينا: يمنع من نزول الدم في القروح والجراحات.

حجر العقاب: حجر يشبه نوى التمر هندي إذا حرك يسمع منه صوت، وإذا كسر لا يرى فيه شيء يوجد في عش العقاب، والعقاب يجلبه من أرض الهند، وإذا قصد الإنسان عشه إليه هذا الحجر ليأخذه يرمي ويرجع فكأنه عرف أن قصدهم إياه لهذا الحجر. وخاصيته أنه إذا علق على من بها عسر الولادة تضع سريعاً، ومن جعله تحت لسانه يغلب الخصم في المقاولة ويبقى مقضي الحاجة.

حجر الفأر: شبيه بالفأر يوجد بأرض المغرب، يتركه الناس في بيوتهم فيجتمع عليه الفأر بحيث يسهل أخذها باليد، وهم يدفعون الفأر بهذا الحجر لأنّ أرضهم خالية عن السنانير.

حجر القمر: قال ابن سينا: إنّه يوجد ببلاد المغرب عند زيادة القمر ويقال له أيضاً براق القمر، حجر خفيف خاصيته أنه يعلق على الشجر، فتثمر وينفع من الصرع إذا علق على المصروع، وبالهند حجر إذا خسف القمر يتقاطر منه الماء يقال له أيضاً حجر القمر، والله أعلم.

حجر القير: قال أرسطو: إنّه أسود اللون خشن الملمس إذا ألقي على القير ولو على ألف من يغلي كما يغلي من النار، وإذا ألقي في عين الماء الجاري المسرع حاد عنه الماء.

حجر القيء: يوجد هذا الحجر بأرض مصر، إذا أخذه الإنسان بيده غلبه الغثيان حتى يتقيأ جميع ما في معدته بحيث لو لم يلقه من يده خيف عليه التلف.

حجر الكلب إذا رميت الكلب بحجر فعضه فإن ألقيت ذلك الحجر في النبيذ فمن شرب منه لم يعد له.

حجر المطر يجلب من بلاد الترك وهو أنواع مختلفة الألوان إذا وضع شيء منها في الماء تتغيم السماء وتمطر، وربّما يقع البرد والثلج وهذا أمر مشهور، ورأيت من شاهد هذا.

حجر تتمرغ فيه الناقة: يوضع هذا الحجر على الخوان عند أكل الناس لا يجد أحد منهم طعم المأكول ما دام ذلك الحجر عليه، ويعلق على العاشق الهائم يسلو ويزول عنه الهيمان.

حجر يتولد في الإنسان: قال أرسطو: إذا سحق مع الكحل قلع البياض من العين إذا اكتحل به.

حجر يتولد في الماء الراكد: قال أرسطو: إذا سحق وسعط به نفع من الصرع والجنون نفعاً بيناً.

حجر حرض: قال أرسطو: إنّه حجر أصفر اللون مشوب ببياض وخضرة وهو خفيف لين الملمس يوجد بأرض المغرب، خاصيته أنّه ينفع من لسع الهوام ومن جميع ذوات السم.

حجر موساي: قال أرسطو: الحديد إذا خلص بالنار حدث منه حجر يسمّى حجر الحديد وهو خبثه، له خاصية عجيبة في تجفيف الجراحات وإبراء النواصير، وإذا جعلته في شيء من الجوارشنات ينفع لمن به استرخاء المعدة ولينها ويذهب برياح البواسير واللون المتغير من قبل البواسير.

حجر خبث الطين: قال أرسطو: إن الطين إذا عمل منه آنية أو قوالب ثم أدخل النار انسكب منه شبه العسل ثم يتحجر فيستعمل في الأصباغ والصباغون يسودون به بعدما ينقعوه في الخل وهو نافع لدبر الدواب إذا سحق ونثر عليها، والله الموفق.

حجر خصية اللص: حجر يوجد بأرض الصين، من استصحبه لا يدور اللص حوله ولا حول متاعه ويزيد حامله وقاراً.

حجر در: قال أرسطو: إنّ البحر المسمّى أوقيانوس يضطرب في كل فصل ربيع من هبوب الريح فيأتيه الصدف في هذا الوقت فتأتي الريح برشاشات يلتقمها الصدف كما يلتقم الرحم النطفة، ثم يرجع إلى قعر البحر فتصير تلك النطفة مركبة من الماء واللحم في جوف الصدف، فربّما وقع في بطنها قطرة كبيرة فتنعقد درة كبيرة وربما تقع رشاشات فتنعقد أجزاءً صغاراً كما ترى في أكثر الأصداف ثم إنّ الصدفة إذا

وقعت في فمها القطرة تخرج من قعر الماء إلى ظاهره عند هبوب الشمال وطلوع الشمس وغروبها، ولا تخرج من وسط النهار فإنّ شدّة الحر وقوته تهيج البحر فيفسد الدر وتفتح فاها ليقع الشمال على الدر فينعقد من أثر الشمال، وحرارة الشمس كما ينعقد الجنين في الرحم من حرارتها ثم إنّ جوف الصدف إن خلا من الماء المر يكون في غاية الصفاء والجلاء وحسن الهيئة، وإن خالط الصدف شيء من الماء المر يكون الدر أصفر اللون أو كدراً غير مهندم، وكذلك إن استقبل الهواء في غير هذين الوقتين كانت الدرة كدرة، وإذا كانت فيها دودة أو كانت مجوفة غير مصمتة كان سببها استقبال الصدف في الهواء الرديء وهو الليل وأنصاف النهار ثم إنّ الصدفة إذا تجسدت الدرة في جوفها تجسداً مستوياً هبط إلى أصل البحر حتى يترشح في قعر البحر وتتشعب منه العروق ويصير نباتاً بعدما كان حيواناً، فعند ذلك يقع في قعر البحر، وإذا تركت تغيرت وفسدت كالثمرة إذا لم تقطف أوان قطافها فإنّه يذهب حسن لونها وطيب طعمها؛ قال أرسطو: من خاصية الدر أنّه ينفع من الخفقان والخوف الذي يكون من المرة السوداء، ويصفّي دم القلب جيداً، وإنما يخلطه الأطباء في الأدوية لهذا المعنى، ويستعملونه في الاكحال لتشديد أعصاب العين، ومن جعل الدر واللآلىء ماء رجراجاً، فإنّه إذا طلي به البياض الذي في الجسد برصاً أو بهقاً أذهبه بإذن الله تعالى.

حجر دهنج: قال أرسطو: إنّه حجر أخضر في لون الزبرجد لين المجس كما قال هرمس يتكوّن في معدن النحاس، وذلك أن النحاس في معدنه إذا طبخته بخارات الأرض ارتفع منه بخار من كبريت الأرض التي يتولد فيها، فيرتفع ذلك البخار وتضمه الأرض فيتكاثف بضم بعضه إلى بعض، فإذا ضربه الهواء عقده وصيّره حجراً وهو أنواع كثيرة الأخضر الشديد الخضرة والموشى وعلى لون ريش الطاووس والكمد، ونسبة الدهنج إلى النحاس كنسبة الزبر جد إلى الذهب، وهو حجر يصفو بصفاء الجو ويتكدر بكدورته، ومن عجيب خواصه أنه إذا سقي إنسان من محكه يفعل فعل السم، وإن سقي شارب السم نفعه وإن لدغ إنسان ومسح الموضع به سكن وجعه ويسحق بالخل ويطلى به القوباء، فإنّها تذهب بإذن الله تعالى؛ وقال غيره: ينفع من خفقان القلب، ويدخل في أدوية العين فيشد،أعصابها، وإن طلي بحكاكته بياض البرص أزاله، وإن علّق على إنسان غلبته قوة الباه.

حجر دمياطي: قال أرسطو: إنّه حجر أسود مثل السجام يصاب في البحر، إذا أحرق وسحق مع الزئبق عقده، وإذا طرح على الطلق وعرض على النار صيره ماء رجراجاً.

حجر رخام: حجر أبيض مشهور إذا أردت أن لا تحبل المرأة فاسقها وزن درهم رخاماً مسحوقاً؛ وقال بليناس: قد يوجد في وسط الرخام دودة من أخذ ثلاثة منها وشدّها في خرقة ثم علقها على المرأة لم تحبل.

حجر قوس: قال أرسطو: يوجد بقرب البحر الأخضر. ومن خواصه أنّ الإنسان إذا تختم به زال عنه الهم والحزن.

أحجار زاجات: تتولد جميع أجزاء الزاجات من أجزاء مائية وأجزاء أرضية محرقة، إذا اختلط بعضها بالبعض اختلاطاً شديداً وسبب الحرارة الزائدة التي وجدت في دخانيتها، إذا اختلطت بالأجزاء المائية يحدث فيها دهنية فتصير قابلة للذوبان، ولهذا وجد في الزاج ملوحة وكبريتية وحجرية، فمن حيث إنه وجدت فيه الأجزاء المائية والأجزاء الأرضية المحترقة وجد فيه ملوحة، ومن حيث إنّ الحرارة أنضجتها حتى أحدث فيه دهنية كبريتية ومن حيث إنّ الماء والتراب انعقدا بحرارة الشمس وجد فيه حجرية، وأما اختلاف ألوانها فبحسب اختلاف المعادن، وأما خاصيته فإنه ينفع من الجرب والسعفة والناصور والرعاف وتأكل الأسنان، وإذا دخن البيت بالزاج هرب من رائحته الفأر والذباب.

حجر زبد البحر: قال ابن سينا: إنّه أنواع منه قطري يصلح لحلق الشعر وينفع من البهق ومنه اسفنجي شديد الجلاء للأسنان، ومنه وردي نافع للنقرس والطحال والاستسقاء، ومن عجيب خواصه أنه يحلق الشعر وهو ينبته وينفع من البهق والكلف والآثار ويجلو الأسنان وينفع من الخنازير والاستسقاء وعسر البول؛ وزعم بعضهم أنّ زبد البحر إذا علق على فخذ صاحبة الطلق سهل ولادتها.

حجر الزجاج: قال أرسطو: الزجاج أنواع كثيرة يوقد عليه كثيراً حتى يختلط ويجري، والزجاج إذا أصابته النار قبل أن يدخل النار يتكسر ولم ينتفع به وهو يتلون بألوان كثيرة لأنّه من ألين الأحجار، يوجد في الأحجار كالمائق من الناس لأنه يميل إلى كل صبع يصبغ به، وهو يخرج اللحم؛ قال ابن سينا: من خاصيته أنه يجلو الأسنان وينبت الشعر إذا طلي بدهن الزئبق ويجلو العين ويذهب بياضها.

حجر الزرنيخ: معروف، قال أرسطو: له ألوان كثيرة، فمنه أحمر وأصفر وأغبر، أمّا الأحمر والأصفر فهما ذهبيا اللون إذا اجتمعا مع الكلس حلقا الشعر، وهو سم قاتل، ومن أحرق الزرنيخ ودلك به الأسنان نفعها، وذهب بخضرتها؛ وقال غيره: الزرنيخ يجعل على الجراحات والجرب والسعفة الرطبة ينفعها ومع الزيت يقتل القمل، ومع دهن الورد يقطع البواسير، وإذا طلى الإنسان به جسده لإزالة الشعر يحدث به كلفاً فيطلي بعده بالأرز والعصفر ليدفع غائلته، والزرنيخ الأصفر يقتل الذباب برائحته، فإن جعلته في شيء حلو ليأكله الذباب قتله قتلاً بيناً، وإذا ألقيت الزرنيخ مع الملح في النبيذ أفسده.

حجر الزنجار: قال أرسطو: هو حجر يستخرج من النحاس بالخل، وفيه قوة السم إذا شرب، وخاصيته أنّه يبرى البواسير، ويأكل اللحم الميت من الجراحات؛ وقال ابن سينا: هو نارج النحاس بأن يكب آنية نحاس على خل وينفع من البواسير بأن يتخذ منه، ومن الأشق فتائل يحشى بها.

حجر الزنجفر: قال أرسطو: إنّ الزئبق إذا طبخ منه في الزجاج على النار واستوثق رأس الزجاج كي لا يطير الزئبق منه استحال بياضه إلى الحمرة وصار زنجفراً فإن انشقت الآنية أو أصاب بدن صاحبه دخانه حدث من ذلك مرض صعب، وربّما يقتل وهو يدمل الجراحات وينبت اللحم في القروح ويمنع من حرق النار، ويأكل الأسنان، وهو من السموم القتالة.

حجر سبج: قال أرسطو: هو حجر يؤتى به من بلاد الهند أسود شديد البرق شديد الرخاوة يتكسر سريعاً إذا أصاب الإنسان ضعف في بصره من الكبر، وبدا الماء في عينيه والعياذ بالله تعالى، وعلامته عسر الرؤية وأن يرى قدام عينيه شيئاً كالدخان أو كالذباب فيديم النظر في السبح فإنّه ينفع نفعاً بيناً، ومن لبس شيئاً منه يأمن من العين السوء، وقال غيره: من أدمن إليه النظر أحد بصره، وإذا سحق واكتحل به جلا البصر، وإذا علّق على الرأس نفع من الصداع.

حجر سنسليس: قال أرسطو: هذا حجر خفيف يتخلخل إذا حبسته ظننت أنّ الريح يخرج منه يعني أن الريح يحرق جسمه وهذا الحجر إذا عصفت الريح على أهل البحر وأقبلت الأمواج ومر ماء البحر منصرفاً مع الريح أقبل هذا الحجر مع الريح والماء، ومن استصحب من هذا الحجر ولو زنة قيراط أو أقل لم يظفر به عدوه أبداً ولا يغلبه.

حجر سنباج: قال أرسطو: معدنه جزائر بحر الصين كأنه الرمل الخشن، ومنه أحجار صغار وكبار، إذا أحرق وسحق وطلي به القروح أو ذر عليها أبرأها بإذن الله تعالى، وهو يجلو الأسنان من الوسخ.

حجر شاذنج: ويقال له أيضاً حجر الدم، يحرق المغناطيس فيخرج شاذنج ومنه معدني مصنوع يتلطف في إحراق المغناطيس، ومن خاصيته أنه يقوي البصر ويذر على اللحم الزائد فيضمره ويدمل قروح العين خصوصاً مع بياض العين وينفع من خشونة الأجفان.

حجر شب: قال ديسقوريدس: أصناف الشب كثيرة، وأشهرها اليماني وهو أبيض وفيه صفرة، وفي طعمه حموضة، وذكر أنّ الشب اليماني يقطر من جبال اليمن وهو ماء، فإذا صار إلى الأرض استحال شيئاً ينفع من نزف كل دم، وقذفه وهو مع دردي الخل يجفف القروح العسرة المتأكلة وطبيخه إذا تمضمض به نفع من وجع الأسنان، والصباغون يجعلون الأثواب في الشب ثم في الصبغ، فإنّ الصبغ لا يفارقه والشب في آنية الرصاص أمان من القولنج، والله تعالى أعلم.

حجر صدف: حجر معروف، منه ما يتكوّن في الماء العذب ومنه في المالح، ومن خاصيته جذب السلى والعظام ويسكن وجع النقرس والمفاصل، إذا ضمد به، وإذا سحق بخل قطع الرعاف ولحمه ينفع من عضة الكلب الكلب ومحرقه يجلو الأسنان إذا استيك به وفي الأكحال ينفع من قروح العين، وإذا طلي به موضع الشعر الزائد في الجفن بعد نتفه منع نباته ثانياً وينفع من حرق النار، ويجفف القروح والجراحات، وإذا شدت قطعة صافية على صبي نبتت أسنانه بلا وجع.

حجر طارد النوم: قال أرسطو: إنّه حجر أبيض مائل إلى السواد ثقيل الجسم جداً كأنه في وزن الرصاص، في مسه خشونة، وربّما يكون كلون الطحال إذا علق على إنسان لا ينام ليلاً ولا نهاراً ولا يحس بتعب السهر بخلاف من سهر ليلاً، ويسعط المجذوم بذلك يبرأ.

حجر طاليقون: هو نحاس طرح عليه الأدوية حتى صار صلباً إن اتخذ منه شيء من النصول أضر به جداً؛ وقال أرسطو: هو من جنس النحاس غير أنهم ألقوا عليه الأدوية الجاذبة حتى حدثت فيه سمّية، فإن جرح به حيوان أضر به جداً، ومن أحمى الطليقون ثم غمسه في مائع لم يقرب ذلك المائع ذباب.

حجر طلق: قال أرسطو: هو نوعان أبيض غليظ القشر صافي البياض وأحمر رقيق القشر لين المجس وهو حجر شريف يلقى على الرصاص والنحاس والحديد يصيرها فضة بإذن الله تعالى، ومن أراد حله فليشده في خرقة ويجعل فيه حصى، ويضرب بالماء فينحل من بعدما غمس في الماء.

حجر طرسوطوس: قال أرسطو: تولده في معدن الفضة والنحاس جميعاً، وهو أخضر فيه طبع الدهنج، وخاصيته أنه إذا نقع في ماء وشرب يقتل، وقد فعل ذلك بقوم من عساكر الإسكندر فماتوا، وإذا ألقي في الكحل أذهب بياض العين العتيق، وإن لم يكن عتيقاً يضر بالعين.

حجر عقيق: قال أرسطو: أصنافه كثيرة وأجودها ما يجلب من اليمن، وقد يوجد على ساحل البحر بالأردن وأحسنه ما اشتدت حمرته وصفت صفرته، فمن لبس من أحسنه سكنت حدته عند الخصومة وعند الضحك أيضاً، ومن استاك بنحاتته ذهب عنه صدأ الأسنان وبيضها، ويذهب بالرائحة الكريهة من الفم والأسنان، وينفع من خروج الدم من حواليها، وعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "من تختم بعقيق لم يزل في بركة و سرور"، ومحرقه يقوي العين وينفع من الخفقان.

حجر عنبري: قال أرسطو: هو حجر يضرب لونه إلى الغبرة والخضرة التي ليست بالمشرقة وفيه نقط سود وصفر وبيض، يشم منه رائحة العنبر، والملوك اتخذوا منه أواني فغلب عليهم المرة السوداء، فاحتاجوا إلى العلاج وتعبوا، قالوا: إن إبليس لعنه الله دلّهم على ذلك.

حجر عطاس: قال أرسطو: هو حجر يطفىء النار إذا وقع فيها وإذا ألقي في النار لم تشتعل البتة وإذا جعل تحت اللسان وشرب عليه الشراب لم يرتفع بخاره إلى الرأس ولم تسكره.

حجر فادزهر: معناه حجر السم، وهو اسم لكل حجر حفظ قوته على الروح، ودفع ضرر السم؛ قالوا: إنّ السم حار وبارد فالحار يذيب الدم ويفني الرطوبة التي بها قوام الحيوان ويدب في البدن دبيب الزعفران، إذا وقع في الماء، وأما البارد فيجمد الدم والرطوبات اللطيفة كالأنفحة إذا وقعت في اللبن الحليب فإنّها تجمده في أقرب مدة، وأما فعل الفادزهر فمثل فعل الحموضات إذا وقعت على لون الزعفران فإنّها تغسله من ساعته، والفاعل لهذه الأفاعيل قوّة موجودة في هذه الأشياء خلقها الله تعالى فيها، وهي كالآلة للفاعل يفعل بها أفعالاً مختلفة وأعمالاً متقنة؛ قال أرسطو: أصناف الفادزهر كثيرة: الأصفر والأغبر والمشوب بالخضرة والمشوب بالبياض، والجيد منها الأصفر الصافي والأغبر معادنه في بلاد الصين والهند وخراسان، فمن شرب منه زنة قيراط مسحوقاً أو مبروداً بالمبرد تخلص من السم بالعرق والرشح، وإن وضعه على العقرب والهوام نفع به نفعاً بيناً، وإن سحق وذر على موضع اللسع حين يلسع أحدث البرء وإن عقر الموضع قبل أن يتداوى بدوائه فذر عليه سحاقته نفعه.

حجر فرسلوس: قال أرسطو: هو حجر أسود يوجد في الظلمات أخرجه الاسكندر وكان في خزانته وهو حجر أسود ثقيل الجسم إذا وقع في النار تلاشى واضمحل، وإذا طرح على الزئبق وعرض على النار عقد الزئبق وضبط بعضه بعضاً، فيصيران جسداً واحداً وفضة لينة تصبر على النار وطرق المطارق، وإذا علق على إنسان لم يزل يتكلم بالحكمة ما دام عليه ولا ينسى ذكر الله تعالى ليلاً ولا نهاراً وينفع من عين السوء، وإذا سحق مع لبن البقر وطلي به البرص يبرأ بإذن الله تعالى.

حجر فرطاسيا: قال أرسطو: إنّه يوجد في أسافل الجبال الشواهق إذا كان الليل أسرج مثل النار، وإذا سحق بماء الكرفس صار سماً قاتلاً لسائر الحيوانات.

حجر فرفوس: قال أرسطو: هذا حجر أحمر على لون النار إذا سحق وجعل على الجرح الذي لا يلتحم ألحمه.

حجر فيروزج: قال أرسطو: هذا الحجر أخضر مشوب بزرقة معادنه أرض خراسان وهو يصفو لونه من صفاء الهواء وإذا تكدر الجوّ تكدر ينفع العيون إذا سحق مع الأكحال واكتحل به، وليس هو من لبس الملوك لأنه ينقص الهيبة وعن جعفر بن محمد رضي الله عنهما: ما افتقرت يد تختمت بفيروزج.

حجر فيلفوس: قال أرسطو: تفسيره المتلون بألوان كثيرة، وهذا الحجر يتلون ألواناً في كل يوم مراراً عديدة مرّة أحمر ومرّة أصفر ومرّة أخضر، وبالليل يلمع كالمرآة، فلما ظفر الإسكندر بهذا الحجر في معدنه أخذ منه شيئاً، فلما جن عليهم الليل أخذهم الرجم من كل ناحية، فزعموا أنّ لهذا الحجر خاصية لا يحب الجن أن تعرفها الإنس فأمر الإسكندر بإمساكها فما مرّ بها بموضع إلا هرب منه الجن، وما كان يقربها شيء من السباع والهوام، فجعلها في خزانته.

حجر فيهار: قال أرسطو: هو حجر يوجد بناحية المشرق في معدن الذهب لونه لون الياقوت الأحمر شفاف مثل الياقوت خاصيته أنّه يدفع غائلة السحر إذا استصحبه إنسان معه، وإذا سقي منه مقدار شعيرتين أزال الخبل والجنون.

حجر قرياطيسون: قال أرسطو: أنه يوجد بأرض الهند ينفع من سيلان الدم، وإن أمسكه إنسان في فمه ووضع على أخدعيه المحاجم وشرط لم يخرج من الدم شيء أصلاً.

حجر قروم: قال أرسطو: هذا حجر يخرجه الغواصون من البحر ملون بالبياض والحمرة والصفرة والخضرة والدكنة إذا علق على إنسان تكلم بالصواب والصدق وتهرب منه الشياطين وإذا شرب منه وزن شعيرة مسحوقاً بالعود نفع من أوجاع كثيرة. خاصيته أنه ينفع من وجع المفاصل والعظام.

حجر قلقديس: هو صنف من الزاج وهو أقوى فعلاً من الصنفين المذكورين بعد.

حجر قلقطار: هو صنف من الزاج، قال جالينوس: ينفع من الأورام الساعية، ويحرق اللحم الزائد، وينفع من الرعاف وأورام اللثة ويمنع من النزف ويقع في الأكحال جلاء.

حجر قلقند: صنف من الزاج محرق جداً أكال للحم ومجفف له وينفع من نواصير الأنف والرعاف، ويقتل دود الأذن والبطن ويلقى في الماء، ويرش به البيت يموت ما فيه من البرغوث والبق برائحته، وإذا ضم إليه الكبريت والشونيز كان أقوى فعلاً ويدفع الفأر أيضاً ويدلك به المسن ويحد به الموسى يفيده قوة عجيبة في إزالة الشعر، وإذا دلك به منخر الإنسان لا ينام البتة فإن أراد إزالة ذلك يلطخ أنفه بالزيت حتى ينام.

حجر قلي: حجر يتخذ من الأشنان بأن يحرق حتى يصير رماداً، وهو جلاء أكال أقوى من الملح ينفع من البهق والجرب واللحم الزائد يدق مع الثوم ويعجن بالنفط الأبيض ويطلى به لدغ العقرب، فإنّه يسكن وجعه في الحال.

حجر قيسور: قال أرسطو: إنّه حجر خفيف مخلخل يعوم على الماء ولا: يغوص يوجد بأرض صقلية وأرمينية ويسمّى أيضاً حجر الدفاتر لأنه إذا حك به المكتوب محاه، ومن خاصيته تنقية الأسنان من الوسخ وتبييضها إذا سحق واستن به؛ وقال سرحويه إنّه يحلق الشعر إذا مر به.

حجر قيراطير: قال أرسطو: إنّه حجر مدور كالبنادق، يخرج من البحر، خاصيته أنه إذا سحق وسقي من به الحصا في المثانة أخرجها قطعاً من الإحليل کالرمل.

حجر كرسياد: قال أرسطو: هو حجر يوجد على ساحل البحر يجتمع عليه الحيات، لونه أسود مثل المداد، وهو خفيف خشن المجس، لا تعمل فيه المبارد، وإذا أكلس يكلس في سبع مرات ويصير کلسه أبيض، وإذا خلط كلسه شيء من النوشادر وألقي جزء منها على سبعة أجزاء من زئبق عقده وصيّره حجراً.

حجر کرسيان: قال أرسطو: إنّه أخضر اللون يوجد بأرض الهند وهو ثقيل شفاف صاف، إذا كلس هذا الحجر حتى يبيض وحمر حتى يحمر ويصير في كيزان الزنجفر فإذا انحل ألقي عليه مثله مغنيسيا وأذيب البلور في النار، وألقي من هذا الكرسيان المدبر عليه عشر شعيرات على عشرة أساتير صبغه وجعله في لون الياقوت، وإذا علق على إنسان أمن من الحميات.

حجر كرك: قال أرسطو: إنّه حجر أبيض، إذا خرج من الخرط يشبه العاج يؤتى به من ساحل بحر السند، ينفع لحكة العين اكتحالاً، وأهل السند والهند يتختمون به لدفع العين والسحر والشياطين، وكان الفلاسفة يضعونها عندهم كيلا تقربهم الأرواح الرديئة.

حجر كرماني: قال أرسطو: هو حجر أسود يشوبه كمودة يصاب في الآجام والرجل وقد يكون على لون الطحال إذا سحق بالشب واللبن وأسعط المجذومين يبرئهم بإذن الله تعالى.

حجر كهربا: هو حجر أصفر مائل إلى البياض، وربّما كان إلى الحمرة، ومعناه جاذب التبن لأنه يجذب التبن والهشيم إلى نفسه، وهو صمغ شجر الجوز الرومي، وإذا علق على إنسان نفعه من الأورام والخفقان ويحبس القيء ويمنع نزف الدم، وإذا علّق على الحامل حفظ جنينها، وإذا علّق على صاحب اليرقان نفعه وأزال صفرته، والكهربا شبيه بالصندروس إلا أنه أصفى لوناً وأميل إلى البياض.

حجر لازورد: قال أرسطو: هو حجر به رخاوة وهو مشهور من تختم به نبل في أعين الناس، وإن اكتحل به في الأكحال ينفع العين؛ قال ابن سينا: إنّه ليسقط الثآليل ويحسن الأشعار ويكثرها؛ وقال غيره: اللازورد ينفع من السهر وينفع أصحاب الماليخوليا.

حجر لاقط الذهب: قال أرسطو: هذا حجر يختلس الذهب معدنه ببعض جبال المغرب، وهو أصفر مشوب بغبرة يسيرة أملس لين المجس، من نظر إليه ظنه تبراً، وخاصيته أنّ الذهب إذا برد بالمبرد واختلطت برادته بالتراب وأمر عليه هذا الحجر لقطها وأخرجها من التراب حتى لا يبقى فيه شيء.

حجر لاقط الرصاص: قال أرسطو: هو حجر سمج اللون نتن الرائحة مشوب بشيء من البياض والرصاص مع ثقل جسمه هذا الحجر يختلسه، فإذا وقع في موضع يشم منه رائحة الحلتيت، وإن أحرق بالنار حتى يصير كالفحم ثم ألقي عليه الزئبق يكون منه فضة جيدة تصبر على السبك والمطرقة.

حجر لاقط الشعر: قال أرسطو: هو حجر رخو خفيف متخلخل الجسم، إذا مد على ظهر الحيوان يحلق شعره مثل الكلس والنورة، فإن شد علی شعر مطروح على وجه الأرض لقطه، وإن سحق وطلي به الموضع الذي حلق منه الشعر، يزيل منه أثر الحلق مثل داء الحية والثعلب وإن أصاب رائحة هذا الحجر الذهب المسبوك فسد، وتفتت عند الطرق كما يتفتت الزجاج ولم يكن لها حيلة.

حجر لاقط الصوف: قال أرسطو: هذا الحجر أخضر يشوبه عروق خضر وصفر وهو خفيف الجسم مائل إلى البياض مدوّر صغار وكبار، إذا أدني منه الصوف التف عليه حتى يغوص في الصوف ومسحوقه يزيل البياض من العين اكتحالاً، وإذا كلس وعقد مع زبد البحر عقد الزئبق عقداً شديداً.

حجر لاقط العظم: قال أرسطو: هو حجر أصفر خشن المجس يجلب من بلاد بلخ، إذا أدني من العظام لقطها.

حجر لاقط الفضة: قال أرسطو: هو حجر أبيض مشوب بغيرة وإذا غمز عليه الإنسان صر كما يصر الرصاص، وإذ أخذت منه قدر أوقية ووضعته من الفضة على مقدار خمسة أذرع اجتذبت إليه، وإن كانت مسمرة اقتلع المسمار من موضعه، وليس شيء من المغناطيس أقوى من هذا

حجر لاقط القطن: يوجد على سواحل البحر، وهو أبيض، إذا أدني من القطن أو الخرق اختلسها، ومن خواصه أنّه إن حل في الزبل وألقي على النحاس بيضه وصيّره مثل الفضة.

حجر الحاغيطوس: قال أرسطو: إنّه حجر أسود اللون يشم منه رائحة القار، شديد اليبس يلحم الجراحات الشديدة الغور وينفع أصحاب الصرع، ويطرد الهوام.

حجر الماس: قال أرسطو: إنّه يقرب لونه من لون النوشادر الصافي لا يلتصق بشيء من الأحجار إلا هشمه وكسره غير الأسرب، فإنّه إذا ضرب بالأسرب كسر الماس ولو جعلته ألف قطعة كان قطعه مثله، وكلّما كان حجمه أكبر كان تأثيره أقوى، والصناع يجعلون قطاعه في طرف المثقب يثقبون بها الأحجار الصلبة والموضع الذي فيه الماس لم يصل إليه أحد، وهو واد بأرض الهند لا يلحق البصر أسفله، وفيه الأفاعي، وهذه الأفاعي لا يراها أحد إلا مات ولها مصيف ستة أشهر ومشتاة مثله، فأمر الإسكندر باتخاذ المرائي وإلقائها في الوادي حتى ترى الحيات فيها صورتها فتموت؛ وقيل إنّه راقب وقت غيبتها وألقي فيها قطاع اللحم فتشبثت بقطاع الماس، وجاءت الطير من الجوّ، وأخذت من ذلك اللحم وأخرجته من الوادي، فأمر الإسكندر أصحابه باتباع الطير والتقاط ما ينتثر من ذلك اللحم. ومن عجائب الماس أنه إذا طرق بالمطرقة على السندال دخل في المطرقة أو في السندال، وإذا ضرب بالأسرب يتكسر في الحال، وإن ألقي في دم التيس وأدني من النار يذوب، وهو ينفع من المغص، وفساد المعدة، وتكسر الأسنان إذا أخذ في الفم وهو سم قاتل جداً.

حجر مغناطيس: قال أرسطو: هذا حجر هندي لا يعمل الحديد فيه، وإذا وضع في مكان بطل فيه عمل السحر، ويهرب عنه الشياطين، والإسكندر كان يعمله في عسكره لدفع الجن والسحر.

حجر ماهاني: قال أرسطو: هو حجر أبيض أصفر يوجد بأرض خراسان، ينفع من السكتة، وإذا أحرق بالنار وجعل على البواسير أبرأها، ومن تختم به أمن من الروع والغم والجزع.

حجر مراد: قال أرسطو: إنّه حجر عجيب يوجد بناحية الجنوب إن أخذ من معدنه والشمس بناحية الجنوب كان طبعه حاراً يابساً، وإن كان بناحية الشمال كان طبعه بارداً رطباً، وهو أحمر اللون إذا كانت الشمس جنوبية، وأخضر إذا كانت شمالية، وخاصيته أنّ الشياطين تتبع حامله ويعلمونه بما أراد منهم.

حجر مرجان: قال أرسطو: إنّه ينبت في البحر أحمر اللون وهو إذا كلس عقد الزئبق وصبغه بلون الذهب وهو يدخل في معالجات العين ويصلب الحدقة؛ وقال غيره: إنه يستخرج من موضع يسمّى مرسى الحذر بقرب ساحل إفريقية يجتمع التجار بها ثم يستأجرون أهل تلك النواحي على استخراج المرجان من قعر البحر من أراد ذلك يتخذ صليباً من الخشب، طوله ذراع، ويشد فيه حجراً ويركب زكوة، ويبعد عن الساحل نصف فرسخ، ويرسل الصليب إلى أن ينتهي إلى قعر البحر ثم يمر بالزكوة يميناً وشمالاً حتى يتعلق المرجان بذوائب الصليب، ثم يقتلعه بقوة ويرفعه إليه، وقد علق بالصليب، وهو جسم مشجر أغبر القشر، فإذا حك خرج أحمر اللون؛ وزعم بعض الناس أنه يوجد أيضاً في قعر بحر الأندلس، والغواصون ينزلون عليه ويقطعونه. أما خواصه، فقد ذكر في البسد وهو خلاصته فلا نعيدها.

حجر مرداسنج: هذا متخذ حجر من الرصاص ينفع من الجراحات ويجففها إذا اتخذت منه المراهم، ويبرىء القروح ويلحم الجروح، ويذهب برائحة الزفر من الناس؛ قال ابن سينا: إنّه يطيب رائحة البدن والإبط ويجلو الكلف والآثار السود والدم الميت وآثار الجدري وهو سم قاتل يحبس البول، وإذا طلي به الإبط رد الفضلات إلى القلب فليكن بدهن ليأمن غائلة ذلك.

حجر مرقشيثا: قال أرسطو: إنّه أصناف منها ذهبية ومنها فضية، ومنها نحاسية، وجميع أصنافها يخالطها الكبريت، فإذا أحرق كبريتها وكلست حتى صارت كالدقيق دخلت في كثير من الصنعة، وإذا ألقي منها على ذهب مسبوك خلص الذهب، وإن أُلقي مكلساً على النحاس أو الرصاص قلبهما إلى البياض حتى يقاربا الفضة في اللون، وإن طرح على النحاس الذائب يبسه وبيضه حتى يصير كالفضة، وينفع العين من جميع العلل الحارة اكتحالاً؛ وقال ابن سينا: إنه ذهبي وفضي ونحاسي وحديدي، وكل صنف يشبه جوهره الذي ينسب إليه في لونه، والفرس يسمونه حجر الروشناي أي حجر النور لمنفعة البصر، وينفع من البهق والبرص والكلف طلاء ويرقق الشعر ويجعده ويجلو العين ويقوّيها، وإذا علّق على الصبي لم يفزع؛ وقال غيره: إذا علّق على الإنسان أصاب خيراً وكرامة من الناس.

حجر مسن: قال أرسطو: المسن الحجر الأخضر الذي يسن الحديد إذا حددته بالأدهان، وهو نافع لبياض العين، إذا سحق واكتحل به قبل أن يصيبه الدهن؛ قال ابن سينا: حكاكة المسن تطلى على الثدية والخصية لئلا يعظما.

حجر مسهل الولادة: قال أرسطو: هذا حجر هندي إذا حركته سمعت في جوفه صوتاً ومعدنه جبل بين مدينة عمان والبحرين، فإنّما عرف خاصيته في تسهل الولادة من النسر إذا حان وقت أن تبيض يبلغ بها حد الموت من شدة العسر، وربّما ماتت وجعاً، فعند ذلك يذهب النسر الذكر إلى الجبل ويأتي بذلك الحجر ويجعله تحتها. فأهل الهند عرفوا ذلك من النسر، فإذا وضعت هذا الحجر تحت كل حيوان أضر به الطلق سهل الولادة.

حجر مغناطيس: قال أرسطو: إنّه حجر يجتذب الحديد، وأجود أصنافه ما كان أسود مشوباً بالحمرة، ومعدنه ساحل بحر الهند وهو قريب من بلادها، والسفن التي تعبر في البحر إذا قربت من معدن المغناطيس وفيها شيء من الحديد طارت مثل الطير والتصقت بالجبل ولهذا المعنى لا يستعمل في سفن البحر شيء من الحديد أصلا. ومن عجيب خاصية المغناطيس أنّه إذا أصابها رائحة الثوم أو البصل بطل تأثيرها ولا يسلب الحديد، فإذا غسلته بالخل عاد إلى حالته، وكذلك دم التيس إذا نقعته فيه، وإن سقي إنسان سحالة الحديد يسقى من هذا الحجر مسحوقاً باللبن فإنّه ينزعه ويستقصيه حتى لا يترك منه شيئاً، وكذلك إذا سقي من جرح بحديد مسموم فإنّه يبطل عمل السم، وكذلك إذا نثر على الجراحة الحارة التي من حديد مسموم أبرأها، فالحديد طائع لهذا الحجر بسبب قوّة خلقها الله تعالى فيه ولا يزال ينجذب إليه كالعاشق إلى المعشوق؛ وقال غيره إنّه إذا علّق المغناطيس على إنسان نفعه من وجع المفاصل، وإن أمسكته المرأة التي تعسر ولادتها وضعت في الحال، وينفع النقرس أضر في اليدين أو الرجلين، وإذا أخذ فى اليد نفع من الكزاز، وإذا علقته المرأة التي. بها الطلق على ثديها الأيسر وضعت سريعاً، ومن علقه في عنقه زاد في ذهنه ولم ينس شيئاً.

حجر ملح: قال أرسطو: الملح أصناف منها المتحجر كالبلور، ومنها ما يكون كالثلج، وتحجره كتحجر سائر الأحجار، ومنها ما يكون سؤرجاً في الأرض السبخة جعلها الله تعالى قواماً لمصالح الدنيا، فيصلح لكل شيء يخالطه، حتى الذهب فإنّه يحسن لونه ويزيد في صفرته، وعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "يا علي ابدأ بالملح واختم به فإنّ فيه شفاء من سبعين داء". ومن خواصه: دفع العفونات كلها، والملح المحرق ينقي الأسنان من الحفرة، ويزيل كهبة اللون حيث طلي، واستعماله بالعسل يحسن اللون ويأكل اللحوم الزائدة النابتة وينفع القوباء والجرب ويضمد به مع بزر الكتان للسع العقرب، ومع العسل والخل لنهشة ذي الأربعة والأربعين والزنابير، وينفع من الجرب والحكة البلغمية والنقرس والأندراني هو الذي يشبه البلور يحد الذهن، ويشد اللثة المسترخية.

حجر نطرون: قال أرسطو: إنّه يغسل الأجسام من الوسخ وينور وجهها، وهو نافع للأرحام اللواتي غلبت عليها الرطوبة ينشفها ويقوّيها؛ وقال غيره: هو البورق الأرمني ينفع من القولنج الشديد، ويقلع بياض القرنية، وإذا أُلقي في العجين طيب خبزه وبيضه وأيبسه، وإن طرح في القدر أهرى اللحم.

حجر نوبي: قال أرسطو: إنّه حجر شريف ليّن المجس، ومعنى النوبي النافع للسم، وهو ينفع من سائر السموم إلا أنّه يعمد إلى الكبد والقلب ويذوبهما، وإلى العروق فيفسد كيفية ما فيها من الدم، وقد يسد مجاري الروح الحيوانية، فيغشى على الإنسان فإن بادر الأدوية القتالة قبل نفشها في البدن نفعه نفعاً بيناً، وإذا أبطأ ذلك ضره.

حجر نورة: من الأجسام الحجرية المحترقة، ويقطع نزف الدم إذا جعلته على الموضع، وينفع من حرق النار جداً، وإذا طلي بها في الحمام لأجل إزالة الشعر أبرزت بما تحت الجلد فينبغي أن يدهن بعدها بدهن البنفسج وماء ورد؛ وذكر أن استعمال النورة لإزالة الشعر من تعليم الجن، وذلك أن سيدنا سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام لما تزوّج بلقيس ملكة اليمن وجد ساقها أزغب، فسأل الجن هل في ذلك حيلة، فذكروا له استعمال النورة وإذا فرشت في موضع لم يقربه البراغيث.

حجر النوشادر: تولده كتولد الملح إلا أنّ الأجزاء النارية فيه أكثر من الأرضية ولهذا إذا أرادوا تصعيده يتصعّد كله؛ وقيل إنّه من أجزاء مائية وأجزاء دخانية لطيفة كثيرة الحرارة وربما يتخذ من سخام الحمامات، قال أرسطو: إنه أصناف كثيرة فمنه مركب في سواد وغبرة وبياض، ومنه الأغبر ومنه الأبيض الصافي فالشبيه بالبلور ينفع من بياض العين، ومن الخوانيق البلغمية إذا طبخ ونفخ في الحلق مع أدوية أخرى، وقال الشيخ الرئيس: إذا رش البيت بالماء الذي جعل فيه النوشادر يهرب منه جميع الهوام.

حجر هادي: قال أرسطو: هذا الحجر يوجد بناحية الجنوب والشمال جميعاً لونه لون الطحال إن علق على إنسان لم تنبح عليه الكلاب، وإذا كلس وأُلقي عليه زاج منقى عقد الزئبق ولم يفر من النار.

حجر یاقوت: حجر صلب شدید الیبس، رزین، شفاف، صاف، مختلف الألوان: أحمر وأصفر وأخضر وأزرق، وأصل كلها ماء صاف وقف في معادنها بين الحجارة الصلدة زماناً طويلاً فغلظ وصفا وثقل أنضجته حرارة المعدن بطول وقوفه فيصير صلباً لا تذوبه النار لقلة دهنيته ولا يفتت لغلظ رطوبته بل يزداد لونه حسناً ولا تعمل فيه المبارد لصلابته ومعدنه بالبلدان الجنوبية عند خط الاستواء، وهو قليل الوجود عزيز. قال أرسطو: الياقوت في الأصل ثلاثة أصناف: مختارها الأحمر والأصفر والأخضر، أمّا الأحمر فأكثر وله على النار صبر، وأما الأصفر فإنّه أصبر على النار من الأحمر، وأما الأخضر فلا له على النار البتة، وأما ما عدا هذه صبر الأصناف فليست في الشرف والخاصية كهذه الألوان فمن تختم أو تقلد بشيء من هذه الأصناف الثلاثة التي وصفناها لا يعلق ببدنه الطاعون وإن عم أهل البلد، ونبل في أعين الناس وسهل عليه أمور المعاش، وقال غيره إنّه يمنع الماء من الجمود والله الموفق.

حجر يشب: أبيض مشهور، يقال له حجر الغلبة من استصحبه لا يغلبه في الحرب أحد، ولا يحجه أحد، ولهذا يجعله الملوك في مناطقهم المرصعة وإذا وضعه العطشان في فمه سكن عطشه.

حجر يقظان: قال أرسطو: هو مجرب إذا علق على إنسان لم ينس شيئاً؛ والفلاسفة قد رمزوه وستروه عن العامة قالوا إنه يتحرك ولا يسكن حتى يلمسه إنسان وهو يصلح لخفقان القلب والفؤاد والارتعاش واسترخاء الأعصاب.

القسم الثالث في الاجسام الدهنية

زعموا أنّ الرطوبات المختفية تحت الأرض تسخن في الشتاء وتبرد في الصيف لأن الحرارة والبرودة ضدان فلا يجتمعان في مكان واحد، فإذا جاء الشتاء برد الجو وفرت الحرارة إلى باطن الأرض، فمنها مواضع دهنية فاكتسبت الرطوبات المنصبة إلى تلك المواضع بواسطة الحرارة منها دهنية، فإذا أصابها نسيم الهواء أو برودة الجو غلظت فربّما انعقدت وربّما بقيت على ميعانها، فتصير كبريتا أو زئبقاً أو قيراً أو نفطاً أو ما شابهه، وذلك بحسب اختلاف البقاع وتغيرات الأهوية بحرارة المعدن، ونصجه إياها وتصفيتها مرة بعد أخرى، فإذا اختلط الكبريت والزئبق مرّة أخرى وتمازجا والتأثير بحاله تركب من امتزاجهما الجواهر المعدنية بأنواعها كما ذكرناه قبل فلا نعيده ونذكر تولد كل واحد منها مع بعض خواصها والله الموفق.

وأما الزئبق: فإنّه يتولد من أجزاء مائية اختلطت بأجزاء أرضية لطيفة كبريتية اختلاطاً شديداً لا يتميز أحدهما عن الآخر، وعليه غشاء ترابي فإذا اتصلت إحدى القطعتين بالأخرى انفتح الغشاء وصارت القطعتان واحدة والغشاء محيط بهما، وأمّا بیاضه فبسبب صفاء ذلك الماء وهو التراب الكبريتي الذي ذكرناه؛ قال أرسطو: إنّ الزئبق فضة إلا أنه دخل عليه آفة في معدنه كما ذكرنا آفات الرصاص أنها آفات الزئبق أيضاً، ومن طلى بدنه بالزئبق قتل عنه القمل والصئبان والقراد، وتراب الزئبق يقتل الفأر إذا جعل في طعام أو نحوه، ومن دنا من الزئبق إذا مسته النار أفلجه، ودخانه يحدث أسقاماً رديئة مثل الرعدة والفالج، وذهاب السمع، وصفرة اللون، والرعشة في الأعضاء، والبخر في الفم، ويبس الدماغ، ومن دخانه تهرب الحيات والهوام جميعاً، ومن أقام عنده مات، وإن طرح من الزئبق في تنور الخباز سقط جميع خبزه في النار، والمسافر يتقلّد بقلادة من صوف ملطخة بالزئبق المقتول فإنه لا يتولد في ثوبه قمل أصلاً.

وأمّا الكبريت: فإنه يتولد من أجزاء مائية وهوائية وأرضية، إذا اشتد اختلاط بعضها بالبعض بسبب حرارة قوية ونضج تام حتى يصير مثل الدهن، ثم ينعقد بسبب برودة ضربته؛ قال أرسطو: الكبريت أصناف منه الأحمر الجيد اللون، ومنه الأبيض الذي هو كالغبار، ومنه الأصفر، أما الأحمر فمعدنه بالمغرب لأناس في موضع بقرب بحر أوقيانوس على فرسخ منه، وهو نافع من الصرع والسكتة والشقيقة، ويدخل في أعمال الذهب، وأما الأبيض فيسود الأجسام البيض وذلك في العيون التي يجري منها الماء جرياً مشوباً به، ويوجد لتلك المياه رائحة منتنة، فمن انغمس في هذه العيون في أيام معتدلة الهواء أبرأه من الجراحات والأورام والجرب ورياح الأورام والسلع التي تكون من المرة السوداء؛ وقال ابن سينا: إنّ الكبريت من أدوية البرص ما لم تمسه النار، وإذا خلط بصمغ القرطم قلع الآثار التي تكون على الأظفار وبالخل على البهق ويجلو القوباء خصوصاً علك وهو طلاء للنقرس مع النطرون والماء، ويحبس الزكام بخوراً؛ وقال غيره: إذا سحق الكبريت الأصفر ونثر على موضع اللسعة نفعه، وهو يبيض الشعر بخوراً، وتهرب من رائحته البراغيث وكذلك الحيات سيما مع دهن أو حافر حمار، وإذا دخن به تحت شجرة الأترج نزل الأترج كله.

وأما القير: فمنه ما ينبع في بعض الجبال ومنه ما ينبع مع الماء في بعض منابع المياه، فيفور مع الماء الجاري من العين، فما دام مع الماء يكون ليناً، فإذا فارق الماء برد وجف فيغرف من الماء بالقفف، ويطرح على الأرض ثم يجعل في القدر ويوقد تحته وينخل له الرمل ويطرح عليه مقدار معلوم ليختلط به ويحرك تحريكاً متداركاً، فإذا بلغ حد استحكامه صب على وجه الأرض فيجمد وتقير به السفن والحمامات؛ قال ابن سينا: إنه يذوب الدم الجامد في البطن إذا شرب وينضج الخنازير، ويطلى به القوباء وهو ضماد للنقرس ويطلى به عرق النسا وينفع من السعال والخناق.

وأما النفط: فيطفو على الماء في منابع المياه منه أسود ومنه أبيض وقد يصاعد الأسود بالقرع والأنبق، فيصير أبيض ينفع من أوجاع المفاصل واللقوة والفالج وبياض العين والماء النازل فيها، وإذا شرب منه نصف مثقال نفع من المغص والرياح ويخرج الأجنة الموتى، والمشيمة المحتبسة، ويقتل الدود، وحب القرع، وينفع للملسوع طلاء، وربّما يتوقد من غير نار بل بتحريكه.

وأما المومياين: فإنّه شبيه بالقير، لكنه كثير المنافع ومعدنه بالموصل وبأرجان من أرض فارس، ينفع من الخلع والكسر والضربة والسقطة والفالج واللقوة شرباً وتمريخاً ومن الشقيقة والصداع البارد والصرع والدوار سعوطاً بماء المرزنجوش ومن الخناق والخفقان.

وأما العنبر: فقد اختلف الناس في معدنه، فمنهم من زعم أنه من عين في البحر كالقير؛ ومنهم من زعم أنه طل يقع على بعض الأشجار في البحر ثم يترشح من خلالها وينعقد هناك، وأنها في بقاع مخصوصة في زمان معلوم، كما أن الترنجبين طل يقع على نوع من الشوك بخراسان في وقت معلوم، ومنهم من قال إنه روث حيوان مائي، ولا خلاف في أن تولده في البحر والبحر يقذفه إلى الساحل؛ وذكروا أنّ بحر الزنج يقذف في بعض الأوقات قطعة عظيمة تشبه تلاً، وأكثر ما يرى على قدر الجماجم أكثرها ألف مثقال، وكثيراً ما يوجد في جوف السمك البحري، والذي يأكله يموت ويكون في هذا الصنف سهوكة لا رائحة له. ومن خاصيته: تقوية الدماغ والحواس والقلب تقوية عجيبة، وهو يزيد في جوهر الروح، وينفع المشايخ جداً بلطف تسخينه، والشربة منه دانق، وما فوقه مضر وليكن هذا آخر الكلام في المعدنيات والله الموفق للصواب.

النظر الثاني في النبات

النبات متوسط بين المعادن والحيوان بمعنى أنه خارج عن نقصان الجمادية الصرفة التي للمعادن وغير واصل إلى كامل الحس والحركة اللتين اختص بهما الحيوان، لكنه يشارك الحيوان في بعض الأمور لأنّ الباري تعالى يخلق لكل شيء من الآلات ما يحتاج إليها في بقاء ذاته ونوعه، وما زاد على ذلك يكون ثقيلاً وكلاً عليه لا يخلفه، ولا حاجة للنبات للحس والحركة بخلاف الحيوان.

ومن عجيب صنع الله تعالى أن الحب والنوى إذا حصلا في تربة ندية وأصابهما حر الشمس انشقا وحدث بقوة خلق الله تعالى فيهما الأجزاء اللطيفة الأرضية من الأرض والمائية من الماء، ثم إنّ تلك الأجزاء يتراكم بعضها على بعض بواسطة قوى خلقها الله تعالى فيها حتى يصير الحب بالغاً ذا عروق وقضبان وأوراق وأزهار والحب والنوى شجراً عظيماً ذا عرق وساق وأوراق وثمر، فسبحانه ما أعظم شأنه وأوضح برهانه.

والنبات قسمان: شجر ونجم والله تعالى الموفق للصواب.

القسم الأول في الشجر

وهو كل ما له ساق من النبات والأشجار العظام بمثابة الحيوانات العظام والنجوم بمثابة الحيوانات الصغار والأشجار العظام لا ثمر لها كما ترى في الساج والدلب والعرعر لأنّ المادة كلّها صرفت إلى نفس الشجر، ولا كذلك الأشجار المثمرة فإنّ مادتها صرفت إلى الشجرة والثمرة، ويشبه حالها حال الذكور والإناث من الحيوان فإنّ الذكر أعظم بدناً من الإناث لأنّ بعض مواد الإناث تصرف إلى الأجنة، ومن عجيب صنع الباري خلق الأوراق على الأشجار زينة لها ووقاية لثمارها من نكاية الشمس والهواء، ثم إنّ الله تعالى خلقها مرتفعة عن الثمار متفرقة بعض التفرق لا متكاثفة عليها ولا بعيدة عنها لتأخذ الثمار من النسيم تارة ومن الشمس أخرى، فلو تكاثفت عليها حتى منعتها إصابة النسيم وشعاع الشمس لبقيت على فجاجتها غليظة الجلد قليلة المائية، وإذا سقط منها بعض الورق أصابتها الشمس وأحرقتها كما ترى في الرمانة التي احترق منها إحدى الجوانب، ثم إذا فرغت الثمرة تناثرت الأوراق حتى لا تجذب مائية الشجر فتضعف قوتها كما ترى في الحيوان، فإنّ الأم تصعف من إرضاع أولادها، وأعجب ما فيها ما ذكره الله تعالى تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل. ولنذكر بعض ما يتعلق بواحد واحد من الأشجار مرتباً على حروف المعجم إن شاء الله تعالى.

آبنوس: شجر كقطعة حجر على رأسه نبت أخضر وخشبه صلب جداً لا يقف على الماء بل يرسب، وهو أشبه خشب بالحجر. قال الشيخ الرئيس: إذا وضعته على الجمر فاحت منه رائحة طيبة، ويجلو الغشاوة والبياض إذا حل بماء واكتحل به، وإذا أحرقت نشارته على طابق ثم غسلت واكتحل به ينفع من الرمد اليابس وجرب العين، وقال غيره: ينفع من حرق النار ويحل نفخ البطن، والله الموفق.

آس: شجرة معروفة، قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت غرس الآس فاجعل في حفرتها شيئاً من الرمل وازرع الشعير حولها، فإنّ الشعير يقوي أصل الآس. قال الشيخ الرئيس: ورق الآس يطيب رائحة البدن بدل التوتيا ويقوي أصل الشعر ويطيله ويسوده ويمنع تساقطه. ورماد الآس يقوم مقام التوتيا في دفع الرائحة الكريهة وينقي الكلف ويجلو البهق وينفع من عضة الرتيلا. وبزر الآس يتمضمض به يقتل الدود المتولد في الأسنان.

أترج: من الأشجار التي لا تنبت إلا ببلاد الحر. قال صاحب "الفلاحة": إذا جعل رماد ورق اليقطين تحت شجرة الأترج يكثر ثمرتها ولا يسقط منها شيء أصلا، وورقه يمضغ يطيب نكهة الفم ويقطع رائحة الثوم والبصل؛ قيل إن بعض الملوك جمعاً حبس من الحكماء وأمر أن لا يدخل عليهم إلا خبز مع إدام فاختاروا الأترج فسألوا واحد عن ذلك فقالوا: إن قشره الظاهر مشموم وشحمه فاكهة، وحماضه ادام، وبزره دهن قال صاحب "الفلاحة": من أراد أن يبقي الأترج على الشجرة طول سنتها فليطلها بالجص، ومن دفنها في شعير تبقى زماناً طويلاً قشره يطيب نكهة الفم إمساكاً وينفع من الفالج، وعصارة قشره تنفع من لسع الأفاعي شرباً وضماداً، قشره جيد للبرص والقوباء طلاء. قال الشيخ الرئيس: يجعل قشر الأترج في الثياب يدفع عنها السوس، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء، وشحمه يورث القولنج، وحماضه يجلو العين ويذهب الكلف ويسكن غلمة النساء، وحبه يسحق ويوضع على لسع العقرب يسكن وجعه وينفع السليم شرباً في الجلاب وضماداً ويشد في صرة على عضد المرأة فإنّها لا تحبل، وعصارة حماضه تبيض الخبز وتزيل الكتابة بالحبر.

إجاص: قال صاحب "الفلاحة": إذا سقيت شجرة الإجاص بدردي الإجاص طيب طعم ثمرتها فوق ما كانت، وإذا طليت شجرة الإجاص الحلو بمرارة البقرة لا يتولد الدود في ثمرتها، وورقها يطبخ بسذاب ويتمضمض به يمنع سيلان الدم من اللثة، وثمرتها تسكن العطش وحرارة القلب، وإذا أردت أن تبقي الإجاص مدة طويلة تجعله في ظرف وتصب عليه من العصير ما يغمره ثم طين رأسه فإنّه يبقي الأجاص مدة طويلة، والله الموفق.

از درخت: شجرة كبيرة معروفة تسمّى بطبرستان ضاحك لها ثمر يشبه النبق، ورقها يقتل البهائم، وعصارة ورقها تقتل القمل وتطيل الشعر. عن الشيخ الرئيس: وقال غيره عصارته تنفع من السم إذا شربت بالعسل وتنفع من القولنج. قال ابن سينا: وثمرتها ربما قتلت وأحدثت كرباً عظيماً إذا أكلت، والله الموفق.

أم غيلان: شجرة من عضاه البادية كثيرة الشوك. قال ابن سينا: أصله يسمّى يتك إذا بخر به طيب رائحة البدن وقطع رائحة الثوم.

بان: شجرة معروفة حبها أكبر من الحمص مائل إلى البياض طيب الرائحة وله لب دهني. قال ابن سينا: إنّه ينفع من البرص والكلف والبهق وآثار القروح، وينفع من الثاليل في المراهم، وطبيخه ينفع من وجع الأسنان مضمضة، وقال غيره: ينفع من الجرب وينفع من الرعاف.

بطم: شجرة جبلية معروفة ثمرتها الحبة الخضراء. قال ابن سينا: يجلو الجرب والقوبا، وقال غيره: ينفع من الباه سيما رطبها، ودهنها ينفع من الفالج واللقوة ويذهب شهوة الطعام، وصمغها وثمرتها ينفعان بالشرب لنهش الرتيلا.

بلسان: شجرة توجد بمصر دون غيرها من البلاد ولا في غير ذلك الموضع بمصر أيضاً، وهو موضع يعرف بعين الشمس وهي شبيهة الرائحة والورق بالسذاب لكنها تضرب إلى البياض. قال ابن سينا: حبها وعودها ينفعان من وجع الرئة والجنبين وعرق النسا والصرع والدوران وينشفان رطوبة الأرحام بخوراً وينفعان من العقم ويقاومان السموم ونهش الأفاعي، دهنها يؤخذ عند طلوع الشعرى بأن يشرط ما بالحديدة ويجمع يبتدىء بقطنة ولا يجاوز الستة أرطال ثم يدفع إلى رجل نصراني يعرف طبخها ولا يعلم أحداً إلا ولده وهو أعز دهن في الدنيا. قال ابن سينا: يجلو الغشاوة ويخرج الجنين والمشيمة وينفع من عسر البول ويذهب بالنافض وينفع من سموم الهوام خاصة العقرب، ذكروا أنّ الخاصية للبئر التي يسقى منها تلك الأشجار أنّه اغتسل فيها عيسى عليه الصلاة والسلام. وأمّا الأشجار فنقلت إلى غير ذلك الموضع وسقيت من غير ذلك الماء، فما أفادت شيئاً ثم سقيت بها فزكت، والله الموفق.

بلوط: من أشجار الجبال قالوا إنّها تثمر سنة بلوطاً وتثمر أخرى عصفاً، قلت: إن صح هذا فإنّها شبيهة بالأرنب والضبع والحدأة في الحيوان فإنّها تكون سنة ذكراً وسنة أنثى، والله أعلم بصحة ذلك. ورقها إن ألقي على حية لم تستطع أن تسعى. قال ابن سينا: ينفع من سم السهام وسموم الهوام ونزف الدم. وقال غيره: إذا نثر رماد البلوط عند أجحرة الجرذان أصابها الجرب ويقتل بعضها بعضاً.

تفاح: قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت غرس تفاح فازرع حواليها العنصل فإن الدود لا يقع في ثمرتها، وإذا غرست تحتها الورد الأحمر يحمر ثمرتها. قال ابن سينا: عصارة ورق التفاح نافعة من السموم وزهرة شجرة التفاح تقوي الدماغ تقوية عجيبة. قال ابن سينا: إدمان أكل التفاح يورث أوجاع الأعصاب وخصوصاً الربيعي، وهو نافع من السموم؛ وقال غيره: تطلى رجل المنقرس بعصارته يسكن ألمها. وأكله وشمه يقوي القلب، والفج منها نافع من سم العقرب ومن كل سم حار، وإذا أردت أن تبقي التفاح زماناً طويلاً لففتها في ورق التين أو ورق الجوز وتركتها تحت الأرض أو وسط الطين تبقى مدة طويلة، والله أعلم.

تنوب: شجرة عظيمة جداً منابتها جبال ذروة الروم يوجد منها أجود القطران. قال ابن سينا: ورقها يوضع على الجراحات الطرية يمنع فسادها، وخشبها بالخل نافع لوجع الأسنان ويقال لحبه قضيم قريش، وهو يعين على التعب من الصداع، وصمغه عظيم النفع للسعال المزمن والزفت البري سيال شجرته يقلع بياض الأظفار وينفع من شقاق القدم طلاء وينبت الشعر في داء الثعلب ضماداً، ودخان الزفت يحبس أهداب العين وينبت الأشعار ويقوي البصر، كل ذلك عن ابن سينا، والله الموفق.

توت: شجرة من أعز الشجر لأنّ دود القز لا يأكل إلا من شجره وورقه، قال صاحب "الفلاحة": إذا زرعت تحت شجرة التوت العنصل يقوى ويكثر نماؤه، وقال ابن سينا: يطبخ ورق التوت الحلو وورق الكرم وورق التين الأسود بماء المطر لتسويد الشعر، وقال غيره: ورق التوت الحامض ينفع لوجع السن، والتوت الأسود يوضع على لسع العقرب يسكن وجعه في الحال، وقشر التوت يؤكل مع الترنجبين ينقي البطن والبدن عن حب القرع.

تين: قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت غرسه فاجعله في ماء الملح يوماً ثم اجعله تحت خثي البقر ثم اغرسه فإنّ طعم ثمرته يطيب جداً، وإذا سقيتها بماء الزيتون لا يسقط من ثمرتها شيء، وإذا غسلت ورق التين بالماء الحار هلك جميعاً. قال ابن سينا: خشبها ينفع من لسع الرتيلا سقياً ومسحاً، ودخان خشبها إذا أصاب صاحب الأدرة لا يملك نفسه من وجع المثانة والخصية، ولبن عيدانها إن قطر على موضع اللسعة لم يسر سمها في الجسد، وقضبانها تهري اللحم إذا طبخ معها، وعصارتها قبل أن تورق تنفع إذا جعلت على السن المتأكلة، قال صاحب "الفلاحة": إذا نثرت رماد خشب التين في البساتين هلك ديدانها، قال ابن سينا: يجعل ورق شجر التين طرياً مع الفج من ثمرتها على عضة الكلب فإنّه ينفع، وعصارة ورقها تقلع آثار الوشم، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هذه الثمرة أقسم الله تعالى بها لأنها تشبه ثمار الجنة لكونها على قدر اللقمة وخلوها عن العجم والنوى، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم وأحضر عنده التين: "لو قلت ثمرة أنزلت من الجنة لقلت هذه كلوها فإنّها تقطع البواسير وتنفع من النقرس". قال ابن سينا: الفج منه يضمد به الخيلان والثآليل والبهق يقلعها، والمداومة على أكله تصلح اللون الفاسد وهو يسمن سمناً سريع التحلل ويعمل جداً وينفع أكله رطباً ويابساً من الصرع ويطلي بلبنه الدماميل ينضجها ويقطر على الثآليل يقلعها وعلى الجراحة التي عليها لحم فاسد ينقيها. ولبن التين مع العسل ينفع من الغشاوة ويقطع شهوة الطعام وينفع من لدغ العقرب، قال محمد بن زكريا: دخان التين يهرب منه البق والجرجس.

جميز: شجرة عظيمة شبه شجر التين وورقها كورق التوت تثمر في السنة ثلاث مرات أو أربع، ولا يخرج ثمرها من فروع الأغصان كسائر الأشجار بل يخرج من ساقها، وورقها يقلع آثار الوشم إذا طلي بعصارته مراراً، وتضمد به الخنازير يحللها، وثمرتها تلصق الجراحات وتحلل الأورام وتنفع من النهوش أكلاً وطلاء.

جوز: من الأشجار التي لا تنبت إلا بالبلاد الباردة. قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت أن يفتت قشر الجوز باليد فخذ جوزة واتركها في بول صبي غير مدرك خمسة أيام ثم ازرعها وانثر عليها الرماد، وإن شئت خذ جوزة وقشرها بحيث لا يصيب اللب خدش ثم ضعها في كاغد أو خرقة أو ورقة من كرم أو دلب ثم ازرعها وانثر عليها الرماد فإنّها تثمر جوزاً، وقشرها كالكاغد، وقال: إذا وصلت الجوز بشيء من الأشجار لا يعلق إلا بالفستق فإنّها تعلق بها وتكون لها ثمرة عجيبة. وقال ابن سينا: الجوز الرطب ضماد لآثار الضربة يزيلها، ولبه مصدع يثقل اللسان، والاكثار منه يسهل الديدان وحب القرع، وإذا فتت الجوزة وألقيتها في القدر التي ينبث منها الدخان التقطت التبن منها، ولو ألقيت تلك الجوزة في الزيت لم يتغير ولو بقي سنة، وإذا أحرق قشرها يجفف القروح تجفيفاً جداً لا لذع فيه، والجوز المحرق بقشره يسود الشعر.

خسرودار: شجرة عظيمة جداً خشبها خولنجان، قال ابن سينا: ينفع من القولنج ويزيد في الباه ويطيب النكهة.

خروع: إذا جف حبه في أكمامه تصدعت عنه وتحذف به الغصن، فربما وقعت على أكثر من قاب رمح، حبها ينفع من القولنج والفالج واللقوة وقدر ما يؤكل منه عشر حبات مقشورة، وذكر بليناس في كتاب "الخواص" أنّ دهن الخروع إذا مسحت به رأس الديك لا يصيح البتة.

خلاف: شجرة الصفصاف، خشبها خفيف جداً يتخذ منه الصوائح، ورقها على شكل الخنجر يقوي الدماغ ويرطبه ويجعل في فراش من ضربه السموم ينفعه. قال ابن سينا: إذا ضمد به رطباً منع نزف الدم، ورماد ورقه مع الخل يقطع الثآليل والنملة وفقاحها طيب الرائحة جداً ويقوي الدماغ، وماؤه يسكن الصداع.

خوخ: قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت أن يحمر الخوخ غاية الحمرة فخذ النواة التي تنشق بنفسها واجعل في شقها شيئاً من الزنجفر وضع اللحم فيها ولا تنقها عن اللحم واترك لحمها عليها فإنّها تثمر خوخاً شديد الحمرة، وإذا نقشت في باطن النواة نقشاً بالسكين أو كتابة يكون ذلك في جميع أفراد ثمرتها، وإذا أخذت النوى وأخرجت ما في جوفه من الأصل الذي يشرب به بحيث لا ينسد شيء من عيونه وغرسته، فإذا أدرك لا يكون لثمرة تلك الشجرة نوى دون عظم. وورق الخوخ يقطع رائحة الثوم، وإذا طلي به السرة قتل ديدان البطن.

دارسیشعان: شجرة كبيرة ذات شوك كثير، قال: إذا رميت في الماء الذي فيه التمساح تجتمع عليها التماسيح قال ابن سينا: هو جيد لنتن الأنف، إذا اتخذ فتيلة وتمضمض بطبيخه حفظ الأسنان، وإذا احتمل يخرج الجنين.

دردار: شجرة البق وهي شجرة كبيرة عالية يخرج منها أقماع منتفخة كالرمانات ثم يتفقأ فيخرج من كل واحد من البق ما شاء الله، ولقد كسرت قمعاً من أقماعها على الشجرة فكان مجوفاً فإذا شحم وعلى شحمها شبه بزر الرمان ما لا يعد ولا يحصى، فمنها ما خلق الله تعالى فيه الروح يتحرك، ومنها ما لم يخلق بعد، ومنها ما نبت له جناحان. ورقها يؤكل كالبقول وطريها يلصق الجراحات ويقوي العظام الواهية المكسورة فيصلحها إذا ضمدت به. قال ابن سينا: ورقها يطلى به العظام المكسورة فيصلحها، وأقماعها تجلو الوجه طلاء، وقشرها رطباً بالخل يجلو البرص ويصلح الجراحات

دلب: من أعظم الأشجار وأعلاها وأبقاها، فإذا طالت مدتها تفتت جوفها ويبقى ساقها مجوفاً. ورقها تهرب منه الخنافس وبعض الطيور يجعلها في أوكارها لدفع الخنافس فلعلها تهرب منها، فإذا غسل وطبخ وضمد به حبس النوازل عن العين وقشرها مطبوخاً بالخل ينفع من حرق النار ووجع الأسنان، وثمرتها يقال لها جوز السر ومع الشحم ضماداً جيد لنهش الهوام، والله الموفق للصواب.

دهمشت: هو شجر القار، شجر حار ورقه كورق الآس إلا أنه أكبر في ثمرته حمرة وينبت في مواضع جبلية، ولها حب على شكل البندق الصغار عليها قشور سود. قال صاحب "الفلاحة": إذا طرحت في الأرض غصناً من أغصان دهمشت أصابته كل آفة تتوجه نحو تلك الأرض ويسلم ما سواه من الآفات. وورقه ينفع من الفالج واللقوة والقولنج، وإذا نثر ورقه على الشعير وخلطته به تبقى زماناً طويلاً لا يفسد، وإذا طحن ومرخ به البدن لا يقربه الذباب، والطري منه ضماداً جيد للسع النحل والزنابير، وهو ترياق للسموم كلها دهنه يحلل الصداع والطنين.

رمان: من الأشجار التي لا تقوى إلا في البلاد الحارة. قال صاحب الفلاحة: إذا غرست حول الرمان الآس يكثر ثمرتها، وإذا دفنت نوى التمر مع الملح تحت شجرة الرمان يفسد، وإذا أردت أن لا يكون في الرمان عجم شق عن أسافل قضبانه عند الغرس، ونق أجوافها عن مخها واضمم بعضها إلى بعض واربطها بشيء من الحشيش واغرسها فإنّها إذا نبتت لا يكون فيها شيء من العجم، وإن أردت أن يحمر لونها فاخلط رماد الحمام بالماء وصبه في أصل شجرتها فإنّه تشتد حمرة حبها، وإن أردت أن يحلو الرمان الحامض فنح التراب عن أصل شجرتها وأطل عروقها بجعور الخنازير وأنضجها بأبوال الناس ثم أعد التراب عليها كما كانت، وقال أيضاً تأخذ الرمانة من شجرة وتعد حبتها فتكون جميع حبات رمان تلك الشجرة بذلك العدد. وقال كذلك تعد شرفات قمع الرمانة فإن كان زوجاً فعدد حباتها زوج، وإن كان فرداً فعدد حباتها فرد. خشبها يهرب منه أكثر الحشرات ولذلك يأخذه بعض الطيور ويتركه في عشه حتى لا يقرب عشه الهوام. وقال ابن سينا: قضبان الرمان عجيبة لطرد الهوام، وكذلك دخان خشبه؛ وقال محمد بن زکریا: دخان خشب الرمان يطرد الحيات وأكثر الهوام؛ وقال غيره: من ضرب بخشب الرمان وأصابه من الضرب جراحة لا يصح إلا إذا وضع عليه لحم الفرس الأشهب. زهرها يقال لها الجلنار قد يكون أحمر وقد يكون أبيض. قال ابن سينا: إنّه جيد للثة الدامية ويقوي الأسنان المتحركة ومانع لنفث الدم ثمرتها، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما نفجت رمانة قط إلا بقطرة من ماء الجنة، وعن علي رضي الله تعالى عنه: إذا أكلتم الرمانة فكلوها بشحمها فإنّه دباغ للمعدة، وما من حبة منها تقوم في جوف رجل إلا أنارت قلبه وأخرست شيطان الوسوسة أربعين يوماً. (وقال) صاحب "الفلاحة": من أراد أن يبقي الرمان غضاً طرياً فليقطفه بيده من شجره من غير أن يصيبه جراحة ويغمس طرفه في زيت مسخن ويعلقه في بيت بارد فإنه يبقى زماناً طويلاً غضاً طرياً ولو تركها على شجرتها ولف عليها شيئاً من الأوراق ثم حصنها بحيث لا يدخلها الهوام يبقى زماناً طويلاً، قشرها يهرب منه الهوام كما يهرب من خشبها ولا يترك قشر الرمان في سائر الفلاة لئلا يتولد الحيوان في الطعام.

زيتون: شجرة مباركة كثيرة النفع، أقسم الله تعالى بها في القرآن العزيز لعموم نفعها، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن آدم عليه الصلاة والسلام وجد ضرباناً في جسمه فاشتكى إلى الله تعالى فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام بشجرة الزيتون وأمره أن يغرسها ويأخذ ثمرتها فيعصرها، وقال له: إن في دهنها شفاء من كل داء إلا السام. ومن عجيب خواص هذه الشجرة أنها تصبر الماء عن طويلاً ولا دخان لخشبها ولا لدهنها. قال صاحب "الفلاحة": ينبغي أن يكثر تحت شجرة الزيتون من المدر فإنّ الغبار إذا سطع على الزيتون زاده دسماً،ونضجاً، وإذا أخذت أوتاداً من شجر البلوط ودققتها في الأرض حول شجرة الزيتون فإنها تقوى ويكثر ثمرها. قال بليناس: إذا علق شيء من عروق شجر الزيتون على من لسعته العقرب برأ من وقته. وورقها الأخضر إذا طبخته بالماء و رششت به البيت هرب منه الذباب، ورماد ورق الزيتون يقوم مقام التوتيا، وإذا طبخ ورق الزيتون بالخل نفع من وجع الأسنان، وإذا طبخ بماء العسل حتى يصير كالعسل وجعل على الأسنان المتآكلة قلعها. صمغها ينفع من البواسير إذا ضمد به، وإذا نقع في الماء وبل به الخبز وترك للفأرة فإذا أكلته ماتت، وصمغ الزيتون البري ينفع من الجرب والقوباء ولوجع الأسنان المتآكلة إذا حشيت به، وهو يعد من الأدوية القتالة، كل ذلك عن ابن سينا، ثمرتها روي عن النبي صلي الله عليه وسلم: عليكم بالزيت فإنّه يكشف المرة ويذهب البلغم ويشد العصب ويذهب بالإعياء ويحسن الخلق ويطيب النفس ويذهب الهم، وزيت الزيتون البري ينفع من الصداع واللثة الدامية تمضمضاً به، ويشد الأسنان المتحركة، نواها يبخر به لوجع الضرس وأمراض الرئة.

سرو: شجر حسن الهيئة قويم الساق يضرب به المثل في استقامته وقده وهو في الصيف والشتاء أخضر، يدخن بأغصانه يطرد البق ويؤخذ من نشارته بنادق وتطرح في الطحين الدرمك يبقى زماناً طويلاً لا يفسد، ورقه يشرب مع السذاب ينفع من عسر البول، وإذا دق ورقه رطباً وجعل على جراحة األحمها، ورمادها ينفع من حرق النار ذروراً، وكذلك سائر القروح الرطبة، وجوزه يطرد البق إذا دهن به، وطبيخه بالخل يسكن وجع الأسنان، والله الموفق.

سفرجل: رماد خشنها يفعل فعل التوتيا، وورقها يفعل فعل خشبها، زهرها عجيب الأثر في تقوية الدماغ والقلب، ثمرتها كثيرة الفوائد. روى يحيى بن طلحة بن عبد الله عن أبيه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده سفرجلة فألقاها إليّ وقال: "دونكها يا أبا محمد فإنّها تجمد الفؤاد" أي تقويه، وروي أنه صلي الله عليه وسلم كسر سفرجلة وناول منها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له: "كل فإنّه يصفي اللون ويحسن الولد"، ومن عجيب شأن السفرجل أنّه إن قطع بالسكين ذهبت مائيته ويبقى أيبس ما يكون، وإن كسر كان الأمر بخلاف ذلك. قال ابن سينا: السفرجل يسكن العطش ويقوي المعدة، وقال غيره: إذا داومت المرأة الحامل على أكل السفرجل سيما في الشهر الثالث كان ولدها حسن الصورة، وإذا انعقد اللبن في ثدي المرأة يطبخ السفرجل بالعسل ويوضع على ثديها يسكن ألمها ويزيل ورمها، وإذا وضعت السفرجل في موضع فيه العنب يفسد العنب. قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت أن يبقى السفرجل زماناً طويلاً فضعه على نشارة الخشب أو التبن ولا تدع السفرجل في بيت فيه من الثمار فإنّه يفسد كلها ويهلك ما سواه.

سماق: شجرة جبلية. قال ابن سينا: ثمرتها تقوي المعدة وتجلب الصفراء من الأجساد ويضمد بها الضربة فيمنع الورم والخضرة وينفع من الداحس ويحتقن به للبواسير، صمغها إذا وضع على الأضراس يسكن وجعها.

سندروس: شجرة مشهورة بأرض الروم، يتخذ من خشبها دهن هو دهن الصواني يدهن به الأخشاب، وخاصية هذا الدهن حبس الدم. والمصارعون يستعملونه فيخفوا ولا يبهروا ويقووا على الصراع، صمغه يشبه بالكهربا في جذب التبن إلا أنّه أميل إلى الحمرة، والكهربا أصفى لوناً منه، ودهن السندروس يجفف البواسير إذا دهن به، ودخانه يمنع النوازل وينفع من البواسير، ومنفعته في تسكين الأسنان كثيرة، ويصلح للباه وينفع من الخفقان.

شباب: شجرة يشبه ورقها السمك الصغار ويكون في طول أصبع، ثمرتها مثل البنادق الكبار في كل ثمرة ثلاث حبات سود يقال لحبها ماهودانه ويقال لها أيضاً حب الملوك. قال ابن سينا: نافع إسهاله من أوجاع المفاصل والنقرس وعرق النسا والاستسقاء، ورقها يطبخ بالديك الهرم ينفع من القولنج، كل ذلك عن ابن سينا.

شاهبلوط: شجرة توجد بأرض الشام وبأرض إيران أيضاً، ثمرتها أعذب من البلوط وشكلها كنصف جوزة يقال طعمها كطعم البندق الرطب. قال ابن سينا: إنّه جيد للسموم وينفع من نزف الدم.

صندل: شجرة هندية معروفة وهو نوعان: أحمر وأبيض، أما الأحمر فخشبها صلب يطلى به الحمرة وينفع من الصداع أيضاً طلاء، وأما الأبيض فخشبها رخو ورائحتها طيبة. قال ابن سينا: ينفع من الصداع والخفقان العارض في الحميات شرباً وطلاء.

صنوبر: شجرة مشهورة أكثرها بأرض الروم، خشبها دهن جيد حتى يشتعل رطبها كالشمع والقطران يؤخذ منه وذلك بأن يقشر ثم يعرض على النار فيسيل منه نداوة وهي القطران. قال ابن سينا: التبخر بخشب الصنوبر وافتراش رماده يطرد الهوام خصوصاً مع القنة، وإذا جعل حول المجلس مندل من رماد خشب الصنوبر تؤمن غائلة الهوام ويبخر بنشارته لطرد الهوام والبق والبعوض، وإذا أضفت إليه القلقديس والشونيز كان أجود، وبخارها نافع لحرق الماء الحار ولحاؤها بالخل يتمضمض به لوجع الأسنان، وورقها يلصق الجراحات وجوزها ضماد للفتق، وحبها هو الجوز ينفع من الأوجاع العصبية والاسترخاء ويهيج الباه وينفع من لدغ العقرب خصوصاً مع التين والجوز والتمر، وينفع من السعال المزمن العتيق، وهذا عجيب جداً لأنّ فيه حرافة وحدة لكن هذا كله ذكره ابن سينا.

ضرو: شجرة عظيمة كشجرة البلوط تنبت بجبال اليمن تثمر عناقيد كعناقيد البطم، ورقها يضرب إلى الحمرة يطبخ حتى ينضج ويصفى ويرد على النار ويرفع فيكون دواءً عجيباً من السعال وأوجاع الفم، ولخشونة الصدر يزيلها عن المكان، وصمغها يجلب إلى مكة وهو كاللأذن في القوة طيب الرائحة يدخل في الطيب للنساء.

طرفا: شجرة مشهورة قضبانها تنفع في الخل تكون نافعة لوجع الطحال، قال ابن سينا: يطبخ ورقها بالسذاب يكون نافعاً لوجع الأسنان مضمضة، ويستعمل نطولاً على القمل فيقتله، وقال غيره: ورقها ضماد للأورام الرخوة ودخانه يجفف القروح الرطبة والجدري، ورماده يذر على حرق النار والقروح الرطبة، وثمرتها تنفع من أمراض العين ونهش الرتيلا، والله الموفق.

عرعر: شجرة كبيرة يشبه ورقها ورق السرو، قالوا هو السرو الجبلي. قال ابن سينا: التدخين بأي شيء كان من أجزائه يطرد الهوام، ثمرته تشبه الزعرور إلا أنه شديد السواد حاد الرائحة طيبها يقال لها الأبهل إذا أغلي بالشيرج في مغرفة من حديد حتى يسود الجوز وقطر في الأذن نفع من الصمم جداً، وإذا شرب الأبهل أسقط الجنين، وإذا تدخن به أو احتمل يفعل ذلك أيضاً.

عشر: شجرة غريبة، كانت العرب في الجاهلية إذا أراد أحدهم أن يسافر عن حليلته عمد إلى هذه الشجرة وشد غصناً منها إلى الآخر وتركهما فإذا عاد من سفره ذهب إليهما فإن وجدهما بحالهما مشدودين استدل بهما على حليلته ما خانته في غيبته، وإن وجدهما محلولين استدل بهما على خيانتها. قالوا: إنّها سم قاتل وإن منها نوعاً يقتل بالجلوس في ظله، خشبها ينفع من القوباء والسعفة.

عفص: شجرة جبلية، قالوا: إن شجرة البلوط تثمر سنة بلوطاً وسنة عفصاً. ونقل الجاحظ عن الفضل بن إسحاق أنه قال رأيت العفص والبلوط على غصن واحد فإن كان صحيحاً فإنّها في الأشجار كالأرانب في الحيوان فإنّ الأرنب سنة ذكر وسنة أنثى والتي عليها البلوط والعفص كالخنثى. قال ابن سينا: ثمرتها يطلى بها القوباء تزيلها ويمنع الرطوبات الزائدة الفاسدة عن اللثة وتنفع من تآكل الأسنان، وقال غيره: ينثر على القروح الرطبة ينفعها، وماؤها يسود الشعر.

عناب: هي الشجرة المشهورة، ورقها ينفع من وجع العين ضماداً إذا كان من الحرارة، وثمرتها تسكن الدم وتنشفه فيما زعموا حتى أن مسها أيضاً يفعل ذلك، وإذا أرادوا حملها من بلد إلى بلد كل يوم تحمل على دابة أخرى لئلا ينشف دمها. قال جالينوس: إنّه لا ينشف الدم لكنه يغلظه، وهو طلاء جيد لتصفية اللون.

غبيرا: شجرة مشهورة، خشبها أصبر خشب يكون على الماء، يبقى في الماء زماناً طويلاً لا يتعفن منه شيء، زهرتها إذا شمت المرأة رائحتها هاجت بها شهوة الوقاع حتى ترمي الحياء والصيانة وراء ظهرها. قال ابن سينا: يبطيء السكر ويحبس القيء وينفع من اكثار البول.

غرب: شجرة كبيرة. قال ابن سينا: خشبها يحرق ويعجن بالخل يجفف الثآليل، شجرها يدخل في خضاب الشعر يفيده فائدة جيدة، وورقها يجعل على الجراحات الطرية مسحوقاً ينفعها، وقال غيره ينفع شرباً من تشبث العلق بالحلق، وإذا شرب زهرها ينفع من ظلمة العين، وصمغها ينفع من ظلمة العين، وصمغها ينفع من ظلمة البصر أكلاً.

فاوانيا: هي شجرة عود الصليب منه رومي ومنه هندي. قال ابن سينا: خشبها يجلو الآثار السود من البشرة وينفع من النقرس والصرع تعليقاً، وقد جرب تعليقه فوجد مانعاً من الصرع فحيث كانت إبانته يعود معها الصرع، ثمرتها تنفع المجانين والمصروعين إذا شرب زهرها ينفع من ظلمة العين، وصمغها ينفع من ظلمة البصر أكلا.

فستق: هي شجرة مشهورة. زعموا أنّ الفستق تركيب الحبة الخضراء على اللوز خشبها يشعل في النار، وإن كان ندياً لفرط دهنيته بخلاف غيره من الأخشاب ثمرتها تنفع من نهش الهوام ويزيد في الباه وينفع من السعال البلغمي، ودهنها يزيل الزرقة من العين إذا داوم على اكتحاله، كل ذلك عن ابن سينا.

فلفل: شجرة تنبت بالهند بناحية منها تسمى مليار، وهي شجرة عالية لا يزال الماء تحتها، فإذا هبت الرياح تساقطت على وجه الماء فيجمع منه، وكذلك فسخه وهي شجرة حرة لا ملك لأحد فيها، وحملها عليها شتاءً وصيفاً وهو عناقيد فإذا حميت الشمس عليها انطبقت على كل عنقود منها أوراق حتى لا تحترق بالشمس، فإذا زالت الشمس عنها زالت الأوراق عن العناقيد لتنال النسيم، وذكر من رآها أنّ شجرتها مثل شجرة الرمان وبين الورقتين شمراخان منظومان بالفلفل وشمراخه في طول الأصبع. قال جالينوس أول ما تطلع ثمرتها تكون دار فلفل ثم ينفصل عن حب يكون هو الفاضل، أما الدار فلفل فينفع من نهش الهوام أكلاً وطلاء بالدهن ويزيد في الباه وينفع من الغشي مع كبد المعز مشوياً. وأمّا الفلفل فقد قال ابن سينا: هو بالنطرون طلاء للبهق وبالزفت طلاء للخنازير يحللها، وهو يخفف المني وينبذه ويدر البول وينفع من ظلمة البصر، وإن احتملته المرأة بعد الجماع منع الحبل.

فندق: هي شجرة معروفة ذكر أنّه إذا خط بخشب الفندق دائرة حول العقرب لا يقدر على الخروج منها، قال أبقراط: ثمرتها تزيد في الدماغ. قال ابن سينا: زعم قوم أنّ الفندق يطلى به نافوخ الصبي الأزرق العين يذهب زرقته، وقال: إنّه ينفع من النهوش سيما مع السذاب والتين؛ وقال غيره: من استصحب فندقة يأمن من لدغ العقرب، ويشوى ويسحق ويطلى به داء الثعلب ينبت الشعر، وإذا أكل مدقوقاً محلولاً بالعسل يذهب السعال العتيق والتنقل به يبطيء السكر، والمداومة على أكله يشحذ الخاطر، وقشره يحرق ويسحق ويجعل في الزيت يزيل زرقة عيون الأطفال اكتحالاً ويسودها.

فليزهرج: هي شجرة الحضض لها شجرة كالفلفل يتخذ منه الحضض. قال ابن سينا: خشبها يقوي الشعر طلاء وتطبخ فروعها بالخل ويشرب للطحال، ثمرتها تطبخ، ويؤخذ منها الحضض ينفع من الكلف طلاء ويبرى قروح اللثة وينفع من الرمد ويزيل غشاوة العين وينفع من جرب العين والبواسير، والهندي يسقى لعضة الكلب الكلب، كل ذلك عن الشيخ الرئيس.

قرنفل: شجرة تنبت في بعض جزائر الهند، ثمرتها كالياسمين إلا أنها أشد سواداً، وذكروا أنّ أهل تلك الجزيرة لا يخرجونها إلا مطبوخة لئلا تنبت في غيرها من البلاد. قال ابن سينا: ثمرتها تطيب النكهة وتحد البصر وتنفع من الغشاوة، وقال غيره تنفع من الغثيان، ورائحتها تقوي الدماغ البارد الذي غلبت عليه السوداء وتقوي القلب وتفرحه.

قصب: معروف وأنواعه كثيرة وأنفعها قصب السكر وأحسنها ما يوجد بأرض مصر، ينفع من السعال ووجع الصدر ويدر البول ويجلو الصدر من الرطوبات، ومنها القصب البنطي. ومن عجيب خواصه ما ذكر أنّه إن ضربت حية بقصبته ضربة واحدة لم تستطع أن تريم أو تنقلب وتبقى في مكانها حتى تتعلق وإن ثنيت الضرب أو أكثرت ذهبت وسلمت، ورقها وأصلها مع البصل يجلب السلى ويدر الطمث والبول، وإذا دققت القصب الرطب وجعلته في الطبيخ الذي أكثرت ملحه تزول ملوحته، وأصل القصب فيه قوة جاذبة إذا دق وضمد به العضو الذي فيه الحديد جذبه، ومنها قصب الذريرة يجلب من نهاوند ذكر أنّ ما لا يعبر على ثنية الركاب لا يفيد فائدة قصب الذريرة بل يكون كسائر القصب، وما عبر به على ثنية الركاب وهي ثنية بنهاوند فهو مفيد. قال ابن سينا: ينفع من كمودة الدم الميت ويجلو البصر ويبخر به في الحلق ينفع السعال، ومع العسل وبزر الكرفس ينفع من الاستسقاء، ومنها قصب القنا ينبت بأرض الهند يتخذ منه الرماح، قالوا: إنّها تحترق لاحتكاك أطرافها عند عصوف الرياح، ورمادها الطباشير وهو ينفع للخفقان وأورام العين الحارة ويقوي القلب وينفع في الحميات.

کافور: شجرة كبيرة هندية يألفها النسر تظل خلقاً كثيراً لا يصل إليها الناس إلا في وقت من السنة معلوم وهي سفحية بحرية خشبها أبيض هش خفيف، صمغها کافور ويسيل من أسفل الشجرة. قال محمد بن زكريا: الكافور صمغ هذه الشجرة إلاّ أنّه في داخلها يثقب أعلى الشجرة فيسيل منه الكافور وعند الحرارة ويثقب أسفل من ذلك فيخرج منها قطع الكافور. قال ابن سينا: استعمال الكافور يسرع الشيب وينفع من الصداع الحار ويسهر ويقوي الحواس ويقطع الباه.

كرم: أكثر الأشجار وجوداً ونفعاً. قال صاحب "الفلاحة": من عجائبها أنك إذا أخذت وديها الذي فيه قوة الثمرة وغرستها يأتي في السنة الأولى بالعناقيد الكبار، وإذا أردت أن يكون الكرم كثير النفع قوي الأصل سريع الثمار فخذ غرسها من قضبان شجرة قريبة العهد واغرسه في النصف الأول من الشهر ولطخ رأس القضيب بخثي البقر وبدد في المغرس شيئاً من البلوط والنانخوا ليقوى أصله وشيئاً من الباقلا لينمو سريعاً، فإذا أتى بهذه الشرائط تكون شجرتها عجيبة جداً مخالفة لسائر الكروم، وإذا أخذت وزناً من العنب الأسود وآخر من الأبيض وثالثاً من الأحمر وشققتها بحيث لا يقع منها قشرها وتلصق بعضها بالبعض وتغرسها تثمر العنب الأسود والأبيض والأحمر فترى هذه الألوان الثلاثة على شجرة واحدة، وإذا أردت أن تسود العنب الأبيض فاحفر ما حول الكرمة واقلب فيها شيئاً من النفط الأسود فإنّ عنبها يسود، وإذا أردت أن لا يقع في الكرم دود فاقطع طاقاتها بمنجل ملطخ بدم الضفدع أو دم الذئب، وإن أردت أن تسلم من البرد فدخن الكرم بالزبل بحيث يصل الدخان إليها جميعاً، ثم انثر عليها ثمر الطرفاء فإنّها تسلم من آفة البرد بإذن الله تعالى، ودمعة الكرم التي تتقاطر من قضبانها بعدما قطعت تجمع ويسقى منها الإنسان المشغوف بالخمر من غير أن يعلم بعد شرب الشراب فإنّه يبغضها وإن كان لا يصبر عنها ساعة واحدة. قال ابن سينا: دمعة الكرم جيدة للجرب والقوباء وورقها يمضغ يقوي اللثة المسترخية ويدق ناعماً ويضمد به يسكن الصداع الحار. وقال ابن سينا: ورقها وخيوطها ضماد للصداع الحار وأصناف ثمرتها كثيرة وأعجبها عيون البقر كل حبة كجوزة، وأصابع العذارى فإنّ حباتها طوال كأصابع العذارى المخضوبة فربما يكون العنقود نحو الذراع، والدوالي وهو عنب أسود غير حالك وعناقيده عظيمة كأنها رؤوس معلقة، وحباتها تنكسر بالفم. قال ابن سينا: العنب المقطوف في الوقت يحرك البطن؛ وقال غيره: يسمن ويقوي شهوة الجماع ويولد مادة المني، تبخيرها ينفع لنهش الهوام والأفاعي، وهو مع الخل دواء جيد للبواسير والقوبة، وأما الخمر فقد ذكر سبب حدوثها أن جمشيد الملك في بعض مُتَصَيَّدَاته رأى في شيء من الجبال كرمة عليها عناقيد عنب فتعجب منها وأمر بقطعها، وقال: إنا سمعنا أن الجبال ينبت فيها السموم فلعل هذه منها وأمر بحفظها حتى يجربها فيمن يستحق القتل فجعلوها في رحلهم فتكسرت حباتها فعصروها وجعلوا ماءها في ظرف حتى عاد الملك إلى مستقره فأمر بإحضار رجل يستحق القتل وأحضر العصير وقد احتدت وصارت خمراً فسقي الرجل منها قهراً فشربها بمشقة شديدة فما شكوا في كونها سماً فزادوا في سقيه فنام الرجل نومة ثقيلة فلم يشكوا في أنه يجود بنفسه، فلما انتبه من نومه قال: اسقوني مرة أخرى فسقوه مراراً فما كان إلا الخير فشرب غيره وذكر ما فيه من اللذة والطرب وشرب الملك أيضاً وأمر بغرس تلك الشجرة في البلاد ليكثر ثمرها ففعلوا ذلك، وأمّا الخل فهو نعم الأدام كما قال صلى الله عليه وسلم ويصب على نزف الدم فيقطعه وينفع من الجرب والقوباء وحرق النار ووضعه على الرأس ينفع من الصداع الحار والمضمضة به تنفع الأسنان المتحركة وتفتق الشهوة وتحلل الاستسقاء. وأما الزبيب فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه الزبيب فقال: "بسم الله نعم الطعام الزبيب يشد العصب ويذهب الوصب ويطفىء الغضب ويرضي الرب ويطيب النكهة ويذهب البلغم ويصفي اللون؛ وقالت الأطباء إنّه يقوي المعدة ويحبس الطبع بالعجم وبغير العجم يطلق، والله الموفق.

كمثرى: قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت أن تبقى الكمثري زماناً طويلاً فخذ ظرفاً واجعل فيه شيئاً من الملح وضع كل واحدة من الكمثري في الظرف على الشجرة فإنّها تبقى زماناً طويلاً ولا يفسد زهرها له تأثير عجيب في تقوية الدماغ ثمرتها. قال ابن سينا: يسكن الصفراء لكنه يحدث القولنج، قال صاحب الفلاحة: إذا طليت رأس کل کمثراة بشيء من الزفت وعلقتها فإنّها تبقى زماناً طويلاً، وكذلك إذا جعلتها في فخارة بعدما طليت رأس كل واحدة بشيء من الزفت وجعلت رأسها نحو الأرض على مثال ما تكون على الشجرة.

لاغية: تعد من السموم تنبت في سفوح الجبال، ورقها من اليتوعات إذا دق وشرب أسهل إسهالاً شديداً نورها طيب الرائحة جداً يرعى النحل منها فعسلها يكون مضراً جداً وإذا ألقيت شيئاً منها في غدير يطفو سمكه على وجه الماء.

لبان: شجرة ذات شوكة لا تنمو أكثر من ذراعين، وهي شجرة تنبت في الجبال بشحر عمان، ورقها كورق الآس صمغها هو الكندر يعقر مواضع منها بالفؤوس فيسيل منها الكندر؛ ويقال له أيضاً اللبان من أدام مضغه ذكا قلبه وأعانه على حفظ الأشياء التي نسيها وهو يدمل الجراحات الطرية ويمنع الخبيثة من الانتشار ويجعل على القوباء بشحم البط يزيلها ويقوي الذهن ويقطع الرعاف.

لوز: قال صاحب "الفلاحة": يجعل اللوز في العسل ثم يزرع لتكون ثمرته طيبة جداً وإذا أردت أن ينفرك تجعل لبه في قرطاس أو ورقه كما ذكرناه في الجوز، وإذا أردت أن لا يتساقط منها شيء فاجعل في وسط فروعها رأس حمار معلقة، أمّا الحلو فينفع من السعال وينقي الصدر سيما مع التين ويسمن وينفع من عضة الكلب الكلب. قال ابن سينا: إنّه يسمن ويقوي البصر وينفع من القولنج، والمر منه إذا طبخ وجعل على الكلف كان دواء نافعاً ويفتح القولنج، وإذا اختلط اللوز المر بالعسل وأكل نفع من القولنج، ومن أراد أن لا يثمل فليأكل سبع لوزات مرة على الريق وخمسة قبل الشرب فإنّ قوة الشراب لا تعمل فيه لخاصية وينفع من الجرب.

ليمون: إنّه من أشجار بلاد الحر، وخواص شجر الليمون، وثمرتها تشبه بالأترج وقد فلا نعيدها هنا ولماء الليمون خاصية عجيبة في دفع سم الحيات والأفاعي، ومن عجيب حكاياتها ما ذكره أبو جعفر بن عبد الله الضبي من ثقات البصرة قال: كانت لي ضيعة على نهر الدير وكنت متوطناً بها وبجنب داري بستان ظهرت فيه أفعى كأنها جراب طولاً وسعة وانتفاخاً وكثرت جناياتها فطلبت حاوياً يصيدها فجاءنا رجل وبخر بدخنة فخرجت عليه، فلمّا رآها هاله أمرها فنهشته فتلف في الحال فانتشر خبرها وامتنع الحاوون عنها وتركت البستان والدار حتى جاءني رجل يوماً وقال: بلغني أمر الحية التي عندكم جئت لتدلني عليها، قلت: إنها عن قريب قتلت حاوياً ما أحب تعرضك لها، فقال: إنّه كان أخي وجئت لأخذ بثأره فأريته البستان فأخرج دهناً فطلى به جميع بدنه وجلست أنا فوق السطح أنظر فأخرج دخانة وبخر بها فما كان بأسرع من أن ظهرت كأنها دب فحين قربت من الحاوي دهمها فهربت منه فتبعها ولحقها فقبضها فالتفت عليه وعضت يده وفلتت فحملنا الرجل فمات في ليلته وأنا على هذا مدة فإذا في بعض الأيام جاءني رجل وسألني ما سألني السائل قبله وكان شبيهاً بصورته فمنعته، قال الرجلان: كانا أخوي ولا بد إما الأخذ بثأرهما أو اللحوق بهما فعينت له البستان وصعدت السطح فأخرج الدهن وطلى به بدنه حتى صار الدهن يتقاطر منه ثم بخر فخرجت الأفعى فطلبها الحواء فأخذت تحاربه فتمكنت يد الحواء من قفاها فانقلبت عليه وعضت على إبهامه فبادر الحواء وخزم فاها وجعلها في سلة وأخرج سكيناً كان معه وقطع إبهام نفسه وأغلى زيتاً وكواها به فحملناه إلى الضيعة فرأى ليمونة بيد الصبي يلعب بها، فقال: أهذا موجود عندكم؟ قلت: نعم، فقال: أغثني بما تقدر عليه منه فإن هذا في بلدنا يقوم مقام الترياق، قلت: أين هو بلدكم؟ قال: عمان، فأتيته بشيء من الليمون فأخذ يقضمه ويسرع في أكله وعصر مائه وطلی به موضع اللسعة حتى جاوز وقت موت إخوته وأصبح من غد سالماً، وقال: ما خلصني الله إلا بالليمون، وأظن أن أخوي لو وقع لهما لما تلفا ثم أخرج الأفعى وقطع رأسها وذنبها وأغلاها في طنجير وأخرج دهنها وجعلها في قارورة وانصرف، والله الموفق للصواب.

مشمش: شجرة عجيبة، شحم ثمرتها ولبها مأكولان طيبان بخلاف غيرها من الثمار فإن المأكول إمّا شحمها أو لبها. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنّ نبياً من الأنبياء بعثه الله تعالى إلى قومه وكان لهم عيد يجتمعون فيه في كل سنة، فأتى النبي ذلك اليوم ودعاهم إلى الله تعالى فقالوا له: ادع الله تعالى أن يخرج لنا من هذا الخشب اليابس ثمرة على لون ثيابنا، وكانت ثيابهم صفراء، فدعا النبي صلي الله عليه وسلم فاخضر وأورق وأتى بالمشمش في ساعته، فمن أكل منه على عزم أن يؤمن خرج نواه حلواً ومن أكل على عزم أن يكفر ولا يؤمن خرج نواه مرا". ورقها يزيل الضرس إذا مضغ والضرس كلال الأسنان من أكل الحامض والرطب من المشمش يولد الحميات بسرعة عفونته ومقدده إذا نقع بالماء يزيل الحميات، وحكي أن طبيباً مر برجل يغرس شجرة المشمش فقال له: ماذا تصنع؟ فقال: أعمل لي ولك يعني أنتفع أنا بغلته وأنت بعلته يأكلها الناس فيمرضون ويحتاجون إلى الطبيب. دهن نواه ينفع من البواسير، ودهن لبه المر له خاصية دهن اللوز المر فقد مر فلا نعيده.

موز: شجرة تنبت بالجروف وأكثر ما يوجد في الجزائر، أوراقها طويلة عريضة تكون ثلاثة أذرع في ذراعين ليست منخرطة كنبات السفعة لكنها تشبه المربعة ويكون ارتفاعها قامة باسطة ولا تزال تنبت فراخها حولها فإذا أدرك موزها تقطع الأم ويؤخذ قنوها وتطلع فراخها التي كانت قد لحقت بها فتصير أماً، ولا تثمر كل أم إلا مرة واحدة، ثمرتها تشبه بالعنب إلا أنها حلوة دسمة. قال ابن سينا: إنّه يدر البول ويزيد في الباه، والإكثار منه يولد السدد.

نارنج: قال صاحب كتاب "الفلاحة": لو زرع النرجس تحت شجرة النارنج تبدلت حموضته بالحلاوة، ورقها إذا مضغ طيب النكهة ويقطع رائحة الثوم والبصل، نورها طيب الرائحة بخلاف نور الأترج، ينفع الدماغ ويقوي القلب، ثمرتها شبيهة بثمرة الأترج في الخواص، وقد مر فلا نعيده. حبها يطيب النكهة ويجفف ويدخن به لدفع النمل.

نارجيل: هو الجوز الهندي، زعم أهل الحجاز أن شجرة النارجيل هي المقل لكنها أثمرت نارجيلاً لطباع التربة والأهوية على ثمرتها ليف يتخذ منه الحبال، يستعمل في سفن البحر ولا يتعفن ويصير على ماء البحر طويلاً، لبنها كالزبد كثير الحلاوة إذا كان رطباً، وإن كان يبساً عتيقاً ينقي البدن من حب القرع. وأكله يزيد في مادة المني سيما مع السكر ويزيد في الباه أيضاً، ودهنه نافع للبواسير سيما إذا كان عتيقاً.

نبق: قال صاحب كتاب "الفلاحة": إذا نقعت نواة النبق في عصارة الورد أياماً ثم زرعته شممت منها رائحة الورد من ثمرتها وورقها، وإذا نقعت في عسل ولبن ثم تجفف وتزرع فإنّ ثمرتها تحلو وتطيب، ورقها هو السدر الذي يغسل به الرأس يقوي الشعر ويمنع انتشاره ويطوله، ثمرها قد يكون حلواً وقد يكون حامضاً، واليابس منه يمنع النزف والإسهال الكائن من ضعف المعدة إذا قلي ودق مع نواه.

نخل: شجرة مباركة لا توجد إلا ببلاد الإسلام قال صلي الله عليه وسلم: "أكرموا عماتكم النخل"، وإنّما سمّاها عماتنا لأنّها خلقت من فضلة طينة آدم عليه الصلاة والسلام وأنّها تشبه الإنسان من حيث استقامة قدها وطولها وامتياز ذكرها عن أنثاها واختصاصها باللقاح، ولو قطع رأسها هلكت، ولطلعها رائحة المني، ولها غلاف كالمشيمة التي يكون الولد فيها، والجمار الذي على رأسها لو أصابه آفة. هلكت النخلة كهيئة مخ الإنسان إذا أصابه آفة. ولو قطع منها غصن لا يرجع بدله كعضو الإنسان، وعليها ليف كشعر يكون على الإنسان. قال صاحب "الفلاحة": إذا لم يثمر شيء من النخل يأخذ رجل فأساً ويقرب منه ويقول لغيره: إنّي أريد قطع هذه الشجرة لأنها لا تثمر فيقول الآخر لا تفعل فإنّها تثمر في هذه السنة، فيقول الرجل: إنّها لا تفعل شيئاً ويضربها ضربتين أو ثلاثة فيمسكه الآخر بيده ويقول: لا تفعل فإنّها شجرة حسنة واصبر عليها هذه السنة فإن لم تثمر فاصنع بها ما شئت، قال: فإذا فعل ذلك فإنّ الشجرة تثمر ثمراً كثيراً، وكذلك غير النخل من الأشجار إذا فعل به هذا يثمر، وقال أيضاً: إذا قاربت بين ذكران النخل وإناثها فإنّها يكثر حملها لأنها تستأنس بالمجاورة، وإذا قطع ألفها من الذكران فلا تحمل شيئاً لفراقها، وإذا غرست الذكران وسط الإناث فهبت الريح فخالط الإناث رائحة طلع الذكران حملت من تلك الرائحة كل أنثى حوله، وإن اتخذت لها منطقة من الأسرب يكثر ثمرتها ولا يسقط منها شيء، وكذلك لو اتخذت لها أوتاداً من خشب البلوط ودققتها في الأرض حول خشبها إن أحرق لا يكون له فحم، وإذا وضع السقف على جذعه ينكسر فإن فلقته نصفين وجعلت ظهر أحدهما إلى الآخر يبقى زماناً طويلاً. خواصها إذا مضغ بعد أكل الثوم يقطع رائحته، وثمرتها حكى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "العجوة من الجنة وهي شفاء من السم"، والبسر قال ابن سينا: إنّه والبلح جيدان للعمور، والبسر مصدع وكثيراً ما يوقع في النافض والقشعريرة، وأما الرطب فقال الربيع بن خيثم: ليس للنفساء عندي دواء إلا الرطب وكانت الأكاسرة زمان الرطب يرفعون عن سماطهم الحلاوي، وفي زمن الورد يرفعون المشموم، وفي زمن البطيخ يرفعون الأشنان. والرطب يلين الطبع ويزيد في المني ومع الخيار والخس أنفع.

ورد: قال ابن سينا: هي الشجرة المعروفة إذا أردت أن تخرج أوراقها من أكمامها سريعاً فاسقها الماء الحار، وإذا جعلت وقت غرسها في جوف قضبانها شيئاً من الثوم تزداد رائحتها جداً، خشبها تهرب منه الحيات، وإن لسعت حية عند شجرة الورد لا يؤثر سمها شيئاً. زهرها أحسن الأزهار لوناً وشكلاً ورائحة. قال ابن سينا: الورد يصلح رائحة العرق وإذا استعمل في الحمام، ولذلك تستعمله النساء محالقة علاجاً لزفر العرق، وقال قوم: إنّه يقطع الثاليل ويخرج السلا والشوك مسحوقاً ويسكن الصداع رطباً ويضر بالمزكوم والنوم على المفروش منه يقطع الشهوة، والجعل يموت من رائحته، وكذلك كل حيوان يتولد من العفونة عصارته تنفع من الرمد ونزيف الدم، وماء الورد ينفع من الغشي إذا رش على وجه المغشى عليه، و دهنه يدهن به منخر السنور يمرض.

ياسمين: شجرة معروفة، ثمرتها زهرها وهو أصفر وأبيض وأرجواني. قال ابن سينا: رطبه ويابسه يذهب الكلف وكثرة شمه تورث صفرة الوجه ويصدع، لكنه يحلل الصداع البلغمي، وقال غيره: ينفع أصحاب اللقوة والفالج وعرق النسا، ودهنه ينفع عسر البول تمريجاً، والله الموفق للصواب.

القسم الثاني من النبات النجوم

النجم كل نبت ليس له ساق صلب مرتفع مثل الزروع والبقول والرياحين والحشائش البرية فنقول: إنّ الله تعالى أجرى منته كل سنة أنه يحيي الأرض بعد موتها فيجري يابس أنهارها وينشر رفات نباتها فترى الأوراق مخضرة والأنوار والأزهار مصفرة ومحمرة ليستدل بها على إحياء الأموات وإعادة العظام الرفات، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إنّ ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير). ومن الأمور العجيبة القوة التي خلقها الله تعالى في نفس الحب فإنّها إذا وقعت في الأرض جذبت بواسطة تلك القوة الرطوبة من نفس الأرض مما حواليها كما تجذب شعلة النار في السراج تلك الرطوبة، فتعمل فيها القوى الطبيعية بإرادة الله تعالى حتى تبلغ كمالها كما أراد الله تعالى. والنجوم في النبات كالحيوانات الصغار في الحيوان والأشجار الكبار كالحيوانات الكبار فكما أنّ شدة البرد لا تبقي من الحيوانات التي لا عظم لها فكذلك لا تبقي من النبات شيئاً إلا ما له خشب صلب. واعلم أن عقول العقلاء متحيرة في أمر الحشائش وعجائبها وأفهام الأذكياء قاصرة عن ضبط خواصها وفوائدها وكيف لا مع ما يشاهد من اختلاف صور قضبانها واختلاف أشكالها وألوانها وعجيب ستور أوراقها وأزهارها. وكل لون منها ينقسم إلى أقسام كالحمرة مثلاً فإنّها وردي وأرجواني وسوسي وشقائق وأدريوني وإلى غير ذلك اشتراك كلها في الحمرة ثم عجائب روائحها ومخالفة بعضها بعضاً مع اشتراك الكل في الطيب ثم عجائب أشكال حبوبها فإنّه لكل واحدة شكل وورق وعرق وزهر ولون وطعم ورائحة وخاصة بل خاصيات لا يعرفها غير الله، والتي عرفها الإنسان بالنسبة إلى ما لم يعرفه كقطرة من البحر.

ولنذكر شيئاً من خواصها وما ركب الله تعالى فيها من الأدوية مرتبة على حروف المعجم إن شاء الله تعالى.

آذان الفأر: حشيشة صغيرة الورق دقيقة القضبان تبسط على وجه الأرض منها ما له زهر أصفر ومنها ما له زهر اسمانجوني، ومنها ما له زهر لازوردي إذا وضعت على الشوك أو السلا أبرزته وتلصق الجراحات ويسعط بها اللقوة، وتشرب للصرع.

آذريون: زهرة في غاية الحمرة وفي وسطه سواد كأنه نصف بلوطة إذا قطعت عرضاً. قال ابن سينا: ينفع من داء الثعلب مسحوقاً بخل، ورماده ينفع من عرق النسا وينفع من السموم كلها خصوصاً للدماغ. وقال ديسقوريدس: إن احتملت المرأة منه شيئاً ثم يغشاها زوجها حملت، وإن احتملتها وهي حامل أسقطت؛ وقال غيره: إذا دخلت الحبلى بيتاً فيه آذريون أسقطت.

إذخر: نبت طيب الرائحة ينفع من الحكة ويقوي المعدة ويدر البول والحيض ويفتت الحصى وينفع من وجع الأسنان إذا كان من برد.

أرز: ذكروا أنّ المداومة على أكله تزيد في نضارة الوجه ويخصب البدن، وآكله يرى أحلاماً طيبة، قشره يعد من السموم. قال ابن سينا: من سقي منه اعتراه في الوقت وجع في الفم واللسان فإنّه من السموم، والله أعلم.

اسفاناج: ينفع من السعال وخشونة الصدر وأوجاع الظهر من الحرارة وكثرة الدم لكنه يسيء الهضم بزره ينفع من الحمى وأوجاع القلب والقدر المأخوذ منه درهم، والله الموفق.

اسقيل: وهو بصل الفار. قال ابن سينا: إنّه يقطع الثآليل طلاء وينفع من الصرع والماليخوليا وعرق النساء والفالج ويشد اللثة ويثبت الأسنان المتحركة ويزيل البخر، وإن علق على صاحب الطحال إحدى وأربعين يوماً صلح طحاله، وينفع الاستسقاء واليرقان وخله يحسن اللون.

اشترغار: شوك معروف تأكل الإبل منه أكلاً ذريعاً فينفع من حمى الربع، وخله جيد للمعدة يفتق الشهوة ويعين على الهضم ولكنه يورث الغثيان ويضر بالدماغ ضرراً بيناً.

اشنان: هو الحرض الذي يغسل به وهو أنواع ألطفها الأبيض الذي يسمى حرض العصافير ثم الأخضر وكلاهما جلاء منق درهم منه يدر البول والحيض وثلاثة دراهم تسقط الأجنة وعشرة دراهم قتالة ودخان الأخضر ينفر منه الهوام كلها، كل ذلك عن ابن سينا.

افستین: حشيشة يشبه ورقها ورق الصعتر. قال ابن سينا: إنّه يمنع الثياب من السوس والمداد من التغير والكاغد من الأرضة ويحسن اللون وينفع من داء الثعلب وداء الحية، وينفع من الآثار البنفسجية ويزيلها عن الجلد وينفع من فساد الهواء.

اقحوان: قضبان دقيقة عليها زهر أبيض وقد يكون أحمر، ينفع من النواصير، وإذا أديم شمه أحدث السبات وهو ودهنه يفتح البواسير وغير البواسير وينفع من القولنج ووجع المثانة.

اكشوت: حشيشة تلتف على الشجر والشوك لا ورق له مر الطعم جداً، فربما تلتف على الشجرة الكرمة فتجعل عناقيدها مرة، لها نور صغار أبيض، إذا شرب بالخل سكن الفواق، وماؤه عجيب لليرقان ويدر البول والحيض وينفع من الحميات العتيقة والمغص.

بابونج: شجرة معروفة منها أصفر الزهر ومنها أبيضه. قال ابن سينا: إنّها نافعة من الصداع البارد وتدر الطمث شرباً وجلوساً في مائها وتخرج الجنين والمشيمة وتنفع من القولنج الزبلي، نعوذ بالله منه، كل ذلك عن ابن سينا.

بادرنجوبه: يقال لها بالفارسية بادرنكبو. قال ابن سينا: إنّه يقتل العقرب ويطيب النكهة ويزيل البخر وينفع من الجرب السوداوي ويفرح القلب ويذهب الخفقان وينفع من الفواق، وقال غيره يصفي الذهن وينفع من العلل البلغمية والسوداوية.

بادروج: هو الحوك قيل إن استنشاقه يحدث عطاساً كثيراً، والإكثار من أكله يورث ظلمة العين ويولد الدود في البطن، زعموا أنه إذا مضغ وجعل في الشمس يتولد فيه الدود. وقال ابن سينا: عصارته تنفع الرعاف سيما بخل خمر وكافور، ويحدث ظلمة العين أكلاً ويقوي البصر جلاء، وبزره ينفع من عسر البول ويوضع على لسع الزنابير والعقارب يبرئه.

باذنجان: أكله يورث أخلاطاً رديئة وخيالات فاسدة، قال معمر بن المثنى: قطعت في ثلاثة مجالس ولم أجد لذلك سبباً إلا أنّي أكثرت من أكل الباذنجان في أحدها ومن الباقلا في الثاني ومن الزيتون في الثالث قال الحكماء: يشق الباذنجان ويجفف في الظل ثم يسحق بشحم البقر ويطلى به ثدي البنات قبل أن يكعب فإنّه لا يتدلى ويبقى على الصدر؛ وقال ابن سينا: يولد السدد والسوداء ويفسد اللون ويسود البشرة ويصفر الوجه ويولد الجذام والسراطانات والصداع والسداد والبواسير، وإن أردت أن يبقى زماناً طويلاً فاغمسه بالشحم المذاب فإنّه يبقى زماناً.

باقلا: قال صاحب "الفلاحة": إذا نقعت الباقلا قبل أن تغرسه في ماء نطرون رومي أسرع نباته قبل جميع أنواعه، ورقه إن أكل عاد صحيحاً، إذا تم القمر بدا زهره النظر إليه يورث الهم والحزن، وإذا سحق في هاون رصاص ووضع في الشمس صار خضاباً جيداً شربه يورث ظلمة العين والأحلام الفاسدة. قال الجاحظ: الإكثار من الباقلا يفسد العقل ويقطع رائحة الثوم، وإذا قطع نصفين ووضع على نزف الدم قطعه، وإذا اعتلفت الدجاجة منه انقطع بيضها، والباقلا بقشرها تجلو البهق والكلف والنمش طلاء وتحسن اللون، قشره يضمد به عانة الصبي يمنع نبات الشعر عليه، والله أعلم.

برشاوشان: حشيشة منبتها حياض الماء والشطوط والأنهار، لها قضبان حمر تميل إلى السواد بلا ساق ولا زهر، ورقها يشبه ورق الكرفس. زعموا أن افراسياب ملك الترك لما قتل سياوش ملك الفرس ظلماً نبتت هذه الحشيشة من دمه، ورقها قال ابن سينا: ينفع من البواسير ويفتت الحصى ويدر البول والطمث ويخرج المشيمة.

برنجاسف: نبات له ورق صغار دقاق بيض وصفر يشبه الافسنتين يظهر في الصيف، ينفع من الصداع البارد ضماداً ومصلوقه ينفع من الزكام ويسقط المشيمة والجنين وينفع من السدد والدوار، وإذا نثر على القروح جففها ويفتت حصى الكلى.

بصل: قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت زرع البصل فقشر بزره لتكون ثمرته حسنة وكلّما كان نزوله في الأرض أكثر كان أقوى وليترصد لوقت زرعه غروب الثريا ليكون طعمه طيباً، وكذلك عند حصاده. قالوا: الاكتحال بماء البصل مع العسل مما يحد البصر ويزيل ضعفها؛ وزعم الجاحظ أنّ الإكثار منه يفسد العقل. وعن معاوية أنه وفد إليه وفد فقرب إليهم الطعام ثم دعا بالبصل وقال: كلوا من هذا فإن كل من جاء أرضنا وأكل منه لم يضره ماؤها. وأما دفعه لغائلة السموم فأمر لا يشك فيه. ومن العجائب أنّ من أراد تقشير البصل وتقطيعه يغرز سكينة في بصلة ويتركها على رأس السكين ثم يقطعها ويقشرها فإنّه لا يتأذى من رائحتها قال ابن سينا: البصل يحمر اللون بجذبه الدم إلى خارج، وله خاصية في دفع ضرر المياه وتهييج الباه وينفع من عضة الكلب الكلب إذا طلي عليها، وأكله يدفع ضرر الريح السموم، وعصارته تنفع الماء النازل من العين ويجلو البصر، وبزره يكتحل به لبياض العين ويذهب البهق ويدلك به لداء الثعلب فينفع، وهو بالملح يقلع الثآليل.

بطيخ: قال صاحب "الفلاحة": ينقع بزر البطيخ في العسل واللبن ثم يزرع فتكون ثمرته في غاية الحلاوة، ورائحة البطيخ يحدثها قوى الأدوية، وإذا كان البطيخ في بيت لا يختمر فيه العجين أصلاً، وإذا اجتازت الحائض بالمبطخة تغير جميع بطيخها، وإذا أصاب بزر البطيخ والقثاء رائحة الدهن يصير مراً، وذلك بأن يجعل البزر في ظرف كان فيه دهن أو شده في خرقة أصابها دهن، وإذا وضعت بزر البطيخ في وسط الورد ثم زرعته تشم من بطيخه رائحة الورد، وإن وضعت رأس حمار في وسط مبطخة دفع عنها كثيراً من الآفات وأسرع نباتها وحملها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ البطيخ كان أحب الثمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفكهوا بالبطيخ وعضوا منه فإن ماءه رحمة وحلاوته من حلاوة الجنة من أكل لقمة من البطيخ كتب الله له ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجه فإنّه أخرج من الجنة". وعن وهب بن منبه في بعض الكتب أنّ البطيخ طعام وشراب وفاكهة وخلال وأشنان وريحان ينقي المعدة ويشهي الطعام ويصفي اللون ويزيد في ماء الصلب. وقال ابن سينا: البطيخ ينقي الجلد وبزره ينفع من البهق والكلف والحزاز، قشره يلصق بالجبهة يمنع النوازل إلى العين، أكل لحمه ينفع من حصا الكلى والمثانة.

بنفسج: ينبت في مواضع ظليلة حسنة، زهره إذا شرب بالماء نفع من الخناق وأم الصبيان. قال ابن سينا: يسكن الصداع الدموي شماً وطلاء، وينفع الرمد الحار، وقال غيره: شم البنفسج مضر بالزكام، ودهنه نعم الطلاء للجرب اليابس.

بودانش: قال ابن سينا: إنّه حشيشة تنبت مع البيش، وأي بيش جاورها لم تنم شجرته، وهو أعظم ترياق للبيش، وله جميع منافع البيش من دفع البرص والجذام وهو ترياق لكل سم سيما سيما سم الأفاعي.

بهار: هو الذي يقال له عين البقر، ورده أصفر وورقه أحمر الوسط، شمه ينفع الدماغ ويحلل الرياح الغليظة التي في الرأس، والله الموفق.

بیش نبات ينبت بأرض الهند نصف درهم منه سم قاتل وعلامته أنه يعرض لمن سقي منه جحوظ العين وورم الشفتين واللسان والدوار والغشي. ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بملوك تعاديهم ربوا جارية بالبيش من طفوليتها وذلك بأن يفرش البيش تحت مهدها مدة ثم تحت فراشها مدة ثم تحت ثيابها مدة، وهكذا على التدريج إلى أن تأكل الجارية منها ولم يضرها فحينئذ تمت التربية ثم يبعثوها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به فإنّه إذا واقعها مات، والسماني يعلف منها ولا يضرها شيئاً، وكذلك فأرة البيش وهو حيوان يسكن في أصله ويأكل منه. قال ابن سينا: إنّه يذهب البرص طلاء وشرباً وينفع من الجذام وهو سم قاتل يقتل نصف درهم منه وترياقه فأرة البيش.

ترمس: هو الباقلا المصري. قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت أن يزكو الترمس فازرعه عند استواء الليل والنهار ولا يتربص به المطر، وإذا نبت خل فيه البقر قبل أن يتورد فإنّ البقر ترعى ما فيه من غريب ولا ترعى الترمس حينئذ لمرارته فإنّه يزكو جداً، ومن خاصية الترمس أنك إذا زرعته في أرض لا ينبت بها النبات ثلاث مرات. قال ابن سينا: يرقق الشعر ويجلو الكلف والبهق والآثار الكريهة، ويجلو الوجه سيما إذا طبخ بماء المطر حتى يتهرى، وإذا رششت البيت بطبيخ الترمس هرب منه الذباب.

ثوم: قال صاحب "الفلاحة": إذا زرعت الثوم في الأيام التي يكون القمر بها تحت الأرض لم توجد له رائحة وليترصد غروب الثريا لوقت الزرع، ورقه يمضغ ويجعل على العين الرمدة يكون أنفع لها من كل ذرور، وإن مضغ مع العسل وطلي به الوجه ذهب شقاقه وكلفه، ومن أكله على الريق لا يضره سم ولا لدغ. وقال ابن سينا: إنّه ينفع من تغير المياه ويشرب بطبيخ الفوتنج فيقتل القمل والصيبان، ورماده إذا طلي بالعسل على البهق وكهبة العضو نفع ومشويه يسكن أوجاع الأسنان ويصفي الحلق مطبوخاً وينفع من السعال المزمن وهو نافع من لسع الهوام والحيات إذا شرب بالشراب؛ وقال ابن سينا: وقد جربنا ذلك في عضة الكلب الكلب، ومن خواصه دفع الحكاك عن المقعدة إذا أخذ منه شيئاً واحتمله، وإذا أردت أن تعرف أن المرأة بكر أم ثيب فاخلط الثوم المدقوق مع العسل وأمرها أن تتحمل به واصبر عليها ساعتين، فإن شممت رائحة الثوم من فيها فهي بكر وإلا فهي ثيب.

ومن خواصه إزالة البخر الذي لا يقبل المعالجة إذا داوم على أكله سنة كاملة.

جاورس: هو الدخن. قال صاحب "الفلاحة": الأرض التي يزرع بها الجاورس تفسد ولا ترجع إلى صلاحها إلا بعد مدة طويلة حبه يبقى مدة طويلة لا تصيبه آفة، ولهذا يدخره الناس لخوف القحط. قال ابن سينا: إنّه ضماد جيد لتسكين الأوجاع، وقال غيره: إنّه يمسك الطبع جداً بيبوسته ويسقط الأجنة.

جرجير: هو الانفهات، إذا زرعته وسط البقول نفعها ويزكو نبتها ويدفع عنها الآفات كالدود ونحوه، وعن علي رضي الله عنه قال: من أكل جرجيراً ثم نام بات الجذام يتردد في جوفه، وإن أخذت مدقوقه ودلكت به الكلف أزاله، ومن مضغ منه وطلى به إبطه زال صنانه، ويخلط الجرجير بمرارة البقر ويطلى به يزيل آثار القروح، وبزره بالعسل يحرك الباه ويزيد الانعاظ. ومن عجيب خواصه أنّ الغراب إذا أكل من بزر الجرجير انتثر ريشه.

جزر: أصله يطبخ بالعسل ويؤكل منه كل يوم خمسة دراهم يزيد في الباه زيادة عظيمة ويقوي الكلية، بزره يغلى على النار ويبخر به تحت المرأة فإنّ الجنين يسقط بإذن الله تعالى.

حاج: ضرب من الشوك يقع عليه الترنجبين طلاء، وأكثر ما يوجد بأرض خراسان وما وراء النهر. وفي الأمثال الحاجة في الصدر حاجة، وشوك هذا النبت طويل جداً حاد كالإبر، والإبل تأكل منه أكلاً ذريعاً لا يخدشها شوكه، طله ينفع من السعال ويلين الصدر ويسكن العطش ويزيد الصداع ويطلق البطن.

حاشا: حشيشة لها زهر يميل إلى الحمرة مستدير وأوراق صغار قال ديسقوريدس أكثر ما ينبت على الصخر. قال ابن سينا: إنّه يحلل الثآليل ويخلط بالطعام فيحفظ صحة البصر ويزيل ضعفه.

حرف: هو حب الرشاد، أكله يزيد في الذهن والذكاء ويهيج الباه، عصارته تحفظ الشعر. قال ابن سينا: ينفع من الجرب المتقرح ومن عرق النسا والقوباء شرباً وضماداً، وكذلك نهش الهوام شرباً وضماداً مع العسل، وإذا دخن به طرد الهوام، وإذا داومت على أكله الحبلى سقط جنينها.

حرشف: نبات ذو شوك يقال له بالفارسية كنكر. قال ابن سينا: ينفع من داء الثعلب طلاء، وماؤه يقتل القمل إذا غسل به الرأس ويذهب الحدار، وإذا أكل يزيل نتن الإبط لخاصية فيه ويزيد في قوة الباه.

حرمل: نبت معروف له رائحة كريهة. قال ابن سينا: إنّه صالح لأوجاع المفاصل وفيه قوة مسكرة كإسكار الخمر ينفع من القولنج شرباً وطلاء، وبزر الحرمل ينقع في خل ويرش به البيت لا يدخله الذباب.

حسك: عشب يضرب إلى الصفرة له شوك مدحرج ينفع من قروح اللثة العفنة ويزيد في الباه ويفتت الحصا وينفع من عسر البول والقولنج شراباً وطلاء، وبزره يسقى شراباً للسموم القاتلة ويرش طبيخه فيقتل البراغيث، وإن رش بطبيخه جحر الحيات هربت، وكذلك إن دس شوكه فيها.

حلبة: قال صاحب "الفلاحة": إذا خلطت بزرها بالبذر ثم زرعته يسلم من الدود. قال ابن سینا: دهنها مع الاس ينفع الشعر والآثار المتقرحة وهو من أدوية دهنها الكلف ويحسن الوجه ويغير النكهة إلا أنّه ينتن رائحة البول والبدن والعرق.

حمص: قال ابن سينا: أكله يحسن اللون وكذلك الطلاء به ويجلو النمش. وزعموا أن أكله نيئاً يورث البخر، ودهنه ينفع من القوباء ونقيعه ينفع من وجع الضرس ويصفي الصوت، وطبيخه يخرج الجنين ويزيد في الباه وينعظ بقوة إذا شرب على الريق.

حندقوق: من خواصه أنّه ينفع من نهش الحيات طلاء، وعصارته تنفع من ظلمة البصر شرباً واكتحالاً. قال ابن سينا: إنّه ينفع من الصرع ووجع الحلق والخوانيق، وورقه وبزره يهيجان الباه. قال ابن سينا: فيما يقال إن صاحب حمى الغب يسقى من ورقه ثلاث ورقات أو من بزره ثلاث حبات فيشوش على الحمى أدوارها، وللحمى الربع أربعاً من أيهما شئت، وقال غيره: بزر الحندقوق يورث الجرب لكنه ينفع من لسع الهوام.

حنظل: نبت معروف تحب الظباء أكله، والسباع تهرب من شجر الحنظل، والشجرة التي ليس عليها إلا حبة واحدة من الحنظل فإنّها رديئة جداً، ورقها الطري يقطع نزف الدم وينفع من الماليخوليا والصرع، ثمرتها إذا نقعتها في الماء ورششت به البيت ماتت براغيثه. قال القاضي أبو علي التنوخي عن بعض بني عقيل أنه قال: كانت عندنا جارية زمنة، ومن عادتنا أنا نقور الحنظل ونجعل فيه شيئاً من اللبن ونرد رأسها إلى مكانها وندفنه في الرماد الحار حتى يغلي، فإذا غلت حسا ذلك من أراد الإسهال، قال: فاتخذنا ثلاث حناظل لثلاثة أنفس، فالجارية الزمنة حست جميع الثلاث فحصل لها إسهال شديد حتى أيسنا من حياتها، فلمّا كان الليل انقطع اسهالها وقامت ومشت برجليها وعاشت بعد ذلك سنين. والحنظل يدلك به الجذام وداء الفيل وعرق النسا والنقرس، وأصله نافع لنهش الأفاعي وهو أنفع الأدوية للدغ العقرب سقياً وطلاء، وسقي واحد لدغته العقرب في أربع مواضع فبرىء في الحال.

حنطة: قال كعب الأحبار رضي الله تعالى عنه: لمّا أهبط آدم عليه السلام أتاه ميكائيل عليه السلام بشيء من حب الحنطة وقال: هذا رزقك ورزق أولادك قم فاحرث الأرض وابذر البذر، وقال: لم يزل الحب من عهد آدم إلى زمن إدريس عليهما السلام كبيض النعامة، فلمّا كفر الناس نقص إلى قدر بيض الدجاجة ثم إلى قدر بيض الحمامة ثم إلى قدر البندقة، وكان في زمن العزيز على قدر الحمصة. قال صاحب "الفلاحة": الحبة التي تقع على قرن الثور عند بث البذر لا تنبت أصلاً. حبها ينقي الوجه، وكذلك النشار مدقوقها ينفع من عضة الكلب الكلب ضماداً ويوضع على حديدة محماة حتى يظهر منها رطوبة ويطلى بتلك الرطوبة القوباء يزيلها، خميرها يخلط بالملح ويضمد به الدماميل ينضجها، خبزها يبل بماء وملح ويضمد به القوباء ينفعها.

خبازی: حشيشة معروفة ينضم ورقها بالليل وينفتح بالنهار، ورقها إذا طلي به الجرب والحكة والقمل أزالها ويسكن لسع الزنابير ضماداً خصوصاً مع الزيت، وإذا مضغ مع الملح وجعل على النواصير نفعها، بزرها يشربه المسموم ويتقاياً مرة بعد أخرى يدفع عنه غائلة السم وينفع من نهش الرتيلا.

خربق: نبت ورقه كورق الدلب وساقه قصير وشكله كشكل العناقيد. قال صاحب "الفلاحة": إذا غرست في البستان قضبان الخربق مات ما فيها من البراغيث، وإذا زرعتها مع أي بذر كان لا يقربها الطير، وإن دخنت البيت هربت الهوام منه ولا يبقى فيه بق ولا برغوث ولا ذباب ونحوها، وإن جعلته في العجين وتركته للفأرة إذا أكلته ماتت، وإن دققته مع الكبريت ونثرته في جحر النمل هربت، وإذا طليت اللحم بالخربق ووضعته للسباع اصطيدت بالسهولة وهو سم قاتل للإنسان والسباع. قال ابن سينا: إذا نبت الخربق عند أصل كرمة صار شرابها مسهلاً، ويطلى على البهق والثآليل يزيلهما، واستفراغه ينفع من البرص، وإذا طبخ بالخل وقطر في الأذن نفع الدوي ويقوي قوة السمع، وإذا تمضمض به سكن وجع السن.

خردل: بزره يلقى في عصير العنب يمنعه أن يغلي ويبقى على حاله. قال محمد بن زكريا الرازي: إن جعلت الخردل في كوى الحيات قتلها. قال ابن سينا: يقتل دخانه الهوام وينقي الوجه ويزيل النكهة وأثر الدم الميت، والبري منه ينفع من حمي الربع ومن داء الثعلب والقوباء ضماداً، وكذلك من وجع المفاصل وعرق النسا، عصارته قطوراً لوجع الأذن، وإن شرب على الريق ذكي الفهم وشهي الباه.

خس: قال صاحب "الفلاحة": إذا تركت بزره في وسط النانخواه ثم زرعته يسلم من جميع الآفات، وإذا أخذت بعر الجمل ونقبتها وتركت فيها بزر الخس والجرجير وحب الرشاد وتحفر لها وتسترها بالتراب وتسقيها ينبت عليها هذه الأنواع الثلاثة على ساق، وإذا قطعت أوراقه السفلانية يطيب طعم الفوقانيات، والخس يجلب النوم ويدفع العطش ويقطع شهوة الباه ولذلك يأكله الخصيان الأقوياء على النساء، وتأكله النساء التي غاب عنهن أزواجهن بالخل ليقطع عنهن شهوة الوقاع، والإدمان على أكله يورث ظلمة البصر لكنه يكثر اللبن ويمنع من السكر، بزره إن استف منه منع من كثرة الاحتلام وهملان المني.

خشخاش: يورث النعاس كالخس وهو أبيض وأسود وأحمر، فأما الأبيض فنافع للسعال جداً من نوازل الصدر ومع العسل يزيد في المني، وأما الأسود فمنوم جداً وصاحب السهر إذا ضمد به جبهته انتفع به عصارة المصري تسمى أفيوناً وهو مخدر مسكن كل وجع شرباً وطلاء، الشربة منه مقدار عدسة وإذا طلي به الرأس سكن وجعه لكنه يبطل الفهم والذهن، وإن طلي به النقرس سكن وجعه.

خصى الثعلب: حشيشة حلوة الطعم تسمى ثمرتها خصي الثعلب وهو ينفع من التشنج والفالج ويعين على الباه ويفعل فعل السقنقور إذا استعمل مع الشراب.

خصى الكلب: حشيشة مثل خصى الكلب ثمرتها زوجان أحدهما تحت والآخر فوق وأحدهما رخو والآخر ممتلىء يحلل الأورام البلغمية وينقي القروح وينفع البواسير، والرطب منها يزيد في الباه، واليابس يقطعه. وحكى ابن سينا أنه شاهد ذلك بأرض شروان فأخبره بعض سكان تلك البلاد بأن الذابل هو الذي يزيد والرطب قاطع، فقال: أظن أنّ الأمر بالعكس، والله تعالى أعلم.

خطمي: هو النبت المشهور له نور أحمر وقد يكون أبيض، قال ابن سينا: يطلى على البهق بالخل ويجلس في الشمس ينفع نفعاً بيناً وينفع من الخنازير سيما مع الكبريت، ويطبخ ويشرب من مائه ينفع من عسر البول وعسر الولادة، ورق الخطمي الرومي منه يدق مع الكراث والشحم ويوضع على لدغ العقرب والحية ينفع جداً، وينفع منه مثقال من القولنج شرباً، وإذا غسل به الشعر نفعه ونعمه، يضمد به الجرب ينفع نفعاً بيناً.

خيار: قال صاحب "الفلاحة": إن أردت استعجال باكورته فاعمد إلى فخارة في ذي ماء وازرع فيها بزر الخيار، وكلما سخنت الشمس أطلعها إليها، وكذلك للمطر أيضاً، وإذا غابت الشمس ردها إلى أكناف البيوت وتعاهد سقيها نضجاً ورشاً فإذا انسلخ الشتاء فانقل ما في الفخارة إلى الأرض فإذا نبتت فاقطع شيئاً من أعلى ورقها فإنه يسرع بثمرته على جميع أصنافه بأيام يسيرة، وإذا أردت أن لا يضره الدود فاخلط بزره، إذا زرعته شيئاً من النانخواه ثمرته تنفع من الحميات المحرقة ويدر البول ويعطش في الحال لاستحالته إلى الصفراء، بزره يدق ويطلى به الوجه يحسن اللون.

خيري: ويسمى المنثور أيضاً. قال صاحب الفلاحة: إذا أخذت من الأحمر والأصفر والأبيض من كل واحد قضيباً وضفرتهما مثل الضفيرة ثم غرستها فإذا نبتت تجد في غصن واحد أوراقاً مختلفة الألوان شمه ينفع الدماغ البارد الرطب وتحلل الرياح الغليظة ويدر الحيض ويسقط المشيمة شرباً.

دفلی: بري ونهري، فالبري ورقه كورق الحمقاء بل أدق، وقضبانه طوال منبسط على الأرض ينبت في الخرابات، والنهري على شطوط الأنهار، وينهض قضبانه على الأرض، وشوكه خفي وورقه كورق الخلاف وأعلى ساقه أغلظ من أسفله وفقاحه كالورد الأحمر، وثمرته صلبة محشوة شيئاً كالصوف. قال ابن سينا: ورقه تهرب منه البراغيث وأكله يقتل الناس وسائر الحيوانات. قال بليناس: علم بعض الملوك بعدو قصده في عسكر لا طاقة له فأخذ به من الشعير وطبخه بالدفلى وتركه حتى جف فأخذ الشعير معه وخرج إلى وجه العدو، فلمّا قرب من العدو تنحى عنه وترك الأثقال والميرة والشعير فورد عسكر العدو وأطلقوا دوابهم في الشعير فهلكت كلها فكر عليهم وأسرهم. قال ابن سينا: يرش البيت بطبيخ الدفلى تموت براغيثه وأرضته ونحوهما، وإذا دلكت مسناً بالدفلى وحددت عليه النصل يحتد ولا يكل زماناً، وإن حفرت في وسط البيت حفرة وألقيت فيها شيئاً من الدفلى اجتمعت براغيث البيت فيها ويهرب الفأر والخفاش من الدفلى.

رازيانج: هو النبت المشهور، منه بري ومنه بستاني، رطبه يعقد اللبن ويدر الطمث والبول ويفتح السدد ويمنع من نزول الماء، والبري يفتت الحصى وينفع من الحميات العتيقة ويحلل الرياح ويحد البصر. قال دقراطيس: إنّ الهوام ترعى الرازيانج الطري ليقوى بصرها، والحيات إذا خرجت من تحت الأرض وحكت أعينها عليه استضاءت، فسبحان من ألهمها ذلك

ريباس: نبت جبلي لا ينبت إلا على الصخر، قيل: إنّه من تأثير الرعد، وذكر هذا القول عند كسرى وقد شكوا من قلة الريباس فقال: رشوا الماء واضربوا بالطبل استخفافاً بكلامهم. قال ابن سينا: إنّه ينفع من الطاعون والاكتحال بعصارته يحد البصر وينفع من الحصبة والجدري ويقطع السكر وينفع من الغثيان.

ریحان: يقال له بالفارسية: شاهشفرم، ذكر الفرس أنه لم يكن قبل كسرى

أنوشروان شيء من الريحان وأنه وجد في زمانه وسببه أنه كان ذات جالسا يوم للمظالم إذ أقبلت حية عظيمة تنساب تحت سريره فهموا بقتلها فقال الملك: كفوا عنها فإنّي أظنها مظلومة فمرت تنساب حتى استدارت على فوهة بئر فنزلت فيها ثم أقبلت تتطلع فإذا في قعر البئر حية مقتولة وعلى متنها عقرب أسود فأدلى بعض الأساورة رمحه إلى العقرب ونخسها به وأتى الملك يخبره بحال الحية فلما كان العام القابل أقبلت الحية في اليوم الذي كان كسرى قاعداً فيه للمظالم وجعلت تنساب حتى وقفت ونفضت من فيها بزراً أسود، فأمر الملك أن يزرع فنبتت منه الشاهشفرم، وكان الملك كثير الشكاية من الزكام واجتماع الفضول في الدماغ منه فنفعه جداً. قال ابن سينا: فاستعمال الريحان ينفع من البواسير. بزره يجعل في دم الجمل ويطلى به الإبط فإنّه يدفع الصنان القوي الذي لا علاج له. والريحان ينفع من الدوار والرعاف.

زعفران: هو نبت، نوره الزعفران وأصله يشبه البصل يدق ويعصر يكون عصيره كالحليب وقد يجفف ويتخذ منه الدقيق ويؤكل. قال ابن سينا: بزره ينوم ويحسن اللون ويجلو البصر ويمنع النوازل إليه، ويكتحل به للزرقة العارضة في الأمراض، ويهيج الباه ويدر البول وزعم قوم أنّه إن سقي للطلق المتطاول وضعت من ساعتها، ويقوي القلب ويفرح ويورث الضحك، والزائد على الدرهم سم قاتل ولا يقرب سام أبرص بيتاً فيه زعفران. قال بليناس الحكيم: إذا عسرت الولادة على المرأة أو سقوط المشيمة تأخذ بيدها عشرة دراهم زعفران لا زائداً ولا ناقصاً فتخلص.

سادج: نبت يكون بأرض الهند. قالوا: إنّ الماء إذا جف في المستنقعات أوان الصيف أحرقوا فيها الحطب لينبت السادج فإن لم يفعلوا لا يكون منه شيء له أوراق وقضبان على مثال الشاهشفرم، وله نور ينبت في المياه فيقوم على وجه الماء من غير تعلق بأصل. قال ابن سينا: يجعل في وسط الثياب يحفظها من السوس ويطيب النكهة إذا جعل تحت اللسان، وقال غيره: ينفع من وجع القلب ويذهب نتن الإبط، والله الموفق.

سذاب: هو النبت المشهور، فوائده كثيرة عجيبة. قالوا: إذا ترك في برج الحمام لا يقربه،سنور، وإذا ترك في بيت لا يقربه حية، وأكله يزيد في قوة الباه، وإذا دخن به تحت حبلى أسقطت، ورائحته تنفع المصروع والصداع الشديد في الحال سيما إذا كان رطباً، والاكتحال بعصارته مع لبن النساء يزيل ظلمة العين، وإن نقع في ماء ورش به البيت ماتت براغيثه، والمدقوق منه بالزيت يجعل تحت السن الوجعة يسكن ألمها، قال ابن سينا: يطلى مع النطرون على البهق والثآليل والتوتيا يزيلها ويقطع رائحة الثوم.

سلق: قالوا: يلقى السلق في النبيذ يصيرها خلاً في يوم وليلة. قال صاحب "الفلاحة": إن سمدت أرضها بخثي البقر يقوى أصله ويطيب طعمه. قال ابن سينا: عصارته تقلع الثآليل وتقتل القمل ويغسل به الرأس فيذهب النخالة وانتشار الشعر ويزيل الكلف إذا غسلت الموضع بالنطرون ثم طليت به.

سمسم: قال ابن سينا: ورقه وعصارة شجره يطول الشعر، وبزره يزيل خضرة الضربة والدم الجامد، وهو نافع من الشقاق شرباً وطلاء ومسمن جداً، ونقيعه يدر الحيض، ومقلوه يزيد في قوة الباه ومادة المني.

سنبل: نبت طيب الرائحة جداً له سنبلة صغيرة تطيب النكهة ويجفف اللسان إذا مسك في الفم. ومن خواصه تقوية الدماغ ومنع النوازل وإنبات الشعر في الاشفار إذا جعل في الكحل، وينقي الصدر وينفع من الخفقان ويحبس النزف من الرحم.

سوسن: نبت له ساق وزهر مختلف الألوان من بياض وصفرة واسمانجونية، رائحته تجلب النوم يلطخ به الكلف يزيله، يضمد به الرأس مع الخل يزيل الصداع وهو ينفع من نهش الهوام ويسحق ويخلط بالعسل للبهق والجرب طلاء، وإذا غسل به الوجه جلاه ونقاه قال صاحب "الفلاحة": إذا جعلت السوسن في ظرف جديد واستوثقت رأس الظرف يبقى طرياً غضاً طول السنة دهنه يزيل نتن المنخرين.

سيسنبر: نبت له رائحة طيبة يقال له النمام لأنّ رائحته تدل عليه، ورقه يسكن الصداع إذا ضمد به الجبهة والصدغين وينفع من لسع الزنابير ضماداً. قال ابن سينا: إذا فرشت السيسنبر تهرب منه أكثر الهوام وهو يقتل القمل ضماداً ويزيل الفواق شرباً ويخرج الجنين الميت والديدان وحب القرع شرباً، بزره يسكن الفواق والمغص شرباً ويسهل الولاية.

شبث: نبت مشهور. قال صاحب "الفلاحة": إذا أُثيرت الأرض وسقيت ولم تزرع ومضى على ذلك سنة ينبت فيها الشبث من غير بث، حب أكله يورث ظلمة البصر. قال ابن سينا: إنّه منوم جداً، وإذا سحق وعجن وضمد به البواسير قلعها وأبرأها. قال بليناس إذا مضغت الشبث الأبيض وأخذت النار في فمك لا تضرك، وإذا وضعت الشبث تحت مخدة الإنسان ذهب عنه الفزع والغطيط، بزره يدر اللبن وينفع من الفواق الامتلائي والمغص ويقطع مادة المني ويقلع البواسير.

شبرم: نبت في البساتين، له قضيب دقيق، ورقه كورق الطرخون. قال ابن سينا: هو مضر بالباه ومادة المني ولبنه معين على قلع الأسنان ويولد الحميات ويقتل منه درهمان.

شجر مريم: شوك أصله الغرطنيئا. قال ابن سينا: ينفع من الزكام البارد ونزول الماء في العين، أصله يدفع الفواق ويسقط الأجنة.

شعير: من الحنطة، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن الله تعالى خلق الشعير من الحنطة وذلك أن جبرائيل عليه الصلاة والسلام أتى آدم عليه السلام بحفنة الحنطة وقال: هذا الذي اخترته على جنة رب العالمين هو لك رزق ولولدك، فعمد آدم إلى قبضة منها وعمدت حوّاء إلى قبضة فقال آدم لحواء: لا تزرعي فخالفته فجاء الذي زرعت حواء شعيراً" وخاصية الشعير أن يحفظ الأشياء من التعفن والتغير. قال صاحب "الفلاحة": لو تركت في الشعير عنباً بعناقيده لم يتغير، وأكلت في كل يوم عنباً طرياً كأنه قطف من كرمه. قال ابن سينا: الشعير يستعمل على الكلف طلاء ويطبخ بالخل الثقيف ويضمد به الجرب المتقرح والنقرس.

شقائق النعمان: والعرب يقولون إنّه خد العذارى؛ قيل كان ظهر في الكوفة نبت الشقائق فمر النعمان بن المنذر به وقال: من نزع منه شيئاً انزعوا كتفه فنسب إلى النعمان. وشقائق النعمان يدور مع الشمس ينفتح ورقه بالنهار وينضم بالليل، الاكتحال منه ينقي ظلمة البصر. قال ابن سينا: إنّه مع قشر الجوز خضاب يسود الشعر وهو نافع للجرب والقروح، وإذا طبخ بقضبانه يدر اللبن، ويمزج عرق شقائق النعمان بماء الورد فإذا رششت على الثياب البيض يحمر الثوب وإذا يبس لا يبقى على الثوب منه أثر أصلا.

شلجم: قال صاحب كتاب "الفلاحة": بزر الشلجم وبزر الكرنب إذا أتى عليهما ثلاث سنين ينبت من بزر الشلجم الكرنب وينبت من بزر الكرنب الشلجم، وهذا أمر يعرفه الزارعون، وإن نقعت بزر الشلجم في عصير الزيت أو العسل ينبت حلواً طيب الطعم جداً، والمطبوخ منه يحرك شهوة الوقاع ويضمد به العضو، والخضر إذا كان حاراً ينفعه نفعاً بيناً، بزره يعلق على صاحب الأبنة ينفعه.

شوکران: سم قاتل، ساقه کساق الرازيانج وورقه كورق القثاء وبزره كالأنيسون وله زهر أبيض. قال ابن سينا: يطلى به موضع النتف يمنع نبات الشعر ثانياً ويضمد به ثدي النساء فلا يعظم، وينفع من نزف الدم بتجميده، ويمرج به أعضاء المني فيمنع من الاحتلام.

شونیز: قال محمد بن زكريا الرازي يرش البيت بطبيخ الشونيز يقتل براغيثه ويسحق الشونيز مع الصابون ويطلى به الوجه يزيل كلفه، وإن بخرت به وبالقلقند البيت لم يدخله بق.البتة. قال ابن سينا: إنّه يقطع الثاليل والخيلان والبهق والبرص وينفع من الزكام طلاء، وطبيخه ينفع من وجع الأسنان مضمضة سيما مع خشب الصنوبر، والهوام تهرب من دخانه، وإن سحق بدهن الرشاد منع ابتداء الماء. قالوا: الإكثار منه قاتل.

شیح: نبات أجوف العود ورقه كورق السرو. قال ابن سينا: إنّه يقتل الديدان وحب القرع، ورماده بالزيت نافع من داء الثعلب، دهنه ينبت اللحم المتباطئء ويمنع من برد النافض ومن لدغ العقارب والرتيلا والسموم كلها.

شيلم: هو الزوان، يدق ويعجن ويوضع على موضع دخل فيه شوك أو سلاً يجذبه ويخرجه ويطلى على البهق مع الكبريت ومع بزر الكتان يحلل الأورام والخنازير ومع الحنطة على القروح والقوباء ذروراً، والبخور به يعين على الحبل.

صعتر: إذا مضغ يسكن وجع الأسنان ويقتل الديدان وحب القرع، والبري منه ينفع من لسع الحيات. ذكر أنّ القنفذ وابن عرس إذا تناهشا الأفاعي والحيات تعالجا بأكل الصعتر البري، وإنّما كتب بالصاد لئلا يشتبه بالشعير.

طرخون: هو النبت المعروف، إذا مضغ مضغ أزال لا الذوق حتى لا يحس الإنسان بعد مضغها بمرارة الأدوية المرة. قال ابن سينا: إنّه يحدث وجع الحلق ويقطع شهوة الباه. وأصل الطرخون الجبلي هو العاقر قرحا وهو نافع من وجع السن، وإذا طبخ بالخل وأمسك في الفم يشد الأسنان المتحركة ويدلك البذر به قبل نوبة النافض ينفعه، وإذا مضغ وجعل على موضع اللسعة ينفعها نفعاً بيناً. عبيران قال ابن سينا: إنّه نافع من الزكام الحادث من البرودة، وماؤه يحد البصر.

عدس: إذا خلطت العدس بأي بزر كان وافقه، فإذا أردت أن يتعجل فاجعله في اخثاء البقر ثم ازرعه. وزعم أن أكله يزداد ارتياحاً وجذلاً إلا أن الإكثار منه يورث الجذام وظلمة البصر. قال ابن سينا: إنّه مع السويق ضماداً جيد للنقرس، أكله يري أحلاماً رديئة.

عظلم: حشيشة يوجد من عصارتها النيل، يجلو الكلف والبهق وينفع من داء الثعلب والجراحات البردية والقروح العفنة ويخرج الشوك، ومع السكر ينفع من سعال الصبيان، وكذلك عصارته.

عنب الثعلب: هو أنواع منه أخضر الورق وأصفر الثمرة وهو مستعمل، ومنه نوع يخدر كالأفيون ومنه قاتل، عصارته جميعها تقوي البصر اكتحالاً، ومن المخدر اثنا عشر حبة يورث الجنون، ومن القاتل أربعة دراهم تفعل ذلك.

فجل: قال صاحب "الفلاحة": إذا نقعت بزر الفجل في العسل وزرعته يأتي فجله حلواً طيباً، أكله يورث جشاء منتناً. قال أبو الفرج: سببه أن الفجل يلتمس الفضلات البردية فإذا ورد الفجل قطعها بأثرها فيكون النتن من الفضلات لا من الفجل كما ترى في الحمأة فإنّها إذا لم تزعج فلا رائحة لها، فإذا أثيرت يظهر منها رائحة منتنة أكل الفجل بعد الثوم يقطع رائحة الثوم، والمداومة على أكله تنقي المعدة، وإن أكلته النفساء زاد في لبنها، وإن أكله الرجال زاد في قوة فهمهم لكنه يفسد الصوت، وإن وضع شرخة منه على عقرب ماتت، وإن لدغت العقرب من أكل فجلاً لم تضره، وهو ينبت الشعر في داء الثعلب وداء الحية، وأكله يكثر القمل في البدن ويضر بالرأس والأسنان والعين، والضماد به مع العسل يقطع الآثار الكمدة من الوجع وغيره، وإذا ألقيته في الشراب يفسده، عصارته يطلى بها الكلف يزيله، وإذا طليت سلة الحواء بالنوشادر وعصير الفجل ماتت حياتها، وإن شربها صاحب اليرقان خمسة أيام زالت صفرته، وإن اكتحل به يحد البصر وينفع من بياض العين، قشره يكتحل به مجففاً مسحوقاً يحد البصر ويهرب منه العقرب، وإن طلي به الوجه أزال كلفه، بزره يهيج الباه أكلاً وينفع من السموم، ورقه قال ابن سينا: وماسويه يحد البصر ويزيد في اللبن.

عرفج: ويقال له البقلة الحمقاء لأنها تنبت في ممر المياه. قال: ومن ترك العرفج في فراشه ونام عليه لم ير شيئاً من الأحلام أصلاً ولا يوضع على شيء من القروح إلا نفعه، وينفع من الباه نفعاً بيناً. قال ابن سينا: تحك به الثآليل يقلعها، ورقها ينفع من أصابه ضرس من أكل الحموضة، بزرها إن شرب الإنسان منه مدافاً بالخل يصبر على العطش طويلاً، والمسافرون يستصحبونها في أسفارهم عند توقع فقد الماء، والإكثار منه يقطع شهوة الوقاع، والله أعلم.

فنحكسب: نبات لعظمه كاد أن يكون شجراً ينبت بقرب الماء، ورقه كورق الزيتون وله زهر. قال ابن سينا: إنّه ينقي اللون، وإذا ضمد به يزيل الإعياء والصداع ويكثر اللبن ويقلل مادة المني ويدخن به عند شدة الشهوة للنساء وينفع من لسع الحيات شرباً ومن عض السباع ضماداً، ويدخن به لطرد الهوام ويجعل منه شيء في الفراش يمنع الاحتلام.

قونج: نبت معروف طيب الراحة صغير الأوراق، منه نهري ومنه جبلي، فالنهري يفيق المغشى عليه إذا شمه وينفع من نهش الهوام ضماداً ويطرد الهوام تدخيناً، ورقه يطرد الهوام ومضغه يزيل روائح الثوم، وهو يقطع الباه، والجبلي يزيل الآثار السوداء ضماداً مطبوخاً بالشراب، ويستحم بطبيخه للجرب والحكة وينفع من الجذام وقروح الفم والفواق واليرقان وهو جيد للدغ العقارب.

قاتل الذئب: حشيشة لا تستعمل البتة وتقتل الذئاب قتلاً وحياً.

قاتل الكلب: حشيشة تجذب الرعاف وتقتل الكلاب بسرعة كما ذكر.

قتاد: شجرة مشوكة معروفة تتخذها الناس وقوداً، إبرها طويلة حادة جداً يقال للأمور الصعبة دونها خرط القتاد، صمغها الكثير ينفع من السعال وقرحة الرئة ويصفي الصوت، والله الموفق.

قت: علف الدواب، دهنه أنفع شيء للرعشة

قثاء: قال صاحب "الفلاحة": إذا أردت أن يكون القثاء على صورة شيء من الحيوانات فخذ قالباً للصورة التي أردت واجعلها فيه وهي صغيرة واستوثق منها ربطاً بحيث لا يدخل القالب ريح ولا غبار فإنّها إذا عظمت فيه كانت على صورة القالب التي جعلتها فيه، وإذا عبرت طوامث النساء بالقثاء تغيرت وذبلت وفسدت، وإن أصاب بزرها رائحة الدهن صارت ثمرتها مرة، وإذا نقعت بزرها بالعسل واللبن تكون ثمرتها حلوة طيبة. قال ابن سينا: إنّه ينفع من عضة الكلب الكلب أكلاً. ثمرتها تسكن العطش وتقوي المثانة وتنفس حرارة المغمى عليه، بزرها يدر البول ويحسن اللون طلاء ويطفىء حرارة الصفراء.

قرطم: نبت يقال له بالفارسية كاثريره. قال ابن سينا: بزره ينقي الصدر ويصفي الصوت وينفع من القولنج، وإذا أكل بتين أو عسل ينفع من الباه، زهره هو العصفر ينقي الكلف والبهق ويطلى بالخل على القوباء.

قطن: زعموا أن عصارة ورقه إن سقي لصبي به إسهال نفعه جداً، ثمرته إذا كانت ناعمة تنعم البدن وإن كانت خشنة لبسها يهزل البدن وينفع المبرودين لبسها قشر جوزها محروقاً ينفع لقرحة اللثة والفم نفعاً بيناً.

قنابري: يجلو الكلف والبهق وهو أنفع شيء للبرص أكلاً وضماداً يذهبه في أيام يسيرة، وورقه ضماداً لقروح الثدي الخشنة وللسع الهوام كلها.

قنب: منه بري ومنه بستاني، فالبري طول شجره ذراع ورقها يغلب عليه البياض وثمرتها كالفلفل، والبستاني هو الشهدانج، ورقه البنج إذا أكل منه شيء يخلط العقل ويفسد الذكر ويحدث بالمحرورين خناقاً أو جنوناً، وهو مخدر يقطع النزف ويسكن بتخديره الأوجاع الضربانية حتى وجع النقرس طلاء وشرباً، بزره يسكن أوجاع العين، وكذلك عصارته. قال ابن سينا: إنّه يصدع ويظلم البصر، واستكثاره يخفف المني؛ وقال غيره: إنّه يطرد الرياح، ودهنه دواء جيد لوجع الأذن من البرودة.

قنبيط: هو الكرنب قال صاحب "الفلاحة": إذا زرع في الأرض السبخة كبر جرمه ويطيب طعمه ولا يدود ورقه مع قضبانه، يدق ويوضع على جبهة الحزين يفرج عنه، ومن أكل منه يرى منامات هائلة وإن اعتادت الصبيان أكله أسرع نباتهم ويصفي صوت من به بحوحة ولذلك يديم عليه أصحاب الغناء. وقال ابن سينا: القنبيط يسكن الأوجاع وينفع من الرعشة ومنوم جداً ومظلم للبصر، بزره يدخن به المناخس والبساتين يقتل دودها، وإذا احتملتهس المرأة بعد الجماع أفسد المني. وأكله يزيد مادة المني.

قيصوم: نبت طيب الرائحة والحيات تهرب منه ومن رائحته، فإن زرعته حوالى القرية لا يبقى فيها حية. قال ابن سينا: ينفع من إنبات اللحية البطيئة النبات إذا طبخ ببعض الأدهان ويدر الطمث ويخرج الجنين وينفع من عسر البول ومن النافض إذا مزج بالدهن، وإذا افترش طرد الهوام، وإذا سقي بالشراب نفع من السموم كلها.

کاوزوان: معناه لسان الثور، قال ابن سينا: خاصيته التفريج وإزالة الغم.

كتان: هو النبات المبارك الذي تتخذ منه الثياب ثيابه تنعم البدن وتخصبه سيما في الصيف ولأصحاب الأمزجة الحارة، دخان الكتان ينفع من الزكام بزره يسكن الأوجاع ضماداً مع النطرون والتين ينفع من الكلف ومع الشمع ينفع من برص الأظفار.

کراث: منه شامي ومنه نبطي. قال صاحب "الفلاحة": من أراد زرعه فلينثر بزره ثم يسقيه بعد ثلاثة أيام ليكون نبته قوياً، وإن أردت أن يكون أصله قوياً جداً تجعل في كل بعرة من بعر الغنم ثلاث حبات فإنّه ينبت أقوى ما يكون، والكراث يدق ويوضع على لسع العقرب والزنبور يسكن وجعه في الحال، وإدامة أكله تورث ظلمة البصر. قال ابن سينا: الكراث الشامي يذهب الثآليل والبثرات، وأكله يفسد اللثة والأسنان ويضر بالبصر والنبطي ينفع البواسير مصلوقاً مأكولاً وضماداً ويحرك الباه ويوضع على الجراحات الدامية يقطع دمها، وأصحاب الألحان يستعملونه لتصفية أصواتهم.

كرسنة: حب في حجم العدس إلا أنّه غير مفرطح بل مضلع ولونه ما بين الغبرة والصفرة وطعمه ما بين الماش والعدس. وقال ابن سينا: هو طلاء جيد للبهق والكلف والبرص ويحسن اللون، ودقيقه يسمن المهازيل ويضمد بالشراب على نهش الأفاعي وعضة الكلب الكلب والإنسان الصائم.

کرفس: منه بري ومنه بستاني يطيب النكهة ويهيج شهوة الباه للرجال والنساء ويوضع على العضو المرتعش يسكن. قال ابن سينا: البستاني يطيب النكهة ويستعمله من يشاور الملوك سراً وينفع من الجرب والقوباء، وإذا لدغت العقرب آكله يشتد الأمر به فينبغي أن يتجنب أيام ظهور العقارب، عصارته تنفع من ظلمة العين اكتحالاً، الاستسقاء أصله يعلق على الرقبة ينفع من وجع السن بزره ينفع من وعسر البول ويخرج المشيمة، وإذا بخر به عند قوم سدروا وناموا، وهو ينفع من وجع السن والفواق الذي عن الامتلاء

كراويا: قال ابن سينا: ينفع من الرياح ويطردها وينفع من الخفقان وهو جيد لقتل الديدان والمغص الشديد.

كزبرة: قال بليناس: يقلع الكزبرة بأصلها قلعاً رفيقاً ويعلق على فخذ صاحبة الطلق تضع في الحال. قال ابن سينا: رطبه ينوم ويولد ظلمة البصر، ويابسه يكسر قوة الباه ويخفف المني، وعصارته مع اللبن تسكن الضربان الشديد، والإكثار منه رطباً ويابساً يخلط الذهن بزره ينفع من لسعة الزنبور يتناول منه ثلاث راحات يسكن الوجع ويزيل رائحة البصل والثوم. وقال بليناس: يبخر به البيت تهرب الحيات والعقارب منه.

کلواشة: حشيشة يلقى شيء منها في الفراش تجد البراغيث كلها لا تقدر على الظهور ولا على أذى فتؤخذ حينئذٍ بسهولة.

كمون: قالوا: إنّ الحمام يحبه فإذا أردت أن تألف لمسكنها فاطرح شيئاً الكمون قبل أن يخرج لطلب العلف فإنّها تزداد حباً لمسكنها، والنمل تهرب من رائحته. قال ابن سينا: إذا غسل الوجه بمائه صفاه، وإن استكثر من أكله يورث صفرة الوجه، وإذا سحق بالخل واشتم قطع الرعاف، وعصارته تجلو البصر ويؤخذ الكمون والملح سواء ويجعل أقراصاً ويترك في وسط الدقيق الدرمك يبقى زماناً طويلاً لا تصيبه آفة أصلاً.

كمأة: نبات يتولد من تحت الأرض لا بزر لها ولا عرق لكنه ينطبخ كالجواهر في أعماق الأرض. جاء في الحديث "إنّ الكماة المن، وماؤه شفاء للعين". وإنّما شبه بالمن لأنّه ينبت في الأرض بلا تعب كما أنّ المن يقع من الهواء من غير تعب. والعرب تقول إنّ الكماة تبقى في الأرض فيمطر عليها مطر الصيف فتستحيل أفاعي ومنه نوع يتولد في ظل شجرة الزيتون يسمى القطر وهو نوع سم قاتل. قال ابن سينا: الكمأة يخاف منها الفالج والسكتة، وماؤها يجلو العين كما هو مروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال غيره يورث القولنج وعسر البول.

لبلاب: ويقال له حبل المساكين، يلتف على الشجر ويرتقي منه خيوط دقائق وورق رقاق طوال ينفع من الصداع المزمن، ورقه بالخل ينفع من الطحال. قال ابن سينا: لبن اللبلاب يحلق الشعر ويقتل القمل.

لسان الحمل: نبات يشبه لسان الحمل في شكله. قال ابن سينا: أصله يعلق على صاحب الخنازير ينفعه، وطبيخ أصوله ينفع من وجع السن مضمضة، والعدسة التي يكون فيها لسان الحمل بدل السلق تنفع من الصرع؛ وقيل إنه نافع من حمى الربع.

لسان العصافير: نبات يشبه لسان العصافير، ورقه يدمل الجروح. قال ابن سينا: ينفع من الخفقان ويزيد في الباه.

لصف: يقال له بالفارسية كبر، ثمرته تشبه القثاء، يجعل في العصير يحفظه من الغليان قشوراً، أصله نافع من عرق النسا ومن الفالج والخدر، ويعض على قشوره بالسن الوجعة ينفعها سيما إن كان رطباً، ورقها ينفع من البواسير ويزيد في الباه وهو ترياق السموم ويقطر ماؤه في الأذن التي فيها دبيب يقتله، ويطلى به البهق يزيله.

لقاح: منه نوع أبيض الورق لا ساق له يقال هو الذكر شمه كثيراً يورث السكتة، ورقه يدلك به البرص أسبوعاً يزيله من غير تقريح، وشمه ينفع من الصداع لكنه يبلد الحواس وينوم، بزره إذا خلط بكبريت لم تمسه النار، أصل اللقاح البري اليبروح وهو على صورة الإنسان الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى. زعموا أنّ قلعه من مات فإذا أرادوا ذلك شدوه في كلب أو حيوان خسيس حتى يمشي به ويقلعه، يجعل ضماداً للأورام الصلبة والخنازير والدماميل وأوجاع المفاصل يبرئها، ومن احتمل منه شيئاً أسبته ويتخذ ذلك لدفع السهر. قال ابن سينا: من احتاج إلى قطع عضو والعياذ بالله يسقى من ذلك ثلاث لولوسات في شراب فيسبته ولا يكون له حس عند القطع.

لوبياء: نبت معروف. قال ابن سينا: من أكله یری أحلاماً رديئة، وقال غيره: يخصب البدن ويخرج المشيمة والجنين الميت ويدر الطمث وينقي من دم النفاس.

لينوفر: نبات طيب الرائحة ينبت في الآجام والمياه القائمة في فضاء ويغيب النهار كله ويظهر بالليل. قال ابن سينا: إنّه منوم مسكن للصداع الحار لكنه يكمد شهوة الباه ويجمد المني لخاصية فيه، بزره يذهب البرص طلاء بالماء وأكله يضعف الباه، وإذا جعل على داء الثعلب أبرأه.

ماش: هو النبت المعروف. قال ابن سينا: إنّه مضر بالباه وقال غيره يضمد به الأعضاء فيسكن وجعها ويضعف الأسنان.

مازریون: حشيشة معروفة من اليتوعات منها صغير وكبير، فالكبير يشبه ورق الزيتون والأسود منها قتال جداً، وجميع أصنافها يستعمل للبهق والبرش والبرص طلاء ويخلط بها الكبريت ليكون أبلغ. قال ابن سينا: يسقى بالشراب لنهش الهوام فإذا خلط بالسويق وجمع بماء أو زيت قتل الفأر والكلاب والخنازير، والقاتل للناس درهمان، وقال غيره يقتل السمك في الماء ويدفع الاستسقاء، وإذا سقي العليل منه درهم فإنّه يسهله إسهالاً محكماً يزيل عنه الاستسقاء لكن العلاج بها خطر جداً. وذكر القاضي أبو علي التنوخي أن بعض من ابتلي بالاستسقاء عجز عجز الأطباء عن علاجه فأيقن بالهلاك، وترك المعالجة والاحتماء فاجتاز عليه رجل في دروب بغداد يبيع الجراد المقلي فاشترى منه وأكل كثيراً فانحل طبعه ثلاثة أيام ثم عاد في حاله وعوفي فسأله الطبيب عن حاله فذكر له أكل الجراد، فقال لصاحب الجراد: من أين أخذته؟ فقال: من الموضع الفلاني فذهب إليه فرأى أكثر نبته المازريون فعلم الطبيب أن الجراد قد أكل منه فنقصت قوة المازريون ثم نضجت فنقصت شيئاً آخر فأكلها الرجل وقد اعتدلت فصارت سبب النجاة لمن عجز الأطباء عن علاجه، إن الله على كل شيء قدير.

ماهیزهرج: نبات له قضب دقيقة مستوية، ورقه كورق الطرخون شديد الشبه بالشبرم إلا أنّه أطول، في لونه غبرة إلى صفرة يعده الناس من اليتوعات إذا طرح منه في الغدير أسكر السمك وأطفاها، وهو نافع من النقرس ووجع المفاصل والظهر.

مرزنجوش: نبت طيب الرائحة. قال ابن سينا: نافع من الشقيقة والصداع، وطبيخه ينفع من الاستسقاء والمغص وعسر البول، ومع الخل ضماداً للسع العقارب، وبزره يسقى لمن لسعه الزنبور قدر درهم يسكن وجعه في الحال، دهنه ضماد للفالج، يابسه يطلى بالعسل على كهبة الدم وأخضره خصوصاً لجرب العين.

ناردين: هو السنبل الرومي، ورقه كورق العصفر وأغصانه صفر ملس ولا ساق له ولا زهر ولا ثمر ينبت أهداب العين إذا جعل في الأكحال، ودرهم منه ينفع من الفالج واللقوة.

نانخواه: نبت معروف قال صاحب "الفلاحة" من علف الغنم منه في الشتاء كثرت نطفها وولدت أناثاً توأماً وازدادت أصوافها وألبانها ولم يتعرض لها القراد، وكذلك نحل العسل إذا حرثت منه وهو نافع من كل لدغ ولسع. قال بليناس: من أدام النظر إليه اصفر وجهه. قال ابن سينا: شربه والطلاء به يحيل اللون إلى الصفرة وهو من أدوية البهق والبرص، ويعجن بالعسل لكهوبة الدم ضماداً، وطبيخه يصب على لدغ العقارب يسكن، ويشرب للدغ الهوام.

نرجس: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شموا النرجس فما منكم إلا من له بين الصدر والفؤاد شعبة من برص أو جنون أو جذام لا يذهبها إلا شم النرجس. وقال جالينوس: من كان له رغيفان فليجعل أحدهما في ثمن النرجس فإنّ الخبز غذاء البدن، والنرجس غذاء الروح. وقال صاحب الفلاحة: إذا قطعت بصل النرجس قطعاً صليبياً أو عبرت فيه شوكتين عبوراً ثم زرعته نبت نرجساً مضاعفاً، وزعموا أنّ وقع نظره على النرجس حالة المجامعة تنعقد شهوته عقداً لا ينحل، وإذا وضعت بصلة على الجراحة التأمت شقوقها. وقال ابن سينا: إنّه يخرج الشوك والسلا سيما مع دقيق السلم والعسل، زهره يجلو الكلف والبهق وينفع من الصداع، وأكله يهيج القيء، وإذا شرب منه أربعة دراهم مع ماء العسل أسقط الأجنة الأموات.

نسرين: قال ابن سينا: البستاني منه يقتل ديدان الأذن وينفع من الطنين والدوي وأوجاع الأسنان، والبري منه يطلى به الجبهة يسكن الصداع وينفع من الفواق.

نعنع: قال ابن سينا: إنّه يقوي المعدة ويسكن الفواق ويعين على الباه، والمرأة إذا احتملته قبل الجماع يمنع الحبل، ويضمد به الجبهة ينفع من الصداع ومن عضدة الكلب الكلب، عصارته بالخل تمنع سيلان الدم من الباطن، وقال غيره: إذا شرب بالخل يحرك شهوة الباه ويقوي المعدة ويسكن الفواق والإمتلاء.

هليون: حشيشة لها ورق وبزره منه جبلي ومنه سهلي. قال ابن سينا: ورقه يطبخ ويشرب ينفع من وجع الظهر وعرق النسا وهو نافع من القولنج الريحي، أصله يطبخ ويشرب ينفع من وجع الظهر وعسر البول وعسر الحبل ويزيد في الباه وفي مادة المني، بزره جيد لوجع الضرس ويدر الطمث ويضر بالمعدة. ومن الحكايات العجيبة ما حكى لي صديق أربلي أن بجبال أربلي هليوناً كثيراً وكان عامل تلك الناحية يتخذ منه كل سنة شراباً يبعثه إلى صاحب الأربل فوقع الأكراد الحرامية على القافلة ونهبوهم ورأوا آنية الشراب فحسبوا أنّها عسل فأكلوا منها وأفرطوا فغلبهم الإسهال حتى ضعفوا وعجزوا عن الحركة فمر عليهم بعض المارين فلمّا رآهم على تلك الحالة أخبر صاحب الأربل بحالهم فبعث إليهم من حملهم إلى اربل مطروحين على الدواب فاستقبل الناس دخولهم يضحكون بهم ويقولون هم سكارى هليون.

هندبا: قال علي كرم الله وجهه ورضي عنه: في كل ورقة من الهندبا وزن حبة من ماء الجنة. قال ابن سينا: يضمد به النقرس ينفعه وينفع من الرمد الحار، ولبن الهندبا البري يجلو بياض العين أصله مع ورقه ضماداً للسع العقرب والحية والزنبور وسام أبرص وينفع من حمى الربع.

ورس: نبت يزرع باليمن يشبه السمسم فإذا جف عند إدراكه تفتتت خريطته فينفض منها الورس ويزرع نبته يبقى عشرين سنة ينفع من الكلف والنمش طلاء، فإذا شرب نفع من الوضح وفتت الحصا.

يقطين: هو القرع إذا أردت أن يعظم القرع فدع بزره على الأرض معكوساً عند الزرع، وقال علي رضي الله عنه: إذا طبختم اللحم فأكثروا القرع فيه فإنّه يسلي القلب الحزين. ومن خواصه أنّ الذباب لا يقع على شجرته، ولما خرج يونس عليه الصلاة والسلام من بطن الحوت أنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين لدفع الذباب حتى صلبت بشرته، والله الموفق للصواب. وليكن هذا آخر مقالة النبات، والله تعالى أعلم.

النظر الثالث في الحيوان

أما الحيوان ففي المرتبة الثالثة من الكائنات وأبعد المولدات عن الأمهات لأنّ المرتبة الأولى للمعادن وهي باقية على الجمادية لقربها من البسائط، والمرتبة الثانية للنبات فإنّها متوسطة بين المعادن والحيوان بحصول النشو والنمو وفوات الحس والحركة والمرتبة الثالثة للحيوان فإنّه قد جمع بين النشو والنمو والحس والحركة، وهذه قوى موجودة في جميع أفراد الحيوان حتى في الذباب والبعوض. أما الحس فلأنّ الله تعالى لمّا قضى لكل حيوان أمداً معلوماً وأبدان الحيوانات متعرضة للآفات المفسدة لها والمهلكة إياها فاقتضت الحكمة الإلهية لها القوة الحساسة لتشعر بواسطتها بالمنافي فتدفعه عن نفسها إذا أحست بألم، فلولا هذه القوة لما أحس الحيوان بالجوع إلى أن مات بغتة فجأة من عدم الغذاء ولكان إذا نام فأصاب يده أو رجله نار لم يكن يحس به حتى ينتبه من نومه فإذا هو بلا يد ولا رجل، وأما الحركة فإنّ الحيوان لمّا كان محتاجاً إلى الغذاء ولم يكن غذاؤه يحفه في جميع الأوقات اقتضت الحكمة الإلهية آلات الحركة ليتحرك بها إلى الغذاء ولولا القوة لاحتاج الحيوان إلى الغذاء ولم يقدر على المشي إليها فمات جوعاً كشجرة لا تجد الماء حتى تجف ولكان إذا أصابه آفة من حرق أو غرق بقي على مكانه حتى أدركه الغرق أو الحرق، ولما كانت الحيوانات بعضها عدو لبعض اقتضت الحكمة الإلهية لكل حيوان آلة يحفظ بها نفسه من عدوه فمنها ما يدفع العدو بالقوة والمقاومة كالفيل والأسد والجاموس، ومنها ما يسلم من عدوه بالفرار، فأعطى آلة الفرار كالظباء والأرانب والطيور، ومنها ما يحفظ نفسه بسلاح كالقنفذ والشاهين والسلحفاة. ومنها ما يحفظ نفسه بحصن كالفأر والحية والهوام ومقتضى الحكمة الإلهية أنّ الله تعالى خلق لكل حيوان من الأعضاء ما يتوقف عليه بقاء ذاته ونوعه لا زائداً ولا ناقصاً، ولذلك اختلفت أشكالها وأعضاؤها وتنوعت أنواعها بأنواع كثيرة.

روی عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إنّ الله تعالى خلق في الأرض ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة منها في البر"، وقال بعض المفسرين: من أراد أن يعرف معنى قوله تعالى: (ويخلق ما لا تعلمون) فليوقد ناراً في وسط غيطه بالليل ثم لينظر ما يغشى تلك النار من أنواع الحيوان فإنّه يرى صوراً عجيبة وأشكالاً غريبة لم يكن يظن أنّ الله تعالى خلق شيئاً منها في العالم على أنّ الذي يغشى تلك النار يختلف باختلاف المواضع من الغياض والجبال والبحار والصحاري، فإنّ سكان كل بقعة تخالف سكان غيرها (وما يعلم جنود ربك إلا هو) فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه وأوضح برهانه لا إله إلا هو سبحانه. ولنذكر الآن بعض أنواع الحيوان وعجائبها وخواصها إن شاء الله تعالى.

النوع الأول في حقيقة الإنسان والنظر فيه في أمور الأول فى حقيقة الإنسان

اعلم أن الإنسان مجموع مركب من النفس والبدن وأنه أشرف الحيوانات وخلاصة المخلوقات، ركبه الله تعالى في أحسن صورة روحاً وبدناً وخصصه بالنطق والعقل سراً وعلناً وزين ظاهره بالحواس والحظ الأوفى وباطنه بالقوى ما هو أشرف وأقوى، وهيأ للنفس الناطقة الدماغ وأسكنه أعلى محل وأوفق رتبة وزينه بالفكر والذكر والحفظ وسلط عليه الجواهر العقلية لتكون النفس أميراً والعقل وزيره والقوى جنوده والحس المشترك مريده والأعضاء خدمه والبدن محل مملكته والحواس يسافرون في جميع الأوقات في عالمهم ويلتقطون الأخبار الموافقة والمخالفة ويعرضونها على الحس المشترك الذي هو واسطة بين النفس والحواس على باب المدينة وهو يعرضها على القوة العقلية لتختار ما يوافق وتطرح ما يخالف، فمن هذا الوجه فالإنسان عالم صغير، ومن حيث إنّه يتغذى وينمو قالوا نبات، ومن حيث إنّه يحس ويتحرك قالوا حيوان، ومن حيث إنّه يعلم حقائق الأشياء قالوا ملك، فصار مجمعاً لهذه المعاني فإذا صرف همه إلى جهة من هذه الجهات ليلتحق بها فإن كان قد صرف همته إلى الجهة الطبيعية فيكون راضياً من أمر دنياه بالتغذي وتنقية الفضول، وإن كان إلى الحيوانية فيكون إما غضوباً كسبع أو أكولاً كبقر أو شرها كخنزير أو جزعاً ككلب أو حقوداً كجمل أو متكبراً كنمر أو ذا روغان كثعلب أو يجمع هذا كله فيكون شيطاناً مريداً، وإن كان صرف همته إلى الجهة الملكية فيكون متوجهاً إلى العالم الأعلى ولا يرضى بالمنزل الأسفل والمربع الأدنى فيكون مراداً من قوله عز وجل: (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)، والله الموفق للصواب.

النظر الثاني في النفس الناطقة

قالوا: هو كمال أول النفس الطبيعي إلى جهة ما يعقل من الأمور الكلية. واعلم أن الإنسان حال ما يكون شديد الاهتمام بالشيء يقول قلت كذا وفعلت كذا وهو في هذه الحالة عالم بذاته غافل عن جميع أعضائه الظاهرة والباطنة والمعلوم في هذه الحالة هو النفس وأنّه متقلد لهذه التكاليف متعرض لخطر الثواب والعقاب باق بعد الموت إما في نعيم وسعادة كما قال الله تعالى: (بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين)، وإما في جحيم وشقاوة كما قال عز وجل من قائل: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً). روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال في يوم بدر لما قتل صناديد قريش وألقوا في قليب بدر: "يا عتبة يا شيبة قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟" فقيل يارسول الله تناديهم وهم أموات؟ فقال: "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم لكلامي لكنهم لا يقدرون على الجواب". وهذه النفس في البدن كالوالي في مملكته والقوى والأعضاء كالخدم له وهو متصرف فيها وأنّها مجبولة على طاعته لا تستطيع مخالفته، فالبدن مملكة النفس ومدينته والقلب واسطة المملكة والأعضاء كالخدم والقوى الباطنة كصناع المدينة والعقل كالوزير المشفق الناصح والشهوة طالب أرزاق الخدم والغضب صاحب الشرطة وهو عبد مكار خبيث يتمثل بصورة الناصح ونصحه سم قاتل ودأبه أبداً منازعة الوزير الناصح والقوة المتخيلة في مقدم الدماغ کالخازن واللسان كالترجمان، والحواس الخمس جواسيس، وقد وكل كل واحد منها بأخبار صقع من الأصقاع فقد وكل العين بعالم الألوان والسمع بعالم الأصوات، وكذلك سائرها فإنّها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه الأصقاع ويردونها إلى الحس المشترك الذي هو صاحب البريد وهو يسلمها إلى الخازن، والخازن يحفظها لتستعمل النفس منها ما تحتاج إليه وقت حاجتها في تدبير مملكته، وهذه النفس أبدي الوجود لكنه متنقل من حال إلى حال ومن دار إلى دار. وقد ذكر علي رضي الله عنه في بعض خطبه: إنّما خلقتم للأبد من دار إلى دار تنتقلون من الأصلاب إلى الأرحام ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى البرزخ، ومن البرزخ إلى الجنة أو النار، ثم تلا قوله عز وجل: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة

أخرى). وقال الشيخ الرئيس: في تعلق النفس بالبدن واستئناسه به ومفارقته إياه:

هبطت إليك من المحل الأرفع                ورقاء ذات تعزز وتـــــرفــــــع

محجوبة عن كل مقلة ناظر                 وهي التي سفرت ولم تتبرقع

وصلت على كره إليك وربما                 كرهت فراقك وهي ذات تفجع

أنفت وما سكنت فلما استأنست               ألفت مجاورة الخراب البلقع

وأظنها نسيت عهوداً بالحمى                 ومنازلاً بفراقها لم تقنع

حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها                من میم مـركـزهـا بـذات الأجـرع

علقت بها هاء الثقيل فأصبحت               بين المعالم والطلول الخضع

تبكي إذا ذكرت عهوداً بالحمى               بمدامع تهمي ولما تقطع

إذا عاقها شرك الكثيف وصدها              قفص عن الأوج الفسيح المربع

وتظل ساجمة على الدمن التي                درست بتكرار الرياح الأربع

حتى إذا قرب المسير إلى                    الحمى ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع،

وغدت مفارقة لكل مخلف                    عنها حليف الدب غير مشيع

سمعت وقد كشف الغطاء فأبصرت          ما ليس يدرك بالعيون الهجـع

وغدت تغرد فوق ذروة شاهق               والعلم يرفع كل من لم يرفع

فلأي شيء أهبطـت مـن شـاهـق             سام إلى قعر الحضيض الأوضـع

إن كان أهبطها الإله لحكمة                  طويت عن العبد اللبيب الأروع

فهبوطها إن كان ضربة لازب               لتكون سامعة بما لم تسمع

وتكون عالمة بكل حقيقة                      في العالمين وخرقهـا لـم يـرقـع

وهي التي قطع الزمان طريقها               حتى لقد غربت بغير المطلع

فكأنّها برق تألق بالحمى،                     ثم انطوى فكــأنـه لــم يطلع

زعموا أن هذه النفوس في هذا العالم الجسماني وما قد ابتلي به من آفات هذا البدن كرجل حكيم في بلد أو قرية وقد ابتلي بعشق امرأة رعناء فاجرة سيئة الخلق وهي في أكثر الأوقات تطالبه بالمأكول الطيب والمشروب اللذيذ ولثياب الفاخرة

والمسكن المزخرف والشهوات المرضية وأنّ ذلك الحكيم من شدة محنته بعظم محبتها وعظم بلائه بصحبتها قد صرف كل همته إلى إسراف أمرها وأكثر عنايته إلى إصلاح شأنها وقد نسي أمر نفسه وإصلاح شأنه وبلدته وأقاربه الذين نشأ فيهم، ونعمته التي كان فيها، ولا راحة لهذا الحكيم إلا بمفارقة هذه المرأة والتسلي عن حبها ولكنه إن سمع هذا الحديث تنشق مرارته من خوف مفارقتها. ولا يخفى أن النفوس جواهر روحانية لا حاجة لها إلى الأكل والشرب واللباس والنكاح فإنّ كل ذلك مما يحتاج إليه البدن في قوام وجوده، والنفس ما دام مع هذا البدن تكثر همومه لإصلاح هذا البدن ولا راحة للنفس دون مفارقته كما قلنا إن الحكيم المبتلى بحب المومسة لا راحة له إلا بمفارقتها والسلو عنها، والله المستعان وعليه التوكل.

فصل في نفوس عجيبة التأثيرات

ذهب أهل الحق إلى أنّ النفوس مختلفة بحسب جواهرها. فمنها نفوس علوانية نورانية لها شعور بعالم الأرواح فتستفيد بالفيض من عالم الأرواح أموراً عجيبة، ومنها نفوس كثيفة كدرة مشغوفة بالجسمانية لا حظ لها من عالم الأرواح. وذهب بعض الحكماء إلى أنّ النفوس الناطقة جنس تحته أنواع وتحت كل نوع أفراد لا يخالف بعضها بعضاً إلا بالعدد وكل نوع منها كالولد لروح من الأرواح السماوية، وهذا هو الذي تسميه أصحاب الطلسمات بالطباع التام؛ ويزعمون أنه يتولى إصلاح تلك النفوس تارة بالمنامات وتارة بالإلهامات وتارة بالنفث في الروع. فمن النفوس الفاضلة نفوس الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإنّ الله تعالى لما أراد أن يجعلهم قدوة للخلق جمع في نفوسهم أنواع الفضائل ونفى عنها أصناف الرذائل لاقتداء الخلق بهم وأظهر عليهم الآثار العجيبة لانقياد الخلق إليهم. ومنها نفوس الأولياء، فإنّها لما كانت تابعة لنفوس الأنبياء مشتبهة بها صدرت عنها آثار عجيبة كما ذكرنا في مقامات الزهاد والعباد والعارفين من شفاء المرضى باستشفائهم وسقى الأرض باستسقائهم وصرف الوباء والمؤذيات بدعائهم وتبدل نفرة الطيور بالهدو والوقوع وسورة السباع بالبصبصة والخضوع، وإلى غير ذلك من الأمور التي تحكى عنها. ومنها نفوس أصحاب الفراسة وهي نفوس تستدل بالأحوال الظاهرة على الأمور الباطنة وأنه استدلال صحيح، وقد قال الله تعالى: (إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله تعالى". وحكى أبو سعيد الخراز قال: رأيت في الحرم رجلاً فقيراً ليس عليه إلا ما يستر عورته فأنفت نفسي منه فتفرس في ذلك وقال: (واعلموا أنّ الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)، فندمت على ذلك واستغفرت في نفسي فقال: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات). وحكي أن الشافعي رضي الله تعالى عنه ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما رأيا رجلاً فقال أحدهما: إنّه نجار وقال الآخر: بل حداد، فسألا عنه فقال: كنت حداداً قبل هذا والآن صرت نجاراً. وحكى عبيد الله بن ظبيان وكان أميراً من أمراء العراق أنه كان يترصد الفتك بالحجاج مدة قال: فظفرت به يوماً كان واقفاً على باب داره وحده فقلت في نفسي الآن وقته فتفرس ذلك في، وبقي بيني وبينه مقدار رمح فقال لي: أخذت كتابك من فلان فقلت لا، قال: امض إليه فإنّ كتابك معه، فلما سمعت اسم الكتاب تركت عزمي وانصرفت لطلب الكتاب فأدركني عدوانه. ومنها نفوس أصحاب القيافة والقيافة على ضربين قيافة البشر وقيافة الأثر، أما قيافة البشر فالاستدلال بهيئات الأعضاء على الإنسان ويختص هذا الاستدلال بقوم من العرب يقال لهم بنو مدلج يعرض على أحدهم مولود في عشرين امرأة فيهن أمه يلحقه بها. حكى بعض التجار قال: ورثت من أبي مملوكاً أسود شيخاً فكنت في بعض أسفاري راكباً على بعير والمملوك يقوده فاجتاز علينا رجل من بني مدلج أمعن فينا نظره وقال: ما أشبه الراكب بالقائد فوقع في قلبي من قوله ما وقع حتى رجعت إلى أمي وأخبرتها بما قال المدلجي فقالت: صدق والله المدلجي، اعلم يا بني أنه كان زوجي شيخاً كبيراً ذا مال لم يوجد له ولد فخشيت أن يفوت ماله عنا بموته فمكنت نفسي من هذا المملوك الأسود فحملت بك ولولا أنّ هذا شيء ستعلمه في الآخرة ما أخبرتك في الدنيا. وأما قيافة الأثر: فالاستدلال بآثار الأقدام والخفاف والحوافر، وقد اختص هذا الاستدلال بقوم في المغرب أرضهم ذات رمل فإذا هرب منهم هارب أو دخل عليهم سارق تبعوا آثار قدميه حتى يظفروا به. ومن العجب ما حكي أنهم يعرفون أثر قدم الشاب من الشيخ والرجل من المرأة والغريب من المتوطن.

ومنها نفوس الكهنة وهي نفوس تتلقى الروحانيات وتكتسب أحوال الكائنات والتي تدل عليها المنامات وغيرها من الحادثات. وحكي أن ربيعة بن نصر اللخمي رأى رؤيا هائلة فبعث إلى أهل مملكته يسأل عن تفسيرها فقالوا: ليبعث الملك إلى سطيح وشق فلا يجد أعلم منهما بها فبعث إليهما فقدما، فقال الملك السطيح: رأيت رؤيا هالتني فأخبرني بها فإنّك إن أصبتها أصبت تأويلها، فقال سطيح: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض نعمة فأكلت منها كل ذات جمجمة، فقال الملك: ما أخطأت منها شيئاً فما تأويلها؟ فقال: ليهبطن بأرضكم الحبش ويملكن ما أبين وجرش، فقال الملك: يا سطيح إنّ هذا لغائظ فأخبرني متى هو كائن أفي زماني أم بعده؟ فقال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين تمضين من السنين ثم يقتلون بها أجمعين أو يخرجون منها هاربين، فقال الملك: ومن الذي يملك قبلهم؟ قال: ابن ذي يزن يخرج عليهم من عدن ولا يترك منهم أحداً باليمن، قال الملك: أيدوم ملك ذلك أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع، قال: ومن يقطعه؟ قال: نبي زكي كريم عظيم يأتيه الوحي من قبل العلي، قال الملك: ومن هذا النبي؟ قال: رجل من ولد غالب بن بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر، قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون، قال: أحق ما تخبر به؟ قال: نعم والشفق والقمر إذا اتسق إنّ ما نبأتك به لحق. فلما فرغ من حديث دعا بشق وخاطبه مثل ما خاطب سطيحاً وكتم جواب سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان فقال شق: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فأكلت منها كل ذات نسمة فعلم الملك اتفاقهما فقال: ما أخللت بشيء منها يا شق فما تأويلها؟ قال: لينزلن أرضكم السودان وليملأن ما بين أبين ونجران، فقال الملك: إنّ هذا لغائظ فمتى هو كائن في زماني أم بعد؟ فقال: بل بعده بزمان ثم ينقذكم منه عظيم ذو شأن ويذيقهم أشد الهوان، قال: ومن هذا العظيم الشأن؟ قال: غلام من بني ذي يزن يخرج من عدن، قال الملك: أيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع برسول من الرسل يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل يبقى الملك في قومه إلى يوم الفصل، ثم إنّه اتفق استيلاء الحبشة على اليمن وملوكها إلى أن جاء سيف بن ذي يزن إلى كسرى واستنجده فأمده بعساكره براً وبحراً وقتلوا الحبشة قتلاً ذريعاً وأخرجوهم من اليمن وملكها سيف بن ذي يزن فاجتمع على بابه رؤساء العرب ودخل عليه عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه فأكرمه وخلع عليه وقال: إنا نجد في كتبنا أن هذا الملك صائر إلى أحد أولاده فليتني كنت أدركه.

ومنها نفوس أصحاب العرافة وهي نفوس تستدل ببعض الحوادث على بعض لمناسبة بينهما أو مشابهة خفية. (كما حكي) أنّ الإسكندر تملك بعض البلاد فدخل هيكلها فوجد فيها امرأة تنسج ثوباً فقالت: أيها الملك أعطيت ملكاً ذا طول وعرض ثم دخلها والي بلدها، فقالت له: إنّ الإسكندر سيعزلك، فغضب الوالي فقالت: لا تغضب إنّ النفوس تعلم أموراً بعلامات فإنّ الإسكندر لما دخل كنت أدبر طول الثوب وعرضه وأنت لما دخلت فرغت منه وأردت قطعه فكان الأمر كما قالت. وحكي أنّ سيف بن ذي يزن لمّا استنصر بكسرى على قتال الحبشة بعث إليهم كسرى في جند عظيم براً وبحراً فخرج إليهم ملك الحبشة مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وغيرهم من حمير وكهلان فتصادف القوم، وكان بين عيني مسروق بن أبرهة ياقوتة حمراء معلقة من تاجه بعلاق من الذهب تضيء كالنار وهو على فيل عظيم فقاتل عليه ساعة ثم نزل عن الفيل وركب جملاً ساعة ثم نزل عن الجمل وركب فرساً ساعة أنف من محاربتهم على الفرس استصغاراً لأصحاب سيف فدعا بحمار فركبه فتأمل هرمز ذلك وقال: احملوا عليه فإنّ ملكه قد ذهب انتقل عن كبير إلى صغير فحملوا عليهم وكشفوا الحبشة فأخذتهم السيوف من كل جانب وقتلوا مسروق بن أبرهة و خواصه. وحكي عن علي رضي الله عنه أنه لما جلس للبيعة فأول من بايعه طلحة عبد الله فبايعه بيده وكانت يده شلاء فتطير منها علي رضي الله عنه وقال: ما أخلقه أن ينكث، فكان كذلك، ولم تصف له الخلافة إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى. وحكى إبراهيم بن المهدي قال: بعث إلي الأمين فسرت إليه فإذا هو جالس في طارم خشبها عود وصندل مزين بأنواع الحرير والديباج الأخضر والذهب الأحمر، وإذا سليمان بن منصور معه في القبة من بلور مخروط، وكان شديد الإعجاب به فقال: إنما بعثت إليكما لما بلغني وصول طاهر بن الحسين إلى نهروان وقد صنع في أمرنا من المكروه صنع فدعوتكما لأفرج همي، فأقبلنا نحدثه فدعا بجارية تسمى صعب فتطيرنا بها لاسمها فأمرها أن تغني فغنت:

أبكى فراقهم عيني فأرقها                     إنّ التفرق للمشتاق بكــــــاء

ما زال يعد عليهـم ريـب دهـرهـم            حتى تفانوا وريب الدهـر عـداء

فزجرها وتطير من قولها وقال لها: لعنك الله ما عرفت غير هذا؟ فقالت: ياسيدي ما قصدت إلى ما نطقت إلا أنك تحبه، فعاد إلى حزنه فأقبلنا نحدثه إلى أن ضحك ثم أقبل وقال لها: هاتي ما عندك، فغنت:

همو قتلوه كي يكونوا مكانه                  كما فعلت يوماً بكسری مرازبه

بني هاشم كيف التوصل بيننا                 وعند أخيه سيفه ونجـــائــــه

فزجرها وعاد إلى الحالة الأولى فسليناه حتى عاد إلى الضحك. وأقبل عليها الثالثة وقال لها: غني، فغنت:

أما ورب السكون والحرك                   إنّ المنايا شـــديــدة الشرك

ما اختلف الليل والنهار ولا                   دار نجم السماء في فلك

إلا بنقل النعيم عن ملك                       قد انتهى ملكه إلى ملك

وملك ذي عرش دائم أبداً                     ليس بفان ولا بمشترك

فقال لها: قومي لعنك الله، فقامت فعثرت بالقدح الذي كان بين يديه فكسرته، وكانت ليلة مقمرة ونحن على شاطىء دجلة فقمنا متعجبين مما شاهدناه متفكرين في أمره، فسمعنا قائلاً يقول: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وكان ذلك آخر الاجتماع به. (وحكى) صاعد بن محمود النهاوندي أنّه كان ببغداد عراف من الطرقيين يخبر بأشياء قلما يخطىء فيها فجاءه رجل وقال له: إنّ لي مسألة إن أصبت فلك كذا وكذا، فقال: سلها، فقال: إن أخرجتها لك لا أطمئن إلى جوابها، فمكث يسيراً ثم قال: تسألني عن محبوس فقال: أصبت والله فأخبرني عن حبسه، فقال: الشرط أملك إذا وفيت بالوعد أخبرتك بحاله فمضى الرجل إلى بيته وأتاه بما وعده به وقال: أخبرني عن حبسه فقال: إنّه يخرج عن قريب ويخلع عليه فلم يمض أيام حتى كان الأمر على ما قال، فأتى السائل إلى العراف وقال له: أخبرني بكيفية معرفتك أمر هذا المحبوس، فقال له: اعلم أنّي إذا سألت عن شيء أنظر أمامي وعن يميني وعن يساري فإن رأيت شيئاً يكون بينه وبين المسؤول مناسبة أو مشابهة أجبت على وفق ذلك فإنّك لما سألتني رأيت قربة فيها ماء مع رجل سقاء فقلت السؤال عن محبوس ولما سألتني ثانياً رأيت القربة بعينها قد أفرغت وألقاها الرجل السقاء على منكبه فقلت: يخرج ويخلع عليه، والله أعلم بغيبه.

النظر الثالث في تولد الإنسان

اعلم أنّ الغذاء إذا ورد المعدة وأثرت فيه القوة الهاضمة تصفيه وتجذب ما فيه الى الكبد فالكبد يقسمه على جميع البدن، وما فضل من الغذاء في الهضم الأخير يبعث إلى النخاع ومن النخاع إلى الأنثيين فيستحيل فيهما إلى طبيعة المني يدغدغ ويهيج اضطراب القدم فلا يسكن إلا بنفض تلك المادة فيكون ذلك سبب اجتماع الذكر والأنثى، فإذا حصلت النطفة في الرحم صار نطفة الذكر والأنثى ممتزجين على شكل كرة فتنعقد عليها بحرارة الرحم قشرة رقيقة كما ترى في العجين إذا وضع في شيء حار، وتتشبث بها أفواه العروق التي يرد منها دم الحيض إلى الرحم، ثم إنّ القوة المصورة بإذن الله تعالى تجمع دهنية النطفة فتأخذ منها حصة إلى الوسط إعداداً للقلب، ومن عن يمينه حصة للكبد، ومن أعلاه حصة للدماغ ثم تخلق السرة متصلة بوريد وشريان، وهذا يتم في ستة أيام ثم تأخذ في التخطيط والتنقيط ويتم ذلك إلى خمسة عشر يوماً ثم ينفذ دم الحيض في جميع الكرة فيصير علقة، وبعده باثني عشر يوماً تصير الرطوبة لحماً متميز الأجزاء وتمتد رطوبة النخاع فإنّه أساس البدن، وبعده بسبعة أيام ينفصل الرأس عن المنكبين والأطراف من الضلوع والبطن إلى أربعين يوماً، ثم تظهر عظامه وتكسي العظام باللحم المتولد من دم الحيض كما قال الله تعالى: (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).

فصل في وضع الجنين في الرحم

قال أبقراط: إنّه جالس ورأسه على ركبتيه وعضداه ملتصقتان بأضلاعه ويداه حاملتان لرأسه ورأسه نحو رأس الأم ورجلاه نحو رجليها، مقبوض الأعضاء على غاية ما يمكن من الهندام، ووجهه إلى صلب حاملته وصلبه إلى مراقها، وكونه على هذا الوضع بعناية الله عز وجل وذلك أنّ الرأس أثقل من سائر الأعضاء فاحتيج إلى ما يحمله فأسند بالركبتين، والركبتان ضعيفتان رطبتان خفف عنهما بأن عاونتهما اليدان في الحمل، وصير الوجه إلى جانب صلبها ليكون أحفظ من المصادمات بدفع الصلب، وصلبه إلى جهة مراقها لأنّ صلبه أبعد عن قبول الآفة لأنّ هذا الوضع موافق جداً لسهولة الولادة لأنّ رأسه إذا كان قريباً من رجليه وانحل الرباط من الرحم جاء على رأسه لأنّ الرأس ثقيل يهوي إلى أسفل بسرعة، وأيضاً فإنّ أقرب الأشكال إلى المستدير المنحني والمستدير أبعد عن قبول الآفات فلذلك جعل شكل الجنين على هذا الوجه ليكون أبعد عن قبول الآفات ولأنّ القلب الذي هو ينبوع الحياة يكون محفوظاً وأن شكله على هذه الهيئة ضروري الوقوع لأنّ الجنين في موضع ضيق فجمع بالحكمة الإلهية سائر أعضائه وجعله كالكرة ليسع في ذلك الموضع الضيق، كما أنا نحن إذا كنا في موضع ضيق جمعنا أعضاءنا فيكون شكلنا قريباً من شكل الجنين في الرحم.

فصل في سبب الذكورة والأنوثة

زعم بعضهم أنّ السبب لذلك زيادة حرارة خلقها الله تعالى للمادة التي يخلق منها الذكر ونقصانها في المادة التي يخلق منها الأنثى، وكذلك تبرز أعضاء التناسل من هذه، هذا وتخفى من ثم إذا كانت الحرارة الغريزية في أصل الخلقة كاملة خرج الذكر تام الأعضاء قوي التذكير، وإن نقصت نقصت قوة تذكيره فتشبه أفعاله أفعال النساء وهكذا قوة التأنيث فإنّ الإناث من تشبه أفعاله أفعال الرجال، وإذا تصورت هذه المراتب فربّما يقع فيها مرتبة غريبة بعيدة الاتفاق فيكون المولود لا ذكر ولا أنثى بل خنثى.

ومنهم من زعم أنّ الأغلب على خلقة الذكور وقوعها في الجانب الأيمن من الرحم وفي خلقة الأنثى وقوعها في الجانب الأيسر، وربّما يعين على الإناث الفصل الحار والبلد الحار والريح الجنوب وسن الكهولة، كما أن أضداده تعين على الذكور وهو الفصل البارد والبلد البارد والريح الشمال وسن الشباب. وزعم قرم أن نطفة الذكر إن جرت من يمينه إلى يمينها كان الولد ذكراً تام الذكورة، وإن جرت من يساره إلى يسارها كان الولد أنثى تام الأنوثة، وإن جرت من يمينه إلى يسارها كان ذكراً مؤنثاً كما ترى في الرجال من تشبه أفعاله أفعال النساء، وإن جرت من يساره إلى يمينها كانت أنثى مذكرة كما ترى في النساء من تشبه أفعالها أفعال الرجال، والله تعالى أعلم.

فصل: في وضع الحمل

اعلم أنّ القوة الإلهية إذا كملت في المولود أبرزته القوة الموجودة في الرحم إذ لو بقي في الرحم بعد كماله لاحتاج إلى غذاء كثير لكبره، ولا يسهل خروجه لكبره، والوعاء لا يحمله، فيفضي إلى هلاكه وهلاك أمه، فإذا كمل المولود كفت القوة الماسكة عن الإمساك وتحركت الدافعة للدفع، وهو أيضاً يتحرك بيديه ورجليه فينشق الغشاء المطيف به وانحل رباط الجنين فيقع كالشيء الواقع من أعلى إلى أسفل، فعند ذلك ينقبض قعر الرحم وينفتح عنقه ويبتدىء بالرطوبات التي كانت في الأغشية قبل ورود الجنين لينزلق المجرى فيسهل الخروج، والخروج إذا كان طبيعياً يبتدىء بالرأس لأنّ أعاليه أثقل من أسافله فإنّ من السرة إلى الرأس أثقل مما هو من السرة إلى القدم، فينزل الثقيل أولاً ثم يتبعه الخفيف بتقدير العزيز العليم.

النظر الرابع في تشاريح أعضاء الإنسان

اعلم أن في تشريح الأعضاء من العجائب ما تحير فيها عقول الأولين والآخرين وقصر عن إدراك بعضها فهم الخلق أجمعين، ولكثرة ما فيها من العجائب قال جل من قائل: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). ولنذكر شيئاً من عجائب أعضاء الإنسان والأسرار المودعة فيه وفي تركيبها إن شاء الله تعالى فنقول: الأعضاء أجسام متولدة من أول مزاج الأخلاط وهي على قسمين متشابهة ومركبة.

القسم الأول المتشابهة

وهي التي يكون حدها كلها حد خروجها، وهي أنواع:

الأول: العظام، وهي أجسام صلبة جعلت قواماً للبدن ودعامة تنشأ من الرطوبات وتمتد من بعض الأعضاء فيشدها ويقويها ويكون له بها الاعتماد في الحركات، ولم يتم ذلك بشيء من الأعضاء الرخوة كاللحم فاقتضت حكمة الباري تعالى خلق العظام لتلك المنافع، فمنها ما يكون للبدن كالأساس مثل فقار الصلب، فإن البدن يبنى عليه كالخشبة التي تبنى عليها السفينة، ومنها ما قياسه قياس المجن كعظم النافوخ، ومنها ما هو كالدافع يدفع به المؤذي كالأساس على فقار الظهر، ومنها ما هي لسد فرج بين التناسل كالعظام السمسمانيات بين السلاميات وما خلق للدعامة والوقاية خلق مصمتاً لزيادة الحاجة إلى صلابته وما كان لأجل الحركة خلق مجوفاً ليكون جرمه خفيفاً، وجوفه يكون محل غذائه وهو المخ فيغذيه ويرطبه كيلا يتفتت، والحكمة في أنّ كل عضو خلق من عظام لا من عظم واحد لأنّ الآفات صائبة لها فعند ذلك يسلم الآخر بخلاف ما إذا كان عظماً واحداً فإنّ الآفة إذا أصابت بعض أطرافها صار الكل موجوعاً، وأيضاً عند الحاجة إلى حركة بعضها لا يفتقر إلى حركة الكل، وجميع العظام إذا عدت تكون مائتين وثمانية وأربعين عظماً سوى السمسمانية وعظم الحنجرة الشبيهة باللام.

النوع الثاني: في الغضروف، وهو جسم متوسط بين اللحم والعظم في الصلابة واللين، ينبت على أطراف العظام في موضع دعت الحاجة فيه إلى العظم وإلى اللحم فيدخل الغضروف بينهما حتى لا يتأذى اللحم بصلابة العظم ولا يتألم العظم برطوبة اللحم، وأيضاً إنّها آلات الحركة والاحتكاك تكسر اليابس وتفسخ الرطب فاحتاج إلى متوسط لا ينكسر ولا ينفسخ لرطوبته وهو الغضروف.

النوع الثالث: العصب، وهو جسم لين لدن ينشأ من الدماغ والنخاع كنهر يأخذ من عين، فالعين الدماغ والنهر النخاع، وفائدته الحس والحركة لسائر الأعضاء، ولمّا كان الدماغ غير محتمل للأعصاب ينشأ منها ويصل إلى أقصى غاية البدن، أجرى الله تعالى منها نهراً في الدماغ ليتشعب منه الجداول وتصل إلى جميع أجزاء البدن. وأما أعصاب الرأس فتفيد الحس والحركة للوجه والأعضاء الباطنة، وأما سائر الأعضاء الظاهرة فإنّها تستفيد بالحس والحركة من النخاع.

النوع الرابع: الرباط، وهو جسم كالعصب في الشكل إلا أنّه أصلب منه ينشأ من العظام فيربط بعضها ببعض، ولمّا كانت الحركة الإرادية إنما تكون بقوة تفيض من الدماغ بواسطة العصب والعصب لدن لطيف لا يحسن اتصاله بالعظام بلطف الباري تعالى بإنبات جسم من العظام شبيه بالعصب أصلب منه وألين من العظام وهو الرباط ليحسن اتصال العصب بالعظم بواسطته

النوع الخامس: اللحم، وهو جسم حار رطب، من منافعه معاونة الأعصاب والشرايين والأوردة فإنّها باردة يابسة، فلولا حرارة اللحم لأتاها الهواء من خارج وأفسدها، ولما كانت هي حوامل الروح والغذاء واحتاجت إلى الهضم ولا يتم ذلك بنفسها خلق الله تعالى معيناً من اللحم محيطاً بها ليتم الهضم الجيد، ومن منافعه حشو خلل العظام فيستوي شكل الأعضاء به كما يستوي البناء بالطين فيفيدها حسناً وزينة.

النوع السادس: الشحم، وهو جسم حار لطيف هوائي، خلق على أطراف العضل ومواضع العصب فإنّهما آلة الحس والحركة فافترقت إلى مواتاة في الفعل والانفعال وذلك إنّما يتم بالحار والرطب ولما كان العصب بارداً يابساً ألحق بالشحم يسخنه ويعينه على هضم الغذاء وإنضاجه ولم يلحقه باللحم كالعروق لأن الغرض من اللحم هضم ما في داخل العروق فحسب، والغرض من الشحم تسخين العصب على وجه لا يمنعه من سرعة الحركة فلو ألحلق بجسم غليظ كاللحم تعسرت حركته وتبلد جسمه، وكما قلنا إن مثال اللحم كطين البناء فكذلك أمثال الشحم كجصته.

النوع السابع: الشرايين، وهي جداول مضاعفة لأنها وعاء الروح، خلقت ذات صفاقين إلا واحدة منها، فإنّ الشرايين تحمل الروح الحيواني من القلب إلى سائر البدن كالزيت للمصباح، وإنّما خلقت ذات صفاقين صيانة للروح التي فيها واحتياطاً بحفظها فيطلع من القلب شعبتان إحداهما إلى الرئة وأنها ذات طبقة واحدة ليكون أسلس وأطوع للانبساط والانقباض عند الاستنشاق، والشعبة الأخرى تنقسم قسمين: إحداهما تمضي صاعداً والأخرى إلى أسفل حتى استوعبا جميع البدن.

النوع الثامن: الأوردة، وهي جداول تشبه الشرايين إلا أنها ذات طبقة واحدة لأن ما تحويه من الدم أغلظ مما تحويه الشرايين وتنشأ من الكبد وتحمل الغذاء إلى سائر الأعضاء، وأول ما ينبت من الكبد عرقان أحدهما من الجانب المحدب ومنفعته جذب الغذاء من الكبد ويسمى الباب، والآخر من الجانب المحدب ومنفعته اتصال الغذاء من الكبد إلى سائر الأعضاء ويسمّى الأجوف.

النوع التاسع: الثرب، وهو جسم شحمي خص بإلحاق المعدة من قدام ليفيدها حرارة مع سهولة الإنبساط إذا امتلأت المعدة من الغذاء.

النوع العاشر: الغشاء، وهو جسم منتسج من ليف عصباني كنسج الثياب ينبسط على سطوح الأعضاء التي لا حس لها، يحويها كاللطائف فيصير لها حافظاً يحفظ جواهرها وأشكالها على هيئاتها ومنبهاً لها على المؤذي إذا طرأ عليها.

النوع الحادي عشر: الجلد، وهو جسم مركب من الشظايا العصبية والرباطية والأجزاء الشعرية من العروق ينسج بعضها في بعض كما ينسج الغشاء فيحل البدن بأسرها فيحفظ ما تحويه لصلابتها ويشعر بسبب الحس بما يوافقه ويخالفه وهو مفيض فضولاً إلى أعضاء البدن الظاهرة لأنّها تدفع الفضول من العروق والوسخ إلى المسام.

النوع الثاني عشر: المخ، وهو جسم مناسب لطبيعة العظم خلقت في تجاويف العظام الغذائها وذلك أنّ حرارة الدم ورطوبته اعتدلت ببرودة العظم ويبوسته فصار غداء صالحاً للعظم، والله أعلم بالصواب.

القسم الثاني من الأعضاء المركبة

وهو على نوعين: ظاهرة وباطنة، أمّا الظاهرة فأنواع الأول الرأس، ولما كان الرأس محل السمع والبصر وهما محتاجان إلى مكان عال لأن محل الديدبان لا يصلح إلا عالياً ليطلع على الأخبار من البعد ويخبر بها اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الرأس في أعلى موضع من البدن، وخلق مستديراً لأنّ الشكل المستدير أكثر مساحة من غيره من الأشكال، وقد احتيج إلى زيادة المساحة لكثرة ما تضمنها، والشكل الكروي أحسن الأشكال ولا ينفعل من المصادمات انفعال ذي الزوايا، وخلق مستديراً إلى الطول لأنّ منابت الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول، وخلق الجمجمة صلبة حاوية للدماغ لتمنع الآفات عنه كالبيضة التي يتوقى بها الرأس، وخلقت مركبة من نظام ليبقى بعضها سليماً إذا أصاب البعض آفة.

فصل: في العين

لما كانت الحاجة إلى العين ماسة اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون في غاية الرقة واللين ووقاها بضروب كثيرة من الوقاية، فوضعها في حفرة من العظم وجعل حولها عظاماً صلبة وغطاها بالأجفان وصانها بالأهداب وجعلها عينين اثنين حتى لو أصاب إحداهما آفة بقيت الأخرى سليمة، وجعلهما في الرأس لأن حاسة البصر بمنزلة الديدبان وأنه كلما كان أعلى مكاناً كانت مسافة مبصراته أكثر ولأن العصب التي فيه الروح الباصرة دقيقة جداً نازلة من الدماغ لا تحمل مسافة بعيدة. وقد وضعت أمام البدن لتكون حارسة للأعضاء التي غطاؤها ضعيف كالبطن وغيره، ولأنّ عمل الأعضاء الخارجة كاليد والرجل من قدام لتكون مشاهدة لأعمالها وهي سبع طبقات وتركيبها أنّه ينشأ من الدماغ من تحت القحف عصبة مجوفة تنتهي إلى قعر العين وعليها غشاءان، أحدهما غليظ والآخر رقيق، فإذا صارت إلى عظم العين فارقها الغشاء الغليظ وصارت لباساً وغشاءً لعظم العين وتسمى الطبقة الصلبية، ويفارقها أيضاً الغشاء الرقيق ويصير لباساً وغشاء دون الطبقة الصلبية وتسمّى الطبقة المشيمية الشبهها بالشيمة، وتعرض العصبية نفسها أن تصير غشاء بين الغشاءين المذكورين يسمّى الغشاء الشبكي، ثم يتكون في وسط هذا جسم لين رطب في لون الزجاج يسمّى الرطوبة الزجاجية، ويتكون في وسط هذا الجسم جسم آخر مستدير إلا أنه مفرطح شبيه بالجليد في صفائه وتسمى الرطوبة الجليدية وتحيط الزجاجية بالجليد بمقدار النصف ويعلو النصف الآخر جسم شبيه بنسج العنكبوت شديد الصفاء والصقال تسمّى الطبقة العنكبوتية، ثم يعلو هذا الجسم جسم سائل في لون بياض البيض تسمّى الرطوبة البيضية، ثم يعلو الرطوبة البيضية جسم رقيق أملس الخارج يختلف لونه في الناس، فربّما كان شديد السواد وربّما كان دون ذلك، وفي وسطه حين يحاذي الجليد ثقب يتسع ويضيق في حال دون حال بمقدار حاجة الجليدية إلى الضوء فيضيق عند الضوء الشديد ويتسع في الظلمة، وهذا الثقب هو الحدقة ويسمى هذا الغشاء الطبقة العينية ويعلوها ويغشاها كثيف صاف شبيه بصفيحة رقيقة من قرن أبيض وتسمّى الطبقة القرنية، غير أنّها تتكون بكون الطبقة التي تحتها المسماة العينية ويعلوها ويغشاها إلى موضع سواد العين في حوله جسم أبيض اللون صلب يسمّى الملتحم وهو بياض العين ونباته من الجلد الذي خارج القحف ونبات القرنية من الطبقة الصلبية ونبات القرنية العينية من الطبقة المشيمية ونبات العنكبوتية من الطبقة الشبكية، والله الموفق.

أما الروح الباصر فإنّه في جوفه عصبتان يبتدئان في غور البطنين المتلازمين المقدمين من الدماغ نبتاً يصير النابت منهما يساراً ونبتاً يصير النابت منهما يميناً ثم يلتقيان على مقاطع صلبي ثم ينفذ النابت يميناً إلى الحدقة اليمنى والنابت يساراً إلى الحدقة اليسرى ولوقوع هذا التقاطع منافع منها أنّ الروح السائل إلى أحد الحدقتين لا يكون محجوباً عن الأخرى، وإذا عرضت لإحداهما آفة صار الروح الناظر من الطريقين إلى العين السليمة، ولذلك ترى إحدى الحدقتين أقوى إبصاراً إذا غمضت الأخرى لقوة اندفاع الروح الباصر إليها. وأما منافع الطبقات والرطوبات فكثيرة والحاجة إليها للطبيب ليس كتابنا بصدده. وأمّا الجفن فمنشؤه من الجلد الذي هو على خارج القحف والرأس وفيه ثلاث عضلات تأتي اثنتان من جهة الموقين يجذبان الجفن إلى أسفل جذباً متشابهاً. وأمّا فتح الجفن فيكفيه عضلة واحدة تأتي من وسط الجفن فينبسط طرف وترها على طرف الجفن، فإذا نشجت فتحت العين. وأما الجفن الأسفل فإنّه لا عضلة فيه، وجعل الأسفل أصغر من الأعلى لأنّ الأعلى يستر الحدقة مرة ويكشفها أخرى بتحركه، وأما الأسفل فإنّه غير متحرك، فلو زيد على هذا القدر لستر شيئاً من الحدقة دائماً ولكان فضول العين تجتمع فيه ولا يسيل. وأما منفعته فلیمنع نكاده ما يلاقي الحدقة من خارج ويمنع عند انطباقها وصول الغبار والدخان والشعاع ويصقل الحدقة دائماً ويبعد عنها ما أصابها من الهباء والقذى. وأما الأهداب فإنّها بمنزلة السياج حول العين يمنع عن الحدقة بعض الأشياء التي لا يمنعها الجفن مع انفتاح العين كما ترى عند هبوب الريح الذي يأتي بالقذى فتفتح أدنى فتح وتتصل الأهداب الفوقانية بالسفلانية فيحصل منها شبه شباك لينظر من ورائها فتحصل الرؤية مع اندفاع القذى، والله أعلم.

فصل: في الآذان

ولمّا كانت القوة السامعة لا تفيد السمع إلا بواسطة قرع الصوت الهواء ووصول ذلك الهواء إلى الدماغ فاقتضت الحكمة الإلهية مجرى السمع في عظم صلب ذي عطفات وتعاريخ كثيرة إلى أن ينتهي إلى عصبتين ناشئتين من الدماغ، وذلك العصب لو كان بارزاً لأضر به الهواء البارد فيخرج من الاعتدال بملاقاة أدنى برودة لأنّ طبعه بارد فجعل كامناً في الدماغ لهذا المعنى، وقد جعل مجراه مفتوحاً أبداً ليصل إليه الهواء المقروع دائماً فيسمع ما يشاء وما لم يشأ، ولمّا كان في فتحه سعة وكان متعرضاً لآفات البرد والغبار ومصادمة الهواء المقروع بعنف كالرعد والصيحة العظيمة جعل مجراه ذا عطاف وتعاريج على هيئة اللولب لئلا يصل الهواء إلى السمع دفعة واحدة بل يبقى في العطاف ويرد على السمع شيئاً فشيئاً، وتسكن شدته في التعاريخ فيفهم بالتأني، وجعلت على مجراه صدفة ناشدة لرد الصوت إلى الثقبة وتمنعه من الانتشار وخلقت من الغضروف لأنّ الغضروف موافق لقبول الصوت.

فصل: في الأنف

خلق الأنف بارزاً عن الوجه لما فيه من الجمال ولتكون أرنبته آلة لاستنشاق الهواء، وخلق مجراه مفتوحاً لأنّ الحاجة إلى استنشاق الهواء للتنفس ضرورية دائماً، وإنما جعل مجراتين احتياطاً لمصلحة النفس حتى لو أصاب إحدى المجراتين آفة تحصل بالأخرى مصلحة التنفس، وخلقت قصبته صلبة لتكون وقاية للوجه من المصادمات، وأرنبته لينة ليحصل بانقباضها وانبساطها جذب الهواء كما ترى من كير الحدادين، ومجراه إذا علا ينقسم قسمين أحدهما يفضي إلى فضاء الفم والآخر يمر صاعداً حتى يفضي إلى العظم الشبيه بالمصفاة الموضوع في وجه محل الإحساس فيحصل بأحد القسمين الشم وبالآخرة التنفس، وإنّما جعل في منتهى ثقبتي الأنف عظم مثقوب شبيه بالمصفاة لتصل الروائح بنفسها إلى موضع الإحساس ويستفرغ منها الفضول المخاطية، ولم تجعل هذه المنافذ مستقيمة بل معوجة إذ لو كانت مستقيمة لكان الهواء المستنشق يصل إلى الدماغ بسرعة فيفسد فجعلت معوجة ليبقى الهواء في تلك التعاريج مدة فتنكسر برودتها فإذا وصل إلى الدماغ يكون معتدلاً، وجعل منفذ المنخرين إلى الحنك حيث يوازي الحلقوم ليكون التنفس أسهل ولو لم يكن كذلك لما أمكن إطباق الفم ساعة، ولو كان التنفس بالفم لكان الفم جافاً بدخول الهواء وخروجه فلم يحصل إدراك الطعم ولا حركة اللسان ولا مضغ الطعام ولا بلعه.

فصل: في الشفة

خلقت الشفتان أمام الفم غطاء للحوم الأسنان ومعيناً في تناول الغذاء وآلة للامتصاص ولمج ما يحتاج إليه من الفم والكلام، وخلقنا من طبيعة اللحم ممتزجة بطبيعة الجلد واتصلت بهما عضلات الوجنتين من فوق وعضلات الذقن من تحت وعضلات الفك من الجانبين، وإنّما خلقتا من طبيعة اللحم للحركة والحس والانبساط والانقباض والالتواء بواسطة الأوتار والأعصاب التي خالطتها، وإنّما خلقتا من طبيعة الجلد ليكون لهما أدنى صلابة مع لين فتتشكل بالأشكال المختلفة بحسب الحاجة.

فصل: في الفم

ولمّا كان الإنسان محتاجاً إلى غذاء يدخل من خارج خلق له الفم، ولما كانت الحاجة إلى الغذاء وقتاً بعد وقت خلق الفم بحيث ينفتح مرة وينطبق أخرى بخلاف المنخرين فإنّهما خلقتا مفتوحتين لدوام الاستنشاق، ثم لم يخلق مجرى الفم مستقيم التجويف كقصبة الرئة مثلاً بحيث لا يصلح إلا لمرور الغذاء بل جعل فيه فضاء يجتمع الطعام فيه حتى يصير مستعداً للبلع ولتختبره آلة الذوق، فإن كان صالحاً طحنته آلة الطحن والا مجته وجعل عليه الشفتان يطبقانه لئلا تجف رطوبته بالهواء الواصل إليه من خارج كما في سائر الأعضاء لأنّ هذه الرطوبة معينة على بلع الطعام وتحريك اللسان للكلام ومن منافعه كونه مدخلاً للهواء إلى قصبة الرئة، ولما كان بقاء الإنسان لا يمكن إلا بالتنفس اقتضت عناية الباري تعالى للتنفس طريقين: أحدهما بالخياشيم والآخر بالفم حتى لو تعطل أحد الطريقين لآفة أو مرض يحصل التنفس بالطريق الآخر.

وأما اللسان فإنّه مؤلف من لحم رخو وتحته فوهتان يخرج منهما اللعاب يفيض إلى الغدد الموضوعة عند أصله يتعرض به الطعام وينتفع به في الكلام وإدارة المأكول عند المضغ، وجعل مقداره بحيث يصل إلى جميع أطراف الفم، وجعل أصله أعظم للثبات وأطرافه أدق لتسهيل حركته عند الكلام وإدارة الطعام وتنقية أصول الأسنان عن بقية المأكول.

وأما الأسنان فإنّها خلقت من جوهر آخر مغاير لجوهر سائر العظام وقياسها بالنسبة إلى سائر العظام جوهر الذكر المسقي إلى الأنيث، وجعل مقاديمها حادة للعض والقطع. والأنياب غليظة حادة الرؤوس للنهش، والطواحن عريضة للطحن، وجعل أسناخ الأضراس العليا أكثر عدداً من أسناخ الأضراس السفلى، وذلك لأنّ العليا معلقة فتحتاج إلى زيادة ثبات، وأمّا السفلى فإنّها موضوعة على القرار فيكفيها أدنى وثاق وثبات كالسندال.

فصل: في اللحيين

ولما وجب أن يكون الفم متحركاً للمضغ والكلام ومفتوحاً لاستنشاق الهواء في بعض الأوقات اقتضى التدبير الإلهي تحريك الفك الأسفل لأن تحريكه أسهل من تحريك الفك الأعلى وأنفع. وأمّا سهولته فلأنه أصغر حجماً وأطوع حركة، وأما نفعه فلأن الفك الأعلى متصل بالرأس ومواضع الحواس وكان يتحرك بحركته الدماغ والحواس، وذلك فيه من الفساد ما لا يخفى، فخلق الفك الأعلى ثابتاً والأسفل متحركاً، وجعل في عظم الرأس عند الصدغين ثقبتين واسعتين علق فيهما الفك الأسفل تعليقاً سلساً ليسهل انطباقه وانفتاحه.

فصل: في الشعر

قالوا: إن الفضلة الباقية من الغذاء إذا أثرت فيها الحرارة بحدتها وأخرجتها من الجلد فما كان منها لطيفاً تحلل تحليلاً خفيفاً عن الحس وما كان غليظاً تحلل في المسام وتكاثف، فيحدث منه الشعر فجعل بعضها زينة ووقاية كشعر الرأس، فإنّه غطاء وزينة وكالحاجب فإنّه يمنع ما ينحدر من الجبهة إلى العين وهو زينة أيضاً، وكالأهداب فإنّها تحوط العين كالسياج وتصير عليها كالشباك حتى ينظر من ورائها عند هبوب الرياح ونثرها القذى، وفيه من الزينة ما لا يخفى، ومنها ما جعل للزينة كالشارب واللحية فإنّهما يفيدان الجمال والبهاء ومن لا لحية له لا بهاء له، ومنها ما ينبت في المواضع الحارة والرطبة كالإبط والعانة فهو كالعشب الذي ينبت في القراح ذات الندى، وإن لم يقصد إنباته فإنّه فضلة تندفع إليها في الإنسان بخلاف سائر الحيوان فإن شعورها لباسها وزينتها.

النوع الثاني: العنق: ولمّا كان الرأس معدن الحواس وكان بعض الحواس كالسمع والبصر يحتاج إلى أن يكون في أعلى الأماكن اقتضى التدبير الإلهي أن يكون الرأس على عضو طالع من البدن وهو العنق، ثم جعل هذا العضو متحركاً إلى جهات مختلفة بعضلات تمده إلى فوق وأسفل وقدام وخلف ويمين ويسار وموربا ومستدبراً لتعم منفعته الحواس، وأنها في جهة واحدة فكأنّها في جهات وجعلت قصبة الرئة والمريء فيها وهي سبع فقرات، ولمّا كانت الفقرات العنقية محمولة على ما تحتها من الفقرات وجب أن تكون أصغر من الحامل، ولما كان مخرج أول النخاع وجب أن يكون ثقبها أعظم من ثقب فقرات الصلب، ولما كان جرمها رقيقاً لا يحتمل الثقب الكبير اقتضى التدبير الإلهي أن يكون ثقبها في أطرافها ليكون في كل فقرة منها نصف الثقب، ويكون في طرفه لا في وسطه، فإنّ النخاع وما أحاط به من الأغشية محتاجة إلى الغذاء فجعل في كل فقرة ثقبتان يميناً ويساراً يخرج عن كل واحدة شعبة من العصب ويدخل فيه وريد وشريان فيفيد كل ثقبة ثلاثة منافع، وفي جوف العنق المريء لازدراد الطعام والشراب وقصبة الرئة لينفذ الهواء إلى الرئة، وجعل لقصبة الرئة غطاء ينطبق عليها وقت ازدراد الطعام والشراب لئلا يقع في مجرى النفس شيء وهو آلة الصوت أيضاً.

النوع الثالث: الصدر، ولما كان الصدر وقاية للقلب خلق صلباً من إحدى عشرة فقرة ذات سناسن وأجنحة عراض لكونها وقاية للقلب واتصلت بالأضلاع لتحوي أعضاء التنفس وإنّما لم يخلق عظماً واحداً لما عرف من الفائدة في سائر المواضع، وخلقت هشة لتكون أسلس في مساعدة ما يطيف بها من أعضاء التنفس في الانبساط والانقباض.

النوع الرابع: اليد، ولما كانت الحكمة الإلهية اقتضت أن النفس الإنسانية تدرك بالحواس ما ينفعها وما يؤذيها من قوام البدن خلقت لها آلة لتتناول بها ما ينفعها وتبعد عنها ما يضرها وهي اليد خلقت من ثلاثة أجزاء من العضد والساعد والكف، أمّا العضد فقد خلق من عظم واحد قوي متصل بالكتف بمفصل واحد حتى يمكنه التحرك إلى جميع الجهات وذلك بأن خلق رأس العظم مستديراً، وركب على رأس الكتف في حق ليكون خلفها سلسلة إلى جميع الجهات، ولمّا كانت اليد آلة لأعمال كثيرة مختلفة جعل الكتفان موضعين على جانبي البدن غير ملاقيين للأضلاع لينبسط اليدان في اليمين والشمال على استقامة ويلتقيان من قدام وخلف فيمكنهما الوصول إلى جميع الجهات بسهولة. وأمّا الساعد فخلق مؤلفاً من عظمين متلاصقين طويلين يسميان الزندين والفوقاني الذي يلي الإبهام منهما أدق ويسمّى الزند الأعلى، والسفلاني الذي يلي الخنصر منهما أغلظ لأنه حامل، ومنفعة الزند الأعلى أن يكون به حركة الساعد إلى الالتواء والانقباض، ومنفعة الزند الأسفل أن يكون به حركة الساعد إلى الانقباض والانبساط، أما الكف فخلقت مركبة من أربعة عظام متباعدة لتكون الأصابع الأربع مركبة عليها، وخلق عظم الرسغ صلباً قوياً لأنّ تركيب المشط والأصابع الأربع عليها فهو كالعهدة التي عليها اعتماد اليد وخلق وضع الأصابع الأربع على صف واحد، والإبهام مقابلاً لها ليدعمها كلها بواحدة وجعلت غليظة قوية لتكون مساوية لقوة الباقي، وخلقت الأصابع مختلفة المقادير لتستوي أناملها كلها عند تقعير الراحة وعند القبض تبقى كالصندوق الحائط للشيء والإبهام عليه كالقفل، ويمكن أن يكون سلاحاً يضرب بها العدو، فلو اجتمع الأولون والآخرون على وضع أحسن من هذا لا يمكنهم، فسبحان من أحسن كل شيء خلقه وخلق الأصابع من عظام مصمتة ليدغمها، فلو كانت لحمة لكانت أفعالها واهية ولم يخلق من عظم واحد لتشكل بالأشكال المختلفة ولم تزد على ثلاثة أنامل لأنّها كانت تورث ضعفاً، ولو خلقت من أنملتين لكانت الوثاقة أزيد لكن الحركات كانت تنقص عن الكفاية، والحاجة إلى الحركات المتقنة أمس من الحاجة إلى الوثاقة وخلق عظام قواعدها أعرض ورؤوسها أدق لتحسن نسبة الحامل إلى المحمول وخلق عظاماً مستديرة لتكون أبعد من الآفات وخلقت مصمتة لتكون أقوى على الثبات، وخلق باطنها لحمياً ليتمكن من القبض ولا كذلك ظاهرها ليكون سلاحاً موجعاً.

فصل: في الظفر

خلق الظفر للإنسان بمنزلة المخلب للطير والحافر للفرس والظلف في سائر الحيوان للوقاية لقوائمها، وجعل معيناً للأصابع في الإمساك إذ به يقوم وثاقها، ويمكنه التقاط الأشياء الدقيقة، وهي آلة لأعمال كثيرة كالحك والجرد والنتف وغيرها، وجعل صلابتها مع لين ليفيد الفائدتين جميعاً وجعلها قد أحاط بها اللحم من الجوانب لئلا تتسارع إليها الآفات.

النوع الخامس: البطن، وهو غشاء مستدير من الصدر إلى الأنثيين ليستبطن آلات الجوف التي هي تحت الحجاب ليكون وقاية جامعة لجميعها مع الوقاية الخاصة بكل واحد منها، وإنّما اقتصرت على غشاء من غير عظم لأنه بين يدي الحاسة فتحرسه من الآفات بخلاف الظهر والدماغ وليكون لها انبساط و انقباض عند امتلاء المعدة وخلوها.

النوع السادس: الظهر، ولما كان الظهر غائباً عن الحاسة اقتضى التدبير الإلهي إحكامه وتوثيقه بعظام صلبة ذات سناسن وأجنحة جنة ووقاية للآلات الشريفة التي وراءه كالرئة والقلب والمعدة، وخلق فقاره كالقاعدة لسائر العظام كالخشبة التي تهيأ أولاً ثم يربط بها سائر خشب السفينة ثانياً، فإنّ عظام القص والأصابع والرأس واليدين والرجلين كلها مربوطة بها، وخلقت خرزات للانحناء ولكون النخاع في وسطها والحاجة إلى حفظ النخاع ماسة، وخلق لكل فقرة شوكة ثابتة إلى الجانب الوحشي وجناحان من يمينها ويسارها وربطت برباطات عصبية وغشيت بالجوهر الغضروفي، ويقال لهذه الشوكات السناسن، وإنّما خلقت لتكون خشبة بارزة تلقاها الآفات الهاجمة من خارج فتصيبها النكاية وتسلم الخرزات وإنما غشاها بالغضروف لئلا تنكسر عند مصادمة الأشياء الصلبة. وأمّا الرباطات العصبية ليربط بعضها ببعض ربطاً وثيقاً فتصير كالشيء الواحد. وأما الأجنحة فتكون مدخلاً لرؤوس الأضلاع فيها ووقاية للخرزات من جوانبها، كما أنّ السناسن وقاية من ورائها، وإنّما خلقت خرزات ليسلم الباقي إن أصابت الآفة شيئاً منها. ولما كان انحناء البدن إلى قدام أكثر من انحنائه إلى خلف جعل السناسن والربط من خلف ليكون قدامها أساس للحركة فصار جملة الصلب كشيء واحد مخصوص بأفضل الأشكال وهو المستدير لأنه أبعد الأشكال عن قبول الآفات تعطفت رؤوس الخرزات العالية إلى أسفل والسافلة إلى أعلى، واجتمعت العاشرة وهي الواسطة ذات فقرة لا بارز لها، وجعلت الفم الفوقانية والسفلانية متوجهة إليها لأنّ الإنسان يحتاج إلى الانحناء وذلك بأن تميل الواسطة إلى ضد الجهة وما فوقها وما تحتها إلى الجهة لأنّ طرفي الصلب يميلان إلى الالتقاء والواسطة تميل إلى خلاف جهة ميل الطرفين كانحناء القوس عند المد، ولمّا كان الواجب أن يعم الحس الظاهر جميع البدن وجب يصل إليها شعب العصب ولم يمكن إيصال عصب الدماغ إليها لبعد ما بين هذه الأعضاء والدماغ ودقة أعصابه فإنّ حجم الدماغ لا يتحمل أعصاباً قويةً تصل إلى جميع أعضاء البدن فاقتضت الحكمة الإلهية إخراج شعبة قوية من مؤخر الدماغ في طول البدن وهو النخاع وأحاط به عظام الفقرات ليحفظ النخاع بصلابتها، وأخرج من النخاع في كل موضع يحتاج إلى التحريك والإحسان عصباً يتصل به والقطن مع العجز كالقاعدة للصلب وهو دعامة وحامل لعظم العانة و منبت لأعصاب الرجل.

النوع السابع: الجنب وهو مركب من الأضلاع وقد شدت خللها بلحم دقيق وقاية لما يحيط به من آلات التنفس وآلات الغذاء ولم يجعل عظماً واحداً لئلا يثقل ولا تعم آفته وكل ضلع مقوس يدخل منه زائدتان في نقرتين غامرتين في كل جناح من أجنحة الفقرات، فالصلب كالحائزة والأضلاع كالجذوع واللحوم في خللها كالعوارض، ولمّا كانت محيطة بالرئة والقلب وجب الاحتياط في وقايته فخلقت الأضلاع السبعة العليا مشتملة على ما تحويها من جميع الجوانب ملتقية عند القص وجناح الفقرات. وأما ما يلي ذلك فخلقت من خلف محرزة حيث لا يحرسه الحاسة ولم يتصل من قدام بل درجت يسيراً يسيراً في الانقطاع لتصير وقاية للكبد والطحال وتتوسع لمكان المعدة ولا تنضغط عند امتلائها، فالخمسة المتقاصدة خلقت رؤوسها متصلة بغضاريف ليأمن الانكسار عند المصادمات، ولئلا يلاقي الأعضاء اللينة والحجاب بصلابتها بل بجرم متوسط في الصلابة واللين.

النوع الثامن: الرجل ولمّا كان المقصود من الرجل القيام والمشي وحمل البدن واقفاً وماشياً والقعود مع التشكل بأشكال مختلفة جعل آخر الرجل على ما يوافق اتمام هذه المقاصد في الجوهر والشكل والمقدار والعدد والوضع والتأليف وخلق ركبة عظم الفخذ على الورك على استقامة وعظم الساق على الفخذ على نحو ينقبض إلى خلف ليتم الانتصاب والتخطي والقعود مفترشاً ومتربعاً وغيرها من الانحناء والأشكال الكثيرة. وخلق طول القدم ومشطها ووسعها لفائدة الثبات والاستقرار وخلق أصابعها على نحو آخر مخالف لأصابع اليد فإنّها كلها في سطر واحد ليتم بها الثبات والاستقرار على الأشياء المختلفة كالمحدب والمقعر والصعود بالمراقي والدرج وخلق العصب من عظم صلب ليكون حاملاً للبدن وخلق الكعب فيما بين الساق والعقب ليعين القدم على الانقباض والانبساط في المشي وغيره من الحركات، والله الموفق للصواب.

الضرب الثاني من الأعضاء المركبة

الأعضاء الباطنة وهي أنواع:

النوع الأول: الدماغ، وهو جسم لدن محوى في غشاءين، منبع للروح النفساني ومنه ينبعث في الأعصاب إلى سائر البدن، ولمّا كان جوهر الدماغ شديد اللين اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون في غشاء رقيق وهي الأم لتحفظه وتكون وقاية له، ثم خلق القحف والدماغ غشاء غليظاً يلاقي القحف من داخل يكون كالبطانة لها ويكون بين هذا الغشاء وقاية للدماغ من الأشياء الغريبة، ولما كان جوهر الدماغ ليناً سریع الانفعال من أدنى سبب خلق له حصن صلب من العظم وهو القحف وجعل بعيداً منه ليدفع الآفات عنه، وجعل خريطة للدماغ معلقة القحف غير ملاقية له لأنّها لو من كانت ملاقية والقحف صلب يصادمه دائماً فينضغط عنه وكان دائم النكاية، وللدماغ ثلاثة بطون وكل بطن في عرضه ذا جزأين، أما البطن المقدم فهو محسوس الانفصال ينقسم إلى جزأين عظيمين يمنة ويسرة وهذا الجزء يعين على الاستنشاق وعلى نفض الفضول والعطاس. وأما البطن المؤخر فهو أيضاً عظيم وهو مبدأ النخاع لكنه أصغر من البطن المقدم وأما البطن الأوسط فإنّه كمنفذ من الجزء المقدم إلى الجزء المؤخر وكدهليز مضروب بينهما يؤدي عن التصور إلى الحفظ، فلمّا كان كذلك كان أحسن موضع للتفكر والتذكر، فالحكمة الإلهية اقتضت أن يكون مقدم الدماغ في غاية اللين لأن ظاهره منشأ شعب الحواس وباطنه محل التخيل والإحساس ولين الموضع مناسب لهما للانطباع وسرعة القبول وأن يكون مؤخر الدماغ أصلب من المقدم لأنّ ظاهره منشأ الشعبة العظيمة التي هي النخاع، وباطنه موضع الحفظ والصلابة مناسبة لهما، فسبحان من أتقن كل شيء خلقه وهو اللطيف لما يشاء، والله الموفق.

النوع الثاني: الرئة، وهو جسم متخلخل رخو كأنه زبد منعقد وذلك لكونه آلة الترويح عن القلب دعت الحاجة إلى الخفة والانبساط والانقباض، ومعنى الترويح جذب هواء صاف يقع على القلب ويخرج هواه محترقاً أحرقته حرارة القلب ومدخل الهواء ومخرجه قصبة الرئة وخلقت مجرى واسعاً من عظم غضروفي على شكل حلق مربوطة بعضها ببعض، وإنّما خلق واسعاً لينفذ فيه من الهواء شيء كثير في زمان يسير، وإنّما خلق من حلق غضروفية ليكون مفتوحاً دائماً ولا يحتاج إلى آلة تفتحها لأنّ الحاجة إلى التنفس ماسة دائماً، وإنّما خلقت قصبة الرئة محتاجة إلى أن تتسع في حال وتضيق في حال لاختلاف الحاجة عند شدة الصوت وضعفه، ولذلك لم يخلق حلقاتها تامة وإلا لم تتمدد في العرض المذكور فخلق ثلاثة أرباعها غضروفية وتمم الباقي بالغشاء وجعل جانبها الغشائي إلى نحو المريء ليتطاوع عند الازدراد وجانبها الغضروفي إلى الخارج لأنه أصلب فيكون أصبر على المصادم الخارجي. ثم إن قصبة الرئة لما جاوزت الترقوة وانبسطت إلى فضاء الصدر انقسمت إلى قسمين يميناً ويساراً ثم ينقسم كل قسم منها إلى أقسام مختلفة على حسب أقسام الأوردة والشرايين في منافذ هذه القصبات ليدخل الهواء في الشرايين من الرئة عند انبساط القلب ويندفع فيها الدخان عند انقباضها، ولما كان الهواء الذي تجذبه الرئة ليس صالحاً لترويح القلب حتى يصير معتدلاً خلقت القصبات التي هي خزانة الهواء تحفظ جوهر الهواء المحصور فيها واعداده موافقاً للقلب وصالحاً لأن يتكون منه الروح، كما أنّ جوهر الكيلوس المحصور في الكبد ينضجه الكبد ويجعله صالحاً لأن يتكون منه بدل ما يحلل من الأعضاء. وأمّا نفس الرئة فتكتنف بالقلب وهي منقسمة قسمين: أحدهما في تجويف الصدر الأيمن والآخر في تجويف الصدر الأيسر لتصل منفعة الرئتين ما دامت الرئة سليمة، ومتى وقعت في إحدى الجهتين آفة تمنعها من بادية فعلها قام الجانب الآخر بفائدة الترويح ولا يؤدي إلى فساد البدن، والله تعالى الموفق.

النوع الثالث: القلب، وهو جسم صنوبري الشكل لحمي الجوهر له جوف يحوي الدم والروح الحيواني ينشأ منه وينصب في الشرايين إلى سائر البدن، ولحمه قوي لئلا يتناثر من المؤذيات، وأعلاه غليظ لأنه منبت الشرايين وأسفله مستدق ليبعد عن عظام الصدر من جهاته، وله غلاف يسمّى الشغاف خلق لوقايته لأنه منبع الروح الحيواني ولهذا وضع في وسط البدن في موضع حصين مثل نتو من عظام الصدر والظهر والأضلاع وجعل هذا الحصن متجافياً عنه ليفيد الوقاية من غير مماسة، ولما كان محتاجاً إلى الدم الذي أنضجه الكبد ورققه ولطفه وأسخنه ليفيد قوة الحياة جعل القلب تجويف يرد إليه الدم من الكبد ويستقر فيه حتى يتغذى منه هو ويغذي غيره، ولما كان القلب محتاجاً إلى الغذاء كسائر الأعضاء وجب أن يرد إليه الغذاء الكبد فخرج من جذبة الكبد عرق عظيم ودخل في تجويف القلب من الجانب الأيمن ليملأ ما يتغذى منه القلب والباقي يسري في الشرايين إلى جميع البدن، ولما كان القلب محتاجاً إلى الإحساس بالمؤذي خلق له شعبة دقيقة متصلة بالغشاء الذي على القلب منشؤها من الدماغ لفائدتين، الأولى الإحساس بالمؤذي بواسطة الغشاء، والأخرى أن القلب معدن القوة الحيوانية وهذه القوة تنفعل بالأفعال النفسانية كالغضب والخوف والسرور والحزن، فهذه أفعال أسبابها أمور خارجة عن البدن، فالحواس تدركها وتؤديها إلى النفس فيصل آثارها إلى القلب فينفعل بالانفعالات التي تبتغي فوجب أن يكون بين الدماغ والقلب اتصال فجعل الشعبة الواصلة من الدماغ مبثوثة في جميع جرم القلب لتتم الفوائد التي ذكرناها، والله أعلم.

النوع الرابع: الكبد، وهو جسم لحمي ألين من القلب وأرطب، يحمل روحاً طبيعياً ودماً غذائياً ينفذ منه في العروق إلى سائر الأعضاء، وهو موضوع في الجانب الأيمن تحت الضلوع العالية من ضلوع الخلف، وشكله هلالي وتقعيره في الجانب الذي يلي المعدة، وحدبته تلي الحجاب، وهو مربوط برباطات تتصل بالغشاء الذي عليه وينبت من مقعره قناة تنقسم إلى أقسام منها ما يأتي قعر المعدة وإلى الأمعاء وبهذه الفوهات تجذب الغذاء إلى الكبد ويصير في الكبد ما ينضجه، وفي جذبة الكبد عروق تسمّى الأوردة يجري فيها الدم إلى سائر الأعضاء، وخلق جرم الكبد شبيهاً بالدم الجامد ليحيل الكيلوس فيه إلى شبه جوهرة.

النوع الخامس: المرارة، وهي وعاء المرة الصفراء، موضوعة في قعر الجانب الأعلى من الكبد، ولها مجريان: أحدهما يتصل بتقعير الكبد والآخر يتشعب فيتصل بالأمعاء العليا وبأسفل المعدة، فالمرارة تجذب من مقعر الكبد المرة الصفراء وتقذفها إلى الأمعاء، أما الجذب فلتصفية الدم عن المرة الصفراء، وأما القذف فلتنقية الأمعاء من الفضول وينصب منها إلى عضلة المخرج فيثبته على الحاجة. ولما كانت المعدة والأمعاء محتاجة إلى التنقية من الفضول لما بقي فيه من بقية الغذاء فضلة لزجة يتلطخ بها جعل للمرة مجرى ضيقاً إلى المعدة فتنصب إليها المرة وتجلوها من الخلط البلغمي وتغسلها فإنّ البلغم لا يزال يتولد في المعدة عند خلاء المعدة واشتداد الجوع، فلو كان انصبابها وقت امتلاء المعدة لاختلطت بالغذاء وأفسدتها.

النوع السادس: الطحال، وهو جسم لحمي طويل الشكل موضوع في الجانب الأيسر يحوي دماً سوداوياً ينبت منه قناتين: إحداهما تتصل بتقعير الكبد تجذب الخلط السوداوي من الدم لئلا ينفذ الدم مع السوداء، بل يصفو عن الخلط الرديء، والقناة الثانية تتصل بفم المعدة وتثبته على شهوة الغذاء، انظر إلى حكمة الصانع جلت قدرته كيف اقتضى تدبيره تصفية الدم من الصفراء والسوداء ليكون الغذاء صالحاً سليماً من الفضول ثم استعملها لفائدتين عظيمتين إحداهما: التنبيه على شهوة الغذاء، والأخرى التنبيه على خروج الفضلة.

النوع السابع: المعدة، وهي شبيهة بقرعة طويلة العنق مركبة بثلاث طبقات مركبة من شظايا دقاق شبيهة بشظايا العصب تسمّى الليف يحيط بها لحم، وليف أحد الطبقات بالطول والأخرى بالعرض والأخرى بالورب، فالليف الطولاني يجذب الغذاء والليف الذي بالعرض يدفعها، والمورب يمسكها، وبما تؤثر فيه الحرارة وتنضجها، ووضعت تحت القلب وبين الكبد والطحال يميناً ويساراً ولحم الصلب من خلف لينال من حرارة هذه الأعضاء فينهضم فيها الغذاء، وجعل أمامها إلى صفاق البطن ليمدد إذا امتلات من الغذاء وخلقت مستديرة الشكل لتسع غذاءً كثيراً، وقعرها أوسع من أعلاها لأن قامة الإنسان منتصبة وما يتناوله من الطعام والشراب ثقيل فميل الجميع إلى جهة قعر المعدة فوجب أن يكون أوسع، وفم المعدة مفتوح أبداً لأن وضعه فوق المعدة فلا يخرج منه ما في المعدة، وخلق مجراها إلى الأمعاء بحيث ينفتح في وقت وينغلق في وقت لأنّ وضعه أسفل فيحتاج الغذاء إلى أن يلبث فيه ريثما ينهضم، فلو كان مفتوحاً لنزل الغذاء فيه من غير هضم. فإذا صار الغذاء نضيجاً كف الماسكة عن الإمساك وأخذت الدافعة في الدفع إلى الأمعاء وخلق من خارج المعدة عليها غشاء وترب. أما الغشاء فليكون وقاية لها ويربطها بالأعضاء التي حولها، وأما الترب فلتسخين المعدة بالحار الدسم وجعل الترب من قدام أكثر لأن توقع وصول البرد من هذا الجانب أكثر، وخلق فم المعدة عصبانياً ليكون قوي الإحساس بالحاجة إلى الغذاء وخلق قعرها لحمانياً لينضج الغذاء بحرارة اللحم.

النوع الثامن: المعي، وهو جسم من جوهر المعدة مجوف ليس بواسع التجويف، له شظايا بالطول والعرض والورب، ينزل فيه ما انهضم من الغذاء، وهذا الجسم ينعطف ويلتف، وفي مروره عطاف كثيرة ويليه من الكبد جداول كثيرة ضيقة، وإنما خلق من جوهر المعدة ليتم فيه هضم ما قصرت المعدة عن هضمه، وإنّما خلق ضيقاً ليكون اشتماله على ما ينفذ فيه زماناً طويلاً فيتمكن من هضم الغذاء. وأما طوله فليهضم الثاني ما فات الأول، وهكذا إلى آخرها ولا يبقى مع الفضول غذاء فيه. وأمّا الشظايا فالموضوع بالطول لجذب الغذاء والموضوع بالعرض لدفعه والموضوع بالورب لإمساكه، والأمعاء جميعاً ستة وفي آخرها تجويف واسع يجتمع فيه الثفل كما يجتمع البول في المثانة، وعلى طرف هذا المعاء العضلة المانعة من الخروج حتى تطلقه عند الإرادة.

النوع التاسع: الكلية، وهي جسم صلب لحمي من شأنه تصفية الدم يجذب مائية ويرسل تلك المائية إلى المثانة، وهما اثنتان على جنبي خرز الصلب بالقرب من الكبد، ولكل واحدة منهما عنقان أحدهما يتصل بالعرق الطالع من جذبة الكبد والآخر يمر إلى المثانة. ولمّا كان الغذاء محتاجاً إلى قوام رقيق ليمكن نفوذه في العروق الدقيقة ولا بد لها من قوام صالح جذبت الكلية منها ما زاد على قدر الحاجة وأرسلتها إلى المثانة وخلق كليتان إذ لو كانت واحدة لكبر جرمها، فإن وضعت في أحد الجانبين مال البدن إليها، وإن وضعت في الوسط انفصلت عن الفقار.

النوع العاشر: المثانة، وهي جسم مجوف عصباني مؤلف من طبقتين على فمه عضلة تضمه وتفتحه وتمنع خروج البول من غير إرادة، وذكرنا أنها تفيض البول ويأتيها من الكليتين، وإنّما خلقت عصبانية لتحس بالامتلاء وجعل داخلها من ثلاث لفائف إحداها بالطول حتى تجذب المائية من الكليتين، والثانية بالعرض ليتم بها الدفع إلى خارج والثالثة بالورب ليتم بها الإمساك إلى أن يجتمع شيء كثير ثم تدفعها مرة واحدة، وجعل على فمها عضلة تفتحها وتغلقها بالاختيار.

النوع الحادي عشر: آلات التوليد، وهي متساوية في الذكور والإناث إلا أنّ القوة المدبرة أبرزت آلة الذكور لفرط حرارتهم وتركت آلات الإناث داخلة لنقصان حرارتهم فإذا فرضت الآلة بارزة، فالصفن الذي هو كيس الانثيين الرحم في الإناث، والإحليل عنق الرحم إلا أنّ الخصى في الذكور داخل الصفن، وفي الإناث خارج الرحم بجنبها ليتسع مكان الجنين، والانثيان من الرجل والمرأة من لحم غددي صلب ينصب المني منهما في الذكور إلى الإحليل وفي الإناث إلى داخل الرحم. والقضيب جسم عصبي نابت من عظم العانة، كثير التجاويف، فيه عروق كثيرة ينفذ منه مجريان إلى الأنثيين ينصب منهما المني إلى الاحليل، وهو بمنزلة رقبة الرحم التي في الإناث، ولما وجب أن يكون القضيب متواتراً حالة التوليد لإيصال المني إلى فم الرحم متقلصاً في غير تلك الحالة اقتضت القوة المدبرة خلقه من جوهر صلب ذي تجاويف حتى إذا امتلأ تجويفه من الريح توتر، وإذا خلا من الريح استرخى. والرحم من جوهر عصبي لتكون صادقة الحس والالتذاذ وليمكنها أن تتمدد وتتسع عند نتو الجنين، وتنقبض عند خلوها، وخلق للرحم بطنان يميناً ويساراً وجعل البطن الأيمن أسخن من البطن الأيسر ليكون الأيمن موافقاً للذكور والأيسر موافقاً للإناث، ولها عنق يمتد إلى القبل، وأنه بمثابة الإحليل من الذكر، هذا ما صح عند أصحاب التشريح، والله أعلم بالصواب.

خاتمة: قال بعض الحكماء في تشبيه بدن الإنسان بمدينة لما خلق الله تعالى بدن الإنسان وسواه ونفخ فيه من روحه كان مثل أساس بيته وتركيب أجزائه مثال مدينة بنيت من أشياء مختلفة كالحجارة والآجر واللبن والجص والطين والنورة والرماد والخشب والحديد وما شاكلها، فأحكم بنيتها وشيد بنيانها وحصن سورها وحفظ شوارعها وقسم محالها وزين منازلها وملأ خزائنها وأجرى أنهارها وفتح سواقيها وأشغل صناعها وأقعد تجارها ودبر ملكها وأخدم ملكها فخلق تسعة جواهر مختلفة أشكالها وهي ملاك بنيانها ثم ألفها وركب بعضها فوق بعض عشر طبقات متصلات بهندامها ثم أسندها بمائتين وثمانية وأربعين عموداً، ثم إنه سمرها ومد حبالها وشد وصالها بسبعمائة وعشرين رباطاً ممدودات ملتفات عليها، ثم قدر بيوتها وقسم جوانبها وأودعها إحدى عشرة خزانة مملوءة جواهر مختلفة ألوانها وخط شوارعها وأنفذ طرقاتها وفتح أبوابها ثلاثمائة وثلاثين مسلكاً لسكانها واستخرج منها عيوناً وشق فيها أنهاراً ثلاثمائة وستين جدولاً مختلفات بجريانها وفتح على سورها اثني عشر بابا من درجات مسالك لخزانها، وأحكم بناء هذه المدينة على أيدي ثمانية صناع متعاونين هم خدامها، ووكل بحفظها خمس حراس خواص على حفظ أركانها، ثم رفع هذه المدينة في الهواء على عمودين وحركها إلى ست جهات بجناحين ثم أسكن فيها ثلاث قبائل من الجن والإنس والملائكة هي سكانها، ثم رأس عليهم ملكاً واحداً وأمره بحفظها وأوصاه بسياستهم.

تفسير ذلك: أما الجواهر التسعة فهي: العظام والمخ والعصب والعروق والدم واللحم والجلد والظفر والشعر، والطبقات العشر هي: الرأس والرقبة والصدر والبطن والجوف والحقوان والوركان والفخذان والساقان والقدمان، والأعمدة هي: العظام، والرباطات هي الأعصاب، والإحدى عشر جزءاً هي: الدماغ والنخاع والرئة والقلب والكبد والطحال والمرارة والمعدة والمعى والكليتان والأنثيان، والشوارع والطرقات هي: العروق الضوارب والأنهار الأوردة، والأبواب الاثنا عشر: العينان والأذنان والمنخران والثديان والسبيلان والفم والسرة، والصناع الثمانية هي: القوة الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة والمصورة والحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس والعمودان: الرجلان، والجناحان اليدان، والجهات الست معروفة، والقبائل الثلاثة: النفوس، فالنفس الشهوانية كالجن، والنفس الحيوانية كالإنس، والنفس الناطقة كالملائكة، والرئيس الواحد عليهم هو العقل، والله الموفق للصواب.

النظر الخامس في القوى

القوى صنف من الملائكة خلقها الله تعالى لتدبير الأبدان وقوام منافع أعضائها الأفعال والإدراكات فتشبه أفعالها فيها أفعال صناع البلاد وسكانها، فإن حال البدن مع الروح وهذه القوى تشبه مدينة عامرة بآلاتها مأنوسة بسكانها مفتوحة الأسواق مسلوكة الطرقات مشتغلة الصناع وحاله عند النوم، وهذه الحواس وسكون الحركات تشبه حال المدينة بالليل إذا غلقت أبوابها وتعطلت صناعها ونام أهلها. ومنهم من قال: إنّ البدن كبيت بنقوش وصور عجيبة وألوان مختلفة، فالقوى تلك النقوش والصور والنفس كالسراج الذي يدار في أطراف البيت، وبسبب وصول ضوئه إلى آخر البيت يرى له في سقفه وحيطانه وفرشه عجائب بينهن فيها بل في كل زاوية من زواياه مثل الحس والعقل والفهم والقوى الظاهرة والباطنة والجمال وغيرها، فإذا فارق النفس بطلت هذه المعاني، كما أنّ البيت عند انطفاء السرج لا يرى لتلك النقوش والصور أثر، وعجائب القوى خارجة عن فهم الإنسان لكن أحببت أن أذكر بعض ما أدركه أذكياء النفوس من الحكماء ومن العجائب المودعة في الأنواع الأربعة من القوى، والله الموفق للصواب.

النوع الأول

القوى الظاهرة وهي الحواس الخمس.

الأولى: حاسة اللمس، وهي قوة منبثة في جميع جلد البدن تدرك ما يلاقيه ويؤثر فيه فإنّها أول حاسة خلقت للحيوان حتى إذا مسه نار أو حديد جارح يحس به فيهرب منه، ولا يتصور حيوان إلا وله هذه الحاسة حتى الدودة التي في الطين فإنّها إذا غرز فيها إبرة انقبضت.

الثانية: الشم، وهي قوة في مقدم الدماغ تدرك الروائح التي يؤدي إليها الهواء المتكيف بتلك الكيفية.

الثالثة: البصر، وهو قوة مرتبة في عصبة مجوفة في العين تدرك الأشياء صور ذوات الأضواء والألوان، فإنّ الضوء إذا سرى في الأجسام الشفافة وحمل معه ألوان الأجسام واتصل بحدقة الحيوان وسرى فيها كما يسري في الأجسام الشفافة انصبغت الحدقة بتلك الألوان كما ينصبغ الهواء بالضياء، فعند ذلك تحس القوى الباصرة.

الرابعة: السمع، وهو قوة مرتبة في عصب داخل الصماخ يدرك الصوت الذي يؤدي إليه الهواء بالتموج وحاله شبيهة بتموج الماء فإنّ الهواء أشد لطافة من الماء، فإذا وقع شيء في الماء يحدث من وقوعه دوائر، وكلّما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه إلى أن يضمحل، فكذلك يحصل من وقوع الصوت في الهواء تموج، فأي سامع حصل في ذلك التموج دخل أذنه فتحس به القوة السامعة.

الخامسة: الذوق، وهو قوة منبثة في جرم اللسان يدرك بها ما يماسه من الطعوم: بواسطة الرطوبة العذبة التي تحت اللسان، فإنّ تلك الرطوبة تخالف الجسم الذي فيه

كيفية الطعم فيتكيف بتلك الكيفية فيحصل الإحساس بالطعم.

فصل: في فوائد هذه القوى

أما اللمس فقد بينا أن كل حيوان له هذه الحاسة حتى الدودة تدرك بها الحار والبارد والرطب واليابس والصلب واللين والخشن والأملس والثقيل والخفيف إلا أن الحيوان لو لم تخلق له إلا هذه القوة لكان ناقصاً إذا كان لا الغذاء إذا كان بعيداً يحس عنه فافتقر إلى قوة أخرى يدرك بها ما يبعد عنه فاقتضت حكمة الباري تعالى خلق البصر ليدرك به ما بعد عنه ويدرك جهته إلا أنّه لو اقتصر على هذا لكان أيضاً ناقصاً لأنه لا يدرك إلا الشيء المحاذي، وأما ما بينه وبينه حجاب فلا يمكنه إدراكه إلا بكلام منظوم فاقتضت حكمة الباري تعالى السمع ليدرك به الغرض ممن يكون وراء الجدار، ولو اقتصر على هذا لكان ناقصاً لأنه إذا وصل إليه الغذاء فلا يدري أنه موافق أو مخالف، فربّما يكون شيئاً مضراً فيهلكه فاقتضت حكمة الباري عز وجل خلق الذوق ليدرك به الموافق والمخالف.

النوع الثاني

القوى الباطنة، وهي أصناف:

الأولى: القوى الجاذبة، وهي التي تجذب النافع من الغذاء وهي موجودة في سائر الأعضاء لأنّ كل عضو يجذب ما يوافقه وغذاء كل عضو يخالف غذاء الآخر.

الثانية: الماسكة، وهي التي تمسك الغذاء ريثما تتصرف فيها القوة المغيرة، وذلك بأن تجعل العضو محتوياً على الغذاء بحيث لا تترك فرجة.

الثالثة: الهاضمة، وهي التي تحيل ما جذبته الجاذبة وأمسكته الماسكة إلى مزاج صالح تجعل بعضها جزءاً من المغتذي وبعضها فضلاً.

الرابعة: الدافعة، وهي التي تدفع الفضل الذي لا يصلح أن يكون غذاء أو زاداً على قدر الكفاية، والله أعلم بالصواب.

الصنف الثاني

القوى الخادمة، وهي أربع أيضاً:

الأولى: الغاذية، وهي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذي ليخلف بدل ما يتحلل. الثانية النامية وهي التي تزيد في أقطار الجسم على التناسب الطبيعي ليبلغ به تمام النشو، والفرق بينها وبين الغاذية أنّ الغاذية تورد الغذاء تارة مساوياً وتارة زائداً وتارة ناقصاً. وأما النامية فلا تورد إلا زائداً من المتحلل.

الثالثة: المولدة، وهي القوة التي تولد ما يصلح أن يكون مبدأ لشخص آخر كالنطفة في الحيوان والحب والنوى في النبات.

الرابعة: المصورة، وهي التي يصدر عنها التخطيط والتشكيل والملاسة والخشونة وأمثال ذلك.

فصل: في الفوائد العجيبة لهذه القوة في أمر التغذية

وذلك أن تصير جزء النبات جزء الحيوان بأن تصيره في المعدة مثل ماء الكشك الثخين ثم تجذبه إلى الكبد فيصير دماً ثم الكبد يقسمه على البدن بواسطة الأوردة فيصل إلى كل عضو حظه فيصير لحماً وعظماً بأطوار وتصرفات كثيرة فيه، كما أن البر يجعل طحيناً ثم خبزاً بتصرف صناع البلد فيه فصناع الباطن القوى كما أن صناع الظاهر أهل البلد، فقد أسبغ الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة فأقول لا بد من قوة تجذب الغذاء إلى جوار اللحم والعظم، فإنّ الغذاء لا يتحرك بنفسه ولا بد من قوة أخرى تمسك الغذاء في جواره ريثما تعمل فيه القوة الأخرى، ولا بد من قوة أخرى تخلع عنه صورة الدم وتعطيه صورة العضو، ولا بد من قوة أخرى تدفع عنه الفضل والزائد على الحاجة، فهذه هي القوة الخادمة ثم لا بد من قوة تلصق ما اكتسب صفة العظم بالعظم وما اكتسب صفة اللحم باللحم حتى يصير جزءاً منهما، ثم لا بد من قوة تراعي المقادير في الإلصاق فيلحق بالمستدير ما لا يبطل استدارته وبالعريض ما لا يزيل عرضه وبالمجوف ما لا يزيل تجويفه، ويحفظ على كل واحد قدر حاجته، فلو جمع على الأنف من الغذاء مقدار ما يجمع على الفخذ كبر الأنف وبطل تجويفه وتشوهت صورة الإنسان بل ينبغي أن يسوق إلى الأجفان مع دقتها، وإلى الحدقة مع صفائها وإلى الفخذ غلظها وإلى العظام مع صلابتها ما يليق بكل واحد من حيث القدر والشكل وإلا بطلت الصورة، ولا بد من قوة أخرى تتصرف في أمور التناسل بأن الغذاء يفصل من جوهر النطفة لبقاء النوع فإن كل فرد من الأفراد ضروري الفناء ولا بد من قوة أخرى يصدر عنها تمريخات مختلفة بحسب كل عضو حتى يجعل من النطفة المتشابهة الأجزاء أعضاء مختلفة طويل وعريض ومستدير وذو زاوية ومجوف ومصمت ودقيق وغليظ وصلب ورخو، وهي أنقاش تنقش في ظلمة الأحشاء هذه الأشكال العجيبة الحدقة والأجفان والجبهة والخد والأنف والشفة والذقن ولا يرى ذلك النقاش لا داخلاً ولا خارجاً ولا خبر للأم به ولا للأب، فسبحان من فتح عين أوليائه حتى شاهدوه في جميع ذات العالم.

الصنف الثالث

القوى المدركة التي في الباطن وهي خمس:

الأول: الحس المشترك، وهي قوة في مقدم الدماغ تدرك صورة المحسوسات على سبيل المشاهدة، وذلك غير البصر ألا ترى القطرة النازلة خطاً مستقيماً والنطفة الدائرة بسرعة خطاً مستديراً وليس ذلك في البصر لأنّ البصر لا يدرك إلا المقابل والمقابل نطفة وقطرة فالذي يدرك الخط والدائرة قوة أخرى غير البصر، فالصور الواردة على هذه القوة تارة تكون من خارج بواسطة الحواس وتارة تكون من داخل.

إن القوة الثانية: المتخيلة ربما ركبت صورة وأوردتها على الحس المشترك فتصير مشاهدة كالصور التي يدركها الحس المشترك وهي خزانته.

الثالثة: الوهم، وهو قوة في وسط الدماغ التي تدرك المعاني الجزئية المعلقة بالمحسوسات كصداقة زيد وعداوة عمرو وهي التي تحكم في الشاة أن الولد معطوف عليه والذئب مهروب منه

الرابعة: الحافظة، وهي قوة في مؤخر الدماغ تحفظ المعاني التي يؤدي إليها: الوهم كأنها خزانته.

الخامسة: المفكرة، وهي قوة في وسط الدماغ أيضاً تتصرف في الصور الموجودة في الخيال والمعاني الحاصلة في الحافظة بالتفصيل والتركيب، فإن كانت في طاعة العقل تسمّى مفكرة وإن لم تكن تسمّى متخيلة وهي التي تتخيل إنساناً عظیم الرأس أو إنساناً ذا رأسين.

النوع الثالث

القوى المحركة وهي صنفان:

الأولى: الباعثة، وهي ضربان: الأول الشهوانية وهي القوة التي تدعو إلى طلب النافع، ومن جملتها شهوة المأكول، فإنّها مادة القوى كلها، فلو خلق للحيوان جميع القوى سوى الشهوانية لكانت القوى كلها ساطعة والحواس معطلة فكم من مريض يرى الطعام وقد يقع الاشتياق له وقد سقطت شهوته، فالقوى كلها بسبب ذلك معطلة فاقتضت حكمة الباري تعالى شهوة الغذاء في الحيوان ووكلها به ليضطروه كالمتقاضي إلى التناول ليبقى بالغذاء سليم القوى صحيح الأعضاء، ومنها شهوة الوقاع، فلو لم يخلق للحيوان هذه القوى لأدى إلى انقطاع نسله سيما نوع الإنسان، فإنّ له قوة الفكر والحفظ كأن يمتنع عن المباشرة لما فيه من تعب الحمل والوضع والتربية فاقتضت حكمة الباري تعالى قوة الوقاع في الحيوان ووكلها به كالمتقاضي لتدعوه إلى الوقاع فيبقى نسله.

الضرب الثاني: القوة الغضبية، وهي التي تدعو إلى الغلبة، فلو لم يخلق للحيوان هذه القوة لبقي عرضة للآفات لأنّه كثير الأعداء، فكل حيوان يقصد إما نفسه ليجعله طعمة أو يقصد ما عنده من الغذاء، ونوع الإنسان أحوج إلى هذه القوة لكثرة من يزاحمه في النفس والمال والجاه والحرم وغيرها، فلا بد للحيوان من قوة يدفع بها من يغلبه بالدفع.

الصنف الثاني

القوة الفاعلة، وهي التي يصدر عنها تحريك الأعضاء بمباشرة الأفعال طاعة للقوة الشوقية وذلك بأن تشد الأوتار أو ترخيها فتحرك بها الأعضاء والمفاصل، فلولا هذه القوة لكان جميع بدن الحيوان كاليد الشلاء فكان الانفعال والقبض والبسط غير ممكن، فلم يكن له آلة الطلب والهرب كالزمن فاقتضت حكمة الباري عز وجل آلات الحركة لتكون حركته بمقتضى الشهوة طلباً، وبمقتضى الكراهة هرباً.

النوع الرابع

القوى العقلية، وهي أربع مراتب.

الأولى: القوة التي بها يفارق الإنسان البهائم وهي استعداده لقبول العلوم النظرية والصناعات الفكرية.

الثانية: القوة التي تدخل الوجود للصبي المميز وبها يدرك الضروريات والممكنات والممتنعات كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد والشخص والواحد لا يكون في مكانين فيقال له التصورات والتصديقات الضرورية.

الثالثة: قوة تحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال فمن اتصف بها يقال له عاقل في العادة ومن خلا عنها يقال له غبي غمر وهي معان مجتمعة في الذهن فيستنبط بها مصالح الأغراض.

الرابعة: قوة يعرف بها حقائق الأمور مبادئها ومقاطعها حتى يقمع الشهوة العاجلة للذة الآجلة ويحتمل المكروه العاجل لسلامة الآجل فيسمى صاحبها عاقلاً حيث إن اقدامه وإحجامه بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة العاجلة، والأولان مجبولان والأخيران مكتسبان، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:

رأيت العقل عقلين                    فمطبوع ومسمـوع

فلا ينفع مسموع                       إذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس                    وضوء العين ممنوع

فصل: في تفاوت الناس في العقل

اختلف الناس فيه والحق أنّ التفاوت يتطرق إلى القسم الأول والثالث والرابع الثاني فهو العلم بوجوب الضروريات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات فإنّه غير قابل للتفاوت.

أما القسم الأول

وهو الغريزة، فالتفاوت فيه لا سبيل إلى جحده فإنّه مثل نور يشرق على النفس ومبادىء أشراقه عند سن التمييز ثم لا يزال ينمو إلى تمام الأربعين، وقد شاهدنا الناس في ذلك مختلفين في فهم العلوم وانقسامهم إلى ذكي وبليد ومغفل ويقظ. وقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديث طويل آخره: "قال الله تعالى: إنّي خلقت العقل من أصناف شتى كعدد الرمل، فمن الناس من أعطي حبة ومنهم من أعطي حبتين ومنهم الثلاث والأربع ومنهم من أعطي فرقاً ومنهم من أعطي وسقاً، ومنهم من أعطي أكثر ذلك". (ومن الحكايات العجيبة) ما حكي أنّ بعض الأطباء دخل على مريض وجس نبضه وشاهد تفسرته فقال له: لعلك تناولت شيئاً من الفواكه، قال المريض: نعم، فقال الطبيب: لا ترجع تأكل فإنّها تضرك، ثم دخل عليه في اليوم الثاني ورأى النبض والتفسرة فقال: لعلك أكلت لحم فروج، قال المريض: نعم، فقال الطبيب: لا ترجع تأكله فإنّه يضرك، فتعجب الناس من حذق الطبيب، وكان للطبيب ابن فقال له: يا أبت كيف عرفت تناوله الفاكهة والفروج؟ قال: يا بني ما عرفت ذلك بالطب وحده بل بالطب والفراسة، فقال له: كيف عرفت بالفراسة؟ فقال: إني لما دخلت دار المريض رأيت على سطح الدار سقاطات الفواكه ثم رأيت في وجه المريض انتفاخاً وفي النبض ليناً وفي التفسرة غلظاً وفجاجة، وعلمت أنّ الفاكهة إذا حضرت عند المريض لا يصبر عنها فظهر لي من هذه الشواهد أنّه تناول الفاكهة وما جزمت بها بل قلت: لعلك أكلت، وفي اليوم الثاني رأيت على باب الدار ريش الفروج وفي النبض امتلاء وفي الرسوب غلظاً، فعرفت أنّ الفروج لا يأكله إلا المريض غالباً، فظهر بهذه الشواهد وما جزمت به بل قلت لعلك فعلت هذا، فسمع ابنه هذا الكلام فأحب أن يسلك مسلك أبيه فدخل على مريض وجس نبضه وشاهد تفسرته فقال له: لعلك أكلت لحم حمار، فقال المريض: حاشا وكلا كيف يؤكل لحم الحمار أيها الطبيب؟ فخجل ابن الطبيب وخرج، فانتهى ذلك إلى أبيه فأحضره وسأله: كيف عرفت أنه أكل لحم الحمار؟ فقال: لأني رأيت في دارهم برذعة فعلمت أنها لا تكون إلا للحمار ثم قلت لو كان الحمار حياً لكانت برذعته عليه وإذا لم يكن حياً فإنّهم ذبحوه وأكلوه، فقال أبوه: لو كان شيء من هذه المقدمات صحيحاً لرجوت فيك النجابة، ولكن المقدمات كلها فاسدة وطمع النجابة فيك محال ونعم ما قال:

فلا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع

وحكي أن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان جالساً يذكر الدروس فدخل عليه شخص ذو هيئة فلما بدا قال لأصحابه: تثبتوا كيلا يأخذ عليكم هذا الرجل شيئاً، فلمّا جلس وأبو حنيفة رحمة الله عليه يذكر أوقات الصلاة قال: أمّا الصبح فوقته من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس زال وقتها، فقال ذلك الرجل: فإن طلعت الشمس قبل الفجر كيف يكون حكمها؟ فالتفت أبو حنيفة إلى أصحابه وقال: كونوا كما شئتم فإنّ الأمر على خلاف ما حسبنا. وحكي أن معاوية بن مروان ضاع له باز فقال: أغلقوا باب المدينة كيلا يخرج. وحكي أن الوزير أبا السعادات خطا الفرس تحته فأمر بقطع قضيبه فقيل له في ذلك فقال: أعطوه ولكن لا تعرفوه أنّي علمت ذلك.

أما القسم الثالث

وهو علم التجارب والرسوم والعادات فتفاوت الناس فيه ظاهر ويدل عليه حكايات منها ما حكي أنّ أبا النجم العجلي دخل على هشام بن عبد الملك وأنشد أرجوزته التي أولها:

الحمد لله الواهب المجزل

وهي من أجود شعره وهشام أصغى إليه إلى أن انتهى إلى قوله:

والشمس في الجو كعين الأحول

فغضب هشام وكان أحول وأمر بصفعه وإخراجه. وحكي أن بعض الملوك قال لصاحب خيله: قدم الفرس الأبيض، فقال له الوزير: لا تقل الفرس الأبيض فإنّه عيب يخل بهيبة الملوك ولكن قل الفرس الأشهب، فلمّا أحضر السماط قال لصاحب سماطه قدم الصحن الأشهب، فقال له الوزير: قل ما شئت فما في تقويمك حيلة. وحكي أن عتاب بن ورقاء دخل على عمرو بن هداب وقد كف بصره فقال له: يا سيدي لا يسوك فقدهما فإنك لو رأيت ثوابهما لتمنيت أن الله تعالى يقطع يديك ورجليك ويدق عنقك.

القسم الرابع

انتهاء القوة الغريزية إلى حد يعرف به عواقب الأمور ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة لأجل سلامة العاقبة، ولا يخفى اختلاف الناس فيه فإن إقدام الشبان على المعاصي أكثر من إقدام المشايخ وكذلك إقدام العلماء أقل من إقدام العوام لقوة علمهم بضرر المعاصي كما ترى أنّ الأطباء أقدر على الاحتماء من غيرهم. وحكي أنّ بعض الملوك كان يتخذ كل سنة وزيراً فإذا تمت السنة عزله وبعثه إلى جزيرة واستوزر غيره إلى أن اتخذ وزيراً عاقلاً، فلما ولي بعث إلى تلك الجزيرة وبنى بها داراً لنفسه ونقل إليها ما كان له من الأموال، فلمّا تمت السنة لم يعزله الملك بل أقره على حاله، فسئل الملك عن ذلك فقال: اعلموا أني كنت محتاجاً إلى وزير عاقل ينظر في العواقب فما وجدت إلاّ من يراعي الحال ولا ينظر في العواقب فكرهت أن أعجل عزله فصبرت على سوء تدبيره سنة فلما عزلته كرهت اختلاطه بالناس وهو مطلع على أسرار ملكي فبعثته إلى الجزيرة، وأما هذا الرجل فوجدته مراعياً للعواقب في جميع أموره فلست أستبدل به ما دام هذا تدبيره، والله الموفق للصواب بمنه وكرمه.

فصل: في خواص الإنسان وفوائد أجزائه وهو النظر السادس

أما خواصه فكثيرة، منها النطق وهو القوة التي يعرف بها الإنسان ما في ضمير غيره بواسطة رمز أو إشارة أو كناية، والكلام أقوى الدلالات منها.

ومنها قوة التعجب وهي التي توجب الضحك عند رؤية ما يتعجب منه، وذلك من خاصة الإنسان دون غيره من سائر الحيوان.

ومنها نبات الشعر على رأسه بخلاف سائر الحيوانات لأن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون شعر الحيوان كسوتها ووقايتها من الحر والبرد، وأما الإنسان فلمّا كانت كسوته من خارج جعل شعره على رأسه ليكون زينة ووقاية، وخلق الإنسان أزعر إذ لو كان أزغب لبطل الجمال وحاسة اللمس.

ومنها الشيب فإنّه لا يوجد إلا في الإنسان، وسببه أن الإنسان أضعف حرارة وأكثر رطوبة، وبياض الشعر إنّما يكون من بلغم متعفن، ولهذا لا يوجد إلا عند تغير المزاج إلى الرطوبة في آخر سن الكهولة عند قصور الحرارة وكثرة الرطوبة فيحدث بخار متراوح متعفن يتولد منه شعر أبيض.

ومنها أنه إذا لمس العضو الوجع بالكف خفف وجعه وكذلك إذا أصابه ضربة أو خدشة يمسكها بكفه فيسكن في الحال.

ومنها سراية بعض الأمراض، زعموا أنّ من أدام النظر إلى العين الرمدة ترمد عينه، ومن خالط الأجرب والأبرص والمجذوم يحل به مثله.

ومنها أنّ الأبرص إذا مشى حافياً على الأرض لا ينبت موضع قدمه.

ومنها أنّ الإنسان إذا خصي يضعف بدنه بخلاف كثير من الحيوانات وينتن ريحه ويتغير رأيه وتكثر شهوة أكله وتطول عظامه وتعوج أصابعه وتقوى شهوة جماعه ويحتلم كثيراً ويطول عمره ويقل شعر بدنه ويصير صوته حاداً دقيقاً، ومن عجيب ما يعرض للخصيان سرعة الغضب والرضا وضيق الصدر عن كتمان السر وحب اللعب بالشطرنج.

ومنها أنّ الأعمى يصير أكثر الناس نكاحاً كما أنّ الخصي يصير أصح الناس إبصاراً فإنّهما طرفان ما نقص من أحدهما زاد في الآخر فازداد العميان، إما قوة الفهم أو الحفظ أو النكاح. ومنها أن الحائض إذا كشفت عن سرتها انقشع السحاب وإذا استقلت في أرض يخاف عليها البرد سلمت من ضرره وإذا دنت من الرياض والأشجار فسدت وإذا مرت في المقثأة تصير القثاء مرة، وإذا نظرت في المرآة تكدرت، وإذا وطئها الرجل يصير بليداً وينقص من نشاطه وطراوته وحسنه، وإذا مست المصروع سكن صرعه، وإذا وطئت سلخ الحية ماتت تلك الحية وإذا رعت الغنم لم يقربها الذئب ولو دنا منها يوجع بطنه، وخرقة حيضها إذا شدت على مؤخر السفينة تأمن من الرياح المخالفة.

ومنها أن صاحبة الطلق إذا لبس قميصها من به حمى الربع قبل أن يغسل تزول عنه.

فصل: في فوائد أجزاء الإنسان

شعره يدخن به ينفع من النسيان، ويغلى على النار ثم يطلى به رجل المنقرس يزول وجعه، وشعر المرأة إذا وقع في الماء الملح المكشوف للشمس يصير حية، جمجمة الإنسان إذا كانت نخرة تجعل في برج الحمام يكثر فيه ويألفه، وإذا وقعت في أرض يهرب عنها البق، دماغه يسقى للملسوع أو يجعل على الموضع قدر حبتين أخرج السم من الموضع. ودمع الإنسان إذا كان من الفرح وهو بارد يجمع ويعطى للحزين يزول حزنه، وإن أعطي للمصروع يزول صرعه، وإن كان من حزين يجمع ويعطى إنساناً يبكي بكاءً شديداً ريقه سم العقرب، ذكر جالينوس أنّ ههنا رجلاً يرقي العقارب فتموت فأحضره وأحضر غداء وأكل معه ثم أحضر عقرباً فرقي وتفل عليها فلم يظهر بها شيء، فعلم أن تلك الخاصة للعاب على الريق. ريق الصائم يبل به المغناطيس تبطل قوته فلا يجذب الحديد. أول سن تقع من الصبي يحفظ كيلا تقع على الأرض وتتخذ لها عروة من الفضة وتعلق على المرأة لا تحبل، وزعم بعضهم أنّ السن التي تقع من الألم يوم السبت أول الشهر إذا جعلت تحت رأس من يغط في نومه فإنّه لا يغط، وسن الصبي تدق ناعماً وتجعل على نهش الحيات تنفع نفعاً بيناً. سن الميت تعلق على من به وجع السن يسكن ألمه. عظم الميت يعلق على صاحب الحمى الربع تزول حماه، وتشد على رجل المنقرس تنفعه، ويسحق وينفخ في دماغ السكران يبطل سكره، ومن غلب عليه السهر فإن كان رجلاً ينفخ في دماغه سحاقة عظم المرأة الميتة فإنّه ينام، وإن كانت امرأة نفخ في دماغها سحاقة عظم الرجل الميت فإنّها تنام. عظم الإنسان يحرق ويسقى من الصرع. قال جالينوس: رأيت إنساناً يسقي الناس به تبرأ. سرة الإنسان المقطوعة حال ولادته يجعل شيء منها تحت فص زبرجد من تختم به أمن من القولنج. قلفة الصبي تجفف وتدق ويخلط معها شيء من المسك ويسقى من به ابتداء الجذام يقف ولا يزيد. خصيته إذا علقت في خشبة وغرزت في وسط الزرع لا يقربه الجراد، وكذلك لو جعل في بستان، ولو أكل خصية الإنسان كلب أو سنور أصابه الجنون، ولو جففت وسحقت واكتحل بها الأجهر يزول عنه، ولو أكل منها الخصي يحتلم. زعموا أن قلامة أظفار الإنسان كلها إذا أحرقت وسقيت إنساناً يحبه حباً شديداً بشرط أنّه لا يعلم، قالوا: إنه مجرب. دمه يخلط بالماء ويطلى به بدن اللديغ يسكن وجعه، وإذا رعف الإنسان فكتب اسمه بدمه على خرقة ووضعها نصب عينيه انقطع دمه. دم الحيض يطلى به عضة الكلب الكلب دمه يبرئه، وكذلك من البهق والبرص، وإذا طليت العين به من خارج سكن وجعها. دم الحيض للبكر ينفع من بياض العين إذا اكتحل به. ثدي الجارية إذا طلي بدم بكارة الجارية حال افتضاضها لا يكبر. نطفته يطلى بها البهق والبرص والقوباء يزيلها، وإذا خلط به زهر الغبيرا أو جفف وأعطي امرأة عشقته عشقاً مبرحاً. عرقه إذا ترشح في الحمام يطلى به الدماميل ينضجها. عرق المصارعين يطلى به ثدي المرأة التي انعقد اللبن من ثديها يزول وجعها. عرق النسا يطلى به الجرب ينفعه. لبن النساء يشرب مع شيء من العسل يفتت الحجر من المثانة. لبن الجارية يداف بشيء من الزعفران أو. حب السفرجل ويقطر في الأذن قليلاً قليلاً يسكن وجعها. بوله يغلى ويطلى به رجل المنقرس يزول وجعها، وإذا شرب ينفع من نهش الأفاعي والأدوية القتالة. بول الصبي الذي لم يحتلم يطبخ في إناء نحاس مع العسل جلاء للبياض العارض في العين ويشرب منه صاحب اليرقان ماء مقداره رطل بحيث لا يدري يزول عنه ذلك. بول من لم يبلغ عشرين إذا شربه صاحب البرص برىء منه ويطلى به الجرب المتقرح والحكة والقوباء يمنعها من أن تسعى. قال ابن سينا: بول الإنسان مع رماد الكرم يوضع على موضع النزف يقف وينفع من نهش الأفاعي شرباً، وقال أيضاً: أمر إنسان مطحول في النوم يشرب من بوله كل يوم ثلاث حفنات ففعل فعوفي وجرب، فوجد عجيباً. رجيعه في الصبا، يكتحل به يزيل بياض العين. قال بليناس يداف شيء منه مع خل خمر ويسقى من به القولنج العسر فإنّه يطلق، ومن لسعته الرتيلا يسقى منه ويجعل في تنور حتى يعرق عرقاً كثيراً فإنّه ينجو من الموت ويؤخذ الرجيع من بيت الزنبور ويحرقان، ويطلى به الجرب في الحمام ثلاثة أيام فإنّه يزول، وإن اكتحل به أياماً يزول جرب العين، وإذا جفف الرجيع وسحق وعجن بالعسل ويطلى به ينفع من الخوانيق ويزيلها، وكذلك شربها ينفع أيضاً لمن أصابه سهم مسموم. حيات بطن الإنسان تجفف وتسحق ويكتحل بها يذهب بياض العين، والله الموفق للصواب.

النوع الثاني من الحيوان

زعموا أن الجن حيوان ناري مشف الجرم من شأنه أن يتشكل بأشكال مختلفة، واختلف الناس في وجود الجن فمنهم من ذهب إلى أن الجن والشياطين مردة الإنس وهم قوم من المعتزلة، ومنهم من ذهب إلى أنّ الله تعالى خلق الملائكة من نور النار وخلق الجن من لهبها والشياطين من دخانها، وأنّ هذه الأنواع لا يراها الناظر وأنّها تتشكل بما شاءت من الأشكال، فإذا تكاثفت صورتها يراها الناظر، وجاء في الأخبار أن نوع الجن في قديم الزمان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام كانوا سكان الأرض وكانوا قد طبقوا الأرض براً وبحراً وسهلاً وجبلاً وكثرت نعم الله تعالى عليهم، فكان فيهم الملك والنبوة والدين والشريعة فطغت وبغت وتركت وصية أنبيائها وأكثرت في الأرض الفساد فأرسل الله تعالى عليهم جنداً من الملائكة فسكنت الأرض وطردت الجن إلى أطراف الجزائر وأسرت منها كثيراً، وكان ممن أسر عزازيل وجرى بينهم قتال، وكان عزازيل إذ ذاك صبياً نشأ الملائكة وتعلم من علمهم وأخذ يسوسهم وطالت أيامه حتى صار رئيساً فيهم وبقي الأمر على ذلك زماناً طويلاً حتى جرى بينه وبين آدم ما جرى كما قال الله تعالى: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس)، وقال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)، قال مجاهد: لإبليس خمسة من الأولاد وقد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره فذكر أنّ أسماءهم بيره والأعور ومسوط وداسم وزلنبور، أمّا بيره فصاحب المصائب يأمر بالثبور وشق الجيوب، وأمّا الأعور فإنّه صاحب الزنا يأمر به ويزينه في أعينهم، وأما مسوط فصاحب الكذب، وأما داسم فيدخل بين الزوجين ويوقع بينهما البغضاء، وأمّا زلنبور فهو صاحب السوق، فبسببه لا يزال أهل السوق متخاصمين.

وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن إبليس لما نزل إلى الأرض قال: يارب أنزلتني وجعلتني رجيماً فاجعل لي بيتاً، قال: الحمام، قال: فاجعل لي مجلساً، قال: الأسواق ومجامع الطرق، قال: فاجعل لي طعاماً، قال: ما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فاجعل لي شراباً، قال: كل مسكر، قال: فاجعل لي مؤذناً، قال: المزامير، قال: فاجعل لي قرآناً، قال الشعر، قال: فاجعل لي خطاً، قال: الوشم، قال: فاجعل لي حديثاً، قال: الكذب، قال: فاجعل لي مصائد، قال النساء".

فصل: في عجائب من مكائد الشيطان

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان راهب في بني إسرائيل اسمه برصيصا مستجاب الدعوة فأخذ الشيطان جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند الراهب فحملوها إليه فأبى أن يقبلها، فما زالوا به حتى قبلها وكانت عنده ليعالجها فأتاه الشيطان فوسوس إليه وزين له مقاربتها، فلم يزل حتى وقع عليها فحملت منه فوسوس إليه وقال: الآن يأتيها أهلها فتفتضح فاقتلها وقل لهم ماتت، فقتلها ودفنها فأتى الشيطان أهلها وأخبرهم أنّه أحبلها وقتلها ودفنها، فأتاه أهلها وأرادوا قتله فأتاه الشيطان وقال له: أنا الذي أخذتها وأنا الذي ألقيت في قلوب أهلها فأطعني تنجح وتنج واسجد لي سجدتين، ففعل فقتل على الكفر، قال تعالى: (كمثل الشيطان إذا قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنّي بريء منك إني أخاف الله رب العالمين). ومنها ما روي عن عيسى عليه السلام أنّه لمّا رفع كان له تلامذة يدعون الناس إلى التوحيد وأكبرهم أربع نفر مرقس وهو أصغرهم سناً ومحسن وهو أعبدهم ومنبوس وهو أوسطهم ويوقاس وهو أسنهم، فبنى كل واحد منهم صومعة يعبد الله تعالى فيها فجاء الشيطان إلى مرقس وبيده سراج فقال له: من أنت؟ قال: أنا رسول المسيح إليك وإلى أصحابك يقول ويلكم أنتم عرفتم أنّي كنت أبرىء الأكمه والأبرص وأحبي الموتى ومن كان كذلك يكون إلها فكيف تنسبوني إلى العبودية، فنزل عن صومعته ودخل على محسن وأخبره بما سمع من الشيطان فقاما إلى صومعة منبوس وذكرا له ما كان من الشيطان فقال منبوس: كانت نفسي تحدثني بذلك غير أني كنت أكذبها، فقاموا إلى صومعة بوقاس وحدثوه بذلك فقال لهم: إنّ عيسى ثالث ثلاثة فدعوا الناس إلى ذلك فضلوا وأضلوا لعنهم الله.

ومنها ما ذكر في الإسرائيليات أن عابداً سمع أنّ قوماً يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فقام بالفأس لقطع الشجرة فلقيه إبليس لعنه الله في صورة شيخ فقال له: وأي شيء تريد يرحمك الله؟ فقال: أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله، فقال له: ما أنت وذاك تركت عبادتك وتفرغت لهذا فالقوم إن قطعتها يعبدون غيرها، فقال العابد: لا بد لي من قطعها، فقال إبليس: أنا أمنعك عن قطعها فقاتله العابد وضربه على الأرض وقعد على صدره، فقال له إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فأطلقه فقال له: يا هذا إنّ الله تعالى قد أسقط عنك هذا وله في الأرض عباد لو شاء أمرهم بقطعها، فقال له العابد: لا بد لي من قطعها فنابذه للقتال فغلبه العابد مرة أخرى وصرعه فقال له إبليس لعنه الله: هل لك أن تجعل بيني وبينك أمراً هو خير لك من هذا الحال؟ فقال له العابد: وما هو؟ فقال له: أنت رجل فقير فلعلك تحب أن تتفضل علی خوانك وجيرانك وتستغني عن الناس فقال: نعم، فقال: ارجع عن علي أن أجعل تحت رأسك كل ليلة دينارين تأخذهما وتنفقهما على عيالك وتتصدق منهما فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع هذه الشجرة، فتفكر العابد وقال: صدقت فيما قلت، فعاهده على ذلك وحلف له وعاد العابد إلى متعبده، فلما أصبح العابد رأى دينارين تحت رأسه فأخذهما، وكذلك في اليوم الثاني، فلما كان في اليوم الثالث وما بعده لم ير شيئاً فغضب وأخذ الفأس وذهب نحو الشجرة فاستقبله إبليس لعنه الله في صورة ذلك الشيخ وقال له: إلى أين تريد؟ قال: إلى قطع هذه الشجرة، فقال له إبليس: ليس لك إلى ذلك من سبيل، فتناوله العابد ليغلبه كما غلبه قبل ذلك فقال إبليس: هيهات هيهات، وأخذ العابد وضربه على الأرض كالعصفور وقال له: لئن لم تنته عن هذا الأمر وإلا ذبحتك، فقال العابد: خل عني وأخبرني كيف غلبتني، فقال: لما غضبت الله تعالى سخرني الله تعالى لك والآن غضبت للدنيا ولنفسك فصرعتك.

ومنها ما ذكر أن مزدك ادعى النبوة في زمن قيار ملك الفرس وجعل الأموال والأبضاع مشتركة بين الناس فتبعه خلق كثير بين الناس فتبعه خلق كثير لا يحصى ولا يعد، فاحتال ابن کسری الخير وقتل مزدك وأصحابه اثني عشر ألفاً في يوم واحد، وهرب منهم كثيرون واختفوا في البلاد فإذا مات منهم ميت دفنوه وقعدوا مترصدين أول ليلة من دفنه فيأتيهم إبليس لعنه الله على صورة الميت يقول: جئتكم لأودعكم، اعلموا أن دين مزدك حق حتى لو مات أحدهم فجأة، وكان عنده وديعة قالوا اصبر فإنّه يأتينا للوداع فنستخبره عن الوديعة.

فصل: في ذكر بعض المتشيطنة

وأشهرها الغول، زعموا أن الغول حيوان شاذ مشوه لم تحكمه الطبيعة وأنّه لمّا خرج مفرداً لم يستأنس وتوحش وطلب القفار وهو يناسب الإنسان والبهيمة وأنه يتراءى لمن يسافر وحده في الليالي وأوقات الخلوات فيتوهمون أنه إنسان فيصد المسافر عن الطريق، وقال بعضهم أنّ الشياطين إذا أرادوا استراق السمع تصيبهم الشهب، فمنهم من احترق ومنهم من وقع في البحر فصار تمساحاً، ومنهم من وقع في البر فصار غولاً. قال الجاحظ: الغول كل شيء من الجن يتعرض للفساد ويكون في ضروب الصور والثياب. قال كعب بن زهير:

فما تدوم على حال تكون بها                 كما تلون في أثوابها الغول

وذكر جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنّهم رأوا الغول في أسفارهم، منهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأى الغول في سفره إلى الشام قبل الإسلام فضربه بالسيف، وذكر ثابت بن جابر الفهمي رحمة الله عليه أنه لقي الغول وجرى بينهما ما ذكر، فقال الشاعر المعروف بتأبط شراً الفهمي في ذلك:

ألا من مبلغ فتيان فهم                         بما لاقيت عنـد رحـــا بطـــان

فإنّي قد لقيت الغول تهوي                    بشهب كالصحيفة صحصحان

فقلت له كلانا نضو دهر                      أخا سفر فخلـي لـي مكــانــي

فشدت شدة نحوي فأهوى                     لها كفي بمصقول يمـــانــــي

فأضربها بلا دهش فخرت                    صريعاً لليـــديـــن وللجـــران

فقالت عد فقلت لها رويداً                     مكانك إنني ثبت الجنان

فلم أنفك متكئاً لديها                           لأنظر مصبحــاً مـــاذا أتـــانــــي

إذا عينــــــان فـــي رأس قبيح               كرأس الهر مشقوق اللسان

وساق مخدج وســــرار كلب                         وثوب من علا وشنان

ومنها السعلاة وهي نوع من المتشيطنة مغايرة للغول.

قال عبيد بن أيوب يذكرها:

وساخرة مني ولو أن عينها                   رأت ما ألاقيه من الهول حبت

أبيت وسعــلات وغول بقفرة                 إذا الليل وارى الجن فيه أزنت

وأكثر ما توجد السعلاة بالغياض إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما تلعب الهرة بالفأرة، رأيت رجلاً من بلاد أصفهيد ذكر أن عندهم من هذا النوع كثير، وذكروا أن الذئب ربما يصطادها بالليل يأكلها فإذا افترسها ترفع صوتها تقول: أدركوني فإنّ الذئب قد أكلني، وربما تنادي من يخلصني ومعي مائة دينار يأخذها، والقوم يعرفون أنّه كلام السعلاة ولا يخلصها أحد فيأكلها الذئب.

ومنها الغدار وهو نوع آخر من المتشيطنة يوجد بأكناف اليمن وربما توجد بتهائم مصر وأعاليها، يلحق الإنسان فيدعوه إلى نفسه فيقع عليه فإذا أصاب الإنسان منه يقول أهل النواحي أمنكوح أم مذعور؟ فإن كان منكوحاً يئسوا منه لأنّ له قضيباً كقرن الثور يقتل الإنسان بغرزه فيه، وإن كان مذعوراً سكن روعه وشجع، والإنسان إذا عاين ذلك يخر مغشياً عليه، وربما لم يكترث لشجاعة نفسه.

ومنها الدلهاب، وهو نوع آخر من المتشيطنة يوجد في جزائر البحار وهو على صورة إنسان راكب على نعامة يأكل لحوم الناس الذين يقذفهم البحر، وذكر بعضهم أنّ الدلهاب إذا تعرض لمركب في البحر وأراد أخذ أحدهم فحاربوه فصاح بهم صيحة خروا على وجوههم فأخذهم.

ومنها الشق، وهو نوع آخر من المتشيطنة صورته كنصف آدمي. زعموا أن النسناس مركب من الشق والإنسان يظهر للإنسان في أسفاره. وأذكر أن علقمة بن صفوان بن أمية خرج في بعض الليالي فانتهى إلى موضع يعرف بحومان فإذا قد تعرض له شق.

فقال علقمة:

إنّي مقتول وإنّ لحمي مأكول أضر بهم بالهدلول ضرب غلام بهلول.

فقال علقمة: يا شق أقبل ما لي ولك عهد علي بفضلك تقتل من لا يقتلك، فقال شق: هيت لك نفسي فاصبر لما قد لك فضرب كل واحد منهما صاحبه فقتله فوقعا ميتين وهو مشهور أنّ علقمة بن صفوان قتله الجن، والله أعلم.

ومنها المذهب، زعم بعض العباد أنّ لهم شيطاناً يقال له المذهب يخدمهم ويريد أن يريهم العجب وأن بعض العباد نزل به ضيف وأقام عنده أياماً لم ير في صومعة العابد أحداً، وكان يرى كل ليلة عند الإفطار منارة ومسرجة وخواناً عليه طعام فتعجب الضيف من ذلك وسأل العابد عنه فأعرض عن جوابه فألح عليه فقال: اعلم أنّ هذا منذ مدة يأتيني به شيطان يريد أن أحمله على كراماتي وأنا أعلم أنه من الشيطان من أول يوم، فعند ذلك انطفأ السراج وزال الطعام، والله الموفق للصواب.

فصل: في حكاية عجيبة عن الجن وما جرى لهم

روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم "أن إبليس لعنه الله يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأعظمهم فتنة أدناهم منه مجلساً فيجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: فرقت بينه وبين أهله، فيقول: نعم أنت ابني فيدنيه منه".

ومنها ما حكي أن الله تعالى لما سخر الجن لسليمان عليه السلام نادى جبريل عليه الصلاة والسلام: أيتها الجن والشياطين أجيبوا بإذن الله تعالى لنبيه سليمان بن داود، فخرجت الجن والشياطن من المفازات ومن الجبال والآكام والأودية والفلوات والآجام وهي تقول: لبيك لبيك تسوقها الملائكة سوق الراعي غنمه حتى حشرت لسليمان طائعة ذليلة وهي يومئذ أربعمائة وعشرون فرقة فوقفوا بين يدي سليمان فجعل ينظر إلى خلقها وعجائب صورها وهم بيض وسود وصفر وشقر ويلق على صورة الخيل والبغال والسباع ولها خراطيم وأذناب وحوافر وقرون، فسجد سليمان الله تعالى وقال: اللهم ألبسني من القوة والهيبة ما أستطيع النظر إليهم، فأتاه جبريل عليه السلام وقال: إنّ الله تعالى قواك عليهم قم من مكانك، فقام والخاتم في إصبعه فخرت الجن والشياطين ساجدة ثم رفعت رؤوسها وقالت: يابن داود إنا قد حشرنا إليك وأمرنا بالطاعة لك، فجعل سليمان عليه السلام يسألهم عن أديانهم وقبائلهم و مساكنهم وطعامهم وشرابهم وهم يجيبونه فقال لهم: ما لكم صوركم مختلفة وأبوكم الجان واحد، فقالوا: إنّ اختلاف صورنا لاختلاف معاصينا واختلاطه بنا ومناكحتنا من ذريته، فنظر سليمان عليه السلام فرأى المردة يهمون بالفساد والملائكة يحولون بينهم وبين ذلك بالأعمدة، فصفد المردة وفرقهم في الأعمال المختلفة من عمل الحديد والنحاس وقطع الأحجار والصخور والأشجار وأبنية الحصون، وأمر نساءهم بغزل القز والإبريسم والقطن ونسج البسط والنمارق، وأمر بعضهم بعمل المحاريب والتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات فاتخذوا له قدوراً من الحجارة كل قدر تأكل منها ألف نسمة، وأشغل طائفة منهم بالطحن وطائفة بالخبز وأخرى بالذبح والسلخ وطائفة بالغوص في البحار لاستخراج الجواهر واللآلىء، وطائفة لحفر الآبار والقنى وشق الأنهار، وطائفة لاستخراج الكنوز من تحت الأرض، وطائفة بالمعدنيات واستخراجها من المعادن، وطائفة برياضة الخيل الصعاب، فأشغل كل طائفة منهم بأمر صعب ليقل فسادهم ويكون قوة ملكه. وقال وهب بن منبه رضي الله تعالى عنه: كان سليمان عليه الصلاة والسلام إذا شرب الماء كلحت الشياطين في وجهه وهو لا يراهم لأنّ الكوز كان يمنعه فكره ذلك فاتخذ له صخر الجني الأواني من القوارير، كان يشرب منها ولا يمنعه من رؤية الشياطين، ثم أمره أن يتخذ له مدينة من القوارير لا تحجب سقوفها وحيطانها شيئاً، فبنى مدينة على طول عسكر سليمان عليه الصلاة والسلام وعرضه، وجعل لكل سبط من الأسباط فيها قصراً في طول ألف ذراع وعرض مثله، وفي كل قصر دور ومجالس وبيوت وغرف للرجال والنساء، ثم بنى مجلساً في طول ألف ذراع وعرضه كذلك ليجلس فيه العلماء والقضاة. ثم بنى لسليمان عليه السلام قصراً رفيعاً عجيباً في طول خمسة آلاف ذراع وعرضه مثله وزخرفه بأنواع القوارير ورصعه بأنواع الجواهر، وكان سليمان عليه الصلاة والسلام إذا ركب الريح على بساطه في هذه المدينة يرى كل شيء كان على بساطه خارج المدينة لصفاء القوارير حتى الطباخين والخبازين وجميع من ركب بساطه من الجن والإنس والخيل والخدم والحشم، وكان الكل بمرأى من سليمان عليه الصلاة والسلام، والريح تمشي بأمره رخاء حيث أصاب. وقال وهب بن منبه: لما رد الله تعالى على سليمان ملكه أمر الريح الصرصر حتى حشرت إليه شياطين الدنيا كانت فرآهم سليمان عليه السلام على صور عجيبة منهم من وجوههم إلى أقفيتهم ويخرج النار من فيه ومنهم من كان يمشي على أربع، ومنهم من كان له رأسان، ومنهم من كانت رؤوسهم رؤوس الأسد وأبدانهم أبدان الفيلة، فرأى سليمان عليه السلام شيطاناً نصفه صورة الكلب ونصفه صورة السنور وله خرطوم طويل فقال له: من أنت؟ فقال: أنا مهر بن هفان بن فيلان، فقال سليمان عليه السلام: ما عندك الأعمال؟ فقال: عندي عمل الغناء وعصر الخمر وشربه وأزين الشرب والغناء لبني آدم فأمر بتصفيده ثم مر به آخر قبيح الشكل أسود له سمج الكلاب والدم يقطر من كل شعرة على بدنه وهو قبيح الشكل جداً، فقال له: من أنت؟ قال: أنا الهلهال بن المحول، فقال له: ما عملك؟ فقال: سفك الدماء، فأمر بتصفيده، فقال: يانبي الله لا تقيدني فإنّي أحشر إليك جبابرة الأرض وأعطيك العهد والميثاق أن لا أفسد في مملكتك فأخذ عليه الميثاق وختم على عنقه وأطلقه. ومر به آخر في صورة قرد له أظفار كالمناجل وهو قابض على بربط فقال له: من أنت؟ فقال: أنا مرة بن الحرث، فقال: ما عملك؟ فقال: أنا أول من وضع هذا البربط وحركها فلا يجد أحد لذة الملاهي إلا بي، فأمر بتصفيده.

قال أبو عبيدة: خرج عبيد بن الأبرص يريد الشام، فلما كان ببعض الطريق عرض له شجاع يلهث عطشاً فعمد عبيد إلى راوية ونزل عن بعيره وسقى الشجاع حتى روي ثم مضى حتى أتى الشام وقضى حاجته وانصرف، فإذا في بعض الليالي أضل بعيره ونكب عن الطريق وساء ظنه، وإذا هاتف يقول:

يا صاحب البكر المضل مذهبه                       دونك هذا البكر منا فاركبه

حتى إذا الليل تراءى غيهبه                          وأقبل الصبح ولاح كوكبـــه

فحط عنه رحله وسيبه

فرأى بعيراً فاستوى على ظهره فلم يلبث أن رأى باب داره وكان على مسيرة عشرين مرحلة، فأقبل يحط عنه الرحل وهو يقول:

ياصاحب البكر قد أنجيت من كرب                  ومن فياف تضل المدلج الهادي

هلا بدأت لنا خلـواً لنعرف من                       هذا الذي جاد بالنعماء في الوادي

ارجع حميداً فقد بلغت حاجتنـا                        بوركت من ذي سلام رائح غادي

فأجابه بقوله:

أنا الشجاع الذي أرويتني ظماً                        في ضحضح خصب عن أهله صادي

وجدت بالماء لما عز مطلبه                          نصف النهار على الرمضاء في الوادي

هذا جزاؤك منا لا نمن به                            لك الجميل علينا إنّك البادي

الخير يبقى وإن طال الزمان به                      والشر أخبث ما أوعيت من زاد

قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسيت بوادٍ وحدي فإذا شخص واقف علي فقال لي: انطلق، قلت: أنا آمن؟ فقال: نعم، فذهبت معه إلى جمع شيب وشبان فقالوا: إنسي؟ قال: إنسي، قالوا: أنشدنا، فأنشدتهم:

ودع هريرة إن الركب مرتحل

فضحكوا وقالوا: شعر سجل، ادعه ياغلام فأقبل شخص كأنه رمح ورأسه مثل قلة، فقالوا: هذا إنسي أنشدنا من شعرك، قال جرير: فحدثتهم إلى الصبح وعلموني دواء لا أحد يعرفه إلى اليوم، فلما قدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته به قال: حدث الناس به. وقد جرى ذكر الجن في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال رجل من بني الحرث: خرجت عاشر عشرة أريد الشام فتأخرت عن أصحابي حتى اختلط الظلام فرفعت لي نار فقصدتها فإذا أنا بخيمة أمامها جارية جميلة فقلت لها: ما تصنعين في هذا المكان؟ فقالت: أنا جارية من فزارة اختطفني عفريت وهو يغيب عني بالليل ويأتيني بالنهار، فقلت لها: امضي معي، فقالت: إني أخاف على نفسي الهلاك، فألححت عليها فأركبتها ناقتي وجعلت أمشي فسرنا حتى طلع القمر فالتفتت فإذا ظليم عظيم عليه راكب فقالت: ها هو قد أتى فما تريد تصنع، فنزلت وأنخت راحلتي وخططت حولها وقرأت آية من القرآن وتعوذت بالله فتقدم إلي وأنشأ يقول:

ياذا الذي للحين يدعوه القدر                          خل عن الحسناء رسلاً ثـم ســر

إنّي أمر ما لك حين فاصطبر

فأجبته وقلت:

ياذا الذي للحين يدعوه الحمق                        خل عن الحسناء رسلاً وانطلق

فلست من الجن بأول من عشق

فبرز إليّ في صورة أسود فتصارعنا فلم يغلب أحد منا صاحبه فقال لي: هل لك في خصال ثلاث؟ قلت: ما هي؟ قال: تجز ناصيتي وتعرض عن الجارية قلت: ناصيتك أهون شيء علي، قال: فتأخذ ما تشاء من الإبل، قلت: لا أبيع ديني بعرض الدنيا، قال: فأخدمك أيام حياتي، قلت: ما لي إلى خدمتك حاجة، فأنشأ يقول:

بلى جسدي والحب يبلـي جـديـده                     ولم يبل مني إذا بلي جسدي وحدي

عليك سلام الله يــادعـد مـا جـرت                    رياح الصبا في الغور يوماً وفي نجد

فسرت بها إلى أهلها فزوجنيها أهلها ولي منها أولاد.

وحكى بعض الرعاة أنّه نزل بواد بغنمه فسلب ذئب شاة من غنمه فقام ورفع صوته ونادى: يا عامر الوادي، فسمع صوتاً يقول ياسرحان رد عليه غنمه فجاء الذئب بالشاة وتركها وذهب. وحكي عن بعض الأعراب أنّه أبق له غلام قال: فخرجت أقفو أثره فبينما أنا أسير إذ رأيت أربعة يختصمون في شعر الفرزدق وجرير فدنوت إليهم وسلمت عليهم وقلت لهم: أيهما أشعر؟ فقال شيخ منهم: الذي يقول:

وكل رضيع منتهاه رضــاعـه                        وكل كليبي من اللؤم راضع

فلم تتبعوا موت الهزيل ببابكم                        بني الكلب والحامي الحفيظة مانع

فقال أحدهم: والله كان الصعب شاعراً ولقد كان حاطب له قرناً في الجواب حيث قال:

إذا قيل أي الناس شر عشيرة                         وأكثر عاراً قيل تلك مجاشع،

ولو سفرت يوماً نساء مجاشع                        بدت سوءة فيما تجن البراقع

وأنشد شيخ منهم:

لا تعدلن بشعر کنده غیره                            إلا اللواتـــي مــن مقال زيـاد

هادر في القريض لقـد                                جنى منه العداة زيـادهـم بجياد

فقلت لهم: ما عرفت الصعب وحاطباً وهادراً، قال الشيخ: أما الصعب فالناطق على لسان اليربوع وحاطب على لسان الزيباني وهادر على لساني، قال: فضحكت وظننت أن كلامهم استهزاء، قال بعضهم: هل لك من حاجة إلى غلامك؟ قلت: وما علمك بقصة غلامي؟ قال: كعلمي بجهلك، قلت: أو جاهل أنا عندك؟ قال: وأحمق، ثم قام ومضى وجاء بغلامي، فلمّا رأيت الغلام غشي عليه وكان الغلام مكتوفاً بلا رباط، فقال لي ذلك الرجل: انفخ في كف غلامك حتى يستوي فنفخت فأطلق فصرت بعد ذلك لا أنفخ في شيء من الأوجاع إلا برىء.

وذكر إبراهيم بن المهدي بن منصور أنّ محمداً الأمين غضب عليه فسلمه إلى كوثر الخادم فحبسه في سرداب وأغلق عليه الباب، وكان إبراهيم عديم المثل في الغناء، قال: فمكثت في السرداب ليلة فلما أصبحت إذا أنا بشيخ خرج من زاوية السرداب دفع لي وسطاً وقال: كل فأكلت ثم أخرج قنينة وقال: اشرب فشربت، ثم قال: عن لي فغنيت:

لي مدة لا بد أبلغها                    معلومة فإذا انقضت مت

لو ساورتني الأسد ضاربة            لغلبتها إن لم يجيء الوقت

فسمع كوثر صوتي فذهب إلى الأمين وقال له: إنّ عمك قد حن ها هو قاعد يغني في السرداب بكيت وكيت فأمر بإحضاري فأخبرته بالقصة فرضي عنه وأمر لي بسبعمائة ألف درهم.

النوع الثالث من الحيوان الدواب

هذا النوع أحسن البهائم صورة وأكثرها نفعاً، ولمّا كان الإنسان لطيف البدن بطيء المشي كثير العدو من جنسه وغير جنسه وحركاته قاصرة عن الوفاء بمقاصده من الطلب والهرب اقتضت الحكمة الإلهية خلق هذا النوع من الحيوان وهداه إلى تذليلها وتصريفها تحته في إنجاح مقاصده ليقوم له مقام الجناح للطائر والقوائم للبهائم والدواب، فقال عز من قائل: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة)، وزعموا أن آذانها إنّما خلقت فوق رأسها ذات حركات شتى لتحاذي بالثقب جهات شتى، ويرد الهواء إليه فتكون فائدة السمع أكثر، ولمّا كان الفرس أذكى حساً من الحمار خلقت أذنه أصغر من أذن الحمار وذنبه أطول من ذنب الحمار لأنّ الفرس يكفيه من قرع الهواء دون ما يكفي الحمار لصفاء حس الفرس وكدورة حس الحمار، وكذلك طول ذنبه لأنّ إحساسه يلدغ الهوام فوق إحساس الحمار فجعل طاقات ذنبه طويلة ليطرد بها الهوام عن بدنه، ولمّا كان المطلوب من الدواب السير صلبت حوافرها ليمكن المشي الكثير عليها وليكون سلاحاً دافعاً للعدو، فإنّ كل حيوان له حافر لا قرن له لأنّ المادة لا تفي بهما جميعاً وكل حيوان له قرن لا حافر له بل له ظلف فإن المادة تقي بهما فتتم آلة المشي والسلاح، فسبحان من أعطى كل شيء ما يستحقه دون الزيادة والنقصان.

ولنذكر ما يتعلق بأصناف الدواب إن شاء الله تعالى:

الفرس

أحسن الحيوانات شكلاً بعد الإنسان وأرشد الدواب عدواً وذكاء، وله خصال حميدة وأخلاق مرضية وله صفاء اللون وحسن الصورة وتناسب الأعضاء وحسن طاعته للفارس كيف شاء صرفه وانقاد له، ومن الخيل ما لا يبول ولا يروث ما دام الراكب عليه. ومنها ما يستعمل في لعب الأكرة مراراً يتعلم ذلك فراكبه لا يحتاج إلى إدارته بل يكون نظره على الكرة كلما يرى الكرة يعدو خلفها. ومن الخيل ما يعرف صاحبه ولا يمكن غيره من ركوبه ومن كرم أخلاقه أنه إذا ضلت حجرة ولدها يرضع مهرها سائر الحجور إشفاقاً عليه. وقال محمد بن السائب الكلبي إن الصافنات الجياد التي عرضت على سليمان عليه الصلاة والسلام كانت ألف فرس ورثها من أبيه داود عليه الصلاة والسلام، فلما ألهته عن صلاة العصر حتى توارت بالحجاب عرقبها إلا أفراساً فوفد عليه قوم من الأزد وكانوا أصهاره، فلما فرغوا قالوا: يا نبي الله أرضنا شاسعة زودنا ما يبلغنا إليها، فأعطاهم فرساً من تلك الخيل وقال: إذا نزلتم منزلاً فاحملوا عليه غلاماً واحتطبوا فإنّكم لا تورون ناركم حتى يأتيكم بطعام، فساروا بالفرس وكانوا إذا نزلوا منزلاً حملوا عليه غلامهم للقنص فلا يفوته شيء تقع عليه عينه من ظبي أو بقر أو حمار إلى أن قدموا بلادهم فسموا ذلك الفرس زاد الراكب. وزعموا أن خيل العرب من نتاجه.

فصل في خواص أجزائه: سنه يشد على الصبي تنبت أسنانه بلا ألم ويترك تحت رأس من يغط في نومه يزول عنه ذلك، لحمه صالح لطرد الرياح، ذنبه يؤخذ منه شعرة ويمد عليها باب البيت عرضاً لم يدخله بعوضة، حافر الرمكة إذا تبخرت به المرأة يخرج الجنين الميت والمشيمة المحتبسة، حافر الفرس الشموس تدفن في الدار تهرب عنها الفأرة، وإذا سقيت الفراريج أول ما تسقيها في حافر الفرس لا يقربها باشق ولا شاهين ولا شيء من الجوارح، وعرقه يطلى به عانة الصبي وإبطه لا ينبت عليهما الشعر، زبله يدخن به تحت من عسرت ولادتها تسهل عليها، ويابسه يذر على الجراحات ينقطع دمها.

البغل

المتولد من الفرس والحمار، وإن كان الذكر حماراً فشديد الشبه بالفرس وإن كان الذكر فرساً فشديد الشبه بالحمار، ومن العجب أنّ كل عضو فرضته منه يكون بين الفرس والحمار، وكذلك أخلاقه فليس له ذكاء الفرس ولا بلادة الحمار، وكذلك صوته ومشيه بين الفرس والحمار، ولا شك في عقمها لكن منهم من يقول: إنّ الولد لا يتعلق في رحمها، ومنهم من يقول: يتعلق لكن مخرجه ضيق لا يمكنه الخروج فتموت الأم، وكذلك يجعلونها مكتوبة لأنّ الذكر إذا نزا عليها أحبلها فتموت بالولادة.

فصل في خواص أجزائه: شحم أذنه إذا سقي امرأة لا تحبل، وكذا وسخ أذنه يداف ويسقى يمنع من الحبل، مخه إذا طعم إنسان منه ينقص من جميع حواسه حتى يبقى كالنائم، وإن أطعمت الحبلى تلد ابنها خبيثاً، قلبه تأكله المرأة لا تحبل أبداً، نحاتة حافره إذا أحرقت حتى صارت رماداً يمنع من الحبل إذا أكلته المرأة ويطلى به رأس الأقرع بدهن الآس ينبت شعره، خصيته تشد في خرقة حرير وتعلق على دابة تقوى على السير ولا تتعب، بوله تشربه المرأة تسقط الجنين الميت، وصاحبة الطلق تضع سريعاً، زبله زعموا أن المزكوم إذا شمه وتفل عليه ثم رماه على الطريق فمن تخطاه ينتقل الزكام إليه ويبرأ التافل، الزنبور الذي يوجد في دبر البغال يجفف، ويتبخر به صاحب البواسير يبرأ، وجلد جبهته يحرق في مكان لا يتم فيه شيء من الأمور البتة.

حمار

حيوان خدر الأعضاء من غاية البرودة كدر القوى إلا الحافظة فإنّه إذا مشى بطريق لا ينساه بعد ذلك، وإذا ضل المكاري طريقه قدم حماراً قارحاً ويخلي سبيله يمشي كما أراد يميناً وشمالاً فإنّه يعثر بالطريق، وإذا وقع بالطريق يحرك رأسه وأذنيه وذنبه يعني إذا أصاب الطريق، وزعموا أن الكلب إذا سمع نهيق الحمار يتألم ظهره، وإذا سد أذناه لا ينهق، وإذا رأى الأسد وقف مكانه وربما عدا إليه بحسب أن ذلك ينفعه من سطوته، كما أنّ الشاة إذا تسلمها الذئب فإنّها تعدو مع الذئب تحسب أنّ ذلك ينفعها من سطوته. وقال بليناس في كتاب "الخواص": إذا حملت خنزيراً عطشاناً على ظهر حمار فإذا شرب الحمار مات الخنزير.

فصل في خواص أجزائه: مخه من سقي منه يغلب عليه النسيان، ولو سقيته الحبلى ولدت أبله، سنه يجعل تحت رأس من به سهر ينام، كبده يشد مجففاً على من به حمى الربع تزول عنه، طحاله يجفف ويطلى به ثدي النساء يكثر لبنها، حافره يسحق ويطلى به جبهة المصروع أياماً يزول،صرعه، ويخلط بالزيت ويطلى به الخنازير يحللها، قال: يسحق حافر الحمار ويطلى به البرص فإنّه يقلعه ولو كان عتيقاً، وإذا تدخنت المرأة به يسرع خروج ولدها حياً كان أو ميتاً، وإذا خلط محرقاً بدهن الجوز وجعل على الناسور يصلحه، ويؤخذ من ذنبه ثلاث طاقات حين نزوانه على الأتان ويشد على ساق الرجل ينعظ في الحال، لحمه من أكل منه يأمن من آفات السموم وينفع صاحب الجذام نفعاً بيناً، دمه يطلى به البواسير مراراً تسقط، لبنه يسقى الصبي الذي يكثر بكاؤه يزول عنه، ومن ضرب بالسياط يكمد بجلد الحمار في الوقت الذي سلخ وينام فيه يومه فإنّه يزول الألم، جلد جبهته يعلق على المصروع يزول صرعه، ذنبه يلقى في النبيذ شيء من شعره يقع بين شاربيها خصومة، وتسقى عصارة روثه لمن في مثانته حصاة فتتها. وذكر الجاحظ أن تلك العصارة دواء للضرس المأكول.

حمار الوحش

هذا النوع شديد الشبه بعضها بالبعض، وذكروا أنّ الفحل إذا رأى جحشاً ذكراً ينزع خصيته حتى لا يزاحمه إذا كبر في أتانه، والأتان إذا ضربها الطلق طلبت موضعاً قليل المسلك ووضعت فيه خوفاً من أن يكون الولد ذكراً فيخصيه الفحل، ثم إذا صلب حافره وقدر على العدو أتت به إلى الغابة، ومن عادتها أنها لا ينقطع بعضها عن بعض، ولو كانت ألوفاً ولذلك يسهل صيدها فإنّ الصائد يكمن في مضيق ويصير حتى يعبر عليه بعضها ثم يخرج، فلو رجعت البقية سلمت من الصائد لكنها أرادت اللحوق بالتي عبرت فيرمي الصائد منها ما يرمي، ومن حمر الوحش صنف الأخدرية يسمى منسوبة إلى أخدر حصان كان لكسرى ادشیر توحش واجتمع بغابات فضرب فيها فالمتولد منه يقال له الأخدرية وهذا الصنف أحسنها شكلاً وأشدها عدواً.

فصل في خواص أجزائه: مخه يسحق بدهن الزئبق ويطلى به البهق فإنّه يزول، ومن أكل منه مع الخس وكان كثير الاحتلام يندفع عنه، وينفع لمن يبول في الفراش، مرارته قال ابن سينا تقلع التوتة لحمه ينفع من النقرس طلاء مع دهن الورد، شحمه جيد للكلف طلاء، حافره يتخذ منه خاتم ويعلق على أصحاب الجنون والصرع رأس الشهر يزيل عنهم ذلك، ويكتحل به محرقاً ينفع من ظلمة العين والغشاوة، روثه يحرق في تنور الخباز يسقط جميع أقراصه، وإذا سحق وخلط ببياض البيض واستنشق به ينفع من الرعاف.

النوع الرابع من الحيوان النعم

هذا النوع كثير الفائدة شديد الانقياد ليس له شراسة الدواب ولا نفرة السباع ولشدة حاجة الناس إليها لم يخلق لها سلاح شديد كأنياب السباع، وبراثنها وأنياب الحشرات وإبرها، ومن شأنها الثبات والصبر على التعب والجوع والعطش، وخلقت ذلولاً كما قال تعالى: (وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون)، وخلق القرن للبقر سلاحاً ليتدارك تقصير الحافر، وجعل لها بدل الحافر ظلفاً لقصور المادة عن الحافر والقرن وربّما صرفت المادة في جهة أنفع وتركت الجهة التي هي أقل نفعاً كترك الفك الأعلى للبقر بلا سن، وصرف مادتها إلى القرن والقوة المدبرة بإذن الله تعالى تؤيد الحيوان إما بسلاح أو جثة أو هرب وأي هذه فقدت مادته دبرت بمادة أخرى حتى يكمل لها ما تحتاج إليه في بقاء شخصه ونوعه. ثم إن النعم لما كان مأكلها الحشيش اقتضت الحكمة الإلهية أفواهاً واسعة وأسناناً حداداً وأضراساً صلاباً تطحن بها الصلب من الحب والنوى، ولمّا افتقرت إلى زيادة قوة لتتمكن من العمل المطلوب منها خلق لها كرش واسع لتحمل فيه من العلف شيئاً كثيراً يفي بغذائها فإذا رجعت إلى مكانها تجعلها بالاجترار مهيأة للنضج، فعند ذلك طبيعتها تميز لطيفها من ثقيلها فتجعل التبن اليابس لحماً ودماً. ومن العجب القوة التي خلقها الله تعالى في أضراسها فإنّها بالليل والنهار في الطحن لا تفتر إلا قليلاً، فلو كانت من الحديد الذكر لانسحقت وتفتتت، فسبحانه ما أعظم شأنه.

ولنذكر بعض ما يتعلق بواحد واحد.

إبل

من الحيوانات العجيبة وإن كان عجبها سقط من أعين الناس لكثرة رؤيتهم إياها وهو أنه حيوان عظيم الجسم شديد الانقياد ينهض بالحمل الثقيل ويبرك به وتأخذ بزمامه فأرة تقوده إلى حيث شاءت، ويتخذ على ظهره بيت يقعد الإنسان فيه مع مأكوله ومشروبه وملبوسه، وظروفها والوسادة والملحفة والنمرقة كما في بيته، ويتخذ للبيت سقف وهو يمشي بكل هذه، ولهذا قال تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)، وربّما تصبر عن الماء عشرة أيام وإنّما طولت رقبته ليستعين بها على النهوض بالحمل الثقيل وينال الأرض برعي منها حالة قيامه لتكون الرقبة مناسبة للقوائم، وليبلغ مشفره سائر جسده يحكه به، يهيج في شباط، وعند ذلك لا خبر له بالحمل يحمل ما يحمل بعيران أو ثلاثة، تؤخذ عصارة النودنج وتقطر في منخريه يذهب عنه ذلك، وإذا مرض أكل من شجرة البلوط يزول عنه، والشقشقة التي يخرجها لم تعرف أي شيء هي وقد يجتر والشقشقة خارجة، وإذا نهشته حية يأكل السرطان تزول عنه غائلة السم. قال ابن سينا: بهذا عرف أن السرطان نافع لنهش الحية.

فصل في خواص أجزائه: قالوا: ليس للبعير مرارة وإنما على كبده شيء يشبهها وهي جلدة فيها لعاب يكتحل به ينفع من الغشاء العتيق، وتطلى به الرقبة ينفع من الخوانيق، ووزن قیراط مثله مع من المسك يسعط به ينفع من الصرع، كبده يداوم على أكله يدفع نزول الماء، شحمه لم يوضع في موضع إلا وهربت الحيات منه، سنامه يذاب ويطلى به البواسير يسكن وجعها، كرشه فيه غدة إذا خرجت منه استحجرت وإذا سحقت بالخل ابيضت وهي من أنفع الأشياء للسموم القتالة، ذكر ذلك بليناس عظمه يسحق ويخلط بالزيت ويطلى به رأس المصروع يزول صرعه، شعره يشد على الفخذ الأيسر يمنع سلس البول ويشد على فخذ الصبي الذي يبول في الفراش يمنع ذلك، وبره يذر محرقاً على الأنف يحبس الرعاف والدم، والسائل من الجراحات إذا ذر عليها لبنها ينفع من السمومات كلها، والتمضمض به ينفع للأسنان المأكولة، بوله يغلي حتى ينعقد ويطلى به الناصور یزیله، شربه يقوي على الجماع ويزيل صفرة الوجه، بعره قال ابن سينا: يقطع الرعاف ويمنع الجدري أن يبقى أثره ويزيل الثآليل.

بقر

حيوان شديد القوة كثير المنفعة، خلقه الله تعالى ذلولاً، وإنما لم يخلق له سلاح شديد كما للسباع لأنه في رعاية الإنسان، والإنسان يدفع عنه عدوه، ولأنّ حاجة الإنسان إليه ماسة فلو كان له سلاح شديد لصعب على الإنسان ضبطه، والبقر الأجم يعلم أن سلاحه في رأسه فتستعمل محل القرن كما ترى من العجاجيل قبل نبات القرن تنطح برؤوسها وذلك لمعنى خلقت لطبيعتها فتعلم ذلك بالطبع، وليس للبقر الثنايا الفوقانية فتقطع الحشيش بالتحتانية ولو لم يحصن لم يفد عملاً كثيراً لأنه كثير النزوان، إذا هاج لا يندفع بالسيف فتسقط قوته ويهرم سريعاً. وزعموا أنّ البقر إذا دهن قرنه لا يخور البتة وينتفع به ظلفه إذا أصابه الحفا، وله مشية مليحة بتبختر، وإذا مرض مرضاً شديداً ركب في قرنه شيء من العاج يبرأ مرضه

فصل في خواص أجزائه: قرنه يحرق ويجعل في طعام صاحب حمى الربع تزول عنه ويشرب في شيء من الأشربة يزيد في الباه ويقوي القضيب ويورث النعوظ، ينفخ في منخر الراعف ينقطع دمه، ويحرق قرنه حتى يصير رماداً ويداف بالخل ويطلى به البرص مستقبلاً به الشمس فإنّه يزول، مخه طرياً يداف بدهن ويقطر في الأذن الوجعة يسكن وجعها، لسان الثور الأسود يجفف ويسحق ويمزج بماء حماض الأترج ويستف منه مقدار مثقال فإنّه لا يخاصم أحداً إلا غلبه، مرارته مع بزر الجرجير وبزر الفجل ومائه يعرض على النار ليقوى ويطلى به الكلف فإنّه يزول عنه إذا تركه زماناً، مرارة البقر تخلط بورق الغبيراء مدقوقاً وتتحمل به المرأة فإنّها تحبل، وفي مرارة البقر حجر قدر عدسة يجعل في ماء الشهدانج وماء العرفج ويسعط به المصروع يزول صرعه، وتطلى الشجرة بمرارة البقر لا يتولد فيها الدود، وتخلط مرارة البقر ببعر الفأر ويتحمل به صاحب القولنج ينفتح في الحال، مرارة البقرة السوداء يكتحل بها من به ظلمة العين فإنّه يحد بصره حتى يقرأ نقش الخاتم، وإذا أردت أن ترى عجباً فادفن جرة في الأرض إلى عنقها وقد طليت باطنها بشحم البقر فإن البراغيث كلها تجتمع فيها كلية البقر تعلق على من به الخنازير تزول، خصية الفحل تجفف وتسحق وتشرب تهيج الباه وتنعظ وتعين على كثرة الجماع، قضيبه يجفف ويسحق ويلقى على البيض النيمرشت ويحثى فإنّه يزيد في الباه حتى يرى عجباً، كعبه يحرق ويدلك به السن يبيضها ويذهب وسخها لبنه يزيل صفرة اللون، وإذا شرب بالمخيض ينفع من البواسير، سمنها يطلى به للسع العقرب يبرئها للوقت، والعتيق منه نافع للجراحات، دمه يطلى به الورم يسكن وجعه، قال بليناس: يخلط بول الثور ببول الإنسان ويوضع على أصابع اليدين والرجلين فإنّه يزيل حمى الربع وأقل ما يحتاج إلى ذلك ثلاث مرات وهذا من العجائب، اخثاء البقر يخلط بخل التمر ويضمد به الدماميل الصلبة يردعها، واليابس منه يخلط بخل وماء الورد ويضمد به لسعة الزنبور يسكن وجعها، وتطلى خلية النحل به يكثر فيها ويقوى، وإذا طليت به الثآليل قلعها.

بقر الوحش

يقال له بالفارسية كوزن له قرن عظيم ذو شعب كل سنة تنبت على قرنه شعبة زائدة، وقرنه مصمت بخلاف قرون سائر الحيوانات فإنّ قرونها مجوفة، وإذا سمع الغناء أو صوت الملاهي يصغي إليها ولا يحذر حينئذ من النشاب لشدة التذاذه بها، أذنه يسمع الأصوات فإذا أرخاها لا وإذا رفع شيئاً، وإذا مرض يأكل الحيات يسمع والأفاعي يزول مرضه ويأكل الأفعى من ذنبها فإذا وصل إلى رأسها يرميها، والأفعى إذا أحست به تنسل في جحرها، والبقرة تأتي إلى جحرها وتجعل فمها على الجحر وتجذبها بقوة النفس فتقتلها. وحكي أنّ بقرة أزعجت وتبعها الفرسان والكلاب وهي تعدو سريعاً فأصابت في عدوها حية فوقفت وقتلتها ثم شرعت في العدو فكأنها رأت أن قتل الحية أهم من نجاة النفس.

فصل في خواص أجزائه: مخه يطعم صاحب الفالج ينفعه نفعاً بيناً، قرنه من استصحب معه منه شعبة نفرت عنه السباع ويدخن به في بيت تهرب منه الحيات، ورماده يذر في السن المتآكلة المتألمة يسكن وجعها، دمعه ترياق للسموم كلها، دمه يسقى يفتح القولنج ويفتح أيضاً من به عسر البول، جلده يبخر به البيت تهرب منه الحيات، شعره يبخر به البيت يهرب منه الفأر، والخفاش يأخذ من شعره ويتركه في عشه ليأمن من الحية والخنفساء كعبه يشد على العضد يأمن من الحشرات كلها، ظلفه يبخر به البيت تهرب عنه الحيات، والله أعلم.

جاموس

حيوان عظيم لا ينام البتة ولعله في بعض أوقات الليل يغمض جفنه، زعموا أن في دماغه دودة تتحرك دائماً لا تخليه ينام ويدفع السباع عن نفسه ويقتل التمساح مع عظم بدنه، ولذلك يسرحون الجواميس على طرف النيل، والجاموس يمشي إلى الأسد وهو ثابت الجنان وليس له إلا قرنة وليس في قرنه حدة فضلاً حدة أطراف مخاليب الأسد وأنيابها ويغلب الأسد، قالوا: إنّما يغلب الجاموس الأسد لأنه يذب الأسد عن نفسه والأسد يريد أن يجعله طعامه، وقالوا إنّه لا ينزو على أمه.

فصل في خواص أجزائه: الدودة التي في دماغه إذا علقت على أحد لا ينام ما دامت عليه، لحمه يورث تولد القمل، شحمه يذاب بالملح الأندراني ويطلى به الكلف والجرب والبرص يزيلها.

زرافة

رأسها كرأس الإبل وقرنها كقرن البقر وجلدها كالنمر وقوائمها كالبعير وأظلافها كالبقر، طويلة العنق جداً، طويلة اليدين قصيرة الرجلين، وصورتها بالبعير أقرب وجلدها بالبقر أقرب وأشبه، وذنبها كذنب الظباء. قالوا: الزرافة متولدة من ناقة الحبش والبقرة الوحشية والضبعان وذلك أن الضبعان ببلاد الحبشة، تسقط الناقة فتجيء بولد بين خلقة الناقة والضبعان فإن كان ولد تلك الناقة ذكراً ولحق بالمهاة أتت الزرافة. وحكى طهمان الحكيم أنّ بجانب الجنوب بقرب خط الاستواء يجتمع بالصيف حيوانات مختلفة الأنواع على مصانع الماء من شدة العطش والحر، فربما تسافدت غير أنواعها فيتولد مثل الزرافة والسمع والعسار وأمثالها. والزرافة من الخلق العجيب ليس عندها إلا ظرافة الصورة وغرابة النتاج.

الضأن

جعل الله البركة في نوع الغنم فتراها تلد في كل عام مرة واحدة ويأكل منها ما شاء الله ويمتلىء منها وجه الأرض بخلاف السباع فإنّها تلد ستاً وسبعاً ولا يرى منها إلا واحد في أطراف الأرض. والغنم مال مبارك محبوب حتى لو أرادوا مدح إنسان قالوا إنّه كبش من الكباش. ومن عجائبه أنّه يرى الفيل والبعير والجاموس ولا يخافها ضخامة أبدانها، ويرى الذئب يخافه وإذا رآه اعتراه خوف عظيم لمعنى خلقه الله تعالى فيه، وسمعت أنّ القطيع إذا كان على طرف دجلة وأحس بالذئب هربت وخاضت في الماء حتى تتوسطه فإذا أمنت عادت إلى مكانها. وأعجب هذا أن من الغنم تلد في ليلة واحدة عدداً كثيراً ثم إنّ الرعي يسرح بالأمهات من الغد ويأتي بها عند العشي ويخلي بين الأمهات والأولاد فيذهب كل واحد إلى أمه. ويجلب من الهند نوع من الضأن على صدره ألية وعلى كتفيه أليتان وعلى فخذيه أليتان وعلى ذنبه ألية. وربما تكبر ألية الضأن حتى تمنعه من المشي فيتخذ لأليتها عجلة توضع عليها وتشد إلى صدرها فيمشي الضأن وتجر العجلة والألية عليها. وذكروا أنّ الغنم إذا تسافدت عند نزول المطر لا تعلق بولد وإن كان ذلك عند هبوب الشمال تكون الأولاد ذكوراً وإن كان عند مجيء الجنوب تكون الأولاد إناثاً. وزعموا أن الضأن إذا رعت الزرع يرجع وإذا رعته المعز لا يرجع.

فصل في خواص أجزائه: قرن الكبش إذا دفن تحت الشجرة بكرت بالحمل قبل أوانها، ويكتحل بمرارة الضأن مع العسل ينفع من نزول الماء في العين ويزيل البياض الذي في العين إزالة عجيبة، مخه يورث البله، وأصحاب الصرع إذا أكلوا منه يشتد صرعهم، عظمه يحرق بخشب الطرفاء ويخلط رماده دهن الشمع المتخذ من دهن الورد ويطلى به موضع الفسخ والهشم يصلحه. قال بليناس: إذا احتملت المرأة صوف النعجة قطع الحبل، وإذا غطيت الإناء بصوف أبيض وفيه عسل لا يقربه النمل.

معز

حيوان غبي أحمق فلذلك إذا أرادوا ذم إنسان قالوا تيس من التيوس أي في غاية الغباوة والنتن، والمعز يفضل على الضأن بغزارة اللبن وثخانة الجلد وما نقص من ألية المعز يزاد في شحمها ولذلك قالوا: ألية المعز في بطنه، ومن العجب أنّ الله تعالى لما خلق جلد الضأن رقيقاً أكثر صوفه، ولمّا خلق الله عز وجل جلد المعز ثخيناً رق شعره ليحصل للمعز بثخانة الجلد ورقة الشعر ما يحصل للضأن برقة الجلد وكثافة الصوف، ونتن التيس يضرب به المثل، فإنّ جميع بدنه كالإبط، والجدي إذا رأى الشبل يقرب إليه يسيراً يسيراً فإذا شم رائحته غشي عليه ووقع كالميت فإذا غاب الشبل عنه يرجع إلى حاله، ومن العناكب نوع يقال له الرتيلا له لعاب إذا مشى على الإنسان من لعابه ألماً عظيماً حتى يفضي الأمر به إلى الموت غالباً، فالجدي يأكل منه شيئاً كثيراً وينفعه، فسبحان من أعطى كل شيء خاصية.

فصل في خواص أجزائه: قال بليناس: قرن ماعز أبيض يسحق ويشد في خرقة ويجعل تحت رأس نائم فإنّه لا ينتبه ما دام تحت رأسه، مرارة التيس تخلط بمرارة البقر ويلطخ به فتيلة وتجعل في الأذن تزيل الطرش وتمنع نزول الماء، ويكتحل بمرارة التيس بعد نتف الشعر من الجفن فإنّه يمنعه من النبات، وينفع أيضاً من الغشاوة اكتحالاً ومن الغشي، ويقلع اللحمة الزائدة التي يقال لها التوتة، وينفع طلاء من الورم الذي يقال له دار الفيل، لحية التيس تشد على صاحب حمى الربع تزول حماه وتشد على رأس من به صداع تنفعه، كبد الجدي يشوى وإذ سالت منه رطوبة يكتحل به فإنّها تنفع من الغشاء، وإذا احتملت المرأة من كبد المعز شيئاً تنكسر شهوتها بحيث لا تميل للرجال زماناً طويلاً، طحاله يقطعه صاحب وجع الطحال بيده ويعلقه في بيت هو فيه فإذا جف الطحال زال ألم المطحول ويسقى معز في ظرف خشب أربعين يوماً ثم يذبح ويأكل المطحول طحاله فإنّه يتهرى ولو كان الظرف من الخشب الطرفاء كان أقوى تأثيراً، لحمه يورث الهم والنسيان ويحرك الوسواس. قال بليناس: دم التيس يفتت حجر المغناطيس وكذلك كل حجر يذبحه عليه يفتته، تسقى إبرة بدم المعز فإنّها إذا ثقب بها أذن يلأم جلده، وإذا سلخ وهو حار ووضع على لسع الأفعى وجميع الهوام وعلى المضروب بالسياط يدفع الألم، لعاب التيس يسقى يهيج الباه، لبن الماعز ينفع من النوازل ويحبسها ويحسن اللون شرباً سيما مع السكر خصوصاً للنساء وهو علاج للنسيان والغم والوسواس، ويرخي لثة الأسنان ويحدث ظلمة البصر ويهيج الباه، أنفحة الجدي والخرفان تجذب الفضول في أعماق البدن، بوله يغلى حتى يغلظ ويخلط بمثله من السكر ويطلى به الجرب في الحمام ثلاث مرات يذهب، بعره يجعل تحت رأس الصبي يبكي كثيراً أعداداً منها فإنّه يزول عنه. قال ابن سينا: بعر الماعز يحلل الخنازير بقوة، وإذا احتملته المرأة بصوفة يمنع سيلان الدم من الرحم، وبعر الماعز مع الضأن والخل يوضع على العضو المحترق بشمع ودهن ورد ينفعه، والبعر اليابس مجرب لحرق النار في البدن.

ظبي

وهو أشد الحيوانات نفوراً، ومن طبعه أنه إذا أراد دخول كناسته يدخله مستدبراً ويستقبل بعينه ما يخافه على نفسه وخشفانه فإنّه إن رأى أحداً أبصره حين دخوله الكناس لا يدخله وإلا دخل، وترى الظبي إذا رعى الحنظل يستعذبها، وماء الحنظل نمه يسيل من من شدقيه ويستلذ بذلك، ويرد البحر ويشرب من مائه المر العلقم فالعجب لحيوان يستعذب ملوحة البحر ويستحلي مرارة الحنظل.

وأمّا ظباء المسك فإنّهم كظباء بلادنا إلا أنّ لها نابين معنقين خارجين من الفم كما للفيل وربما صيدت، والمسك في سرتها غير نضجة يكون فيه زهومة ومثله مثل الثمار إذا قطعت قبل الإدراك فإنّها تكون ناقصة الطعم والرائحة وأجود المسك ما ألقاه الغزال، وذلك أنّ الطبيعة تدفع مواد الدم إلى سرته فإذا استحكم الدم فيها ونضج يجمع من ذلك إربة وحكة في سرته فيفزع حينئذ إلى صخرة حادة فيحتك بها ملتذاً بذلك فتنفجر المادة حينئذ وتسيل على ذلك الحجر كانفجار الخراج والدماميل إذا نضجت، فيجد الغزال بخروجها لذة، والناس يتبعون مراعيها في الجبال فيجدون ذلك الدم قد جف على الصخور فيحملونه ويدعونه في نوافج معهم معدة لذلك فهذا هو أصل المسك الذي يستعمله ملوكهم ويتهادونه فيما بينهم.

فصل في خواص أجزائه: قرنه ينحت ويبخر به لطرد الهوام، لسانه يجفف في الظل ويطعم للمرأة السلطة تزول سلاطتها، مرارته تقطر في الأذن الوجعة يزول وجعها، بعر الظبي وجلده يحرقان ويجعلان في طعام الصبي يأكله ينشأ ذلك حافظاً نصيحاً ذلقاً، مسكه يقوي الدماغ وينشف الرطوبات منه ويجلو بياض العين ويقوي القلب وينفع من الخفقان، وهو ترياق للسموم إلا أنه يورث صفرة الوجه. ومن خواصه أنّ استعماله في الطعام يورث البخر.

أيل

هو المعز الجبلي وأكثر أحواله يشبه ببقر الوحش من أكل الأفاعي وغيرها وهو يرمي بنفسه من قلة الجبل إذا خاف من الصياد ولو كان ألف ذراع ويقع على قرنه ويسلم وعدد سني عمره عدد عقود قرنه، وإذا لسعته حية أكل السرطان ولذلك قالوا إن السرطان دواء للدغ الحية، وإذا مشت الأروى خلف الذئب أسقطت ولدها، والأيل يصادق السمك فيمشي إلى ساحل البحر فيرى السمك والسمك أيضاً يقصد الساحل ليرى الأيل، والصيادون يعرفون هذا المعنى فيلبسون جلد الأيل ليقصدهم السمك فيصطادون منه ما شاءوا.

فصل في خواص أجزائه: إذا شرب المصروع من برادة قرنه وزن مثقال مسك في ماء قراح على الريق نفعه نفعاً بيناً، ويسحق ويطلى به البهق والبرص يزيلهما، والحيات تهرب من رائحتها إذا دخن،بها، وإذا علق على صاحبة الطلق تضع في الحال، مرارته يكتحل بها تنفع الغشاء. قال ابن سينا: مرارة التيوس الجبلية ترياق لجميع السموم، كبده يشوى ويجفف ويتخذ منه ذرور ينفع من الغشاوة وظلمة البصر، لحمه يورث حمى الربع ويدلك به لسعة العقرب والزنبور يسكن ألمهما، والعقرب تموت من رائحة شحم الأيل، قضيبه يسحق ويشرب ينفع من لسع الأفعى ويهيج الباه، ويجفف نيئاً فإذا أصاب الإنسان عسر البول أو ريح القولنج يغسله ويسقى غسالته ينفتح البول والقولنج، خصيته إذا جففت وشربت هيجت الانعاظ الشديد الذي لا يكاد يسكن جلده يتخذ منه سفرة لا يقربها فأرة ولا حية ولا شيء من الهوام، ذنبه مع قرنه يحرقان ويخلط رمادهما بالدهن ويطلى به أسفل القدم فإنّه لا يتعب من السير ويزيد في المشي نشاطاً، شعره يدخن به يهرب من رائحته جميع الهوام، شعر ذنبه سم قاتل يعرض لمن شربه غم وغشي، بوله يخلط بالعسل يعلقه صاحب القولنج ينفع في الحال، بعره يذر على سيلان الدم يحبسه، بعر الأروى إذا وقع في ماء وشربه الماعز يأخذه داء يسمى الاباء يقتله ولا يضر الضأن، والله الموفق.

النوع الخامس من الحيوان السباع

هذا النوع من الحيوان شديد الشبه بالشياطين لما فيه من الكبر والغضب وضيق الخلق وكثرة الفساد وقلة الاستئناس، ولما لم تكن عناية الإنسان مصروفة إلى تربيتها كأنواع الغنم خلق الله تعالى لها آلات تحصل بها الأطعمة كالعدو الشديد والقوة والحرارة والأنياب والبراثن والهيئة الهائلة وسعة الفم وغلظ الرقبة وسعة الصدر ورقة الخصر، ولما كانت كثيرة الفساد رفع الله البركة عنها فترى نوع السباع تلد في كل سنة مرة واحدة أو مرتين في كل بطن ستاً أو سبعاً ولا يبقى منها إلا القليل في أطراف الأرض ولولا ذلك لامتلأ وجه الأرض من السباع بخلاف الغنم فإنّ الله تعالى جعل فيها البركة فلو كان جميع أنواع السباع بعدد الغنم لأدى إلى فساد عظيم، فسبحانه ما أعظم شأنه بكثرة المنافع وبتقليل المضار رفقاً بعباده وشفقة على خلقه إنّه على ما يشاء قدير.

ولنذكر بعض أفراد ما يتعلق بالسباع مرتباً على حروف المعجم.

ابن آوی

يقال له بالفارسية سعال، حيوان مفسد للكروم والثمار، إذا وقع نظر الدجاج عليه لا يصبر حتى يأتيه ليأكله ولو كانت الدجاجة على سطح أو شجرة تقع عنه، ومن العجب أنّ الدجاج إذا رأت كلباً أو ثعلباً أو سنوراً أو شيئاً من الحيوانات الطالبة لها لم تتحرك وإن مر بها ابن آوى سقطت حتى لو كانت مائة لم تبق واحدة إلا رمت نفسها إليه، وانقياد الدجاج لابن آوى كانقياد الشاة للذئب، وإذا أراد ابن آوى صيد طير البحر يجمع حزمة شوك أو حطب ويرميها فوق الماء حتى يستأنس بها الطير ويمشي خلفها، والطير لا ينفر من الحزمة لأنه يستأنس بها فيثبت من خلفها ويصطاد ما شاء.

فصل في خواص أجزائه: إذا ترك لسانه في بيت وقعت الخصومة بين أهلها ويسقى من مرارته نصف درهم بالماء الحار على الريق ثلاثة أيام ينفع من وجع الطحال، لحمه ينفع من الجنون والصرع الآتي عند آخر الأهلة، كبده ينفع المصروع إذا سقي منه وزن مثقال، مخ عظمه يخلط بالبورق ويضمد به البرص يزيله بإذن الله تعالى.

ابن عرس

حيوان دقيق طويل يقال له بالفارسية راسو، هو عدو الفأر يدخل جحرها ويخرجها ويحب الحلي والجواهر ويسرقها، ويعادي التمساح فإنّ التمساح لا يزال مفتوح الفم وابن عرس يدخل فمه وينزل إلى جوفه ويأكل من جوفه أحشاءه ويمزقها ويخرج، ويعادي الحية أيضاً، وإذا أراد قتال الحية يأكل السذاب لأن رائحة السذاب تضعف الحية فيقتلها ابن عرس، وإذا مرض أكل بيض الدجاج يزول مرضه. وحكي أن ابن عرس تبع فأرة فصعدت شجرة ولم يزل يتبعها حتى انتهت إلى رأس الغصن ولم يبق مهرب فنزلت على ورقة وعضت طرفها وعلقت نفسها فيها، فعند ذلك صاح ابن عرس فجاءت زوجته فلما انتهت إلى تحت الشجرة قطع ابن عرس الورقة التي عضتها الفأرة فسقطت فاصطادها ابن عرس الذي كان تحت الشجرة.

فصل في خواص أجزائه: دماغه يكتحل به ينفع من ظلمة العين، لحمه يستعمل ضماداً لوجع المفاصل ويخلط بالشراب يستعمل للصرع، شحمه يطلى به السن ينفع في الحال، وصاحب الرزق يطلي خشبة بهذا الشحم وإذا اشتكى أحد سنه يضع عليه تلك الخشبة فإنّه يقع بسهولة ويظهر دمه من رقبته ويطلى به الخنازير يحللها ويخلط دمه بدم فأرة ويمزج بالماء ويرش به البيت فإنّ الخصومة تقع بين أهله، ولو دفن ابن عرس وفأرة في بيت فعل ذلك، كعبه إذا استصحبته المرأة حالة المباضعة لم تحمل، خصيته تفعل مثل ذلك، زبله يجعل على الجراح ينقطع دمها، والله الموفق.

أرنب

حيوان كثير التوالد يقال له بالفارسية حوز كوش قيل إنّه سنة ذكر وسنة أنثى وتحيض مثل النساء، يديه أقصر من رجليه، إذا نام يشخص عيناه وإذا مرض أكل من القصب الأخضر يزول مرضه.

فصل في خواص أجزائه: دماغه تأكل المرأة منه وتتحمل ويباشرها زوجها تحبل، وإذا مرج به أسنان الصبي أسرع نباتها بلا وجع، قالوا: يؤخذ من الأرنب مثل السن المتآكلة إن كانت أعلى أو أسفل أو يميناً أو يساراً، يؤخذ من الأرنب مثل ذلك إذا وضعت عليه تنبته بإذن الله تعالى، مرارته إن سقي منها الإنسان غلب عليه النوم، ولم يزل كذلك حتى يسقى الخل، طحاله يأكله صاحب الشرقة مع السكر النبات تزول شرقته، دمه إذا شربته المرأة لم تحبل أبداً، ذكره في كتاب "الخواص"، وإذا اكتحل لا ينبت الشعر في العين. قال ابن سينا: ويطلى به البهق الأسود والكلف فيزول، قال ابن سينا: يطبخ ويقعد في مرقته صاحب النقرس وصاحب وجع المفاصل ينفعه ساعته نفعاً جيداً، أنفحته تداف في ماء ولبن ويشربه صاحب القولنج يزول وجعه من ساعته. قال بليناس: أكل أنفحته تنفع القولنج إلا أن أنفحة الأرنب أقوى وإذا شرب بخل نفع من الصرع وهي بالخل ترياق نافع من جميع السموم، رجله تشد على من به وجع المفاصل اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى يزول وجعه، فرجها تأكله المرأة ثم يجامعها زوجها فإنّها تحبل، كعبه زعم العرب أنّها تنفع من العين والسحر ويشد على المرأة مع زبله لا تحبل، وشعره يبخر به يمنع من وجع الرئة ويجعل شيء منها على الموضع الذي يسيل منه الدم ينقطع.

أسد

هو أشد السباع قوة وأكثرها جراءة وأعظمها هيبة وأهولها صورة لأنه لا يهاب شيئاً من الحيوان ولا يوجد حيوان له شدة بطشه، زعموا أنّه لا يأكل من صيد غيره البتة، وإذا صاد شيئاً أكل قلبه وترك الباقي لغيره ولا يرجع إليه، ويحب الغناء وصوت الدف والشبابة، وإذا رأى ضوءاً بالليل ذهب إليه ووقف بالبعد منه وحينئذ يسكن غضبه. زعموا أنه من ذل له وتواضع ينجو منه، وإذا أكل لحم الفريسة يقصد السلخ ويأكل منه، وإذا مرض أكل قرداً يزول،مرضه، وقل ما تفارقه الحمى، ولذلك يقال للحمى داء الأسد، وإن أصابه نصل وبقي في بدنه، يأكل السعد يخرج النصل من بدنه وهذه خاصية في الأسد، وإن أصابه خدش أو جراحة تجتمع عليه الذئاب ولا تنتقل عنه حتى تقتله، ويهرب من الديك الأبيض ومن ضرب الطاس، وجميع الحيوانات تهرب من زئيره إلا الحمار فإنّه يقف عن السعي ولا يزأر حالة جوعه حتى لا يهرب الصيد، والنمل يفعل بالأسد ما يفعله البق بالفيل فإنّه في عذاب من النمل، وإذا ولدت اللبوة يتعرض لأشبالها فعند الولادة تطلب أرضاً ندية لدفع النمل، واللبوة تضعف عند الولادة لأنّ الولد يخدش رحمها ببراثنه، فالليث يأتي بحرباء لتأكلها فتبرأ من مرضها، وقالوا ليس في السباع أشد تجرؤاً من الأسد وإنّه لا يتعرض للمرأة الطامث. وحكى القاضي محمد بن سهل الواسطي أنه خرج صناع لقطع القصب من قرية على نهر جعفر فرأوا شبلاً كالسنور فقتله أحدهم فقال الباقون الساعة يأتي أبواه يطلبانه ونحن نبيت في الصحراء فلا نأمن، فما كان بأسرع من أن سمعنا زئير الأسد فهربنا ولجأنا إلى بيت خارج الأجمة فصعدنا الغرفة ولها باب، فلما رأى الأسد شبله قتيلاً جاء على أثرنا فوجدنا مجتمعين في الغرفة فجعل يثب نحو الغرفة حتى يصعد فلم يقدر فصعد أكمة هناك وصاح صيحة شديدة فأتى بضعة عشر سبعاً فلما جاءوا الغرفة فلم يقدروا ونحن كالموتى فاجتمعت السباع كالحلقة وصاحوا صيحة هائلة فما كان إلا ساعة حتى جاء سبع أسود هزيل متجرد الشعر طويل فتلقته السباع ووقفت بين يديه فجاء نحو الغرفة والسباع حوله فوثب حتى صعد إلى باب الغرفة ونحن قد أغلقناه وقعدنا خلفه فلم يزل يدفع الباب بمؤخره حتى كسر منه لوحين فدخل عجزه إلينا فعمد أحدنا إلى ذنبه وجذبناه إلى داخل وقطعناه بمنجل فصاح صيحة عظيمة منكرة ورمى نفسه إلى الأرض، فلم يزل يخدش السباع وينهشها حتى قتل غير واحد منها وهربت السباع من بين يديه وهام هو في الصحراء يتبعها فنزلنا ولحقنا بالقرية وأخبرنا أهلها بما رأيناه فقال شيخ كبير: إنّه كالجراد العتيق إذا قطع ذنبه أكله الفأر، والله أعلم.

فصل في خواص أجزائه: سنه من استصحبه أمن من وجع السن، ويعلق على الصبي تنبت أسنانه بسهولة، مرارته تسقى لإنسان يبقى جريئاً جسوراً شجاعاً مقداماً ويزول عنه الصرع وداء الثعلب والاكتحال به يمنع سيلان الدم، وتطلى به الخنازير يستأصلها، شحمه يطلى به البواسير والأورام الحارة ينفعها، ويطلى به الوجه والبدن لا يقربه شيء من السباع، وإن ترك في بيت يهرب منه الفأر والعقرب، ولو ألقي في ظرف ماء لا يشربه شيء من الدواب، والشحم الذي بين عينيه يذاب ويمسح به الرجل وجهه يهابه كل من يراه، لحمه ينفع الفالج والاسترخاء، دمه إذا طلي به السرطان يزيله، وكذا جميع أنواع السباع، وإذا مزج بالحلتيت وطلي به البرص مراراً أزاله، خصيته تولد العقر في الرجال، ومن أكلته لم تحبل، برثنته يأخذه الإنسان معه لا يقربه شيء من السباع، وإذا طرح في الماء وشربته الدواب أو النعم أصابها هزال ولم تسمن بعده البتة، جلده ينام عليه صاحب حمى الربع يوم نوبته ويغطى بالثياب حتى يعرق تزول عنه، وإذا داوم عليه الجلوس يذهب البواسير ويذهب أيضاً الخوف من الخائف، ولو اتخذ من جلده طبل فأي فرس سمع صوته فزع، وجلد جبهته يشد على الجبهة تحت العمامة يبقى صاحب هيبة وافرة عند الملوك، وإذا أدرج جلده في جلد سائر الدواب تساقط وبرها، وإذا أحرق شعره في موضع تهرب منه سائر السباع، ومن به حب القرع يخلط رماد هذا الشعر بدهن الشمع ويحمله يزول عنه ذلك، شعره يجعل منه في النبيذ قليل ويسقى لإنسان فإنّه يبغضها ولا يعود إلى شربها بعد ذلك.

ببر

حيوان هندي أقوى الأسد بينه وبين الأسد معاداة، وإذا قصد البير النمر من فالأسد يعاون النمر، وبين العقرب والببر مصادقة وربّما تتخذ العقرب في شعر الببر بيتاً، وقال الجاحظ: إذا رمي الببر استكلب فعند ذلك تخافه جميع السباع، وإذا مرض الببر يأكل كلباً يزول مرضه، وإذا هرم لا يتعرض للناس بخلاف الذئب، وإذا وضعت ببرة ولدها يأكله الضب.

فصل في خواص أجزائه: من به برسام يطلى رأسه بمرارة البير مضروبة بالماء تنفعه نفعاً بيناً، وإذا احتملت المرأة منه لا تلد أبداً وإن كانت حاملاً تسقط الجنين، كعبه يشد على البريد لا يتعب من السير ولو سار كل يوم عشرين فرسخاً، جلده يجلس عليه من به حب القرع يزول عنه، ويدخن به تحت ذيل من به حمى الغب تزول حماه، ويتولد النمل من رائحة دخان جلده، شعره بدخن به تهرب منه جميع الهوام إلا النمل فإنّها تجتمع بدخانه.

ثعلب

حيوان كثير الحيل عجيب الروغان والعطفات والمكر والالتفات، يتخذ لوكره أبواباً حتى لو سد عليه باب يخرج من الآخر، شعره يتساقط كل سنة فلذلك سمي تساقط شعر الإنسان داء الثعلب، ويجعل العنصل حول بيته حتى لا يقصده الذئب، فإنّ الذئب إذا وقعت رجله على العنصل يموت وينام في وجاره بطمأنينة، وإذا جاع نفسه في الصحراء متماوتاً ويمد يديه ورجليه ويزكر بطنه وينفخه حتى يحسبه الطير أنه ميت فيجتمع عليه الطير ليأكله فيصيد منها ما شاء. وحكى بعضهم قال: مررت على ثعلب فوجدته قد زكر بطنه فظننت أنّه قد مات منذ أيام فتركته فلما أحس بالكلاب علم أنّ حيلته لا تخفى على الكلاب فوثب وولى هارباً وصار في شجرة، وإذا نزلت عليه الجوارح تضربه بجناحها حتى يدركه الكلب يستلقي ويخدش الجارحة خدشاً لا تقربه بعد ذلك، وله حيلة في قتل القنفذ وذلك أنه إذا لقي القنفذ استدار القنفذ وأمكنه من شوكه فيبول الثعلب عليه فإذا فعل ذلك اعتراه الانسياب فانبسط وتمدد فيقبض على مراق بطنه ويأكله، وإذا مرض أكل البصل البري يبرأ، وإذا تولدت القمل فيه وتأذى منه أخذ بفيه ليفة أو صوفة ويقف في الماء ثم ينزل قليلاً قليلاً حتى يجتمع القمل في تلك الليفة أو الصوفة ثم يخليها ويغوص في الماء ويسبح ويستريح.

فصل في خواص أجزائه: رأسه إذا ترك في برج الحمام يهرب عنها، نابه يشد على الصبي الذي به ريح الصبيان يذهب عنه ويزول عنه فزع النوم وتحسن أخلاقه، ونابه اليسرى يعلق على من تألم من نابه اليسرى واليمنى على اليمني يزول ألمها، مرارته تنفخ في أنف المصروع لا يصرع في ذلك الشهر ويكتحل بها من نزول الماء، لحمه ينفع من اللقوة والجذام والفالج إذا داوم على أكله، شحمه يذاب ويطلى به رجل المنقرس يزول وجعه في الحال، ويطلى به خشب الرمان ويفرش في البيت تجتمع عليه البراغيث، خصيته تشد على الصبي ينبت سنه بسهولة، قضيبه يشد على من به صداع يزول عنه، جلده من أحسن الفراء ليس في الوبر أكثر وفاء منه. قال ابن سينا: إنّه أنفع شيء للمبطونين، دمه يطلى به رأس الصبي ينبت شعراً حسناً ولو كان أقرع قبل ذلك، ذنبه إذا استصحبه إنسان لا يؤثر فيه حيلة محتال عليه، وإذا علق شيء من الحيوان يدخن بوبر الثعلب في كوز ضيق الرأس، والعليل يجعل فمه عليه فإذا وصل الدخان إليه سقط في الحال، زبله يعين على الحبل إن استعمل عند المباضعة.

حريس

حيوان في حجم الجدي ذو عدو شديد، على رأسه قرن واحد كقرن الكركند وأكثر عدوه على رجليه لا يلحقه شيء لسرعة مشيته، وإنّه يوجد في غياض سجستان وبلغار.

في خواص إجزائه: دمه يشربه من به خناق بالماء الحار ينفتح في الحال، لحمه يطبخ بالقنطريون ويأكله صاحب القولنج ينفتح في الحال، شحمه مع رماد كعبه يجعل على العرق الموجوع يسكن ألمه ويتخلص منه سريعاً.

خنزیر

حيوان سمج والعين تكرهه، له نابان كتابي الفيل يضرب بهما ورأسه كرأس الجاموس وله ظلف كما للبقر والغنم، وللخنازير عند الهيجان خصومة شديدة على الإناث، ذكروا أنّ الذكر يدلك جسمه بالطين والأشياء اللزجة حتى يصير ظاهر بدنه كالجوشن لا يؤثر فيه ناب الخنازير، وعلامة هيجانه إطراق رأسه وتغير صوته، وإذا نزا الذكر على الأنثى يبقى فوقها زماناً مثل الذباب، وإذا دفنت سفرجلة ينبش الأرض كلها حتى يظهر بها، والخنزير أنسل الحيوان لأنّها قد تضع عشرين خنوصاً، والخنزير يأكل الحيات أكلاً ذريعاً، وسموم الحيات لا تؤثر في الخنازير، وهو أروع من الثعلب يهرب عمن قصده حتى يمشي خلفه كثيراً ويتعب ثم يكر عليه يضربه بنابه يقطعه، وإذا جاع ثلاثة أيام ثم أكل سمن في يومين، وهكذا تفعل بها النصارى بالروم يجوعونها ثلاثاً ثم يعلفونها لتسمن، وإذا مرض أكل السرطان يزول مرضه، ومن خواصه العجيبة ما ذكروا أنّ الخنزير إذا شد على ظهر الحمار بحيث لا يقدر على الحركة فإذا بال الحمار مات الخنزير، والفيل يهرب من صوت الخنزير.

فصل في خواص أجزائه: نابه يستصحبها الإنسان يبقى مكرماً عند الناس ويأمن العين، ويترك في الدهن أسبوعاً ثم يدهن به الرأس فإنّه يطول الشعر ويؤخر الشيب. وزعموا أنّ الإنسان إذا رأى نابه اليسرى يصيبه في يومه ذلك غم ولا يتأخر، مرارته تجفف وتجعل على البواسير تسقط، ويسقى منه صاحب الصرع مع شيء من البول العتيق يزول صرعه، لحمه أطيب لحم الحيوان نافع من لسع الهوام يطعم منه البازي المهزول بدهن الجوز يسمن سريعاً، شحمه يدلك به العضو المنفوخ يلين، ويخلط به زرق الحمام وبزر الكتان ويضمد به الخنازير والدماميل الصلبة ينضجها ويخرج وسخها، شحمه الطري يطلى به البواسير ينفعها نفعاً بيناً، عظمه يوصل بعظم الإنسان يلتئم سريعاً ويستقيم من غير اعوجاج، وليس لشيء من عظام الحيوان هذه الخاصية، ويشد في خرقة كتان على صاحب حمى الربع تزول عنه بالتدريج، ولو أحرق وشد في خرقة أو صرة وترك في مسيل ماء الأرز يأتي بريع كثير ولا يقربه الخنزير، ويحرق عظمه ويسحق ويحشى به الناصور يبرأ جلده ويترك في البيت يهرب منه البق كعبه يحرق حتى يبيض رماده ويسحق ويسقى للقولنج والمغص الزمن يزيلهما. قال ابن سينا: إذا طلي به البرص نفعه بوله يسقى بالنبيذ يفتت حجر المثانة، زبله يسمد به شجر التفاح تحمّر ثمرتها، وإذا احتملته المرأة تسقط المشيمة وتدفع عنها أذى النفاس، ويطلى به الرتيلاء يحللها.

دب

حيوان جسيم سمين يحب العزلة وإذا جاء الشتاء يدخل وجاره الذي اتخذه في الغيران ولا يخرج منه حتى يطيب الهواء، وإذا جاع يمص يديه ورجليه فيدفع بذلك جوعه، ويخرج من وجاره في فصل الربيع أسمن مما كان، ويخاصم البقر فإذا نطحه البقر استلقى ويأخذ بيديه قرنيه ويعضه عضاً شديداً يقهره، وعند ولادتها تستقبل بنات نعش الصغرى تسهل ولادتها، والدبة إذا ولدت يكون ولدها كقطعة لحم تخاف عليه من النمل فتنقلها من موضع إلى موضع خوفاً من النمل فإذا صلب بدن الولد أقرته في موضع، وربما تركت أولادها وترضع ولد الضبع، ولهذا تقول العرب فلان أحمق من جهير وهي الأنثى من الدب، ولا يخاف شيئاً إلا الأسد.

حكى بعضهم أن أسداً قصده فالتجأ إلى شجرة فصعد عليها فإذا على بعض أغصانها دب يقطف ثمرتها، قال: فلما رآني الأسد قد قصدت الشجرة جاء وافترش تحتها ينتظر نزولي فنظرت إلى الدب فإذا هو يشير بإصبعه إلى فيه يعني لا تنطق كي يعرف الأسد أنّي على الشجرة، قال: فبقيت متحيراً بين الدب والأسد، وكان معي سكين صغير فأخرجته وجعلت أقطع الغصن الذي عليه الدب فقطعت أكثره وانكسر الباقي فثقل الدب فوقع على الأرض فوثب الأسد عليه وتصارعا زماناً وغلبه الأسد فأكله ومر.

فصل في خواص أجزائه: نابه يلقى في لبن المرضعة ويسقى للصبي تنبت أسنانه بسهولة، عيناه يعلقان في خرقة كتان على صاحب حمى الربع تزول عنه، مرارته تنفع من ظلمة العين اكتحالاً. قال الشيخ: شحمه يزيل البرص طلاء وينفع من الشقاق العارض من البرد ويلين المفاصل والعصب طلاء، دمه يخلط بعصارة الكزبرة ويطلى به الموضع الذي لا يريد أن ينبت عليه الشعر فإنّه لا ينبت، وإذا نتفت الشعرة التي في العين واكتحل بعده بهذا الدم لا ترجع تنبت، جلده يعلق على الصبي الذي ساء خلقه يذهب عنه ذلك.

دلق

حيوان وحشي عدو الحمام لا يستأنس البتة، يشبه السنور، إذا دخل برجاً لا يترك واحداً فيه، ذكروا أنّ الثعابين تنقطع من صوت الدلق ولذلك أكثر الدلق يوجد بأرض مصر فإنّها كثيرة،الثعابين، ومن عجيب ما ذكر أنّه إذا ربط رأس عود بخيط شديد الفتل في رقبة دلق ويقابل به بيت العصافير فإنّه يلج فيه ويأخذ العصافير وفراخها ويخرج بها ولا يقتل منها شيئاً حتى لو طيف به على بيوت العصافير يخرجها كلها أحياء.

فصل في خواص أجزائه: عينه اليمنى تعلق على صاحب حمى الربع تزول عنه بالتدريج، ولو علق على اليسرى عادت شحمه يزيل كلال الأسنان العارض من أكل الحامض، دمه يقطر في أنف المصروع نصف دائق يفيق وينفعه، شحمه يدخن به برج الحمام يهرب منه كلها وتهرب الحية والعقرب أيضاً من رائحته، جلده يجلس عليه صاحب البواسير ينفعه، خصيته يهرب الفأر من دخانها.

ذئب

حيوان كثير الخبث ذو غارات وخصومات ومكابرة وحيل شديدة وصبر على المطاولة، وقلما يخطىء في وثبته، وعند اجتماعها لا ينفر أحد منها إذ يأمن على نفسه منها، وإذا نامت واجهت بعضها بعضاً حتى قالوا: ينام بإحدى عينيه، وإذا أصاب أحدهما جراحة أكلته،البقية، والأنثى أكثر فساداً من الذكر وإذا عجز عمن يقاومه يعوي حتى يأتيه من يسمع عواءه يعاونه، وإذا مرض ينفرد عن الذئاب لعلمه بأنها إن علمت بضعفه أكلته، وإذا رأى مع الرجل عصا يفزع منه، ومن رمى إليه الحجر يتركه، ومن رمى إليه النشاب لا يتركه، وإذا مرض أكل حشيشة تسمى جعدة يزول مرضه، وإذا دنا من الغنم يعوي ثم يذهب إلى جهة أخرى ليذهب الكلب إلى الجهة التي سمع منها العواء ثم يأتي يسلب الغنم والكلب بعيد عنه ويأخذ بقفا الشاة ويضربها بذنبه حتى تعدو معه، وأكثر ما يأتي وقت طلوع الشمس لأنه يعلم أن الكلب طول الليل يحرس ولا ينام وفي ذلك الوقت يغلبه النوم. وزعموا أن الفرس لا تعدو خلف الذئب، وإن ركضها الفارس تعثر وإن وقع حافر الفرس على أثر الذئب تبلد حضره ويسحب قوائمه، وإن عض ذئب برذوناً اشتد حضره، وإن عض شاة طاب لحمها، ولا يتولد الحيوانات المؤذية في صوفها، والذئب أشد الحيوانات ثماً، وإذا الإنسان وشم منه رائحة الدم لا ينجو منه، وإن كان أشد الناس قلباً وأتمهم قوة وسلاحاً. قال الجاحظ: إنّ السباع القوية ذوات الرئاسة لا تتعرض للإنسان إلا بعد الهرم والعجز عن صيد الوحش والجوع الشديد، والذئب ليس كذلك بل هو السباع طلباً للإنسان. قال بليناس: إن وقعت عين الإنسان على الذئب أولاً استرخى الذئب وإن وقعت عين الذئب على الإنسان أولاً استرخى الإنسان.

فصل في خواص أجزائه: رأسه يعلق في برج الحمام لا يقربه السنور ولا يؤذي الحمام، وإذا دفن رأس الذئب في زريبة تمرض غنمها وتموت، نابه من استصحبه يدفع عنه قوة النبيذ ولا يسكره، ولو علق نابه على الفرس سبق الخيل، عينه اليمنى من استصحبها تدفع عنه قوة البله ولا يفزع في الليل، عينه اليسرى من استصحبها لا يغلبه النوم، مرارته يطلى بها بين الحاجبين يبقى مكرماً بين الناس، وتشد على الفخذ اليمنى تزيد في قوة الباه ويسقى منها وزن دائق مع حبة من المسك للمصروع الذي يصرع أول كل شهر يزول عنه ذلك، ولو احتملته المرأة العقيم تحبل بإذن الله تعالى إذا باشرها زوجها، ويكتحل بها ينفع من نزول الماء في العين ومن الغشاوة، دمه يخلط بدهن الجوز ويقطر في الأذن يزيل الطرش، وإذا سقيت المرأة منه لا تحبل أبداً، خصيته تؤكل مشوية تهيج الباه، ومن أخذها معه يأتي النساء كثيراً، عظمه يسحق ويذر حول الزريبة لا يقربها الذئب، عظم ساقه يحرق يهرب من دخانه الفأر، كعبه يشد على ساق الماشي لا يتعب من السير، ويشد على الصبي سييء الخلق توسع أخلاقه، ومن استصحب كعبه اليمين يغلب في مخاصمته الرجال، ومن استصحب اليسرى يغلب في مخاصمته النساء. وزعم بعضهم أنّه يحظى عند السلاطين ويعلق على الرمح في الحرب تنفر الخيل منه، جلده قال بليناس: من جلس عليه يأمن من القولنج ما دام عليه، ذنبه يدفن في قرية لا يقربها الذباب، بوله زعموا أن المرأة إذا بالت على بول الذئب لا تحبل أبداً، زبله يسقى منه صاحب القولنج يبرأ في الحال، قال بليناس: وإن علق على صاحب القولنج يبرأ في الحال.

ساد

هو حيوان على صفة الفيل إلا أنه أصغر منه جثة وأعظم من الثور، قيل إن ولدها يخرج رأسه من الرحم ويرعى حتى يقوى فإذا قوي خرج وهرب من الأم مخافة أن تلحسه بلسانها فإنّ لسانها مثل الشوك وإنها إن وجدته لحسته حتى ينحاز لحمه عن عظمه. وحكى أبو الريحان أنّ هذا الحيوان بأرض الهند.

سنجاب

حيوان كالفأر إلا أنّه أكبر منه حجماً، شعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسها المتنعمون صيفاً لأنّها تبرد بخلاف سائر الفراء، لحمه يطعم منه المجنون يزول جنونه، ويأكله صاحب الأمراض السوداوية ينفعه، والله الموفق.

سنور

حيوان متواضع ألوف، خلقه الله تعالى لدفع الفأر، ذكر أن سفينة نوح عليه السلام تأذى أهلها من الفأر فمسح نوح عليه السلام جبهة الأسد فعطس ورمى سنورين فلذلك هو أشبه حيوان بالأسد، النظافة يحب يمسح وجهه بلعابه، وإذا تلطخ شيء من بدنه لا يلبث حتى ينظفه، وعند هجيان شهوته آخر الشتاء ينال ألماً شديداً من لذع مادة النطفة فلا يزال يصيح حتى ينفض تلك المادة، إذا ولدت الأنثى يغلب عليها الجوع الشديد فإذا لم تجد ما تأكله تأكل أولادها، وإذا رمت بعرها تدفنه حتى لا يشم رائحته الفأر فيهرب، ولذلك تشمه فإن وجدت رائحته ألقت عليه من التراب زيادة أخرى، وإذا مر الفأر على السقف استلقى السنور وحرك يديه ورجليه فيسقط الفأر من السقف فزعاً، وإذا ظفر بها يلعب بها زماناً طويلاً، وربما خلى سبيلها حتى تمعن في الهرب، فإذا ظنت أنها نجت وثب عليها فلا يزال يخدعها بالسلامة ويوريها الحسرة ويلتذ بتعذيبها ثم يأكلها. وزعموا أنّ من أكل لحم السنور الأسود لم يعمل فيه السحر، وقد جعل الله تعالى في قلب الفيل الهرب من السنور فكلما يراه يهرب منه.

فصل في خواص أجزائه: عيناه إذا جففتا وبخر بهما الإنسان لم يطلب حاجة إلا قضيت، نابه من استصحبها لم يفزع بالليل من شيء، قلبه يشد في قطعة من جلده من استصحبه لا تظفر به الأعداء، مرارته من اكتحل بها يرى بالليل مثل ما يرى بالنهار، وتخلط بدهن الزئبق نصف درهم ويسعط به ينفع من اللقوة، طحال السنور الأسود يشد على المرأة المستحاضة ينقطع دمها ولا تحيض ما دام ذلك مشدوداً عليها، دمه يسقى منه صاحب الجذام ينفعه نفعاً بيناً ذكر بليناس في كتاب "الخواص" أنّ شرب دم السنور الأسود تحبه النساء، بعره يهرب الفأر من رائحته، ويذاب بدهن الاس ويدهن به بدن الإنسان وقت الحمى فإنّ الحمى لا تأتيه ويذاب بالماء ويطلى به المنقرس يزول وجعه

سنور البر

حيوان على شكل السنور الأهلي إلا أن حجمه أكبر، ولكثرة عدوه يبالغ في حفظ نفسه ونوعه حتى يحفظ بعضهما بعضاً في النهار، فإذا كان الليل أقاموا حارساً لا ينام فإذا نام قتلوه، مخه عجيب لوجع الكلى ولعسر البول إذا أديف بماء الجرجير وسخن على النار وشرب على الريق في الحمام، دماغه يدخن به يخرج المني من الرحم.

سرباس

قالوا: إنّه حيوان يوجد في الغياض بكابل وراء بلسان في قصبة أنفه اثنا عشر ثقبة، إذا تنفس يسمع من صوته صوت المزمار، ذكروا أنّ المزمار اتخذ على مثال قصبة أنف ذلك الحيوان فالحيوانات تجتمع عليه لاستماع هذا الصوت، فربما تدهش لذة استماعها فإذا رأى سرباس ذلك منهم يصيد منهم ما شاء، وإن لم يرد صيد شيء منها، أو ضجر منها ومن اجتماعها عليه صاح فيهم صيحة عظيمة هائلة تنفر كلها عنه، والله الموفق.

ساده وار

حيوان يوجد بأقصى بلاد الروم ويقال له أيضاً أرس، له قرن عليه اثنتان وأربعون شعبة مجوفة فإذا هبت الريح يجتمع الهواء فيها فيسمع منه صوت في غاية الطيب وتجتمع الحيوانات عنده لما تسمع من حسن صوته، وذكر أن بعض الملوك أهدي إليه قرن منها فترك بين يديه عند هبوب الريح فكان يخرج منه صوت عجيب مطرب حتى يكاد يدهش الإنسان من سماعه طرباً، ثم وضعوه منكوساً فكان يخرج منه صوت حزين حتى يكاد يغلب على الإنسان عند سماعه البكاء.

ضبع

يقال له بالفارسية كعنار، حيوان قليل العدو قبيح المنظر ينبش القبور ويخرج الجيف، والعرب تزعم أنّها لا تأكل إلا لحوم الشجعان، ولهذا قال ابن زبيرة:

حديني وحرمني جفار وأسـرهـا              بلحم امرىء لم يشهد النوم ناظره

وذكر أن الضبع سنة ذكر وسنة أنثى كالأرنب، وبين الضبع والكلب عداوة فإن وقع ظل الضبع على الكلب يقف مكانه ولا يقدر على المشي خوفاً من الضبع أن يأكله، وإن مرض الضبع أكل لحم الكلب يبرأ، وبين الضبع والذئب مصادقة ويتولد منهما ولد يقال له السمع، وهو حيوان عجيب الشكل بين الضبع والذئب، فإن كان الذكر ذئباً يقال له العسبار، وشكله عجيب أيضاً، وفي العرب قوم يقال لهم الضبعيون، ومنهم الضبعي ولو كان أحدهم في قفل فيه ألف نفر وجاء الضبع لا يقصد أحداً إلا الضبعي. وزعموا أن الضبع الصحيح يطبخ كما هو تنفع مرقته ودسمه من الأوجاع الباردة والرياح.

فصل في خواص أجزائه: رأسه يجعل في برج يجتمع عليه حمام كثير، لسانه من يأخذه معه لم ينبح عليه كلب ولم يتلعثم عند المحاجة ويغلب خصمه، وإذا علق على باب دار فيها عرس أو دعوة لم يقع فيها مكروه ويزداد فرحهم، نابه من اصطحبه لم ينس شيئاً، مرارته تنفع من نزول الماء اكتحالاً وتجلو البصر من الظلمة. قال بليناس: تخلط مرارة الضبع بدم العصافير ويطلي به الإنسان عينه يمنع من نزول الماء، قلبه يعلق على الصبي يبقى ذكياً ويتعلم الأشياء بسرعة، مخه يطلى به الحواجب يكون محبوباً إلى الناس، ولو طلي به كلب جن، يده اليمنى من استصحبها تقضى حوائجه عند الملوك، وتشد على عضد المرأة أو ساقها تسهل ولادتها، برثنه تعلق على شجرة لا يقربها طير ضار، قضيبه قال هرمس: يجفف ويسحق ويستف منه الرجل قدر دانقين فإنّه يهيج به شهوة الوقاع بحيث لا يمل من النساء ولو أتى عشرين امرأة، وإن أسقيته المرأة الفاجرة تترك الفجور ولا تميل إليه، قال بليناس: فرجها وجلد سرتها إن شد على رجل لم تنظر إليه امرأة إلا أحبته وإن شد على امرأة لم ينظر إليها رجل إلا أحبها، وإن شد فرجها على المحموم زالت حماه، جلده يتخذ منه غربال يغربل له البرثم يزرع فإنّ زرعه يأمن من الجراد والجوارح كلها. قال بليناس: ينفع من عضة الكلب الكلب فإذا فزع من الماء يسقى في إداوة من جلد الضبع أو مغشاة بجلد الضبع، وقال بليناس: وإذا أخذت شيئاً من جلد الضبع وشددت فيه شيئاً من ورق الشيح وربطته في خرقة حرير على إنسان فإنّ النساء تتبعه ويرى من ذلك أمراً عجيباً، ولو دفن في باب بيت لا يدخله الكلب، وإذا شددته على رقبة الأرنب تهرب عنه الكلاب وحين يسلخ الجلد إذا أخذته وطفت به معالم قرية وعلقته على بابها لا يصيبها آفة، الشعور التي حول أنفه تنتفها وتحرق وتسحق بزيت ويدهن به للمحبة يزول ما به، بعره يخلط بدهن الآس ويدهن به الرأس فإنّه ينبت به الشعر ويحسنه.

عناق

يقال له بالفارسية شياه كوس فوق الكلب حجماً حسن الصورة جداً، لونه كلون البعير الأحمر وأذناه سوداوان يصيد كما يصيد الفهد، وإذا مشى أخفى آثاره ويصيد الكركي فإذا طار الكركي يثب وثبة شديدة نحو الهواء ويأخذه برجله، والله الموفق.

فالا

قال ابن سينا: إنّه حيوان أصغر من ابن عرس في حجمه ولونه أميل إلى الرمدة مع لطافة ودقة وطوله وسعة فمه، إذا رأى حيواناً ظفر به ويتعلق بخصياه ويناله بعضة منه وجع شديد صعب العلاج.

فهد

حیوان شديد الغضب ضيق الخلق ذو وثبات بعيدة كثير النوم ويستأنس بالناس خلاف النمر، وقال بعضهم: إنّ الفهد متولد بين الأسد والنمر، والله أعلم. وسائر السباع تحب رائحة الفهد والسباع الصغار تتبع رائحته لتأكل من فضلة فريسته. قال الجاحظ: الفهد إذا سمن عرف أنّه مطلوب وأنّ حركته ثقيلة وأن كوكبه يقتله ورائحته مشهية للسباع يخاف من الأسد والنمر فيخفي نفسه حتى تنقضي أيام سمنه ولا يكاد يكون على علاوة الريح لئلا يحمل الريح رائحته إلى السباع، ويحب الأصوات الحسنة يصغي إليها إصغاء شديداً، وإذا مرض أكل لحم الكلب يزول مرضه، ويتولد منه ومن الدب حيوان عجيب الشكل يقال له كوسال

فصل في خواص أجزائه: لحمه يورث حدة الذهن وقوة البدن، دمه من سقي منه تغلبه البلاهة، برثنه إذا ترك في موضع هرب الفأر منه

فيل

هو حيوان ظريف بهي نبيل من أعظم الحيوانات، وربما كان في فمها ثلاثمائة سن وهو أظرف وألطف من كل حيوان خفيف الجسم رشيق، صنع الله في خلقته عجائب قدرته وهوان رقبته لما كانت قصيرة خلق الله لها خرطوماً طويلاً يقوم مقامها يرفع العلف والماء إلى فمه بها وتدور على جميع بدنه كما تدور يد الإنسان ويضرب بها وله أذنان كبيرتان كل واحدة على شكل يزين متحركتان وإنما يدفع بهما، الذباب والبق عن فمه بهما، لأنه مفتوح دائماً فلو دخل شيء من البق أو الذباب إلى فمه لهلك، وليس له من المفاصل إلا مفصل الكعب والكتف والفخذ، ولا يظهر له شهوة الضراب إلا بعد خمس سنين ويضع لسبع سنين ولداً مستوي الأعضاء، والفيل يعادي الحية إذا رآها يقتلها تحت رجله والحية تلدغ الفيل تهلكه، والفيل إذا تعب تدلك كتفاه بالسمن والماء الحار يزول تعبه، وإذا مرض يأكل حية ميتة يزول مرضه، وإذا وقع على جنبه لا يقدر على القيام فتخبر الفيلة بعضها بعضاً فيأتيه الفيل الكبير يجعل خرطومه تحته وسائر الفيلة يعاونونه حتى ينتصب على قوائمه، والفيل إذا أراد قلع شجرة يلف خرطومه عليها ويقلعها من أصلها، وقالوا: ربّما يعيش الفيل أربعمائة سنة، قال الزبادي: رأيت فيلاً في أيام المنصور وقالوا إنّه يسجد لسابور ذي الأكتاف وللمنصور من زمانه أربعمائة سنة، وإذا علم الملك سجد له كلما رآه. والفيل أشد الحيوانات حقداً.

حكي أنّ رجلاً فيالاً ضرب فيلاً فقالوا له لا تنم حيث ينالك فإنّه حيوان حقود فشد الفيال الفيل إلى أصل شجرة وأحكم وثاقه وتنحى عنه ونام، وكان لذلك الفيال شعر كثير منفوش فتناول الفيل بخرطومه غصناً ووضع رأسه على رأس الفيال ولوى بها حتى ظن أنه تشبث به ثم جذب العصا جذبة قوية فإذا الفيال تحت قوائمه فخبطه خبطاً هشمه

فصل في خواص أجزائه: قالوا من سقي من وسخ أذنه ينام سبعة أيام. برادة نابه إذا تضمد بها ينفع من الداحس، مرارته يطلى بها البرص ويترك ثلاثة أيام يزول، عظمه يعلق في رقاب الصبيان يدفع عنهم الصرع، وإن علق في رقبة البقرة يدفع عنها الموق، وإذا سحق وعجن بالعسل وطلي به الكلف يزول، ولو علق العاج على شجرة لم تثمر تلك السنة، ولو دخن به في بيت فيه بق مات البق، وحكاك العاج ينثر على الجراحة الميتة تبرأ وينفخ في خيشوم الراعف ينقطع دمه، ولو أكلت المرأة من حكاك العاج تحبل إذا أتاها زوجها، جلده يشد قطعة منه على من به حمی نافض تزول عنه، وتسقط البواسير من دخانه، وإذا نام على جلد الفيل صاحب الفالج يزول عنه، بوله إذا رش في مكان يهرب الفأر منه، وإذا سقيت منه المرأة العاقر تحبل، زبله يتخذ منه سافة تتحمل بها المرأة لا تحبل ويسقى صاحب القولنج لا يعود قولنجه أبداً، ويدخن تحت ذيل من به حمى ينفعه نفعاً بيناً وزواني الهند اللاتي وقفن يتحملن زبل الفيل دفعاً للحبل واستبقاء للطراوة والشباب فإنهن موقوفات على جميع أصناف الرجال، وهذا أسرع إلى الحبل لأنّها لا تعدم من يوافق مزاجها مزاجه فتحبل فيبطل جمالها.

قرد

حيوان قبيح مليح ذكي سريع الفهم يتعلم الصنعة، وأهدى ملك النوبة إلى المتوكل قرداً خياطاً وآخر صائغاً، وأهل اليمن يعلمون القرود القيام بحوائجهم حتى أن القصاب والبقال يعلم القرد الحفظ للدكان فالقرد يحفظ دكانه حتى يعود صاحبه. وتلد القردة في بطن واحد من واحد إلى عشرة واثني عشر، وتحمل الأنثى بعض أولادها والباقي يحمله الذكر، وللقرود مجالس مشهورة تجتمع فيها يسمع منها حس همهمة، والإناث معتزلات عن الذكور، وللذكور منها غيرة شديدة على الإناث.

وحكى بعض أهل صنعاء أنه مر بقرد في سفح جبل نائم واضع رأسه في حجر زوجته وقد غاص في نومه فإذا بقرد آخر قد جاء ووقف حذاءها فوضعت القردة رأس زوجها رويداً رويداً وقامت إلى ذلك القرد وجامعها كما يجامع الرجل المرأة، فلمّا انتبه القرد ولم يجدها اتبع أثرها حتى وجدها فلما دنا منها شمها فعلم أنّها زنت فصاح صيحة عظيمة فاجتمع عليه كثير من القرود فأخبرهم بفعلها فحفروا لها حفرة وجعلوها في تلك الحفرة ورجموها حتى ماتت. قال بليناس: إذا ألقيت القرد في الماء وسقيت من ذلك الماء إنساناً أشبه القرود في أفعاله، وقال: من تصبح بوجه القرد عشرة أيام متوالية جلب إليه السرور ولا يكاد يحزن واتسع رزقه وأحبته النساء محبة شديدة وأعجبن به.

فصل في خواص أجزائه: عينه تعلق على إنسان يمزح معه كل من رآه، سنه يعلق على إنسان لا يغلبه النوم ولا الفزع بالليل، ويكتحل به بعد أن يسحق يزيل بياض العين، لحمه ينفع من الجذام أكلاً وعرف ذلك من الأسد فإنّه كثير الجذام وإذا أكل القرد برىء، دمه من شرب منه يخرس حتى لا يقدر على الكلام أصلاً ويقبح في أعين الناس، جلده إذا علق على شجرة يدفع عنها ضرر البرد، ويتخذ من جلده غربال يغربل به البذر فإنّها إذا زرعت تسلم من آفات الجراد، والله الموفق.

کرکند

حيوان في جثة الفيل خلقته خلقة الثور إلا أنه أعظم منه ذو حافر وقرون، وغضبه سريع وحملته صادقة تخافه جميع الحيوانات بأرض الهند، على رأسه قرن حاد الرأس غليظ الأسفل فيه أنحاء محدبة إلى وجهه ومقعرة إلى ظهره، ومن العجب كونه جمع بين الحافر والقرن فإنّ كل حيوان ذي حافر ليس له قرن وهو أقل الحيوانات عدواً، يعيش سبعمائة سنة، وهيجانه بعد خمسين سنة، ومدة حمله ثلاث سنين.

وزعموا أن الكركند إذا كان بأرض لم يدع شيئاً من الحيوانات في تلك البلاد حتى لو كان بينه وبينه مائة فرسخ من جميع الجهات فإنّها تهرب من هيبته، وإذا رأى الفيل يأتيه من ورائه ويضرب بقرنه بطنه ويقوم على رجليه ويدفع الفيل حتى ينتشب بقرنه ثم يريد أن يتخلص فلا يمكنه فيخر على الأرض فيموت هو والفيل أيضاً، وذكروا أن السلاح لا يعمل في الكركند ولا يقاومه سبع ولا بهيمة وأنه الفاختة يحب يمشي إلى شجرة عليها عش الفاختة يقف تحتها ويطيب نفسه بهديرها، والفاختة تقع على قرنه فلا يحرك رأسه لكيلا تنفر الفاختة.

فصل في خواص أجزائه: قالوا: على قرنه شعبة منحنية انحناؤها مخالف لانحناء القرن وله خواص وعلامة صحتها أنّه يرى منها شكل فارس لا توجد تلك الشعبة إلا عند ملوك الهند. من خواصها حل كل عقد فلو أخذها صاحب القولنج بيده ينفتح في الحال والمرأة التي ضربها الطلق إذا أخذته بيدها وضعت في الحال، ولو أرادوا استخلاص حصن توضع الشعبة في الماء ويرش في الحصن فإنّه يتخلص، ولو سحق منها شيء وسقي لمصروع يزول صرعه، وكذلك من به فالج أو شنج، وحاملها يأمن عين السوء ولا تكبو به الفرس، وإذا ترك في الماء الحار يتركه بارداً، ومن عضه الكلب الكلب يسقى من قرن الكركند بدهن البلسان ينفعه نفعاً بيناً.

قال ابن أبي الخير الاستراباذي صاحب كتاب برهة نامت الجلاس حاكياً عن أبيه قال: كنت رائحاً إلى عرنين مع قافلة فأتانا الخبر أنّ قوماً من اللصوص في الطريق فأصاب القوم اضطراب من ذلك وكان فينا رجل فقال: يا قوم لا تحزنوا فإنّي أكفيكم شرهم بشرط أنكم تذهبون بي إليهم، فذهب به بعض أهل القفل إلى موضع اللصوص وكانوا في شعب بين جبلين فأخرج شيئاً من وسطه ودلكه بالتراب دلكاً شديداً ثم أشرف عليهم ونثر ذلك التراب على رؤوسهم فهبت عاصفة ريح في ذلك الشعب منع اللصوص من القيام، ومن قام منهم وقع ثم عاد إلى القفل ثم قال: أمضوا بدعة وسلامة ففزنا من ذلك المقام وسلمنا، فلما وصلنا إلى عرنين دخلت يوماً على الشيخ الرئيس أبي علي فرأيت ذلك الرجل عنده فأخبرته بصنيعه فقال: كان ذلك عنده قرن الكركند وفيها عجائب كثيرة وهذا الرجل من خواص أصدقائنا، جاءنا من بلاد الهند وأهدى إلينا ذلك العقد. ويتخذ من قرن الكركند نصل السكاكين، فإذا قربت من طعام أو شراب فيه سم كسر قوة السم، عينه اليمنى تعلق على الإنسان تزول عنه الآلام كلها ولا يقربه الجن ولا الحيات، واليسرى تمنع من النافض والحمى، ويتخذ من جلده الجواشن والتجافيف لا يعمل فيها شيء من السلاح.

كلب

حيوان شديد الرياضة كثير الوفاء دائم الجوع والسهر يخدم كثيراً ويحرس ويدفع اللصوص. قال الجاحظ: من ذكاء الكلب أنه إذا تبع الظباء يعرف التيس من العنز: فيترك العنز ويقصد التيس وإذا كان التيس أشد عدواً لكن يعلم أنّ التيس يعتريه البول من الفزع فلا يستطيع الإراقة مع شدة الحصر فيقل عدوه فيعتريه البهر فيلحقه الكلب، وأما العنز إذا اعتراها البول أراقته لسعة السبيل وسهولة المخرج فلا تقصر وهذا شيء عرف من الكلب مراراً وهو ظاهر عن المكلبين، وقال أيضاً: من عجائبه أنّه يخرج يوم الثلج ووجه الأرض مغشى من الثلج ومعه الصياد المجرب لا يعلم موضع الصيد ذهنه وعقله، والكلب يذهب يميناً وشمالاً ولا يزال يتشمم حتى يعرف مواضع الصيد بأنفاس أبدانها وبخار أجوافها وإذابة ما لاقاها من وجارها وهذا غامض جداً لا يدركه إلا الكلب الماهر، وإذا صبت السحائب بالثلوج على الكلاب في أيام الشتاء لقي منها جهداً فمتى أبصر غنماً نبح لأنه يذكر ما لقي من مثله، وفي المثل لا يضر السحاب نباح الكلاب، وإذا نبح على إنسان بالليل فلا ينجيه إلا أن يقعد فإذا قعد انصرف كأنّه قد ظفر به، وقد يصيب الكلب في الصيف جنون لأن مزاجه حار يابس جداً ويزيده الصيف حرارة ويبوسة فيغلب عليه المرار فيحدث له هذا المرض فيصير ريقه سماً، وعلامة ذلك اللهث الدائم واحمرار العينين وإطراق الرأس واعوجاج الرقبة واسترخاء الذنب وجعله بين فخذيه ويمشي مائلاً خائفاً كأنه سكران كئيب مغموم ويتعثر في كل خطوة، وإذا لاح له شبح عدا إليه حاملاً عليه سواء كان شجراً أو حجراً أو حيواناً، وقلما تكون حملته مع نباح بخلاف سائر الكلاب، وإذا نبح يكون في نباحه بحوحة والكلاب تنحرف عنه، وإذا دنا من بعضها على غفلة بصبصت وخشعت بين يديه ورامت أن تهرب وتفر، ومرض هذا الكلب صعب المداواة، ومن عضه ينبح كالكلب، ويرى بوله مرشوشاً على صورة الكلب، وينظر في الماء يرى صورة الكلب، ولا يشرب من الماء حتى يهلك عطشاً.

وحكي أنّ كلباً عض بغلة فعضت البغلة راكبها فصار الراكب أيضاً مكلوباً، وإذا مرض الكلب أكل سنابل القمح. هذا، وإذا سمع صوت الحمار يتألم رأسه، وإذا سمع المحتصب صوت الكلب الأبيض أو الأحمر يكون لجناحيه لوناً جيداً، والكلب يرتبط عند السفاد، والحكمة في ذلك أنّ نطفة الذكر يابسة لزجة لا تخرج إلا بزمان وينتفخ احليله كي لا يخرج حتى،ئ ينزل تمام المني، وإذا رمى إنسان كلباً بحجر فأخذه بفمه ثم ألقاه فذلك الحجر إن ترك في برج الحمام هرب منه، وإذا ألقي في الشراب من شربه يعربد.

ومن عجيب ما حكي عن الكلب أن شخصاً قتل شخصاً بأصفهان وألقاه في بئر وللمقتول كلب يرى ذلك فيأتي الكلب كل يوم ويحفر رأس البئر ويزيح التراب عنها وإذا رأى القاتل نبح عليه، فلما تكرر ذلك منه حفروا البئر فوجدوا فيها المقتول فعذبوا القاتل حتى أقر.

فصل في خواص أجزائه: عينا الكلب الأسود الميت إذا دفنتا تحت جدار يخرب، وإن أخذهما الإنسان معه لا تنبح عليه الكلاب، نابه يشد على الكلب العقور لا يعقر، ويشد على الصبي تنبت أسنانه بلا وجع، ومن يتكلم في نومه يستصحبها لا يرجع يتكلم في النوم، وناب الكلب الكلب، الذي عض إنساناً يشد في قطعة جلد على عضد الإنسان يبرأ من عضة الكلب الكلب ولسان الكلب الأسود يحمله إنسان لا تنبح عليه الكلاب، هكذا تعمل اللصوص، مرارته تنفع من ظلمة العين إذا اكتحل بها، كبده يؤكل مشوياً ينفع من عضة الكلب الكلب، شحم الكلب الميت يطلى به الخنازير يحللها سيما إذا كان في الحلق، ومخه أيضاً يفعل ذلك، قضيبه يجففه ويستصحبه الإنسان يكثر من الوقاع، شعره يشد على المصروع يخفف صرعه، وشعر الكلب البهيم أقوى تأثيراً، بوله يقطع الثآليل إذا طلي به. قال ابن سينا: قردان الكلب يسقى منه صاحب القولنج ينفع في الحال، زبله إذا كان أبيض اللون من أكل العظم دون اللحم فإنّه دواء جيد للذبحة والخوانيق، وزبل الكلب الأسود تحمله المرأة تأمن من إسقاط الجنين.

نمر

حيوان ذو قهر وقوة وسطوة صادقة ووثبات شديدة، وهو أعدى عدو للحيوانات لا تردعه سطوة أحد ولا ينصرف عن العسكر الدهم، وهو ذو وشي وألوان حسنة وخلقة في غاية الضيق لا يتأدب البتة وهو معجب بنفسه فإذا شبع نام ثلاثة أيام، ورائحة فمه طيبة بخلاف الأسد، وخرزات فقاره ضيقة تنكسر بأدنى شيء أصابها، وبينه وبين الأفعى صداقة وعند ولادتها تصير الأفعى حلقة في عنقها، وإذا خدش النمر إنساناً ينثر عليه التراب حتى يموت الإنسان، وإذا مرض يأكل الفأر يزول مرضه، والنمر يتعرض لكل شيء يراه حالة جوعه وشبعه بخلاف الأسد فإنّه لا يتعرض إلا في حالة الجوع.

فصل في خواص أجزائه: رأسه إذا دفن في موضع يجتمع فيه من الفأر شيء كثير، مرارته يكتحل بها تزيد في ضوء البصر وتمنع من نزول الماء، شحمه يذاب ويجعل على الجراحات العتيقة ينفعها ويبرئها، لحمه من أكل منه خمسة دراهم لا يضره سم الحيات والأفاعي، قضيبه يطبخ ويشرب من مرقه ينفع من تقطير البول وأوجاع المثانة، جلده يتخذ منه طرحة يجلس عليها صاحب البواسير يزول عنه، وإذا حمل معه شيئاً من جلد النمر يبقى مهاباً بين الناس. وأجزاؤه كلها تفعل فعل السم القاتل.

نامور

حيوان وحشي نفور، له قرنان كالمنشارين، أكثر أحواله تشبه أحوال بقر الوحش يأوي إلى الدوحات التي التفت أشجارها، وإذا شرب الماء ظهر به النشاط، يعدو ويثب على الأشجار، وربما تشعب قرناه بشعب الأغصان ولا يقدر على استخلاصها فيصيح، والناس إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه فيصيدوه، لحمه يطبخ بالنبيذ ويأكل منه الصبي تزول عنه البلادة، جلده يتخذ منه مطرحاً يجلس عليه صاحب البواسير يزول عنه، كعبه يشد على البريد على الساق يأمن من تعب السير.

النوع السادس من الحيوانات الطير

هذا النوع من الحيوان مختص بخفة البدن وفقد أعضاء كثيرة توجد في غيره والحكمة في ذلك أنّ الله تعالى لما خلق الحيوان وجعل بعضها عدواً لبعض أعطى كل واحد إما قوة أو سلاحاً يدفع بها عدوه كما للدواب والسباع أو آلة يهرب بها كما للوحوش والطيور، أمّا الوحوش فآلتها قوائمها، وأمّا الطيور فأجنحتها ثم إنّ هذه الآلة اقتضت خفة الجثة إذ لو كانت الجثة كبيرة اقتضت كبر الجناح، والجناح الكبير لا يحصل معه سرعة الطيران، بل يكون طيرانه بطيئاً لا يزيد على سرعة المشي فلا يحصل الغرض المطلوب، ومن العجب طيران الطير في الهواء وعدم سقوطه، والهواء أخف منه وهو أثقل منه كما قال الله تعالى: (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله)، فلما اقتضت هذه الآلة خفة الجناح والجثة نقص منها أعضاء كثيرة توجد في غيرها من الحيوانات التي تلد وترضع ويخف عليها النهوض ويسهل الطيران كالأسنان والآذان والكرش والمثانة وخرزات الظهر والجلد الثخين، وإذا تأملت خلقة الطير وجدت نسبة قدامه إلى أسفله كنسبة يمينه إلى شماله فإن كان طويل الرقبة تطول أيضاً رجلاه، وإذا قصرت رقبته قصرت رجلاه، ولو نتف ذنب الطير لمال إلى قدام كالسفينة التي خف مؤخرها، قال الجاحظ: كل طائر جيد الجناح يكون ضعيف الرجلين كالزرازير والعصافير، وإذا قطعت رجلاه لا يقدر على الطيران كما إذا قطعت يد الإنسان فإنّه لا يقدر على العدو، وكل طائر يعب الماء يزق فرخه، ومن الطيور ما أعطي العجب في لونه كالطاووس والببغاء والنعام وأبي براقش، ومنها ما أعطي في حلقه كالحمام، ومنها ما أعطي في حنجرته كالبلابل والقنابر، ومنها ما أعطيت العجب في تركيب أعضائها كالديكة واللقالق والكراكي والنعائم، ومنها ما أعطي في صنعته كالخطاف واليقوط والقنبرة، وسنذكر بعض ما يتعلق بها من العجائب وترتيب أسماء الطيور على حروف المعجم إن شاء الله تعالى.

أبو براقش

طائر حسن الصوت طويل الرقبة والرجلين أحمر المنقار في حجم اللقلق يتلون كل ساعة بلون من أحمر وأخضر وأصفر وأزرق، وفيه يقول الشاعر:

کابی براقش كل لو                   ن لونه يتخيل

وعلى لون هذا الطائر نسجت ثياب تسمى أبو قالمون تجلب من بلاد الروم ولم يحضرني شيء من خواصه.

أبو هارون

طير في حنجرته أصوات مليحة شجية يفوق النوائح ويروق فوق كل معنى لا يسكت بالليل البتة ويصيح إلى وقت الصباح وتجتمع عليه الطيور لالتذاذها باستماع صوته، وربما يمر العاشق عليها فلا يقدر على العبور بل يقعد ويبكي على صوته.

أوز

طير يحب السباحة، وفرخه يخرج من البيض ينزل في الماء ويسبح في الحال، والأنثى إذا حضنت لا تقبل إلا بيض نفسها ولا تقبل إلا تسعاً أو إحدى عشر، وإذا حضنت الأنثى قام الذكر يحرسها لا يفارقها طرفة عين، وتخرج أفراخها يوم التاسع عشر فإن أبطأ فإلى آخر الشهر، وفي جوف الأوز حصاة تنفع من الاستطلاق إذا سقي المبطون.

فصل في خواص أجزائه: لسانه ينفع من تقطير البول، إذا أكل مخه يكمد به الرأس ينفع من الصداع، مرارته تذاب بدهن البنفسج ويسعط به صاحب الشقيقة المنخر الذي يلي الألم ينفعه، شحمه ينفع الشقاق العارض من البرد وداء الثعلب. قال ابن سينا: شحم الأوز يصفي اللون، ومخه يسمن ويصفي الصوت ويزيد في الباه، خاصة عينه اليسرى تشد على يمين صاحب حمى الربع تذهب عنه وتنفع من وجع الأعضاء كلها، عظمه يحرق ويذر على جراحات النصول ينفعها نفعاً بيناً، بيضه يزيد في الباه أكلاً، زرقه يجفف ويسحق ويشرب ينفع من السعال اليابس، والله الموفق.

بازي

هو أشد الجوارح تكبراً وأضيقها خلقاً يوجد بأرض الترك. قالوا: البازي لا يكون إلا أنثى وذكرها يكون من نوع آخر من الحدأة والشاهين، ولهذا ترى الاختلاف في أشكال البازات وذلك بحسب الذكر فإن كان الغالب عليه بياض اللون فهو أحسن البزاة وأملاها جسماً وأجرؤها قلباً وأسهلها رياضة، والأشهب لا يوجد إلا بأرض أرمينية وأرض الجزر، وجاء في أخبار الرشيد أنه خرج ذات يوم إلى الصيد فأرسل بازياً أشهب فلم يزل يعلو حتى غاب في الهواء ثم عاد بعد اليأس منه وقد تعلق بشبه سمكة لها ريش كأجنحة السمكة فأحضر الرشيد العلماء وسألهم: هل تعلمون في الهواء شيئاً؟ قال مقاتل: يا أمير المؤمنين روينا عن جدك عبد الله بن عباس أن الهواء معمور بأمم مختلفة الخلق سكان فيه أقربها منا ذوات بيض تفرخ فيه يرفعها الهواء فينشأ في هيئة الحيات والسمك، لها أجنحة ليست بذات ريش يأخذها بزاة بيض تكون بأرمينية فأمر الرشيد بإخراج طشت وأراهم فإذا فيه البازي الأشهب وذلك الحيوان فأجاز مقاتلاً يومئذ. والبازي لا يتخذ الوكر إلا على شجرة لها أغصان لدفع ألم الحر ودفع البرد، وإذا أراد أن يبيض يبني بيتاً مسقفاً لئلا يقع على فرخه المطر والثلج، ويأتي بخشبة يقال لها المرار يتركها في وكره لدفع العدو، وإذا مرض يأكل لحم العصفور يبرأ، وإذا كان في التحشير يعطى لحم الفأرة لينبت ريشه حسناً، مرارته من اكتحل بها يأمن من نزول الماء، إذا رأى آثار نزول الماء الذي كشبه ذباب يطير بين عينيه أو مثل دخان ويسعط صاحب اللقوة بقدر حبة تنفعه نفعاً جيداً. قال ابن سينا: مرارة الجوارح كلها تنفع من ظلمة البصر اكتحالاً عظمها يحرق ويذر على الموضع المحرق ينفعه نفعاً بيناً، مخلبها يعلق على شجرة لا يصيبها شيء من الطيور ولا يصيبها ضرر من الطير البتة.

باشق

طائر حسن الصورة أصغر الجوارح جثة يصطاد العصافير وما في حجمها، دماغه ينفع الخفقان العارض من السوداء إذا سقي منه درهم بماء ورد، مرارته تنفع ظلمة العين اكتحالاً. من

ببغاء

يقال له بالفارسية طوطوطير حسن اللون جداً والشكل أكثرها أخضر اللون وقد يكون أحمر وأصفر وأبيض، له منقار عريض ولسان كذلك يسمع كلام الناس ويعيده ولا يدري معناه ويأتي بحروف مستقيمة، وإذا أرادوا تعليمها أخذوا مرآة في قفصها فإنّها ترى صورة نفسها فيها ويتكلم أحد من خلف المرآة فإنّها إذا سمعت أعادت لأنّها تريد أن تأتي بما أتى به مثلها فتتعلم سريعاً. ومن عجائبها أنها لا تشرب الماء أبداً، فإنّها إن شربت هلكت

فصل في خواص أجزائه: من أكل لسانها يصير فصيحاً جريئاً في الكلام، مرارتها تثقل اللسان أكلاً، دمها يجفف ويسحق وينثر بين صديقين تظهر بينهما العداوة، وزرقها يخلط بماء الحصرم ينفع من الظلمة والرمد اكتحالاً.

بلبل

يقال له بالفارسية،هزارستان، طائر صغير الجثة سريع الحركة فصيح اللسان كثير الألحان يسكن البساتين وله مغنى ويوجد أيام الورد يقولون إنه يحب الورد فإذا رأى من يقطفه يكثر صياحه ولا يصبر عن الماء ساعة لفرط حرارته ولا يتراوح إلا في البساتين والريح يعصف به من صغره وهو يعلم ذلك، فإذا كان يوم الريح لم يخرج أصلا، لحمه مع عين السرطان يشد في جلد الإبل على ذراع إنسان لا يغلبه النوم ما دام معه

بوم

طائر معروف لا يبرز بالنهار لضعف بصره ويحب الوحدة وتتشاءم الناس به، والأفاعي والحيات تهرب من صوته وتصطاد السنانير الضعاف وتعادي الغراب وهو ذليل بالنهار أما بالليل فلا يقدر عليه شيء من الطيور، والطير تعرف ذلك منه فإذا كان النهار تجتمع عليه الطير وتنتف ريشه ولهذا ينصب الصياد في الشبكة البومة.

فصل في خواص أجزائه: يكتحل بمرارته تنفع من ظلمة العين، زعموا أنّ إحدى عينيه تنام والأخرى تسهر وسبيل معرفتها أنّ الراسبة في الماء تنوم وتجعل تحت وسادة من أردت فإنّه لا يستيقظ ما دامت تحت وسادته، والطافية تسهر فالتي تسهر تجعل تحت فص الخاتم من تختم به لا يغلبه النوم، وعيناه تخلط بالمسك ويستصحبه فكل من شم رائحته يحبه محبة شديدة، قلبه يطعم صاحب القولنج واللقوة يزيلها وليكن مشوياً، مرارته تخلط برماد خشب البلوط يأكله من في مثانته حصاة يفتتها وتخلط برماد خشب الطرفاء يأكله صاحب البول في الفراش يزول عنه ذلك، كبده سم قاتل يورث القولنج ولا دواء له والعياذ بالله، لحمه يورث الغثيان ويجفف ويجعل في طعام ويطعم جماعة تقع بينهم الخصومة، دمه يلطخ به طرياً وجه الملووق يزول عنه ذلك، قانصته تعمل عمل كبده، عظمه یدخن به بین ندمان الشراب يعربد بعضهم على بعض، قالوا: إنّها تبيض بيضتين إحداهما منبتة للشعر والأخرى مزيلة، ومن أراد أن يعرف ذلك فليغسلها بالماء ويعصرها فالمنبتة تميل إلى السواد والمزيلة إلى الصفرة.

تدرج

طائر يقال له بالفارسية مدور ويغرد في البساتين بألحان طيبة يسمن عند صفاء الهواء وهبوب الشمال ويهزل عند كدورتها وهبوب الجنوب، ووقت البيض يتخذ دائرة من التراب اللين ويضع البيض فيها لئلا تتعرض له الآفات، وإذا كانت وقت الزلزلة تجتمع التداريج وتصيح قبل ذلك بساعة تقع الزلزلة نعوذ بالله ذلك.

تبوط

طائر يقال له بالفارسية كسوا تتخذ من لحاء الأشجار شبه الليف وتتخذ منه كهيئة القفة ويفتل خيطاً تشد القفة به وتدليها من بعض الأغصان ثم تبيض فيها.

فصل في خواص أجزائه: يذبح بسكين من الشبه ويسقى لمن يعربد في سكره فإنّه يتأدب ولا يرجع إلى ذلك، مرارته تطعم الصبي بالسكر يحسن خلقه، عظمه يعلق على الصبي وقت زيادة نور القمر يبقى محبوباً إلى الناس، ولو كان كريه الملقى.

حبارى

طائر يقال له بالفارسية حور، قالوا: ما في الطيور أشد بلها منها لأنها تترك بيضها وتحضن بيض غيرها، وفي المثل كل شيء يحب ولده حتى الحبارى، وإذا وقع زرقه على شيء من الطيور يعمل عمل الدبق، والعرب تقول الحباري سلاحه سلاحه لأنّها إذا قصدها الصقر لا تزال تعلو وتنزل مع الصقر حتى تجد فرصة فترميه بزرقها فيبقى الصقر مقيداً مثل المكتوف، فعند ذلك تجتمع عليه الحبارات وتنتف ريشه، وفي ذلك هلاك الصقر، والحبارى إذا حبس وحبس معه شيء من الطير ونتف ريش صاحبه قبله يموت كمداً، ويقال في المثل مات كمد الحبارى.

فصل في خواص أجزائه: داخل قانصته يجفف ويسحق مع الملح الأندراني والخبز المحرق أجزاء سواء يزيل بياض العين اكتحالاً. قال ابن سينا: بيض الحباري خضاب جيد فيما يقال فليجرب بصوفة بيضاء، زبله نافع للقوابي.

حدأة

طائر يقال لها بالفارسية زعق، وهو خسيس يغلبه أكثر الطيور قيل إنه ذكر في سنة وأنثى في سنة، والغراب يسرق بيض الحدأة ويترك مكانه بيضه، فالحدأة تحضنها فإذا فرخت فالحدأة الذكر تعجب من ذلك ولا يزال يزعق ويضرب الأنثى حتى يقتلها، وإذا مرض يأكل شيئاً من ريشها وإذا رأت الحدأة شيئاً أحمر تحسبه لحماً تسلبه. قال صاحب الفلاحة: الحدأة والعقاب يتبدلان فيصير العقاب حدأة والحدأة عقاباً.

فصل في خواص أجزائه: مرارته إن جففت وسحقت وذرت في جونة الحواء ماتت الحيات التي وقع عليها، ويكتحل بها من لدغته العقرب في العين التي من جانب اللدغة ينفعه، دمه ينفع من السموم القاتلة شرباً، عظمه يحرق ويسحق ويضمد به الدماميل ينضجها، وكذلك الجراحات.

حمام

هو الطير المشهور الهادي إلى أوطانه من المسافة البعيدة وهو أشد الطيور ذكاء، فإذا أرسل من موضع بعيد يصعد نحو الهواء ويكون صعوده مدوراً كما أخذ المنارة فلا يزال يصعد وينظر حتى يرى شيئاً من علامات بلده فعند ذلك يهبط إليها في أدنى زمان، وربما تغيمت السماء فيصير الغيم حائلاً بينه وبين الأرض فيقع في بلاد شاسعة أو يصيده شيء من الجوارح وترى عجباً من زوج الحمام من الملاعبة والغنج مثل ما يجري بين الناس من القبلة والمعانقة،وغيرها ورأيت حمامة تسجد لذكرها حال طلبه وحمامة رأيتها لا تسجد إلا مع شدة الطلب ورأيت ذكراً له أنثيان يحضن بيض هذه وهذه وأنثيين يتساحقان كسحاق النساء يبيضان أربع بيضات ولا يفقسان، ومن العجب أنّ الحمام الذكر يحس بما أودع رحم الأنثى فعند ذلك الأنثى فعند ذلك يهتم بعمل الأفحوصة فيتخذانها على قدر بدنهما فإذا شخصا لتلك الأفحوصة جوفاها حتى يظهر فيها مقعد تبقى البيضة فيه مصونة، فإذا وضعته يتناوبان عليه الحضن بعد ما سخنا موضعهما وأحدثا له رائحة أخرى مستحدثة من طبيعة أبدانهما ويقلبان البيض في أيام الحضن وساعاتها وأكثرها على الأنثى كالمرأة التي تتكفل بالحضانة فإذا صارت فراخاً فأكثر الزق على الذكر كالرجل الذي يتكفل بالنفقة، وإذا خرج الفرخ نفخا حلقه في حتى يتسع ممر الغذاء لعلمهما بأن آلات ممر غذاء الفرخ لا تحتمل الطعام فيزقانه أولاً باللعاب المختلط وبالطعام مكان اللبن ويعلمان أنّ حوصلته تحتاج إلى دبغ فيأكلان سوارح الحيطان، قالوا: من أراد لوناً من الحمام كأسود الرأس أو الذنب أو مثل ذلك فليتخذ حماماً من الخرق على ذلك اللون ويتركها عند مسقى الحمام فإن كان حمامة وقعت عينها عليها حالة التزاوج يأتي فراخها على ذلك اللون، وحمام البر إذا مرض يأكل الجراد يزول مرضه، والمتروك الذي يقال له اليمامة يأكل أطراف القصبة يزول مرضه، ومن ذكاء الحمام أن جوازلها إذا رأت النسر لا تخاف وإذا رأت العقاب خافت، وكذلك تفرق بين الغراب والصقر، وإذا رأت الشاهين رأت السم الناقع، كما أنّ الشاة لا تفزع من الفيل والجاموس وتفزع من الذئب. قال الجاحظ: الحمام أسرع طيراناً من سباع الطير إلا أنه إذا رأى الجوارح يعتريه ما يعتري الشاة عند رؤية الذئب والفأرة إذا رأت السنور.

فصل في خواص أجزائه: عينه من أكلها يصيبه الغشي، مرارة الحمامة البيضاء تزيل الغشاوة والظلمة من العين اكتحالاً، دمه يطلى به الكلف يقلعه، دم الجوازل یطلى به الجراحة يبرئها سريعاً ويطلى به الموضع الذي أصابه صدمة أو ضربة تصلحه ويزيل الزرقة من آثار الضربة والصدمة، وينفع من الغشاء اكتحالاً، لحمه من داوم على أكله يدفع عنه البلادة ويورث الذكاء، عظمه يحرق ويذر على الجراحة تلتئم شقها ويصلح بإذن الله تعالى. زرقه تحمله المرأة التي أضر بها الطلق يسهل ولادتها ويقلع الخشركشات والنار الفارسية إذا طلي به، وزرق الحمام الأحمر يفتح أثر البول ويفتت الحصاة والدمل، ويطرح زرق الحمام في أدوية الحقنة يفتح القولنج رجل الحمام والاصطرك وحب النيل أجزاء سواء يسحق وتخلط بدهن الجوز ويطلى به البرص يغير لونه.

خطاف

طائر لا يزال ينتقل من الضروب إلى الحروم ويتبع الربيع فإذا عرف استقبال الصيف يأخذ فراخه ويمشي بها إلى الوكر الذي تركه في البلد الآخر ولا يبقى منها رجع إلى وكره القديم ويتخذ الوكر من الطين المخلوط بالشعر ليبقى بعضه على بعضه ويقوى كطين الحكمة، ومن العجائب أن يعمل بعضه ويتركه حتى يجف ثم يعمل البعض الآخر فلو عملت البيت كله دفعة واحدة لتثاقلت وسقطت، وإذا أرادت اتخاذ الوكر عاونتها الخطاطيف، فإذا فرغت تأتي بالماء في أفواهها وتسوي به باطن الوكر وتملسه وتزيل خشونته وتضع السذاب في أوكارها لدفع الحيات والبعوض والذباب، ومن المشهور أنّ عش الخطاف يحل في الماء ويسقى صاحبة الطلق تضع بسهولة.

فصل في خواص أجزائه: ريش رأسه يجعل تحت وسادة إنسان لا ينام ما دام تحت رأسه، دماغه ينفع من ظلمة العين اكتحالاً، ولو خلط بدهن ورد ودهن به الإنسان رأسه لا يتولد فيه القمل عينه تشد في خرقة وتعلق في سرير كل من نام عليه سهر، قلبه يجفف ويسحق ويسقى في شيء من الأنبذة يعين على الجماع معاونة عظيمة، لحمه يحد البصر جداً، دمه يسقى المرأة تذهب شهوتها بحيث لا تريد الرجال البتة، زرقه ينضج الدماميل إذا ضمد به.

خفاش

طائر مشهور، بصره ضعيف يسوءه شعاع الشمس لا يخرج إلا بين الضياء والظلام، يشبه الفأر، جناحه جلدة رقيقة وله أسنان وللأنثى ثدي كما للفأر يرضع ولده، وإنما طالب بنو إسرائيل عيسى صلوات الله عليه بخلق الخفاش لأنه أتم الطير خلقة لأنّ له آذاناً وأسناناً وثدياً فاتخذ من الطين كما أخبر الله تعالى: (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني ) يقصد الذباب والبق والبعوض وأمثالها، وربما تأخذ ولدها في فمها وتطير وترضع ولدها وتأكل الرمان على الشجرة وتتركه قشراً مجوفاً وتهرب من ورق الدلب إذا ترك في مكانها، وإذا علقت خفاشة في شجرة من قرية جاوز الجراد عنها.

فصل في خواص أجزائه: رأسه يترك في برج الحمام يألف إليها، وإذا ترك تحت وسادة إنسان لا ينام، دماغه قال ابن سينا: ينفع من نزول الماء اكتحالاً، قلبه يعلق على من هاجت به شهوة الوقاع يسكن، دمه يزيل الغشاء اكتحالاً ويطلى به الإبط والعانة بعد النتف فإنّه لا يرجع ينبت الشعر بعد ذلك، زرقه يزيل الظفرة وبياض العين اكتحالاً ويلقى في جحر النمل تهرب كلها ويطلى العضو الذي أريد إزالة شعره بماء الزرنيخ والنورة، وزرق الخفاش فإنّه لا ينبت إلا بعد مدة طويلة، وإذا فعل ذلك مراراً لا ينبت البتة.

دراج

حاله

طير مبارك كثير النتاج محدب الظهر مبشر بالربيع ويؤكل لحمها وتحسى مرقتها فإنّها تزيد في الباه وتقوي الشهوة، والمداومة على أكل لحمه يزيد في الدماغ والفهم، قاله ابن سينا وهو القائل: بالشكر تدوم النعم وصوته على وزن هذه الكلمات، وتطيب نفسه في الهواء الصافي وهبوب الشمال ويسوء حاله بهبوب الجنوب حتى لا ويسوء يقدر على الطيران، وذكر الجاحظ أنّ الدراج من الطيور التي لا تسافد في البيوت وإنما تسافد في البساتين وذكر بعض البازدارية أنّه أرسل بازاً على دراج فألقى الدراج نفسه على شوك كان هناك وأخذ من الشوك أصلين في رجليه واستلقى على قفاه وتستر بذلك عن الباز فعجز الباز عنه. قال ابن سينا: يزيد في مادة المني.

ديك

أكثر الطيور شهوة وعجباً بنفسه يبشر بطلوع الفجر، ومن العجائب معرفته ساعات الليل فإنّ الليل إذا كان خمس عشرة ساعة يقسط أصواته عليها كما كان يقسطها والليل تسع ساعات وذلك بإلهام من الله تعالى، وزعموا أنّ من أيقظه الديك فقام لا يبقى معه شيء من ثقل النوم، والأسد يهرب من الديك الأبيض والمهارش خيرها، وعلامة ذلك حمرة العرف وغلظ الرقبة وضيق العين وسوادها وحدة المخالب ورفع الصوت، والديك يحب الدجاج محبة شديدة يؤثر الدجاج على نفسه، وربّما يأخذ الحب بمنقاره ويرميه إلى الدجاجة ويهارش عليها، وهذا كله في زمن شبابه وكثرة نشاطه، وأما إذا هرم فتكون همته مقتصرة على نفسه، وإذا جاء للدجاج عدو دفعه الديك عن الدجاج، وبالليل يجتمع الدجاج في موضع حريز ويقف الديك على بابه يحرسها، والديك يبيض بيضة في عمره صغيرة تسمى بيضة العقد، وزعموا أنّ ذبح الديك الأبيض الأفرق ينكب في ماله وأهله وأن الشيطان لا يدخل بيتاً فيه ديك أبيض أفرق.

فصل في خواص أجزائه: عرفه يجفف ويسحق ويسقى من يبول في فراشه يزول عنه ذلك، وعرف الديك الأبيض أو الأحمر يبخر به المجنون ينفعه نفعاً بيناً، مرارته تنفع من الغشاوة وظلمة البصر اكتحالاً، قال بليناس: مرارة الديك الأبيض تخلط بمرق صاف وتؤكل على الريق يذهب النسيان ويذكر ما كان نسيه؛ وقال بعضهم: مرارة الديك تجعل في إناء من الفضة ويداوم على الاكتحال بها فإنّه يزيل بياض العين، عظم جناحه يشد على صاحب الحمى الورد تذهب عنه، ويشده الفارس على وسطه لا يتعب من السوق، دمه ينفع من بياض العين اكتحالاً، ويخلط دمه بالعسل ويعرض على النار فإنّه يقوي الباه واللذة طلاء على القضيب، ودمه الذي يخرج من المهارشة إن جعل في طعام وأكله قوم يقع بينهم الخصومة، لحمه يأكله العقاب على جوعه يسقط ويؤخذ من لحم الديك ويجفف ويسحق مع العفص والسماق بالسوية ويتخذ حبوباً على مثال الحمص ويسقى المبطون يبرأ في الحال، ويوجد في بطن الديك أحجار منها على لون السماء ومنها على لون البلور فإذا علق منها على المجنون يبرأ ويعلق على غير المجنون تزيد شهوته، خصية الديك تعلق على الديك المهارش لا يغلبه ديك في المهارشة.

دجاجة

أعجب ما فيها أنّها إذا تشبهت بالديك في الصياح والمهارشة، ينبت لها شوكة كشوكة الديك وربّما باضت من لعبها في التراب ومن الريح الجنوب من غير ركوب الديك، لكن لا تفرخ تلك البيضة ويطيب طعمها، وإذا حصل في ظهرها بيض كثير من هذا السبب وركبها الديك ولو مرة واحدة صلحت كلها، وإذا حضنت الدجاجة وسمعت صوت الرعد يفسد بيضها وكذلك عند هبوب ريح الجنوب يكون فسادها أقوى، والدجاجة إذا سمنت لا تبيض. قال الجاحظ: إذا كبرت الدجاجة قل بيضها كما ترى من أمر النخل إذا تزاحمت لا تحمل.

فصل في خواص أجزائها: تطبخ الدجاجة البيضاء بعشر بصلات وكف سمسم مقشر حتى تتهرى ويؤكل لحمها ويحتسى مرقها فإنّه يزيد في الباه ويقوي الشهوة، والمداومة على أكل لحم الدجاج يورث البواسير والنقرس، شحمه يتخذ طلاء يذهب الكلف الأحمر من الوجه وينفع من الشقاق في القدم العارض من البرد، ومرارتها تمنع من نزول الماء اكتحالاً، قانصتها قال بليناس تشوى وتطعم من يبول في الفراش يذهب عنه ذلك، بيضها يؤخذ منه ثلاث حبات وينقع في خل ثلاثة أيام ثم يترك في الشمس ليجفف ويطلى به البهق يذهب به، والنيمرشت يعمل في تكثير مادة المني وزيادة الشهوة فعلاً عجيباً، والبيض يترك في وسط التبن في الشتاء وفي الصيف في النخالة يبقى زماناً طويلاً لا يفسد، دهن البيض يطلى به النقرس فيسكن وجعه، زرقها ينفع من القولنج إذا شرب بخل أو نبيذ، وكذلك ينفع صاحب الحصاة، قال بليناس: زرق دجاجة سوداء يلصق على باب قوم يقع بينهم شر وخصومة.

رخمة

طائر يشبه النسر في خلقته يختار لبيضه أطراف الجبال الشاهقة ليصعب الوصول إليه، يقال: أعز من بيض الأنوق فإذا حان أوان بيضها ذهبت إلى الهند وأتت بحجر يقال له أبو طافيون وهو حجر مدور مثل الخرزة إذا حركته يقرقع في جوفه حجر آخر ويترك ذلك الحجر تحتها فتبيض من غير وجع، ويطير خلف العساكر ليأكل من جيف القتلى، ويتبع الحاج أيضاً لطمعه في خرء الدواب ويتبع النعم أيضاً زمان وضعها أو حملها طمعاً في الجنين المجهض.

فصل في خواص أجزائه: مرارته تقطر في الأذن مع الزيت يزول طرشها ويكتحل بمرارتها وحدها لبياض العين، دمه يسقى من به حمى الربع تذهب عنه، وإذا خلط بدهن زئبق ومسح به الوجه يكون مقبولاً عند السلاطين، عظم جناحها اليمنى يحرق ويسقى إنساناً يحب من فعل به ذلك حباً شديداً، وعظم جناحها اليسرى يفعل مثل ذلك في البغضة، زرقها إن احتملته المرأة ألقت جنينها.

زاغ

هو الأسود الكبير، قالوا: إنّه يعيش أكثر من ألف سنة. قال الجاحظ: سائر الطيور تطرد أولادها ولا تعرفها إلا الغراب فإنّها لا تبرح تتفقد أولادها والغراب نفسه يحرق ويسحق بالزيت وتطلي به الموضع الذي تريد أن ينبت فيه الشعر ينبت.

فصل في خواص أجزائه: لسانه يجفف ويأكله العطشان يزول عطشه ولو في وسط تموز، قلبه يجفف ويسحق ويذاب بالماء ويشربه الإنسان لا يعطش في سفره فإنّ الغراب لا يشرب الماء في تموز، وقال بعضهم: لو أخذه الإنسان معه زال عطشه، ومرارته تخلط بمرارة الديك ويكتحل بها تذهب ظلمة العين ويسود الشعر إذا طلي به سواداً عجيباً، شحمه وحوصلته تمنع من نزول الماء أكلاً عند مباديه، قال بليناس: إذا أخذت شحم الغراب مع دهن الورد ودهنت به وجهك ودخلت على السلطان قضى حوائجك، دمه يجفف ويذر على البواسير يصلحها، بيضها إذا شربه من به الزرنيخ أو النورة يدفع غائلتها، وإذا أكلها إنسان ثم استعمل الزرنيخ أو النورة لا يزول شعره، ولو سقيه إنسان في النبيذ لا يرجع يشربها، دمه يجفف ويذر على البواسير يقلعها وينفعها ويصلحها، زرقه يخلط بالخل ويطلى به موضع طحال المطحول ينفعه، ويضمد به حلق صاحب البحة يزيلها.

زرزور

طائر يقال له بالفارسية سار يتبع الربيع وطيب الهواء ويأتينا من بلاد الهند، ويقع منها في البحر شيء كثير تذهب الأمواج بها إلى السواحل، وسكان السواحل تجمعها وتحرقها مكان الحطب، قال أبقراط: يؤخذ من فراخ الزرزور وتطلى الزعفران وتترك مكانها فإذا رجعت إليها أمهاتها تحسبها أنّها مريضة فتأتي بحصى أصفر اللون لمعالجتها فتسحق تلك الحصاة وتعطى صاحب اليرقان في الحال يبرأ، لحمه يزيد في ضوء البصر أكلاً ويجفف ويسحق ويسقى صاحب الخناق على الريق ينفتح في الحال، رماده يذر على الجراحات يصلحها. قال ابن سينا: زرق الزرزور المعتلف بالأرز نافع من القوابي.

زمج

طائر يقال له بالفارسية زمك، مرارته تجعل في الاكتحال تنفع من غشاوة العين وظلمة البصر، وذكر أنه مجرب، والله أعلم.

سماني

طائر صغير وهو السلوى الذي كان ينزل على بني إسرائيل في التيه، ومن عجیب شأنه أنه يسكت طول الليل زمن الشتاء فإذا أقبل الربيع يصيح مع ابتلاج الصبح. يغتذي بالبيش والبيش سم قاتل.

سقر

طائر من جوارح الطير في حجم الشاهين إلا أنّ رجليه غليظتان جداً ولا يعيش إلا بالبلاد الباردة ويوجد ببلاد الترك، إذا أرسل إلى الصيد أشرف عليها ويطير حولها على شكل دائرة فإذا رجع إلى المكان الذي ابتدأ منه يبقى الطير جميعاً في وسط الدائرة لا يخرج منها واحد ولو كانت ألفاً، والجارح يقف عليها وينزل يسيراً يسيراً وينزل الطير بنزوله حتى يلتصق بالتراب فيأخذها البازدارية فلا يفلت منها شيء أصلا.

شاهين

طير من جوارح الطير عدو الحمام إذا رآه الحمام يعتريه ما الشاة من يعتري الذئب والفأرة من الهرة، والحمام أسرع طيراناً منه، إلا أنه إذا رآه يضعف عن الطيران خوفاً، وإذا رأته السلحفاة تتقنع وتعطيه ظهرها، ولا يعمل منقار الشاهين فيها فيحملها الشاهين ويصعد بها نحو السماء ويرميها على حجر صلد لتنكسر فيأكلها، وإذا مرض الشاهين أكل الدراريج يزول مرضه.

شفنين

طائر معروف لا يزاوج إلا أنثاه فإن هلكت لا يزاوج غيرها، وكذلك الأنثى، قاله الجاحظ. شحمه يذاب بالشيرج ويقطر في الأذن يذهب طرشها وإذا اكتحل به يذهب الرمد وجراحات العين والغشاء، زرقه يسحق ويذاب بدهن الورد وتحتمله المرأة على صوفة ينفعها من أوجاع الرحم.

شقراق

طائر يقال له بالفارسية كاسكينة، أخضر اللون أحمر المنقار وقد يكون أصفر، عدو النحل يأكل منها ويقتل ما لا يأكله، مرراته ذكر صاحب "المثل" أنّ الذهب إذا كان ناقص العيار يذاب ويفرغ في مرارة الشقراق فإنّه يحمر ويزيد عياره كما لو فرغت في مرارة الثعلب ينقص عياره ويظهر نقصانه.

صاف

طائر لا ينام شيئاً من الليل أصلاً فإذا أظلم الليل يتدلى من شجرة ويقبض على شيء من أعوادها برجليه متنكساً، ولا يزال يصيح حتى يشرق الصبح، قالوا: إنّه يخاف من وقوع السماء عليه.

صقر

هو الجارح المعروف الذي يقال له بالفارسية جزع، وصيده أعجب من جميع الجوارح وهو أنّه إذا أرسل الصقران إلى ظبية نزل أحدهما على رأسه يضرب على عينيه بجناحه ثم يعلو وينزل الآخر ويفعل مثل ذلك هكذا يشغلانه عن المشي حتى يدركه من يبطش به. ومن العجب أنّ الصقر مع صغر جثته يثب على الكركي مع ضخامته ويغلبه وذلك لشجاعته التي خلقها الله تعالى فيه فلم يعبأ بعظم جثة الكركي لضعفه عنه مع زيادة قوته وجئته.

طاووس

أحسن الطيور جمالاً وحسناً وأروقها لوناً والله تعالى في خلقه حكمة في اختلاف ألوانها فترى في وسط كل ريشة دائرة من الذهب مختلفة بالزرقة والخضرة وغيرهما من الألوان التي يلائم بعضها بعضاً ينشأ من تركيبها زيادة حسن فإنّ الذهب إذا جعلته على الحمرة أو الصفرة أو البياض لا تجد مثل حسنها على الزرقة والخضرة والكحلية فانظر إلى قدرة الصانع كيف خلق في بيضة تلك النقوش العجيبة والألوان الحسنة، ثم إنّ الذهب الذي يولدها في الحجر لا يخرج إلا بالحيلة الشديدة ولا يصلح للتزويق إلا بعد أن يعمل عليها صناع كثيرة مختلفو الصناعات، وكيف خلق الله في البيضة خاصية يتبين منها لون الذهب فسبحانه ما أعظم شأنه وأوضح برهانه. قالوا عمر الطاووس خمس وعشرون سنة وفي هذه المدة يتلون بألوان كثيرة، وفي كل سنة يلقي بريشه وقت الخريف، وإذا بدت الأشجار بالأوراق يكتسي الطاووس أيضاً بريشه. قال ابن سينا: من أراد أن يظفر بإبعاد الهوام يقتني طاووساً في مكانه.

فصل في خواص أجزائه: مخه بالسذاب والعسل ينفع من القولنج وأوجاع المعدة، دمه من سقي منه يجن، مرارته يشرب منها وزن دائق بالسكنجبين نافع للمبطون ويذهب بثقل اللسان، لحمه يزيد في الباه وينفع من وجع الركبتين، شحمه يطلى به العضو المبرود يصلحه، عظمه من أخذه معه يأمن من العين السوء، مخلبه يشد على فخذ صاحبة الطلق تضع في الحال، وكذلك لو دخن تحت ذيلها.

طهوج: لحمه يعقد البطن ويزيد في الباه.

عصفور

قالوا الطير ضربان أحدهما بهائم الطيور وهي التي تلقط الحب والآخر سباع الطيور وهي التي تتغذى باللحم والعصفور يشبهها جميعاً لأنه ليس بذي مخلب ولا يلقط الحب وكذلك يأكل اللحم ويصطاد الجراد والصرصر، ويتخذ وكره في العمران تحت السقوف خوفاً من الجوارح، ولو خلت مدينة عن أهلها ذهب العصافير عنها فإن عاد أهلها عادت وبينها وبين الحية عداوة، إذا قصدت الحية وكرها اجتمعت العصافير ورفعت شقاشقها ولا تبقى عصفورة سمعت صاحبتها إلا جاءت إليها وصاحت معها، وربما تقرض الحية بمنقارها فتجرحها فيجتمع النمل عليها فتكون سبباً لهلاك الحية، وإذا نهقت الحمير فسد بيض العصافير وليس شيء من الحيوانات أكثر سفاداً العصفور فلهذا قالوا عمره قصير.

فصل في خواص أجزائه: دمه يخلط بدقيق العدس ويتخذ بنادق ويطلى به: القضيب ولا يضع قدمه على الأرض فإنّه يرى شيئاً عجيباً من إفراط اللذة وكثرة الشهوة، لحمه يهيج الباه ويكثر الرياح، بيضها من يتحسى به یکثر جماعه ويدفن تحت الزبل ثلاثة أيام ثم يخرج ويطلى به الناصور ينفعه نفعاً بيناً، زرقه يكتحل به يزيل الغشاوة، وإن شربه الإنسان في النبيذ يخر كالميت.

عقاب

من صغار جوارح الطير يصيد الطير وصغار الحيوان كالأرنب والثعلب ويأكل من كل حيوان كبده لأنّ الكبد ينفعه من أمراضه. قال الجاحظ: لمخلب العقاب خاصية في تقطيع الذئب فينقض على الذئب فيقده نصفين ويتبع العساكر لطمعه في لحوم القتلى، قال أصحاب القنص: إنّ العقاب لا يروع الصيد ولا يعاني ذلك بل يكون على المرقب الأعلى فإذا رأى شيئاً من الجوارح قنص صيداً انقض عليه فالجارح ينجو بنفسه ويترك الصيد للعقاب.

ولا يفرخ إلا بيضتين والزيادة يرميها لأنّها أكولة لا يتفرغ للأولاد الكثيرة لقساوة قلبها وسوء خلقها، وإذا هرمت وعجزت عن الطيران تراعيها أفراخها، وإذا أظلم ضوء عينها من الهرم تصعد نحو الهواء إلى أن يخرق بريشها ثم تنزل فتغوص في شيء من عيون الماء فيذهب هرمها وتعود إليها قوتها، وهو طويل العمر بعيد التسافر يتغذى بالعراق ويتعشى باليمن، والعرب تقول: فلان أحزم من فرخ العقاب لأنّ العقاب وسائر فراخ الطير تتخذ أوكارها في عروض الجبل وربما كان الجبل أملس بحيث لو ترك الفرخ من مجثمه لهوى من رأس الجبل إلى حضيضه، والفرخ يعرف ذلك صغره وقلة تجربته لا يتحرك أصلاً، ولو وضع شيء من أفراخ الأهليات كالدجاج والحجر والقطا في أوكار الوحشيات لتهافت في الحال وسقط عنها، وأعجب من أن الفرخ لا يطير حتى تستوي قصبة ريشه، فسبحان من ألهم كل حيوان مصالح نفسه ومفاسده.

فصل في خواص أجزائه: مرارته تنفع من ظلمة العين اكتحالاً ويطلى به ثدي النساء اللاتي انعقد اللبن في ثديهن فإنّ ألمها يسكن في الحال ويفتحها ويكثر لبنها، دمه يجفف ويخلط بالأهليلج الأصفر مسحوقاً ويكتحل به ينفع من جرب العين، ولو طلي به من خارج كان أيضاً نافعاً، شحمه يذاب بالزيت ويطلى به رجل المنقرس يزول ألمها وكذلك وجع المفاصل، شحمه يخلط بالصبر والعسل ويجعل على الناصور مرتين أو ثلاثاً يصلحه.

عقعق

طائر معروف كثير الخيانة يسلب الأشياء النفيسة من الحلي والجواهر ويرميها موضعاً آخر ولا يتخذ العش إلا في ظلمة أو تحت سقف ويأتي بورق الدلب يتركه في عشه كيلا يقصد الخفاش بيضه، وكثيراً ما تنسى عشها وأفراخها فما لها ذكاء كما لغيرها من الطيور.

فصل في خواص أجزائه: دماغه يخلط بالغالية ويسعط بها صاحب اللقوة والفالج يذهب ما به من الأذى، دمه يجفف ويخلط بماء الورد ويسقى إنساناً يبقى ثرثاراً مكثاراً، وطريه يطلى به الموضع الذي فيه نصل أو شوكة يخرجها بالسهولة، شحمه يطعم لصبي بالسكر يكون فصيحاً حافظاً، ريشه يحرق ويذر في جحر النمل تهرب كلها بحيث لا يبقى منها شيء، مخ رأسها يكتحل به بعد الخروج من الحمام مرتين أو ثلاثة يزيل بياض العين بالكلية.

عنقاء

أعظم الطيور جثة وأكبرها خلقة تخطف الفيل كما تخطف الحدأة الفأر، كان في قديم الزمان يختطف من بيوت الناس فتأذوا منه من جناياته إلى أن سلب يوماً عروساً مجلوة فدعا عليه حنظلة النبي عليه الصلاة والسلام فذهب الله به إلى بعض جزائر البحر المحيط تحت خط الاستواء وهي جزيرة لا يصل إليها الناس، وفيها حيوانات كثيرة كالفيل والكركند والجاموس والنمر والسباع وجوارح الطير والعنقاء لا تصيد منها لأنهم تحت طاعتها، وإذا أتى بشيء من الصيد يأكل منه والباقي تأكل منه الحيوانات التي تحت طاعتها، ولا تصيد إلا فيلاً أو سمكاً عظيماً أو تنيناً، فإذا فرغ منه يخلي البقية لها ويصعد إلى موضعه ويتفرج على أكلها، وعند طيرانه يسمع من ریشه صوت كهجوم السيل أو صوت الأشجار عند هبوب الريح. وحكي عن بعض التجار قال: ضللنا الطريق في البحر المحيط وتحيرنا فإذا نحن بسواد عظيم كغيم مظلم فذكر الملاحون أنّه العنقاء فتبعناه حتى دخلنا تحت ذلك السواد ثم فتحنا اللسان بالدعاء له فلا زال يمشي بنا حتى وجدنا الطريق ثم غاب عنا، وذكروا أنّ عمر العنقاء ألف وسبعمائة سنة وتتزاوج إذا أتى عليها خمسمائة سنة فإذا حان وقت بيضها يظهر بها ألم شديد فيأتي الذكر بماء البحر في منقارها ويحقنها به فتخرج البيضة عنها فيحضن الذكر والأنثى تمشي وتصيد، ويفرخ البيض بمائة وخمسة وعشرين سنة فإذا كبر الفرخ فإن كان أنثى فالعنقاء تجمع حطباً كثيراً والذكر يوقد بمنقاره ناراً ويضرم ذلك الحطب والأنثى تدخل تلك النار وتحترق والفرخ يبقى زوج الذكر وإن كان الفرخ ذكراً فالعنقاء الذكر يفعل مثل ذلك ويبقى الفرخ زوج الأنثى. وقد ذكروا في العنقاء أقوالاً عجيبة أعجب مما ذكرنا لكنها لم تكن مستندة إلى قائل يعتمد فاعتمدنا على هذا القدر.

غراب

طائر كثير الأسفار بعيد التطواف أول ما يطير يسرع في الطيران بعد انبلاج الفجر، يحب الجوز يجمع منه كثيراً فيدفن للذخيرة ويجتمع على كل الحيوانات الكبار بالبادية كالجمل والفرس وكذا الآدمي ويقصد قلع عينها ولا يمتنع بالدفع والضرب لشدة جوعه، وينقر ظهر السلحفاة فيأكلها، والبعير إذا عقر وحدث في ظهره لحم ميت فلا بد من أخذ اللحم الميت من ظهره فيرسلونه إلى الصحراء ليجتمع عليه الغربان وتقلع اللحم الميت من ظهره، وإذا تفرخ بيضها يكون الفرخ أبيض بلا ريش فتفزع الأم منه وتتركه فيبعث الله تعالى إليه ذباباً كثيراً فيأكل الفرخ منها حتى ينبت ریشه ويسود. قال مكحول: من دعاء داود النبي عليه الصلاة والسلام: يا رازق الغراب في عشه، والفرخ إذا اسود عادت إليه أمه وحينئذ تغيب عنه الذباب والبق. قال خلف الأحمر رأيت فرخ الغراب فلم أر صورة أقبح منه ولا أقذر ولا أنتن رأيت رأساً كبيراً ومنقاراً طويلاً وذلك مع صغر البدن وقصر الجناح، وهو أمرط منتن الريح. والغراب إذا مرض يأكل رجيع الإنسان يهدأ، ومن الغربان من يأتي بألفاظ فصيحة أفصح من الببغاء.

فصل في خواص أجزائه: قال بليناس: الغراب يجفف ويسحق ويسقى الإنسان لا يعطش ولو في تموز، مرارته تسقى لإنسان في النبيذ يسكر بالقدح الواحد، طحاله إذا علق على إنسان هاج به العشق، رأس الأبقع ينضج ويأكله من به صداع عتيق يزول عنه، دمه يخلط بشيء من النورة ويطرح في النبيذ ويشربها إنسان يبغضها ولا يرجع إليها، زرقه يلف في شيء من العهن ويدفع إلى صاحب السعال ينقطع سعاله.

غرنيق

طائر من طيور الماء، قال صاحب "المنطق" إنّ الغرنيق من الطيور القواطع وإنّها إذا أحست بتغير الزمان عزمت على الرجوع إلى بلادها فعند ذلك تتخذ قائداً أو حارساً ثم تنهض معاً فإذا طارت ترتفع في الهواء جداً كيلا يعرض لها شيء من سباع الطير، وإذا رأت غيماً أو غشيها الليل أو سقطت للطعم أمسكت عن الصياح كيلا يحس بها العدو، وإذا أرادت النوم أدخل كل واحد رأسه تحت جناحه لعلمها أنّ الجناح أحمل للصدمة من الرأس لما فيه من العين التي هي أشرف الأعضاء والدماغ الذي هو ملاك البدن، ونام كل واحد منهما قائماً على إحدى رجليه حتى لا يكون نومها ثقيلاً.

وأما قائدها وحارسها فلا ينام شيئاً ولا يدخل رأسه تحت جناحه ولا يزال ينظر من جميع الجوانب فإن أحس بأحد صاح بأعلى صوته وأخبر أصحابه بالعدو. وأمّا زرقه فيسحق بالماء ويقتل فتائل ويجعله فتيلة في الأنف ينفع من كل قرحة تكون في الخيشوم.

غواص

طائر يقال له بالفارسية ماهي خوار يوجد بالبصرة على طرف الأنهار، يغوص الماء معكوساً بقوة شديدة ويلبث تحت الماء إلى أن يرى شيئاً من السمك فيأخذه ويصعد به، والعجب للبثه تحت الماء والماء لا يغلبه مع خفة بدنه. وحكى بعضهم قال: رأيت غواصاً غاص وطلع بسمكة فغلبه الغراب وأخذ الغراب السمكة منه فخاص مرة أخرى وطلع بسمكة وقربها من الغراب فأخذ الغراب السمكة واشتغل بها فوثب الغواص وأخذ برجل الغراب وغاص به ووقف به تحت الماء حتى أغرق الغراب وخرج سالماً، قالوا دمه يجفف ويسحق مع شعر الإنسان فإنّه لا يصبر عن مطلوبه، وكذلك عظمه يفعل به مثل هذا.

فاختة

طائر معروف يتبرك به الناس، زعموا أن الحيات تهرب من صوته. وحكي أنّ الحيات استولت على أرض فكثرت حياتها فشكوا إلى بعض الحكماء فأمرهم بنقل الفواخت إليهم ففعلوا ذلك فانقطعت الحيات عنهم، دمه مع دم الحمام والزفت والقطران أجزاء سواء يتخذ دخنة لا ينام من شمه البتة.

قبج

طائر يقال له بالفارسية كبك يسكن الجبال إذا قصده الصياد يخبيء رأسه تحت الثلج ويحسب أنّ الصياد لا يراه كما أنه لا يرى الصياد، ذكورها شديدة الغيرة على إناثها فإذا اجتمع ذكران على أنثى تهارشا فإذا انهزم أحدهما يتبع الأنثى الآخر الغالب. ومن أعجب أمرها أنّ الذكر إذا صاح وحمل الهواء صوته إلى الأنثى يتولد البيض منه كما أنّ النخلة إذا حملت الريح إليها رائحة الذكر تحمل من رائحة كافور الفحال إذا كانت تحت الريح، وتبيض خمس عشرة بيضة وتجعلها في موضعين أحدهما للذكر والآخر للأنثى وكلاهما يحضنان، وإذا قصده الصياد يريه كأنه ضعيف عن الطيران فالصياد يعدو خلفه ويشتغل به عن فراخه فإذا طارت الفراخ يطير القبح أيضاً ويرجع الصياد خائباً منه، والقبج من الطيور التي لا تسافد إلا في الجبال ويترك في عشه رؤوس القصب لدفع الأعداء ويحب الغناء والأصوات الطيبة، وربما وقعت حتماً عند سماعها ذلك شوقاً فيأخذها الصياد.

فصل في خواص أجزائه: مرارته يسعط بها في كل هلال يجود ذهنه ويحد بصره، وإذا اكتحل بها تنفع من ابتداء نزول الماء، وكبده يشوى ويطعم للصبي يأمن من الصرع، دمه يكتحل به يأمن من جراحات العين والغشي، لحمه ينفع من الاستسقاء يزيد في الباه.

قنبرة

طائر معروف يقال له بالفارسية جلودا ويحب الأصوات المطربة والنغمات اللذيذة، على رأسه قنزعة شبيهة بما للطاووس، وهو شديد الاحتياط إذا وقع على شيء لا يزال ينظر يميناً وشمالاً ووراء ذلك ومع هي كثيرة الوقوع في الفخ، تتخذ عشاً عجيباً يعمد إلى ثلاثة أعواد على شجرة شكل سفائجة معكوسة ويأتي بنوع من الحشيش في غاية من اللطافة وينسج من تلك الأعواد سليلة لطيفة عجيبة التأليف لا يقدر البشر أن يأتي بمثلها، ثم تضع بيضها فيها والسليلة تكون مستترة بأوراق الشجرة حتى لا تراها الجوارح، لحمها يؤكل مشوياً ينفع من القولنج نفعاً بيناً.

قطا

طائر معروف يتيمن بصوته يقال فلان أصدق من القطا، تبيض في البراري وتغيب عنها أياماً وتعود إليها، يقال فلان أهدى من القطا ولا ينام الليل ويأتي الجادة ليكون عنده من المارين خبر، ولها أفحوصة عجيبة في وسط الحشيش مثل بها النبي صلى الله عليه وسلم في وهنها حيث قال: "من بنى مسجداً ولو مثل مفحص قطاة بنی الله له بيتاً في الجنة".

فصل في خواص أجزائه: دمه يطلى به البدن ينفع من داء الثعلب، لحمه ينفع الاستسقاء وسدة الكبد، عظمه يحرق ويخلط بالزيت ويطلى به الموضع الذي أريد نبات الشعر عليه ينبت شعراً كثيراً، أحشاؤه يطلى به العظم المنخلع يرجع إلى مكانه، ومرارته يكتحل بها تنفع من جراحات العين والغشاء.

قمري

طائر مشهور يتغنى بصوته، ذكروا أنّ إناث القماري إذا مات زوجها لا تزاوج غيره وتنوح عليه إلى أن تموت، ومن العجب أنّ بيض القماري يجعل تحت الفواخت وبيض الفواخت تحت القمارى كلاهما يفقسان قمارى كافورية مطوقة، وذكروا أن الهوام تهرب من صوت القماري، والله الموفق.

قوقيس

طائر بأرض الهند، قال صاحب تحفة الغرائب: عند التزاوج يجمع حطباً كثيراً للعش ولا يزال الذكر يحك منقاره على منقار الأنثى حتى تتأجج النار من حكهما في ذلك الحطب وتشتعل ويحرقان منها فإذا سقط المطر على رمادهما يتولد منه الدود ثم ينبت جناحها ويصير طيراً كالأصل وتفعل فعل الأصل.

كركي

طائر معروف يقال له بالفارسية كنك له الاجتماع في الطيران لا يفارق بعضها بعضاً وله مقدم تتبعه الجماعة وذلك بالنوبة ولها حراس بالليل تدور حول الكركي فإذا أحس بعدو زعق ونبه أصحابه، والحراسة أيضاً بالنوبة، فإذا انتهت نوبته يقيم غيره مكانه، والحارس يقوم على إحدى رجليه حتى لا يغلبه النوم. قال الجاحظ: لا يضع رجليه مخافة أن تخسف به الأرض، وإذا مشى على وجه الأرض يمشي رويداً خائفاً.

فصل في خاصية أجزائه: عينه تسحق ويكتحل بها إنسان لا ينام، مرارته تنفع اكتحالاً من نزول الماء، لحمه مع شحمه يطبخان جميعاً ويقطر مرقها في أذن من به طرش ينفعه، مخه يذاب بخل العنصل ويسقى من به وجع الطحال في الحمام ينفعه، قانصته تجفف وتسحق ويسقى درهمان منها لمن به وجع الكليتين والمثانة بماء الحمص ينفعه.

کروان: شحمه ولحمه يحرك شهوة الباه تحريكاً شديداً.

اللقلق

طائر معروف يأكل الحيات لا يزال يتبع الربيع وله وكران أحدهما بالحروم والآخر بالصرود ويتحول من أحدهما إلى الآخر ولا يأخذ الوكر إلا في مكان عال كمنارة أو شجرة فيأتي بالأعواد والحشيش ويركب بعضها في بعض تركيباً عجيباً كالبناء فإذا أراد الإنسان أن يخربها بالمعول يصعب عليه. قال ابن سينا: من ذكاء هذا الطير أنّه إذا أحس بتغير الهواء وقت حدوث الوباء تترك عشها في أوائل التغير وتهرب من تلك الديار، وربما تركت بيضها أيضاً، وقال أيضاً: بيض اللقلق خضاب جيد.

مالك الحزين

طائر طويل الرقبة والرجلين يقال له بالفارسية لوهماز، وقال الجاحظ: من عجائب الدنيا أمر مالك الحزين فإنّه لا يزال يقعد بسوق المياه وإذا انحرقت يحزن عليها، ولا يشرب خوفاً أن تقل فيعطش فيموت عطشاً.

مكاء

طائر من طيور البادية يتخذ أفحوصة عجيبة من العوسج ويبيض فيها، ورأى بعض الأعراب مكاء بالشام سائراً فحن إلى وطنه وقال:

فدى لك يامكاء مالك ههنا            عمارة أفحوص فكيف تبيض

وبينها وبين الحية معاداة لأنّ الحية تأكل بيضها وفراخها، وحدث هشام بن سالم أنّ حية أكلت بيض مكاء فجعل المكاء يشرشر على رأسها ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها وهمت تريد رخمة ألقت في فيها حسكة فأخذت بحلق الحية وماتت.

نسر

هو سيد الطيور وله قوة على الطيران حتى قيل إنّه يقطع من المشرق إلى المغرب في يوم واحد، وجثته عظيمة حتى قيل إنّه يحمل أولاد الأفيلة وله قوة حارة حتى قيل إنه يشم رائحة الجيفة من مسيرة أربعمائة فرسخ، فإذا سقط تباعد الطير هيبة له حتى يفرغ من الأكل؛ قيل إنه لا يأكل حتى يضعف في الحركة حتى لو أن أضعف الناس إذا أراد مسكه، في هذه الحالة مسكه، وإذا باض أتى بورق الدلب كما في الأصل وهو لا يحضن البيض وإنّما يبيض في الأماكن العالية ويلقيه في الشمس فتكون حرارتها بمنزلة الحضن. ومن طبعه أنّه لو شم رائحة الطيب مات لوقته، وعنده الحزن على فراق إلفه حتى قيل إنه ليموت أسفاً،وكمداً، ويقال للأنثى منه أم قشعم. وفي الحديث: "أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنّ لكل شيء سيد وآدم سيد البشر وسيد ولده أنت وسيد الروم صهيب وسيد فارس سلمان وسيد الحبشة بلال وسيد الطير النسر وسيد الشهور رمضان وسيد الأيام الجمعة وسيد الكلام العربي القرآن وسيد القرآن سورة البقرة". والنسر طائر يقال له بالفارسية كركس يأكل الجيف حتى لا يقدر على الطيران، قالوا يعيش ألف سنة وأكثر ما يأتي بورق الدلب يتركه في عشه لئلا يأكل الخفاش بيضها. قال جالينوس: قولوا لنا من علم النسر إذا خاف على بيضها من الخفاش يفرش عشه بورق الدلب حتى لا يقربه الخفاش وهذا شيء يعرفه أكثر الأطباء وإذا حان أوان بيضها فالنسر الذكي يمشي إلى بلاد الهند ويأتي بحجر يوجد في بعض جبال في الهند ويتركه تحت الأنثى ليخفف عليها الألم، وإذا مرض يأكل من لحم الناس، وإذا أظلم ضوء عينيه يمسحهما بمرارة الناس، ولا طاقة له على شيء من الطيب، وحياتها من النتن. والنسر يتبع العساكر لطمعه في لحم القتلى.

فصل في خواص أجزائه: مرارته تقطر في الأذن يذهب الطرش العتيق ويكتحل بها سبعاً ينفع ظلمة العين والغشاء ويمنع من نزول الماء، شحمه يخلط بالعسل و يكتحل به للرمد يبرأ، لحمه يطبخ ويخلط بالورس والملح والكمون والعسل ويسقى للسع الهوام، شحمه يذاب ويقطر في الأذن أياماً متوالية وليالي يزيل الطرش.

نعامة

حيوان مركب من خلقة الطير والجمل يقال لها بالفارسية شترمرغ، أخذ من البعير العنق والوظيف والمنسم ومن الطير المنقار والجناح والريش وهو صحيح حاسة الشم والسمع يأكل الحصاة وتذوب في قانصته حتى يصير كالماء. الخاصية خلقها الله تعالى فيه كما أنا نرى جوف الكلب يذيب العظام دون النوى وأيضاً تبلع الجمر ولا يضرها وتحمى صنجة مائة درهم من الحديد حتى تحمر وترمى إلى النعامة فتبلعها وتستمرئها، وإذا باضت تدفن البيضة تحت التراب لئلا يقع عليها الذباب والبق والنمل وغيرها، وإذا عدت النعامة أرخت جناحها إلى رجليها فلا يسبقها شيء من الحيوانات، ومن العجب أنّها إذا استقبلت الريح كان عدوها أشد مما إذا استدبرتها، وسئل أبو عبيدة عن ذلك فقال: إذا عدا كان بين الوثب والحفز والطيران كالريح إذا عصفت من خلفه، وإذا استقبلها وضع عنقه على ظهره ثم خرق الريح لا يخاف أن يكبه على وجهه، وإذا دخل الصيف وابتدأ البسر بالحمرة ابتدأ لون النعامة بالحمرة أيضاً ولا يزالان يزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر، ولا مخ لعظمها فإذا أصاب إحدى رجليها آفة وقفت لا تقوم على الأخرى وإذا باضت تبيض عشرين بيضة أو أكثر فتجعلها ثلاثة أقسام تدفن ثلثها في التراب وتترك ثلثها في الشمس وتحضن ثلثها، فإذا خرجت أفراخها كسرت ما كان في الشمس وغذتها بما فيها من الرطوبات التي ذوبتها الشمس ورققتها فإذا اشتدت فراريجها أو قويت أخرجت المدفون وفتحت لها ثقباً فيجتمع عليها الذباب والبق والنمل وغيرها من الهوام فتأكلها فراريجها إلى أن تقوى فغدت ورعت فانظر إلى هذه التربية العجيبة من غير تعليم من أستاذ ولا آباء، فسبحانه من حكيم ما أعظم شأنه.

فصل في خواص أجزائها: مرارتها تنفع من ظلمة العين اكتحالاً، لحمه يزيل الرياح الكريهة إذا داوم على أكله، ويدفع الثآليل والحكة، شحمه يطلى به الأورام يردعها، قشر بيضه يلقى في القدر ينضج سريعاً.

هدهد

طير نتن الرائحة. عن النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تقتلوا الهدهد فإنّه كان دليل سليمان عليه السلام على قرب الماء وبعده وأحب أن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً في أقطار الأرض"، وحكي أنّ الهدهد قال لسليمان عليه السلام: أريد أن تكون في ضيافتي، قال: أنا وحدي؟ قال: لا بل العسكر كله في جزيرة كذا وكذا في يوم كذا، فحضر سليمان عليه السلام بجنوده هناك فصاد الهدهد جرادة خنقها ورماها في البحر وقال: الله كلوا يا نبي من فاته اللحم نال من المرق، فضحك سليمان وجنوده من ذلك حولاً كاملاً. والهدهد يلطخ عشه برجيع الإنسان فيحتمل أن يكون نتنه من ذلك، وتراه في الربيع فاتحاً فاه يخرج الذباب من حلقه ويطير وكل مكان به الهدهد لا يوجد به الأرضة، وإذا مرض الهدهد يأكل العقارب الجبلية يزول مرضه.

فصل في خواص أجزائه: قنزعته تعلق على من به وجع الرأس يبرأ قال بليناس: إذا أخذت عينه وجففتها وجعلتها في دهن ودهنت به وجهك لم يرك أحد إلا أحبك، وتجعل عينه تحت رأس الإنسان يغلب عليه السهر ما دامت تحت رأسه، وإذا شددتها على أحد يذكر جميع ما نسيه، ويعلق في رقبة صاحب الجذام ينفعه نفعاً بيناً، لسانه يأخذه الإنسان معه لا يظفر به عدو البتة ما دام اللسان معه، ولو علق على إنسان مع عينه يدفع عنه غلبة النسيان، وإذا سقي إنساناً زاد في علمه وفهمه وذكائه، قلبه يعلق على إنسان يزيد في قوة الباه، ولو شوي ودق مع السكر وجعل فوق رغيف وأطعمه شخصين يتحابان بحيث لا أحدهما يصبر عن الآخر، مرارته يسعط بها صاحب اللقوة ثلاثة أيام ويقعد في مكان مظلم ينفعه نفعاً بيناً، جناحه اليمنى يجعل تحت رأس النائم يثقل نومه، ولو ضممت إليه سناً قلعت من الألم يطول نومه، ولو دخن بجناح الهدهد في برج ينفر عنه الحمام، ولو وضع على أذنه ريشة من الهدهد وخاصم تكون الغلبة له، لحمه يقدد في الظل ويسحق ويخلط بالدقيق ويتخذ منه خبيصاً ويطعم لمن أراد فإنه يحبه محبة عظيمة، عظمه يدخن به البيت يموت من دخانه الأرضة والنمل والعقرب،وأشباهها، ولا ترى الهوام في ذلك الموضع إلى مدة مديدة، أظافيره تحرق وتدق وتسقى للمرأة فإنّها تحبل إذا باشرها زوجها بإذن الله تعالى.

وطواط

طائر يقال له بالفارسية بالواية. قال بليناس: إن غرق الوطواط في ماء ومات فمن شرب من ذلك لم ينم البتة، وإن أخذ وطواط وعلق في عنقه شعر إنسان وأرسل حتى يطير لا ينام ذلك الإنسان حتى يموت ذلك الوطواط أو يؤخذ الشعر من عنقه.

فصل في خواص أجزائه: رأسه تجعل في حشوة مخدة فمن وضع رأسه عليها نام، دماغه يكتحل به مع العسل ينفع من نزول الماء، ويطبخ بدهن ورد ويدهن به عرق النسا يسكن وجعه.

يراعة

طائر صغير إن طار في النهار كان كبعض الطيور، وإن كان في الليل فكأنه شهاب ثاقب أو مصباح طائر.

النوع السابع

من الحيوانات الهوام والحشرات

هذا النوع لا يمكن ضبط أصنافه لكثرته. قال بعض المفسرين من أراد أن يعرف تحقيق قوله تعالى: (ويخلق ما لا تعلمون)، فليوقد ناراً في وسط غيضة بالليل وينظر ما يغشى تلك النار من الحشرات فإنّه يرى صوراً عجيبة وأشكالاً غريبة لم يكن يظن أن الله تعالى خلق شيئاً ذلك على أنّ الخلق الذي يغشى ناره مختلف باختلاف من مواضع الغياض والجبال والسهول والبراري، فإنّ في كل بقعة مثل هذه البقاع ألواناً من المخلوقات مخالفة لما في البقعة الأخرى، ومن الناس من يقول أي فائدة في هذه الهوام مع كثرة ضررها، ولم يدر أنّ الله تعالى يراعي المصالح الكلية كإرسال المطر فإن فيه مصالح البلاد والعباد وإن كان فيه خراب بيت العجوز فهكذا خلق هذه الحشرات من المواد الفاسدة والعفونات الكامنة لتصفو لحومها ولا يعرض لها الفساد الذي هو سبب الوباء وهلاك الحيوان والنبات، وإن كان يتضمن لسع الذباب والبق والذي يحقق ذلك أنا نرى الذباب والديدان والخنافس في دكان القصاب والدباس أكثر ما يرى في دكان البزار والحداد فاقتضت الحكمة الإلهية صرف العفونات إليها ليصفو الهواء منها وتسلم من الوباء، ثم جعل صغارها مأكولاً لكبارها. وأما امتلاء وجه الأرض منها فليس في ملكوته ذرة إلا وفيها من الحكمة ما لا يحصى، وأعجب من هذا أن كل ما جعل سبباً لهلاك حيوان جعل لحمه سبباً لدفع ذلك السم فإنّ الأطباء الأقدمين جعلوا في لحم الحية قوة تقاوم سمها فأدخلوا لحمها في الترياق والتجربة تشهد على أن لدغته العقرب يلطخ على الموضع برطوبة العقرب يسكن من ألمها في الحال، ثم إنّ هذا النوع من الحيوان يختلف حالها عند الشتاء فمنها ما يموت من برد الهواء كالديدان والبق والبراغيث، ومنها ما يكمن في الشتاء ولا يأكل شيئاً كالحيات والعقارب. ومنها ما يدخر ما يكفيه لشتائها كالنحل والنمل فإنّها لا تعيش بلا طعم، ولنذكر بعضها مرتباً على حروف المعجم إن شاء الله والله الموفق للصواب.

أرضة: دودة بيضاء صغيرة تبني على نفسها أزجاً شبه دهليز خوفاً من عدوها كالنمل وغيره، وإذا أتت عليها سنة ينبت لها جناحان طويلان تطير بهما وهي التي دلت الشياطين على موت سليمان عليه السلام، وإذا خرب أزجها اجتمعت كلها على إعادته، ولها مشفران حادان تثقب بهما الحجارة والآجر، والنمل عدوها وهي أصغر من الأرضة جثة فيأتي من خلفها ويحملها ويمشي بها إلى جحره، وإذا أتاها مستقبلاً لها لا يغلبها لأنّها تقاومها قال صاحب "المنطق": أفسدت الأرضة على كثير من أهل القرى منازلهم وأكلت كل ما لهم إلى أن سلط الله تعالى عليها النمل فأتت على آخرها.

أفعى: حية قصيرة الذنب من أخبث الحيات، عيناها طولانية مخالفة لصور سائر الحيوانات وحدقتها بارزة كالجراد إذا فقئت عينها تعوض ولا تغمض عينها البتة. قالوا تختفي في التراب أربعة أشهر البرد ثم تخرج وقد أظلمت عيناها تطلب شيئاً من الرازيانج وتحك عينها به يرجع إليها ضوؤها. ولو قطعت ذنبها يرجع إليها كما نبت، ولو قلع نابها رجع إليها أيضاً بعد ثلاثة أيام، ولو ذبحت تبقى تتحرك ثلاثة أيام، وهي أعدى عدو للإنسان، والبقر الوحشي يأكلها أكلاً ذريعاً. وحكي أنّها نهشت ناقة في مشفرها ولها فصيل فرضعها فمات الفصيل في الحال قبل موت أمه. وإذا مرضت أكلت ورق الزيتون.

فصل في خواص أجزائها: دمها يكتحل به يحد البصر ويمنع الغشاء، شحمها يذاب يمنع من نزول الماء اكتحالاً، وينتف شعر الإبط ويطلى بشحم الأفعى لا يرجع ينبت، قلبها يجفف ويشد على إنسان لا يؤثر فيه السحر، ويذهب حمى الربع، لحمه قال ابقراط: من أكله أمن من الأمراض الصعبة ويقوي الأعصاب ويبطيء الشيب.

حكى عمر بن يحيى العلوي قال: كنا في طريق مكة فأصاب رجل منا الاستسقاء والعياذ بالله فسلب العرب قطاراً فيه ذلك الرجل العليل ورجعنا بعد الحج إلى الكوفة فإذا هو بالكوفة معافى، فسألته عن حاله فقال: إنّ الأعراب لمّا سلبوا القطار ساقوه إلى مسكنهم وكان على فراسخ فطرحوني في أواخر بيوتهم وكنت أتمنى الموت إلى أن رأيتهم يوماً قد أخرجوا أفعى صادوها فقطعوا رأسها وذنبها وشووها، وكانوا يأكلون منها فقلت في نفسي: هؤلاء قد اعتادوا أكل هذا فلا يضرهم فلعلي أنا إن أكلت منه مت فاسترحت فاستطعمتهم فرمى إلي بعضهم واحدة، وزنها أرطال فأكلتها، فأخذني نوم ثقيل فانتبهت وقد عرقت عرقاً شديداً واندفعت طبيعتي فقمت في يومي وليلتي أكثر من مائة مرة فتقطعت قوتي وقلت: هذا طريق الموت وأقبلت أتشهد وأدعو الله للمغفرة إلى أن أصبحت فوجدت بطني قد ضمرت وانقطع الألم، فطلبت منهم مأكولاً فأطعموني وأقمت عندهم إلى أن وثقت من نفسي ثم أخذت الطريق مع بعضهم وأتيت الكوفة.

ولحمها أيضاً ينفع من الجذام، والله الشافي. وحكى بعضهم قال: فتحت بستوقة خضراء فيها شراب وهي مطينة الرأس، فلمّا فتحت رأسها رأيت فيها أفعى قد تهرى لحمها وكان ثم مجذوم يتمنى الموت لشدة ما به فحملت تلك البستوقة إليه ليتخلص من الألم، فلما شربها انتفخ انتفاخاً عظيماً وبقي على ذلك أياماً، ثم انسلخ من جلده الخارج وظهر الجلد الداخل الأحمر وصلب، وعاش بعد ذلك زماناً طويلاً.

طبيخ الأفعى، قال بليناس: نافع من الجذام ومن ظلمة البصر وهيجان شهوة الجماع، فإن طبخ بالزيت وطلي به موضع من البدن لا ينبت الشعر فيه، وهو أنفع شيء للسع الأفاعي والحيات جلدها مع رأسها يعلق على الحبلى تأمن من إسقاط الجنين. قال ابن سينا: جلدها محرقاً دواء جيد لداء الثعلب، وقال: تشق الأفعى وتوضع على نهش نفسه يسكن وجعه، وذكروا أنّ من أخذ خيطاً انجوانياً أو ارعوانياً وشد به حلق أفعى لتختنق، ثم شد ذلك الخيط على صاحب الخناق ينفتح في الحال بإذن الله تعالى.

برغوث: هو أسود أحدب ضامر إذا وقع نظر الإنسان عليه أو أحس به فيثب تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال حتى يغيب عن نظر الإنسان. قال الجاحظ: إنّها تبيض وتفرخ، قالوا: عمره خمسة أيام، وزعموا أن البراغيث من الخلق الذي يعرض له الطيران فيصير بقاً، كما يعرض للدعاميص الطيران فتصير فراشاً، وذكروا أنّ البراغيث تأكل القمل الذي يكون في الثياب ويموت من رائحة ورق الدفلى، والله أعلم.

بعوض: حيوان في غاية الصغر على صورة الفيل، وكل عضو خلق للفيل فللبعوض مثله مع زيادة جناحين، فسبحان من قسم له الأعضاء الظاهرة والباطنة والقوى كذلك كما للحيوان الكبير، فانظر إلى صغر جسمه فإنّ الطرف يدركها بالشدة لصغره ثم إلى رأسه لأنّ رأسه لم تكن من جسمه، وفيه القوة الباصرة والسامعة، ثم إلى دماغه وانظر كم يكون دماغه من رأسه فإنّ فيها القوة الباطنة الخمسة لأن فيها الحس المشترك لأنها ترى الحيوانات فتمشي إليها، وفيها الخيال لأنها إذا وقعت على الحيوان تغمس خرطومها، وإذا وقعت على الحائط لا تفعل ذلك، وفيها الوهم لأنه يفرق بين من يقصدها فتهرب، وبين من لا يقصدها فتبقى، وفيها الحافظة لأنّها تجذب الدم وتهرب في الحال لعلمها بأنّها أوجعت، فيأتيها صدمة المتألم، وفيها المفكرة لأنّها إذا أحست بحركة يد الإنسان تهرب لعلمها أنّها مهلكة، وإذا سكنت يده عادت إلى مكانها لعلمها أنّ المنافي ذهب وأنّ محل الغذاء قد خلا، ولها خرطوم أدق شيء يمكن أن يقال، ومع دقته مجوف حتى يجري فيه الدم الرقيق، وخلق في رأس ذلك الخرطوم قوة يضرب بها جلد الفيل والجاموس ينفذ فيهما، والفيل والجاموس يهربان من البعوض في الماء، فسبحان من لا يعرف دقائق حكمه إلا هو.

يؤخذ من البعوض ثلاث وشيء من الصمغ ويحبب ويجعل في كل حبة منه واحدة ويبلعها صاحب حمى الربع يوم النوبة ولا يضع قدمه على الأرض فإنّها تزول بإذن الله تعالى.

ثعبان: حيوان عظيم الهيئة ذو شكل هائل ومنظر مهاب، قال ابن سينا: أصغر أصنافها على ما ذكر خمسة أذرع، وأمّا الكبار فمن ثلاثين ذراعاً إلى ما فوق ذلك، ويكون له عينان كبيرتان وتحت الفك الأسفل شعر كالذقن وله أنياب كثيرة، وقال قوم: إنّها تكثر بناحية النوبة والهند، والهندية كبيرة جداً ولها وجوه صفر وسود وأفواه شديدة اللسعة وحواجب تغطي عيونها وأعناقها مفلسة، قال ابن سينا: قد رأينا من هذا القبيل ما على حاجبها ورقبتها شعر غليظ، وذكورها أخبث من إناثها، تبتلع ما تجده من الحيوانات فربّما كان في الشيء الذي ابتلعته عظم فيأتي جرم شجرة أو حجر شاهقاً فينطوي عليه انطواءً شديداً فينكسر ذلك العظم، وإذا صار إلى الماء يعيش فيه ويصير مائياً، وإذا صار إلى البر صار برياً بعد أن طال مكثه في الماء ويأوي إلى الجبال الشامخة ليستروح ببرد الهواء من شدة وهج حرارة السم.

فصل في خواص أجزائه: قلبه إذا أكل يورث الشجاعة وفي بلاد الهند يأكلونه لذلك قيل ومن أكل قلبه تسخر له الحيوانات، جلده يشد على العاشق يزول عشقه، ومن استصحب منه شيئاً سخر له الحيوانات رأسه تدفن في موضع تتوجه إليه الخيرات.

جراد: هو صنفان، أحد الصنفين يطير في الهواء ويقال له الفارس والآخر ينزو نزواناً ويقال له الراجل، فإذا رعت أيام الربيع طلبت أرضاً طيبة التربة رخوة ونزلت هناك وحفرت بأذنابها حفراً وباضت فيها كل واحدة مائة بيضة إلا بيضة وطارت، وآفتها الطيور والبرد، ثم إذا أتت أيام الربيع واعتدل الزمان يفقس ذلك البيض المدفون ويظهر مثل الذباب الصغار على وجه الأرض وأكلت زرعها حتى قويت، ثم تنهض إلى أرض أخرى وياضت كما فعلت في عامها الأول، وهكذا دأبها ذلك تقدير العزيز العليم. قال صاحب الفلاحة: إذا رأيت الجرادة مقبلة نحو القرية فليتوار أهلها عنها بحيث لا يظهر أحد منهم، فإذا لم ير الناس جاوزت القرية ولم يقع بها شيء منها، وإذا أحرقت شيئاً منها فإنّ البقية تعدل عن القرية إذا شمت قيادها أو تسقط وتموت. الجراد الطوال الأرجل، تشد على رقبة صاحب الحمى الربع تزول حماه، ويدخن بها صاحب البواسير ينفعه، وكذلك صاحب عسر البول رماده ينفع من الناصور. قال ابن سينا: أرجلها تقلع الثآليل فيما يقال.

حرباء: هو حيوان أعظم من العظاية يقال لها بالفارسية أقباب برشت يدور مع الشمس، ووجهه لها كيفما دارت حتى تغرب ويكون رمادي اللون ثم يصفر، وإذا أثرت فيه حرارة الشمس احمر؛ وقيل يختلف لونه باختلاف ساعات النهار كل ساعة لون وإذا رأى من يقصده كبر نفسه وليس له شيء من الضرر، قال الجاحظ: سمعنا ذلك في الورل ولم نسمعه في الحرباء ويجعل الحرباء في وسط الطين وتترك تحت النار ثلاثة أيام بلياليها ثم تشد على رقبة المصروع يزول صرعه.

فصل في خاصية أجزائها: جلدها يطاف به خارج القرية والمزرعة ثم يعلق على وسط القرية أو المزرعة فإنّها تأمن من آفة البرد والجراد أحشاؤها يجمع في كوز جديد ويعرض على النار حتى يجف ثم يشد في خرقة ويعلق على المسحور أو على من ظن مسحور فإنّه ينحل بإذن الله تعالى.

حلزون: دودة في جوف أنبوبة حجرية تنبت على الصخرة التي في سواحل البحار وشطوط الأنهار، وتلك الدودة تخرج نصف بدنها من جوف تلك الأنبوبة الصدفية وتمشي يمنة ويسرة تطلق مادة تغتذي بها، فإذا أحست برطوبة ولين انبسطت إليها، وإذا أحست بخشونة أو صلابة انقبضت وغاصت في جوف تلك الأنبوبة حذراً من المؤذي لجسمها، وإذا انسابت جرت بينها أيضاً معها. قال ابن سينا: تطلى الجبهة بالحلزون تمنع انصباب المواد إلى العين.

حية: من أعظم الحيوانات خلقة وأشدها بأساً وأقلها عدواً وأطولها عمراً، قالوا: ليس من حيوانات البر شيء أعظم من التنين ولا شيء يقتل نهشه أسرع من الحية، ولهذا أمر النبي صلي الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل حية فله عشر حسنات"، ولما حرمت الحية آلة الهرب أعطاها الله تعالى سلاحاً تدفع به عن نفسها، فلأجل ذلك إذا سمع الإنسان بوجودها في بقعة هرب عنها ولا يقربها، ولولا نابها لاتخذها الناس حبلاً ولعبت بها الصبيان، وذكروا أن الحية تتولد من شعر الإنسان إذا وقع في الماء وأثرت الشمس فيه، وأنّها يكثر اختلاف أصنافها في الكبر والصغر والتعرض للإنسان والهرب منه، فمنها ما لا يؤذي إلا إذا وطئها واطىء، ومنها ما لا يؤذي إلا إذا وطىء حماها، ومنها ما لا يؤذي إلا على بيضها وفرخها، ومنها ما لا يؤذي إلا إذا آذاها الناس مرة، ومنها الأسود الذي يحفر ويكمن حتى يدرك الفرصة، ومنها الحفاف وهي دابة تشبه الحية ولها نفخ ورعيد وتقريب، وهي أشر هيئة من الأفعى والثعابين، وإنّها لا تضر ولا تنفع والحيات تقتلها، ومنها حية يقال لها الملكية طولها شبر وأكثر وعلى رأسها خطوط بيض تشبه التاج فإذا انسابت على الأرض أحرقت كل شيء مرت عليه، وإن طار طائر فوقها يسقط عليها، وإذا بدت تنساب هرب من بين يديها جميع الدواب، وإذا صفرت يموت من صفيرها كل حيوان سمع ذلك بعد ما ينتفخ ويسيل منه الصديد، وإن أكل من تلك الجيفة شيء من السباع يموت.

قال جالينوس: إنّها حية شقراء على رأسها ثلاث قنازع مثل التاج، وهي قليلة الظهور للناس، وزعموا أنّ الحية تعيش ألف سنة وأكثر، وكل سنة تسلخ جلدها، وكلما انسلخ يظهر على قفاها نقطة، فنقط قفاها عدد سنينها، وإذا دخل بعضها في الجحر وبقي بعضها خارجاً لا يمكن جذبها إلى خارج البتة حتى لو شد البقر في ذنبها ينقطع ولا تنجذب، وتبيض ثلاثين بيضة على عدد أضلاعها فيجتمع عليها النمل والبق فيفسدها ولا يصلح منها إلا القليل، وإن لدغتها العقرب ماتت إن لم تجد ملحاً تنام عليه، وإن وجدت سلمت وقالوا من الحيات حية إن ضربت بعضاً مات الضارب، ومن عجائب الحية أنّها إذا علمت أنّها مقتولة احترزت رأسها وانطوت أشد الانطواء على الرأس وجعلت بدنها وقاية للرأس، ولا تزال تفعل ذلك حتى تصيب الضربة رأسها، وذكروا أنّ في تربة الأهواز حية حمراء دقيقة إذا رأت الإنسان وثبت عليه كالطير ولسعته فيموت في الحال، وذكروا أيضاً أنّ الحية عند انتصاف النهار واشتداد الحر وامتناع الحافي من الأرض والمنتعل يغور ذنبها في الرمل، وتنتصب كأنها عود مركوز أو ثابت فإذا رأى الطائر عوداً مركوزاً كره الوقوع إلى الأرض من شدة الحر، ووقع على رأس الحية على أنها عود فتقبض عليه.

فصل في خواص أجزائها: نابها يقلع حال حياتها ويشد على صاحب حمى الربع تزول عنه الحمى. قال ابن سينا: يقوي القوة ويحفظ الحواس والشباب وينفع من الجذام وداء الثعلب، وقال محمد بن زكريا ذكر الأوائل أن المستسقي إذا أكل من لحم حية عتيقة لها مئون سنين يبرأ، وقال ابقراط لحم الحية أمان من الأمراض الصعبة، شحمها يذاب ويطلى به البواسير مع الملح ينفعه نفعاً بيناً وسلخها يطبخ بالخل ويتمضمض به ينفعه من وجع السن، وإذا أحرق في إناء نحاس وسحق نفع من أوجاع العين كلها، ويسود العين الزرقاء وقد اشتهر بين الناس أن من أكل منها فلساً لا يرمد سنة، ومن أكل فلسين لا يرمد سنتين، وهكذا وإن علق على صاحبة الطلق وضعت في الحال، وجلدها يحرق ويكتحل برماده ينفع من السبل وتقاطر الماء في العين ويذهب الظلمة، وقال جالينوس: مرق الحية يقوي البصر، بيض الحية يسحق في الهاون ويطلى به المرض يزول.

خراطين: دودة طويلة حمراء تسمّى شحمة الأرض توجد في المواضع الندية تشوى وتؤكل بالخبز تفتت الحصاة من المثانة، وتجفف وتعطى صاحب اليرقان تذهب صفرته وتجفف وتسقى باللبن للتي تعسرت ولادتها تضع في الحال بإذن الله، ورمادها يخلط بدهن الورد ويطلى به رأس الأقرع ينبت شعره، ويحنك به مع العسل ينفع من الخناق، وإذا أخذت هذه الدودة وشددتها في مقنعة امرأة حملت وهاجت بها شهوة الجماع.

خنفساء: هي الدويبة السوداء التي تتولد في الأرواث ذات الرائحة النتنة تغلى بالزيت ويطلى به محل البواسير يذهبه، وإذا كسرت خنفساء نصفين وغمست ميلاً في رطوبتها واكتحلت به ينفع من الرمد ويبرأ سريعاً، ويطبخ بشيء من الأدهان ويقطر في الأذن يزيل الطرش، والبعير إذا أكل خنفساء في علفه يموت وتوجد الخنفساء في بطن حية، ومنها صنف يقال له الجعل يدور على السرجين، إن ألقيت في الورد سكنت كأنها ميتة، وإن ألقيتها في الروث عادت إلى حالها.

وحكي أن رجلاً رأى خنفساء فقال: ماذا يريد الله من خلق هذه أحسن شكلها أو طيب رائحتها فابتلاه الله بقرحة حتى عجز الأطباء عنها فترك العلاج، فسمع ذات يوم صوت طبيب من الطرقيين ينادي في الدرب فقال: هاتوه حتى ينظر في أمري، فقالوا له: ماذا تصنع برجل طرقي وقد عجز عنك حذاق الأطباء، فقال: هاتوه نسمع قوله وليس فيه ضرر، فلما رأى الطبيب القرحة وسأل عنها فقال: علي بالخنفساء، فضحك الحاضرون من قوله، فتذكر العليل القول الذي سبق منه، فقال: هاتوا ما طلب فإنّ الرجل على بصيرة، فأحرقها وذر رمادها على القرحة فبرأت بإذن الله تعالى، فقال للحاضرون: إن الله أراد أن يعرفني أن أخس الأشياء أعز الأدوية.

دودة القز: دويبة إذا شبعت من الرعي طلبت مواضعها من الأشجار والشوك ومدت من لعابها خيوطاً رقاقاً ونسجت على نفسها كناً مثل الكيس ليكون حرزاً لها من الحر والبرد والرياح والأمطار ونامت إلى وقت معلوم، كل ذلك بإلهام من الله تعالى، وأما كيفية اقتنائها فمن عجائب الدنيا وهي أنّهم أول الربيع يأخذون البزر ويشدونها في خرقة وتجعل تحت ثدي امرأة ليصل إليها حرارة البدن إلى أسبوع ثم ينثر على شيء من ورق التوت المقصوص بالمقراض فتتحرك الدودة وتأكل من ذلك الورق ثم لا تأكل ثلاثة أيام، ويقال: إنّها في النوبة الأولى ثم ترجع إلى الأكل فتأكل أسبوعاً ثم تترك الأكل ثلاثة أيام، ويقال إنّها في النوبة الثانية وهكذا في المرة الأخرى، ويقال إنّها في النوبة الثالثة بعد النوبات يطلق لها العلف لتأكل أكلاً كثيراً وتسرع في عمل الفيلجة فيظهر عند ذلك على جسمها مثل نسج العنكبوت ويزداد شيئاً فشيئاً، فإذا مطر في هذا الوقت مطر تلين الفيلجة من رطوبة النداوة ويثقبها الدود ويخرج منها، وقد نبت لها جناحان فتطير ولا يحصل شيء من الإبريسم، وإذا فرغت الدود من عمل الفيلجة عرضت على الشمس لتموت الدودة فيها، ويحصل من الفيلجة الإبريسم ويترك بيض الفيلجة ليثقبها الدود ويخرج ويبيض، وبيضها يحفظ للسنة الآتية في ظرف نقي من الخرقة أو الزجاج والثياب الإبريسيمية، تنفع من الحكة والجرب، ولا يتولد القمل لمن يلبسها، والله الموفق.

ديك الجن: دويبة توجد في البساتين، قال بليناس: يلقى في خمر عتيق حتى يموت ويترك في فخارة ويشد رأسها ويدفن في وسط الدار فإنّه لا يرى فيها شيء من الأرضة أصلاً، والله الموفق للصواب.

ذباب: هي أصناف كثيرة تتولد من العفونة، لم يخلق لها أجفان لصغر حدقتها، ومن شأن الأجفان تصقيل الحدقة من الغبار، فخلق لها يدان يقومان مقام الأجفان، فلهذا ترى الذباب على الدوام يمسح بيديه حدقتيه، وله خرطوم يخرجها إذا أراد مص الدم ويدخلها إذا روي، ولها بطن وفيها يجري الصوت كما يجري في العصب من النفخ، ولا يقدر على المشي إذ ليس له مفصل، وخلق رؤوس أرجلها خشنة لئلا تنزلق إذا وقعت على الأشياء الملسة، والذباب يصيد البق، فلذلك لا يرى البق إلا في الليل عند سكون الذباب. قال الجاحظ: لولا أن الذباب يأكل البق ويطلبها في زوايا البيت لما كان لأهلها فيها قرار، وإذا أصاب الحيوان جراحة وسقط عليها الذباب فيفضي إلى هلاكها إن لم يكن في موضع يصل إليه فم الحيوان لأنّ الذباب إذا وقع على الجراحة ونم عليها ويتولد من ونيمها الدود، والجراحة إذا تولد فيه الدود أهلكت. وونيم الذباب على الأبيض أسود وعلى الأسود أبيض، وونيمه ذو لونين كزرق العصفور فيظهر على كل لون ما يخالفه، قالوا: تؤخذ ذبابة ويفصل رأسها عن بدنها ويدلك بها لسع الزنبور يسكن وجعه، ويحرق الذباب ويسحق ويخلط بعسل ويطلى به داء الثعلب ينبت الشعر ويجفف الذباب ويسحق مع الكحل ویکتحل به ينفع من وجع العين ويزيد في الضوء وينبت شعر الأهداب، والذباب يشوى ويؤكل يفتت حصاة المثانة. وقال صلي الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإنّ في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء"، ويدق الذباب في اللبن ويطلى به لدغ العقرب يزول وجعه.

ومنها صنف يقال له ذباب الحمر كبير جداً لا يقع إلا على الحمير، وصنف آخر يقال له ذباب الكلاب لا يقع إلا على الكلاب، وصنف آخر يقال له ذباب الأسد لا يقع إلا على الأسد، وإذا رأت بالأسد دماً أو خدشاً لا تنقلع عنه حتى تهلكه كما ذكرنا في الذر مع الحية فإنّه يهلكها.

الدرحرج: هي دويبة مبرقشة بحمرة وسواد يقال إنها سم من أكلها تقرحت مثانته ويسد بوله ويظلم بصره ويتورم القضيب والعانة ويعرض مع ذلك أخلاط في العقل. قال ابن سينا: من سقي منها يجد في فمه رائحة القطران والزفت. والدراريج تموت من الرائحة الطيبة والتي هي شديدة الحمرة تشد على صاحب حمى الربع ثلاث مرات النوبة تزول حماه، والتي يوجد منها في المقبرة يطلى به الكلف تزيله والتي يوم توجد في وسط الورد، تلقى في زيت وتترك حتى تتلاشى ويطلى بها المناجل التي يقطع بها الكروم فإنّها لا يصيبها دودة ولا دابة مضرة. قال ابن سينا: الدراريج دواء للجرب والقوابي، ويقلع الثآليل ويزيل البهق والبرص طلاء بالخل ويطلى بالخردل ينبت الشعر، ويطلى به على السرطان يحلله.

رتيلاء: قال ابن سينا: هي دويبة تشبه العنكبوت التي يسمى الفهد، وهو صياد الذباب وأصنافها كثيرة وشرها المصرية، وهي ذات رأس وبطن كبيرين، وقالوا: يعرض لمن لسعته وجع شديد وصفرة لون، وربما يعرض للملسوع توتر القضيب والنعوظ وقذف المني من غير إرادة، وأما المصرية فإنّه يعرض للملسوع صداع شديد وسبات ويعقبها الموت الوحي. وذكر الأطباء أنّ دواء لسعتها رجيع الإنسان. وقد لسعت الرتيلاء الجلال الريحاني وكان طبيباً عظيم المنظر وكان طبيب أزبك بن محمد صاحب أذربيجان فخافوا عليه الهلاك فأمر أزبك أن يسقى رجيع الإنسان فقال الجلال: إن كان ولا بد فهاتوا رجيع أيبك الأنابيلي، وكان مملوكاً مثل القمر فسقي منه وعوفي، وعاش بعد ذلك مدة طويلة.

زنبور: يشبه النحل في أكثر حالاته، وإذا جاء الشتاء يدخل بيته ولا يخرج حتى يعتدل الهواء، ويصيد الذباب، وإذا تعرض أحد لبيتها تقوم كلها عليه وتلسعه ولا تكاد تتعرض لمن لا يقصدها، فإذا ألقي في الدهن يبقى كالميت، فإذا رش عليه الخل يتحرك، قالوا الشيء الذي يتخذ الزنابير منه بيوتاً كالكاغد لم تعرف أي شيء هو ومن أي شيء أخذت أخذت فإذا أحست بمجيء الشتاء ذهبت إلى المواضع الدفئة وتنام فيها طول الشتاء كالميت ولا تجمع القوت للشتاء بخلاف النحل، فإذا جاء الربيع وقد صارت من مقاساة البرد وعدم الغذاء كالخشب اليابس نفخ الله في تلك الجثث الحياة فعاشت وخرجت وبنت البيوت وباضت وأخرجت أفراخها وباضت مثل العام الأول، وذاك دأبها أبداً بتقدير العزيز العليم.

سام أبرص: هو الوزغ الصغير الرأس الطويل الذنب. قال يحيى بن يعمر: لأن أقتل مائة وزغة أحب إلي من أن أعتق مائة رقبة، وإنّما قال ذلك لأنها دابة سوء، زعموا أنّها تشرب من المياه وتمج في الإناء فينال الإنسان من ذلك مكروه عظيم. قالوا: إنّها تشد على من به حمى الربع يبرأ، وإن شدت على امرأة لا تحبل. ويقتل سام أبرص ويلقى في جحر الحيات تهرب جميعها. وسام أبرص إذا تمكن من الملح تمرغ فيه فيصير مادة لتولد البرص، ولا يدخل بيتاً فيه الزعفران ويسحق ويجعل على موضع النصل والشوك يخرجهما، ويدق ويضمد به الثآليل المسمارية يقلعها، ويجفف ويسحق ويخلط بالزيت ينبت الشعر على القرع.

فصل في خاصية أجزائه: دمه عجيب في فتق الصبيان، ويطلى به لداء الثعلب والقرع ينبت الشعر، كبده يسكن وجع الرأس، شحمه يوضع على لسع العقرب ينفع نفعاً بيناً، جلده يوضع على موضع الفتق يذهب.

سلحفاة: يقال لها بالفارسية كشف، وهو حيوان بري بحري، قالوا: إذا خيف على زرع أو بستان من البرد تؤخذ سلحفاة وتلقى على ظهرها بحيث تبقى رجلاها شائلة نحو السماء فإنّ البرد لا يضر بذلك الموضع، وتؤخذ سلحفاة كبيرة برية ويخرج حشوها ويجعل الصبر في جوفها مكان الحشو وتعلق على المصروع يزول صرعه.

فصل في خاصية أجزائه: زعموا أنّ كل عضو يتألم من الإنسان يشد عليه مثل ذلك العضو من السلحفاة يسكن ألمه، مرارته يسعط بها صاحب الصرع ينفعه ويستعمل لطوخاً للخناق، ومنها ما ينفع من الصرع نشوقاً وهو جيد لنهش الهوام، وإذا جعلت غطاء للقدر لا يغلي ولو أوقدت تحتها حطباً كثيراً رجلها تشد على صاحب النقرس يزول وجعه اليمين على اليمنى واليسرى على اليسرى، بيضها نافع لسعال الصبيان والصرع أيضاً.

صرصر: هو بنت وردان. قال ابن سينا: إنّه مع قردمانا نافع من البواسير والنافض وسموم الهوام، يحرق ويسحق ويضاف إلى الاثمد ويكتحل به يحد البصر، ومع مرارة البقر ينفع من ظلمة العين اكتحالاً.

صناجة: حيوان لا يقبل وصفه، كثير ما لم يره. قالوا ليس شيء من حيوانات الأرض أكبر من صناجة، قالوا: يوجد بأرض التبت، يتخذ بيتاً لنفسه قرب فرسخ.

ومن خواصه أنّ نظره إذا وقع على حيوان مات ذلك الحيوان، وإذا وقع نظر شيء من الحيوان عليه تموت الصناجة أيضاً، ثم إنّ الحيوانات عرفت ذلك في تلك البلاد فتعرض نفسها على الصناجة غامضة عينها ليقع نظر الصناجة عليها فتموت فتبقى طعمة للحيوانات زماناً طويلاً، والله أعلم.

ضب: يقال له بالفارسية سوسمار، وهو حيوان كيس إلا أنه كثير النسيان، ومن كيسه أنه لا يتخذ البيت إلا في موضع صلب لئلا ينهال عليه من حوافر الدواب، ولما علم أنه ينسى لم يتخذ البيت إلا عند أكمة أو صخرة عظيمة أو شجرة يستدل بها على بيته إذا غاب وتباعد عنه. إذا أرادت أن تبيض حفرت في الأرض حفرة وترمي فيها ثمانين بيضة وتدفنها في التراب، وبيضها مثل بيض الحمام وتدعها أربعين يوماً، ثم يأتي والحسول قد خرجت منها يتعادون فيأكل منها ما قدر عليه، وإذا لسعتها العقرب أكلت من حشيشة تسمّى آذان الفار يزول عنها اللسع، وإذا جاعت تتعرض للنسيم وتعيش به ويكون ذلك غذاءها. قالوا: إذا خرج ضب من بين رجلي الإنسان لا يقدر على مباشرة النساء، وقيل ينتفخ ذلك الإنسان.

فصل في خاصية أجزائه: إذا سقي إنسان عينه بماء السذاب يقطع عنه مادة المني وينقصه، قلبه من أكله يذهب عنه الحزن والخفقان، طحاله من أكله يمنع عنه وجع الطحال ويأمن منه أبداً، دمه يطلى به الكلف البورق يزيله ويصفي لون الوجه، لحمه ينفع من الأمراض المزمنة مقلياً ويزيد في ضوء البصر ويقوي البدن ويعين على الباه، شحمه يذاب ويطلى به القضيب يقوي شهوة الباه، ومن أكل منه لا يعطش زماناً طويلاً، خصيته من استصحبها تحبه الخدم محبة شديدة، كعبه يشد على وجه الفرس لا يسبقه شيء من الخيل عند المسابقة، جلده يتخذ على نصاب سيف يشجع صاحبه، ويتخذ ظرفاً للعسل من لعق منه تهيج شهوته ويورث إنعاظاً شديداً، بعره ينفع من البرص والكلف والحزازة طلاء، ومن بياض العين اكتحالاً، ومن نزول الماء أيضاً والأعراب يداوون به وجع الظهر.

ظربان: دويبة كالهرة منتنة الريح ليس في الدنيا نتن أشد من نتنها لو شمت الإبل رائحتها في منامها شردت وتفرقت بحيث يصعب جمعها، ولو فست على ثوب لا يزول عنه الرائحة إلا أن يبلى ولو غسل خمسين مرة، وهو عدو الضب. قال الجاحظ: إذا أراد الظربان أكل الضب وحسولها يدخل جحر الضب مستديراً ويلتمس أضيق موضع فيه حتى يحول بينها وبين النسيم ثم يفسو عليه فلا يتجاوز ثلاث فسوات حتى يغشى على الضب فيأكلها بحسولها.

عقرب: أخبث الهوام العقارب، يلدغ كل شيء يلقاه عينها على بطنها وولدها يخرج من ظهرها، فإذا ولدت ماتت، وإذا لسعت هربت ولا تقف، والعقرب إذا خرجت من بيتها أول الليل ولها نشاط أي شيء لقيته ضربته، قال بعضهم: لقيت العقرب قمقماً فضربته بإبرتها فسال منه الدم، والعقرب إذا لقيت الحية لدغتها والحية تسعى في طلبها، فإن وجدتها أكلتها تبرأ، وإن لم تجدها تموت الحية، والعقرب إذا لدغت يمسح مكان لدغتها برطوبتها يسكن ألمها في الحال، وتجعل العقرب في فخارة مسدودة الرأس وتترك في تنور مسجر حتى تصير رماداً ويسقى من ذلك حصاة المثانة تفتتها، والعقرب إذا لسعت صاحب الحمى العتيقة تقلع عنه الحمى، وإذا لدغت المفلوج يزول عنه الفالج، وإذا أحرقت عقرب ودخن بها البيت لم يبق في البيت عقرب إلا هلك أو هرب، ويشق بطنها ويوضع على موضع اللسعة فإنّه ينفع في الحال، وإذا أخذت عقرباً كبيراً أسود وجففتها وعجنتها بالخل وطلي به البرص أزاله، ورماده يذاب بدهن ويطلى به ينبت الشعر.

عنكبوت: فائدة: نسج العنكبوت على ثلاثة مواضع: على غار النبي صلى الله عليه وسلم وعلى غار عبد الله لما بعثه النبي لخالد الهمداني فقتله وحمل رأسه ودخل في غار خوفاً من أهله، ونسج على زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين لما صلب عرياناً، وقيل: إنّها نسجت مرتين على نبيين على داود حين يطلبه جالوت وعلى النبي في الغار. والعنكبوت أصنافه كثيرة، لكل صنف فعل عجيب، منها الطويلة الأرجل فإنّها لما عرفت ضعف قوائمها وأنها تعجز عن الصيد أعدت للصيد مصائد وحبالاً من الخيوط فعمدت إلى فرجة بين حائطين متقاربين وتلقي لعابها الذي هو خيطها ليلصق به، ثم يعدو إلى الجانب الآخر ويحكم الخيط في الطرف الآخر، وهكذا ثانياً وثالثاً، وهذا هو السدي، ثم يحكم لحمته حتى يتم النسج وكل ذلك على تناسب هندسي حتى يصح النسج ثم يقعد في زاوية مترصداً وقوع الصيد فيها، فإذا وقع فيها شيء من الذباب أو البق بادر إلى أخذه، ومنها صنف آخر قصار الأرجل يسمى الفهد، فإنّه يصيد الذباب على شبه صيد الفهد، وذلك أنه يكمن في زاوية فإذا طارت ذبابة بقربه وثب إليها، وربّما مد خيطاً من السقف وعلق نفسه فيه منكساً، فإذا طار ذباب بقربه رمى بنفسه إليه وأخذه، ومنها صنف آخر يقال له الليث، وله ست عيون فإذا رأى الذبابة لطيء بالأرض ثم وثب، ولم تخط وثبته وهو آفة الذباب. ومنها صنف يقال له الرتيلا إذا مشى على الإنسان يموت الإنسان من لعابه، وقد مر ذكره يسمّى عقرب الثعبان لأنّه يقتل الثعبان، ومنها صنف دقيق الصنعة یهییء نسجه ويصعد بيته فإذا وقعت في مصيدته ذبابة يضرب فيها فتمشي إليها وتمص رطوبتها، والذباب يطن من الألم إلى أن يموت ويحملها إلى خزانته للذخيرة وأكثر ما يقع في مصيدته في غيبوبة الشمس، وزعم بعضهم أن العناكب الإناث هي العوامل والذكور لا تعمل شيئاً، ومنهم من قال إنّ السدي من الإناث واللحمة من الذكور لأنّ اللحمة أقوى من السدي، وهما كالشريكين في العمل أو هما كالأستاذ تلميذه، قالوا: وإذا شددت عنكبوتاً في خرقة سوداء وعلقته على صاحب الحمى تزول عنه، وزعموا أنه مجرب. قال بليناس: يسحق العنكبوت ويسقى في شيء من.: الأشربة لصاحب الحمى البلغمية تزول من ساعتها مجرب، رجل العنكبوت تشد على من يحم بالليل تذهب عنه نسجه يوضع على الموضع الذي يسيل منه الدم يقطعه، وإن بخر به طرد البق من البيت.

فأر: حيوان كثير الفساد كثير الحيلة من الفواسق الخمس، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم، وربّما يجذب الفتيلة من السراج ويحرق بذلك الدور، بما فيها من الحيوان والأموال ويقرض دفاتر الحساب والعلوم والوثائق والصكاك، فتفوت حقوق الناس وتقرض الثياب النفيسة والجراب والزق فيسيل ما فيها ويأكل المائعات ويرمي فيها بعره حتى يفسد على الناس، وربّما وقعت في بئر فماتت فيها فتحوج الناس إلى مشقة عظيمة، وإذا خدش الإنسان نمر أو سبع يطلب الفأر فإن كان من النمر يذر عليه التراب وإن كان من الكلب يبول عليه فإنّ ذلك الإنسان يموت عاجلاً وذهب بعضهم إلى أنّ الفأرة عدمت قوة الحافظة لأنّها تخرج من بيتها ترى السنور فترجع ثم تخرج عقبها ولم يبق معها علم أن السنور على باب بيتها، وقال بعضهم: كيف يصح يقال لا حافظة لها مع لطائف حيلها وشدة اهتمامها بأمر المعيشة وادخارها ليوم الحاجة وعلمها بأنّ الغلال لا تترك فى الآبار فتأخذ منها ما تقدر عليه لوقت عجزها عن الكسب، ومن لطائف حيلها أنّ الدهن إذا كان في قارورة ضيقة الرأس تجعل ذنبها فيها وتلطخه بالدهن حتى تلحس جميع ما فيها، ومنها أن الدهن إذا كان في القارورة إلى نصفيها ترمي فيها الحصاة حتى يخرج إلى رأسها وتشربه، ومنها إذا أرادت أخذ البيضة تحضن البيضة وتمسكها بأربعتها وتأخذ فأرة أخرى بذنبها تجذبها إلى البيت. ومنها إذا أرادت أخذ الجوز تأخذها فأرة وتجعلها على ظهر أخرى وتلف عليها ذنبها وتحفظها بالذنب وتمشي بها إلى بيتها. ومنها أن إحداها إذا وقعت في ظرف فيه ماء لا تقدر على الخروج منه فتأتي الأخرى وتمسك بيدها طرف الإناء وترسل ذنبها إليها حتى تتعلق بها وتخرج، ولم تر قتالاً بين بهيمتين ولا سبعين أشد مما يجري بين جرذين إذا ربط أحدهما في طرف خيط والآخر في الطرف الآخر، فعند ذلك يظهر لهما الخدش واللغط، فإذا انحل الخيط ولى كل واحد منهما عن صاحبه.

ومنها صنف يقال له العربي يحب الدراهم والدنانير ويلعب بها وكثيراً ما يخرجها واحداً واحداً ويتمرغ عليها ويعيدها واحداً واحداً. وحكى بعضهم أنه كان في بيته فأرة لقي منه التباريح قال: فنصبت لها مصيدة فوقعت فيها فانتظرت سنوراً يصطادها فاستبطأ زوجها رجوعها فخرج خلفها في طلبها فرآها في المصيدة فعاد وأتى بدينار وتركه عند المصيدة ثم تأخر وانتظر ساعة، ثم ذهب وأتى بآخر وتأخر، وهكذا كلما أتى بدينار لبث زماناً يطمع أنّي آخذ الدنانير وأخلصها له، فلما رآني لم أخلصها أتى بآخر حتى أتى في المرة الأخيرة بخرقة فعلمت أنه أخرج جميع ما كان عنده من الدنانير فخلصتها وأخذت الدنانير.

ومنها صنف يقال له اليربوع وهو الفأر البري صاحب النافقاء والقاصعاء يحفر جحراً ذا عطفات كثيرة يميناً وشمالاً وصعوداً ونزولاً تخفي مكانها فإن دخل عليها ابن عرس أو ضب أو ظربان لا يظفر بها لكثرة عطفاتها واعوجاجها وبجحرها أبواب كثيرة، ولليرابيع رئيس يخرج من البيت أولاً ويرى الفضاء فإن لم يكن عدو صاح حتى يخرج الفأر كلها، وإن رأى عدواً عاد وأخبر الباقين حتى لا يخرج شيء منها، وإن لم يكن عدو خرج الرئيس وصعد موضعاً عالياً كالديوان، والفأر تخرج بعده تذهب يميناً وشمالاً تطلب القوت، فما حصل لها تأتي منه بنصيب الرئيس، وإذا رأى الرئيس عدواً صاح برفع صوته حتى يرجع الفأر إلى بيوتها فإن غفل الرئيس حتى أتى العدو وأخذ منها شيئاً بغتة اجتمعت الفأر كلها على الرئيس وأكلته.

ومنها صنف يقال له الخلد خلقه الله تعالى أكمه يكون في البراري، حاسة سمعها شديدة إذا أحست بشيء عادت إلى بيتها، وذكروا أن الخلد الأنثى إذا حبلت يموت الذكر، وإذا أرداوا صيدها تركوا على باب بيتها شيئاً من البصل فإنّها تخرج لرائحته فيأخذها الصياد. ومنها صنف يقال له فأرة المسك، توجد بأرض تبت في موضع يقال له الدفر سرة هذه الفأرة مسك كما للغزلان، فالصياد إذا صادها يشد صرتها حتى يجتمع فيها الدم وذلك خير من مسك الغزال حتى قالوا يسوى عشرة من أمثالها لما فيها من طيب الرائحة وحدتها، ومنها صنف يقال له ذات النطاق، وهي فأرة مشهورة منقطة ببياض أعلاها أسود، شبهوها بالمرأة ذات النطاق وهي التي تلبس قميصين ملونين وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل.

ومنها صنف فأرة البيش، قال بعضهم: إنّها دويبة تشبه الفأر وليست تسكن إلا منابت البيش تأكل منه وتتغذى به، والبيش سم قاتل منه شيء يسير وهو حشيش ينبت بأرض الهند.

ومنها صنف يقال له اليربوع وهو الفأر البري صاحب القاصعاء والنافقاء يحفر جحراً فيه عطفات كثيرة ويحفرها إلى أسفل مستقيمة ثم يذهب يميناً وشمالاً وصعوداً ونزولاً يخفي مكانه فيه بسبب اعوجاجه وعطفاته فإذا قصده شيء من أعدائه كابن أو ضب أو ظربان لا يظفر به لأنه متى أحس بالشر من جهة ذهب إلى خلاف تلك الجهة، ولجحره أبواب، ولليرابيع رئيس إذا أرادت اليرابيع الخروج من أجحرتها خرج الرئيس أولاً ونظر فإن لم ير عدواً رفع صوته ليخرج الفأر، وإن رأى عدواً رجع إلى جحره ومنعها من الخروج، وإذا خرج يصعد موضعاً عالياً كالديوان، واليرابيع تسعى يميناً وشمالاً تطلب القوت، فما وقع بيديه من الحب وغيره يأتي بنصيب منها للرئيس، وإذا رأى الرئيس عدواً رفع صوته حتى يرجع كل واحد إلى بيته فإن غفل الرئيس عن العدو حتى أتاه العدو بغتة وأخذ من اليرابيع شيئاً هربت البقية وعادت إلى أماكنها سالمة ثم اجتمعت على عزل رئيسها وإهلاكه ونصبت رئيساً غيره.

ومنها صنف يقال له سمندل يشبه الفأر وليس بفأر، يوجد ببلاد غور، تدخل النار ولا تحترق ثم تخرج من النار وقد ذهب وسخها وصفا لونها وزاد بريقها، ولا يتأذى شعرها ولا جلدها ولا لحمها من النار، فسبحان من لا يعرف دقائق حكمته ولطائف صنعه إلا هو. والملوك يتخذون من جلودها منديل الغمر لأنه في غاية النعومة يمسحون به أيديهم، فإذا توسخ يلقونه في النار ليذهب وسخه ويخرج نظيفاً، وذكروا أنّ من أخذ جرذاً وقطع ذنبه وأخصاه ثم أطلقه يأكل الجرذان والفيران أكلاً ذريعاً لا يغلبه شيء حتى الهرة وابن عرس، وتحدث فيه شجاعة وجراءة وإقدام، وأصحاب الأنابير والبيادر عرفوا ذلك فيأخذونه ويقطعون ذنبه ويسيبونه فلا يترك جرذاً ولا فأراً، ومن شق فأرة وجعلها على موضع النصل أو الشوك يخرجه، وتحرق الفأرة وتسحق وتخلط بالدهن ويطلی به موضع الصلع ينبت الشعر.

فصل في خواص أجزائه: رأسه يشد في خرقة كتان على رأس المتألم يسكن وجعه وينفع من الصرع، عينه تشد على قلنسوة إنسان يسهل عليه المشي، وإذا دخل على أحد يغفل عنه أكثرهم، وإذا علقت على من به حمى الربع أبرأته، مرارة السمندل تسقى لمن به جذام يزول عنه، دمه يطلى به القضيب يقوى على الباه تقوية عظيمة.

دم الفأر: ينتف الشعر الذي على الأجفان ويطلى بهذا الدم لا يرجع ينبت، شحمه يذاب ويخلط بدهن الورد ويطلى به الكلف يزيله، لحمه إذا شوي وأطعم لصبي انقطع سيلان اللعاب من فمه، خصيته تشد على المرأة لا تحبل ما دامت معها، ذنبه يشد على المصروع يزيله، جلد الفأر يحشى بالتين ويعلق في البيت يهرب الفأر عنه، بعره يحل بالزيت ويطلى به الرأس يذهب بداء الثعلب، ويتخذ من بعر الفأر والحنظل والبورق والسكر الأحمر أشياء يحتمله صاحب القولنج ينفتح في الحال، الفأر مع العسل يطلى به على الظفرة التي في عين الفرس تزول بالكلية، ويسقى الصبي الذي في مثانته حصاة يفتتها، ويسقى صاحب عسر البول يطلق، وإذا اكتحل الفأر نفع من بياض العين، سؤر الفأر يورث النسيان كما قال صلي الله عليه وسلم: "خمس تورث النسيان" وعد منها سؤر الفأر، والله أعلم.

فراش: هو الحيوان الذي يتهافت على السراج ويحترق. زعموا أنها دعموص في أول أمرها فإذا نبتت أجنحتها صارت فراشاً، والدعموص هو العلق الصغير، وقال آخرون إنّها دودة حمراء توجد في البقل يقال لها اليرسوع تنسلخ فتصير فراشاً، وسبب وقوعها على النار ما ذكر بعضهم أنّ بصرها ضعيف فإذا رأت السراج تظن أنها في بيت مظلم وأن السراج كوة في البيت المظلم إلى الموضع المضيء، فلا تزال تطلب الضوء وترمي نفسها إلى الكوة فإذا جاوزتها ورأت الظلام ظنت أنها لم تصب الكوة فتعود إليها مرة ثانية فتفعل ذلك إلى أن تحترق. حدث خفيف السمرقندي صاحب المعتضد بالله أمير المؤمنين أنّه كثر الفراش على الشمع المسرج بين يدي الخليفة في بعض الليالي فجمعناه فكان مكوكاً ثم ميزناه فكان اثنين وسبعين شكلا.

فسافس: قال الشيخ الرئيس: هو حيوان كالقراد يكون في الأسرة شديد النتن جداً يشبه أن يكون المعروف عندنا بالبق، قال: فإذا شرب بالخل أخرج العلق المتشبث في الحلق، وإذا شمت المرأة منه نفع من اختناق الرحم، وإذا سحقت وجعلت في ثقب الاحليل نفعت من عسر البول، وإذا أخذت منها سبعاً وجعلتها في باقلاء وابتلعت قبل نوبة حمى الربع نفعت أو إن ابتلعت من غير باقلاء نفعت من لسع جميع الهوام.

قمل: يتولد من العرق والوسخ في بدن الإنسان إذا علاه ثوب أو شعر لأنّ العرق يتعفن من دفاء الثوب أو الشعر فيتولد منه القمل، ثم القمل يبيض، وبيضه الصئبان، فإذا باضت التصقت بيضتها بالموضع الصاقاً لا يمكن إزالتها إلا بالشدة، ويتولد في الشعر الأسود قمل أسود وفي الشعر الأبيض قمل أبيض وفي الشعر الأحمر قمل أحمر، وفي الأشمط شيء أسود وشيء أبيض، وإذا تولد في شعر رأس الإنسان يصفر لونه. قالوا: من أراد أن يعلم ما في بطن الحامل غلاماً أو جارية يحلب شيئاً من لبنها على الكف ويلقي فيه قملة، فإن لم تقدر على الخروج ففي بطنها غلام، وإن قدرت على الخروج ففي بطنها جارية لأنّ لبن الغلام غليظ ولبن الجارية رقيق لا يمنع القمل من الخروج.

قنفذ: الحيوان الذي يقال له بالفارسية خاربشت، سلاحه على ظهره وهو الشوك الذي عليه، ويتقنع بحيث لا يبين من أطرافه شيء، ويستطيب الهواء ويتخذ لمسكنه بابين أحدهما مستقبل الشمال والآخر مستقبل الجنوب، ويعادي الحية فإذا ظفر بقفاها قتلها بأسهل طريق، وإن ظفر بذنبها عض ذنبها ويتقنع ويعطي الحية ظهره ويمضغ ذنبها، والحية تضرب نفسها على شوكه حتى تهلك ويصعد الكرم ويرمي حبات العناقيد إلى الأرض ثم ينزل ويتمرغ فيها ليدخل شوكه في الحبات فيحملها ويذهب بها إلى أولاده. ومنها صنف يقال له الدلدل هو أكبر جسماً القنفذ وأطول من جسماً نسبته إلى القنفذ كنسبة الجاموس إلى البقر، قالوا: أي موضع أراد أن يرمي إليه شوكة من شوكه يرميه كرمي النشاب ولا يخطىء شيئاً فتمر الشوكة كمر السهم المشدد وتثبت فيه.

فصل في خواص أجزائه: عينه اليسرى تقلى بالزيت وتؤخذ بطرف الميل وتصب في أذن الأطرش يزول طرشه، ومرارته ينتف الشعر ثم يطلى موضعه بها فإنّ الشعر عليه لا ينبت أبداً، وتخلط هذه المرارة بشيء من الكبريت ويطلى به البهق يزيله، و طحاله يشوى ويطعم المطحول فإنّه على قدر ما يطعم منه يخف طحاله، كليته تجفف وتسحق ويسقى منها قدر درهم بماء الحمص الأسود المغلي المصفى فإنّه ينفع العسر البول، دمه يطلى به عضة الكلب الكلب فإنه يسكن ألمه ويأمن صاحبه من الموت، لحمه قال الشيخ الرئيس: المصلح منه ينفع من داء الفيل والجذام وهو جيد: لمن يبول في الفراش من الصبيان، وينفع من نهش الهوام كلها ومن البرص والسل والتشنج والرياح كلها، جلده يحرق ويخلط بالزفت ينفع من داء الثعلب، خصيته إن كانت الدلدل يؤخذ نضيجاً وتخلط بالعسل الشهد وتؤكل فإنّها تزيد في الباه وتعين عليه، وظفره من يده اليمنى يدخن به تحت ذیل صاحب الربع تزول حماه، ورماد القنفذ إذا أحرق كما هو يحشى به الناصور فإنّه يبرأ.

نبر: دويبة إذا دبت على البعير تورم جلده وينتفخ، وربما يكون ذلك سبب هلاكه، ولمّا أراد الشاعر أن يذكر مسمن ابله قال:

حمر تحقنت النجيد كأنما             بجلودهـن مدارج الأنبار

نحل: حيوان ذو هيئة ظريفة وخلقة لطيفة وبنية نحيفة، وسط بدنه مربع مكعب ومؤخره مخروط ورأسه مدور مبسوط وركب في وسط بدنه أربعة أرجل ويدين متناسبة المقادير كأضلاع الشكل المسدس في الدائرة، وقد جعل في هذا النوع الملك المطاع يقال له اليعسوب يتوارث الملك عن آبائه وأجداده فإنّ اليعاسيب، لا تلد إلا اليعاسيب، ومن العجب أنّ اليعسوب لا يخرج من الكور لأنه إن خرج خرج جميع النحل فيقف العمل، وإن هلك اليعسوب وقفت النحل لا تعمل شيئاً فتهلك عاجلاً. واليعسوب أكبر جثة يكون بقدر نحلتين وهو يأمرهم بالعمل يرتب على كل أحد ما يليق به، يأمر بعضها ببناء البيت ويأمر بعضها بعمل العسل، ومن لا يحسن العمل يخرجها من الكور ولا يخليها في وسط النحل وينصب بواباً على باب الخلية ليمنع دخول ما وقع على شيء من القاذورات. وأمّا اتخاذ بيوتها مسدسة، فمن أعجب الأشياء والغرض من المسدسات المتساوية الأضلاع لخاصية يقصر فهم المهندس عن إدراكها ولا توجد تلك الخاصية في المربع ولا في المخمس ولا في المستدير وهي أن أوسع الأشكال وأجودها المستدير وما يقرب منه، أما المربع فيخرج منه زوايا ضائعة، وشكل النحل مستدير فترك المربع حتى لا تضيع الزوايا فتبقى خالية، ولو بناها مستديرة لبقي خارج البيوت فرج ضائعة، فإنّ الأشكال المستديرة إذا جمعت لا تجتمع متراصة ولا شكل من الأشكال ذوات الزوايا يقرب في الاحتواء من المستدير ثم يتراص الجملة منه بحيث لا تبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس فانظر كيف ألهمها الله تعالى ذلك وجعل لها اتخاذ هذه الأشكال المتساوية الأضلاع بحيث لا يزيد ضلع على ضلع ولا ينقص ويعجز عن هذا التساوي المهندس الحاذق بالفرجار والمسطرة فتعمل النحل في فصلين في الربيع والخريف، فتأخذ بالأيدي والأرجل من ورق الأشجار وزهر الثمار والرطوبات الدهنية التي تبني بها بيوتاً، ولها شفران حادان تجمع بهما من ثمرة الأشجار رطوبات لطيفة عجزت عقول الأكثرين عن معرفتها على طبائع، وخلق في جوفها قوة طابخة تصير تلك الرطوبات عسلاً حلواً لذيداً غذاء لها ولأولادها، وما فضل عن غذائها تجعله مخزوناً في بعض البيوت وتغطي رأسها بغطاء رقيق من الشمع حتى يكون الشمع محيطاً به من جميع جوانبه كأنّه رأس البرنية مسدودة بالقراطيس وتدخر ذلك لوقت الشتاء وتبيض في بعض البيوت وتحضن وتفرخ وتأوي إلى بعض بيوتها وتنام فيها أيام الصيف والشتاء ويوم المطر والريح والبرد، وتتقوت من ذلك العسل المخزون هي وأولادها يوماً فيوماً لا إسرافاً ولا تقتيراً إلى أن تنقضي أيام الشتاء، ثم تأتي أيام الربيع ويطيب الزمان ويخرج النور والزهر فترعى منه وتفعل كما فعلت عام الأول، ولم يزل هذا دأبها بإلهام من الله تعالى كما قال: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس)، فسبحان من جعل فضائل غذائها سبباً لشفاء الأبدان وجعل وسخ غذائها ضياء في ظلم الليالي. ومن العجب أن الخلية إذا دخن عليها لأخذ العسل أحست النحل بذلك وبادرت إلى أكل العسل تأكله أكلاً ذريعاً، وحكى بعضهم أنّ خلية من خلايا العسل مرض نحلها فجاء نحل خلية أخرى يقاتلها على العسل الذي في بيوتها يريد إخراجها من الخلية ليستولي على عسلها فأقبل قيم الخلايا يعاون النحل المريض فكان يلسعه النحل الغريب دون المريض كأنها عرفت أنّه يدفع عنها.

أما العسل فإنّه رطوبة في أعماق الأنوار ولطيف الثمار، يرشفها النحل يتغذى ببعضها ويدخر بعضها لأيام الشتاء وقد لا يجد الغذاء خارجاً، وقالوا: إنّ العسل الأبيض عمل شبانها والأصفر عمل كهولها والأحمر عمل شيابها وهو شفاء للناس على ما قال تعالى، فالمحرور المزاج يتخذه مع غيره لدفع الحرارة كالسكنجبين، والمبرود المزاج يتخذه وحده لدفع البرد.

ومن خواص العسل أنّ كل شيء يتسارع الفساد إليه إذا تركته فيه يبقى بحاله ولا يتعفن ولا يؤثر فيها الفساد ويؤخذ العسل الذي لم يصبه ماء ولا دخان ويخلط بشيء المسك من يمنع من نزول الماء اكتحالاً والتلطخ به يقتل القمل والصئبان، ولعقه علاج لعضة الكلب الكلب، والمطبوخ منه نافع للسموم القتالة، ومن العسل صنف حريف، قالوا: إنّه سم وشمه يذهب العقل فكيف أكله.

وأما الشمع فإنّه حدرات بيوت النحل التي تبيض وتفرخ فيها وتجعلها خزانة للعسل. وأما الموم فإنّه وسخ كور النخل، من خاصيته جذب السلاء والشوك، وزعموا أن من استصحب الموم يورثه الغم ولا يحتلم.

نمل: حيوان حريص على جمع الغذاء ولغاية حرصه يحمل ما يكون أثقل منه ويعاون بعضها بعضاً على الجذب ويجمع من الغذاء ما يكفيه سنين لو عاش، ولكن لا يكون أكثر من سنة. قال النسابة البكري: للنمل جدان فارز وعقفان ففارز جد السود وعقفان جد الحمر. ومن عجائبه اتخاذ القرية تحت الأرض وفيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات منعطفات يملؤها حبوباً وذخائر للشتاء، وتجعل بعض بيوتها منخفضاً لينصب إليها الماء وبعضها مرتفعاً. عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقتلوا النمل فإنّ سليمان عليه السلام خرج ذات يوم يستسقي فإذا هو بنملة قائمة على رجليها باسطة يديها تقول: اللهم إنا خلق ولا غنى لنا عن فضلك اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادك الخاطئين واسقنا مطراً ينبت لنا شجراً وتطعمنا منه ثمراً، فقال سليمان عليه السلام لقومه: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم"، ومن عجائبه أنه مع لطافة جسمه وشخصه وخفة وزنه له شم ليس لشيء من الحيوان مثل ذلك فإذا وقع شيء من يد الإنسان في موضع لا يرى فيه شيء من النمل فلا يلبث أن يقبل النمل كالخيط الأسود الممدود إلى ذلك الشيء، وإذا وجدت واحدة شيئاً لا تقدر على حمله أخذت منه قدر ما تقدر عليه وأخبرت الباقين فتجتمع عليه جماعة يجرونه بجد وعناء، وإذا جمعت الحب في بيتها خافت أن ينبت فتقطع كل حبة قطعتين لتذهب عنها قوة النبت وتقطع حبة الكزبرة أربع قطع لأن نصفها ينبت، وإذا كان عدساً أو شعيراً أو باقلاء تقشرها ولا تكسرها فإنّ بالتقشير يذهب عنها قوة النبت، ثم تأتي بقطاعها وتبسطها في الشمس حتى تزول عنها النداوة فلا يتعفن، وإذا أحست بالغيم ردتها إلى مكانها خوفاً من المطر، وإذا ابتل شيء منها بالمطر تنشرها يوم الصحو لتزول عنه النداوة. ومن عجائبه أنّه لا يتعرض لجعل ولا جرادة ولا صرصر ولا عقرب ما لم يكن به عقر أو قطع يد أو رجل فإن أصابه شيء منها وثبت عليه وهو حي ولا يفارقه حتى يقتله، وهكذا تفعل بالحيات والثعابين إذا أصابها خدش أو جراحة، وإذا أحرق النمل يموت من دخانها الباقي أو تهرب، وعند هلاكها ينبت لها جناحان لأنّ العصافير يصطادها، ومن سقي من بيض النمل نصف درهم لا يملك أسفله ويغلبه الضراط، وإذا طلي البدن بمسحوقه مخلوطاً بالماء لا ينبت الشعر، وإذا نثرت بيض النمل بين قوم تفرقوا شذر مذر.

ورل: هو الحيوان العظيم من أشكال الوزغ وسام أبرص الطويل الذنب الصغير الرأس وهو سريع السير خفيف الحركة عدو للضب والحية يدخل بيتها ويأكلها وليس شيء أقوى على قتل الحيات منه ولا يحتفر لنفسه بيتاً بل يغتصب من كل حيوان بيته ساكنه، ويغتصب بيت الحية من الحية كما تغتصب الحية لأنه أي بيت دخله هرب بیت سائر الأجناس الأخر.

فصل في خواص أجزائه: لحمه وشحمه يسمن طبقات النساء، وفيه قوة جذب للسلا والشوك، جلده يحرق ويخلط رماده بدردي الزيت ويطلى به العضو الخدر يذهب عنه ذلك، زبله ينفع من الكلف والنمش ويكتحل به ينفع من بياض العين ويقلع الثآليل، والله الموفق للصواب بمنه وكرمه.

خاتمة: في حيوانات عجيبة الأشكال وهي حيوانات يخالف أشكالها أشكال الحيوانات المعهودة أذكر بعضها في أقسام ثلاثة

القسم الأول

أمم غريبة الأشكال خلقها الله تعالى في أكناف الأرض وجزائر البحار، منها يأجوج ومأجوج، وهم أمم لا يحصيهم إلا الله تعالى طول أحدهم نصف قامة رجل، ولهم أنياب كما للسباع ومخاليب مكان الأظفار وهلب عليه شعر.

ومنها منسك وهم جهة المشرق بقرب يأجوج ومأجوج لهم آذان مثل آذان الفيلة كل أذن مثل كساء يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى.

ومنها أمة في بعض الجبال بقرب سد الإسكندر قصار القدود عراض الوجوه سود الجلود فيها نقط بيض وصفر، طول كل واحد خمسة أشبار يتوحشون من الخلائق ويتسلقون الأشجار.

ومنها أمة بجزيرة الزنج على صورة الإنسان يتكلمون بكلام لا يفهم ويأكلون ويشربون كالإنسان، ولهم أجنحة يطيرون بها، وهم بيض وسود وخضر.

ومنها أمة بجزيرة الرامني، عراة لا يفهم كلامهم وهو شبيه بالصغير، طول أحدهم أربعة أشبار ولهم شعور وزغب أحمر.

ومنها أمة في بعض جزائر الزنج، قاماتهم قدر ذراع وأكثرهم عور وعورهم لمحاربة الغرانيق تأتيهم وتحاربهم كل سنة فتقتل منهم ما شاء الله.

ومنها أمة في بعض جزائر البحر، وجوههم كوجوه الكلاب وسائر أبدانهم كبدن الناس يتقوتون بثمار أشجار تلك الجزيرة فإن وجدوا شيئاً من الحيوانات أكلوه. ومنها في هذه الجزيرة على صورة الناس كأحسن ما يكون ولا عظم في أرجلهم فيزحفون زحفاً فإذا وجدوا إنساناً ماشياً قفزوا على رقبته ولوى من على الرقبة رجليه على ذلك الماشي فإذا عالجه طرحه وخمشه في وجهه وسخره كما يسخر أحدنا دابته.

ومنها أمة في بعض الجزائر لها أجنحة وخراطيم دقيقة وشعور، يمشي على رجلين وعلى أربعة ويطير أيضاً قيل إنهم صنف من الجن.

ومنها أمة طوال القدود زرق العيون ذوات أجنحة خفاف النهضة رؤوسهم كرؤوس الخيل وأبدانهم كأبدان الناس. ومنها أمة لها رأسان وثماني أرجل، رأس وأربع نحو الأرض ورأس وأربع نحو الهواء. ومنها أمة على صورة النساء لها شعور وثدي لا فحل فيهن، يلقحن من الريح ويلدن أمثالهن ولهن أصوات مطربة يجتمعن عليهن الحيوانات لطيب أصواتهن.

ومنها أمة رؤوسها رؤوس الناس وأبدانها أبدان الحيات، ومنها أمة في بعض جزائر الصين لا رأس لأبدانهم وأفواههم وعيونهم على صدورهم، وسمعت أن واحداً هذه الأمة جاء رسولاً إلى عظيم التتار.

ومنها أمة لها وجوه كوجه الإنسان وظهورهم كظهر السلحفاة وعلى رؤوسهم قرون طوال.

ومنها أمة يقال لها النسناس لأحدهم نصف رأس ونصف بدن ويد ورجل واحدة كأنه إنسان قد نصفين يقفز قفزاً، وأنّه يوجد في غياض أرض اليمن وهو ناطق، والله الموفق.

القسم الثاني في الحيوانات المركبة التي تتولد من حيوانين مختلفي النوع

ولذا يكون شكلاً عجيباً بين هذا وذاك فاعتبر حال البغل فإنّه ما من عضو منه إلاّ وهو دائر بين عضو الفرس وعضو الحمار، فإذا كان الذكر حماراً كان بالفرس أشبه، وإن كان الذكر فرساً كان بالحمار أشبه. ومنها المتولد بين الضبعان والناقة والبقر الوحشية وهو الزرافة فإنّه متولد بين هذه الثلاثة، وقد جرى ذكرها في ذكر الحيوانات فلا نعيده. ومنها المتولد من الخيل وبقر الوحش وقد رأيته وكان بغلة في غاية الحسن. وحكي أنّه كان لكسرى اردشير حصان اسمه أجدر توحش ولحق بالغابات وضرب فيها فأتت بنوع من الحمير يقال له الأجدرية. ومنها المتولد من الإبل الفالج والعراب وتسمى البختي وهو أحسن أنواع الإبل صورة، والفالج هو الذي له سنامان. ومنها المتولد من الإنسان والدب، حدثني من رآه أنّ جميع أعضائه كأعضاء الإنسان إلا أنه يكون عليه شعر كما يكون على الدب ويكون ناطقاً. ومنها المتولد بين الذئب والضبع وهو على شكل عجيب جداً، إن كان الذكر ضبعاً يقال له السمع، وإن كان الذكر ذئباً يقال له العسبارة. ومنها المتولد بين الكلب والذئب يقال له الديسم، قيل إنّ الكلاب تفسدها الذئاب بأرض سلوقة باليمن فيتولد منها الكلاب السلوقية. ومنها المتولد من الحمام والورشان وهو أيضاً شكل عجيب يقال له الراعبي، والله أعلم.

القسم الثالث من حيوانات عجيبة الصور

زعم الأطباء أنه إذا تولد من الحيوانات شكل غريب يكون ذلك مقتضى مزاج غريب لا يحدث إلا نادراً، وزعم المنجمون أنه مقتضى مزاج غريب، منها ما روي عن وهب بن منبه في عوج بن عناق أنه كان من أحسن الناس وأجملهم وكان لا يوصف طوله وعظمه وعمره الله تعالى عمراً طويلاً حتى أدرك زمان موسى عليه الصلاة والسلام، وكان قد أدرك نوحاً عليه الصلاة والسلام، أيضاً قبل ذلك وسأل نوحاً أن يحمله في السفينة فقال له: من يحملك اغرب يا عدو الله عني فكان ماء الطوفان إلى وسطه، وكان جباراً في خلقته وأفعاله يسير في الأرض براً وبحراً ويفسد ما شاء، ولما حصل بنو إسرائيل بأرض التيه اطلع عليهم ووقف مشرفاً على عسكرهم حتى عرف طوله وعرضه فمضى إلى أعظم جبل بقربهم ونقر منه دومة على قدرهم ثم احتملها على رأسه يريد أن يطبقها على بني إسرائيل ليهلكوا جميعاً فبعث الله طيراً في منقاره حجر فوضعه على الحجر الذي على رقبة عوج فنقب وسطه فنزل في عنق عوج فأخبر الله تعالى موسى عليه الصلاة والسلام بذلك فخرج إليه بعصاه وضربه بها فقتله. ومنها ما حدثني بعض الفقهاء بالموصل أنّه شاهد في الأكراد وهم جيل يسكنون بعض جبال الموصل في زماننا إنساناً طوله تسعة أذرع وهو بعد صبي ما بلغ الحلم، وكان يأخذ بيد الرجل القوي فيرميه خلفه، وأراد صاحب الموصل أن يستخدمه فذكروا له أنّ في عقله خبلاً لا يصلح لذلك. ومنها ما ذكره أبو سعيد الشيراجي عن بعض الكتاب أنه قال: دخلت على يحيى بن أكثم القاضي وإلى جانبه قمطر فيه طائر على صورة الزاغ برأس كرأس الإنسان وعلى صدره وظهره سلعتان فقلت له: ما هذا أصلحك الله؟ فقال لي: سله عنه فقلت: ما أنت؟ فانتهض وأنشد بلسان فصيح وجعل يقول:

انا الزاغ أبو عجـوه                   أنا ابن الليث واللبوه

أحـــــــب الــــــــراح والريحا        ن والنشوة والقهــوة

ولي اشياء تستظرف                  يوم العرس والدعوه

فمنها سلعة في الظهر                 لا تسترها الفروه

وأما السلعة الأخرى                  فلـــو كـــانت لهـا عروه

لما شك جميـع الناس                  فيها انها ركوه

ثم صاح ومد صوته زاغ زاغ وانطرح في القمطر فقلت: أيها القاضي هو عاشق؟ قال: هذا ما ترى لا علم لي به، حمل إلى أمير المؤمنين مع كتاب مختوم فيه ذكر حاله.

ومنها ما روي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه قال: دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت فيها إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ومن وسطه إلى فوقه بدنان مفترقان بأربع أيد ورأسين ووجهين وهما متقابلان ويأكلان ويشربان ويغضبان ويصطلحان ثم غبت عنهما سنين ورجعت فقيل لي أحسن الله عزاءك في أحد الجسدين فتوفي وربط أسفله بحبل وشد وترك حتى ذبل ثم قطع فعهدي بالجسد الآخر في السوق ذاهباً وجائياً. ومنها دجاجة برأسين ودجاجة بأربعة أرجل، فسبحان القادر على ما يشاء. وليكن هذا آخر الكلام في عجائب المخلوقات والحيوان، والله تعالى أعلم ونسأله سبحانه أن يجعل عاقبته إلى خير بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

ولنذكر صور الملائكة وملابسهم وألوانهم

عما ورد من مؤلف الكتاب يحيى بن زكريا القزويني رحمه الله تعالى.

الأول: حملة العرش صلوات الله عليهم أربعة صور آدمي وبقر ونسر وأسد، فالآدمي ملبوسه جبة خضراء وفوق الجبة الخضراء جبة حمراء قصيرة وبسراويل من الذهب ومشد في وسطه وردي اللون، وجناحيه واصلة إلى رجليه وذؤابتين شعر أسود إلى جناحيه، ولجناحيه ثلاثة ألوان كل واحد منها أزرق وأحمر وأصفر، وعمامته بيضاء مرصعة بالذهب، وله ذؤابة منها من قفاه إلى رأس جناحه وزيق جبته الحمراء مرصع بالذهب، وصورته أبيض اللون يميل إلى الحمرة ورجل من رجليه على رقبة الأسد والأخرى على ذنبه، والله أعلم بصحته.

وأما البقر فهو كبقر الدنيا إلا أنّه أزرق اللون تميل زرقته إلى الغبرة شيئاً يسيراً، وظهره أسود من بين قرنيه إلى إحدى أذنيه نقطة سوداء، ورقبته بين يديه وهو الزور إلى تحت حنكه أسود من أسفل لا كل رقبته ويد من يديه مطوية والأخرى مستقيمة كالذي يريد النهوض وبعدها اعتدل، وقرناه خضر في غاية الطول والحسن، وذنبه طويل معكوف ثلاث طيات فوق ظهره ونازل من فوق ظهره إلى طرفه إلى بين فخذيه، ويده المستقيمة فوق رقبة الأسد لكن ما هي واصلة إلى رقبته ورجلاه فوق ظهر النسر، لكن مرتفعة عنه لا ملاصقة، والله أعلم بصحته.

وأما النسر فهو لا أحمر اللون ولا أسود اللون لكنه أسود يميل إلى الحمرة شيئاً يسيراً، ورؤوس أجنحته من الذهب وصدره أيضاً، ومنقاره أزرق، والله أعلم بصحته.

وأما الأسد فهو أصفر اللون يميل إلى الحمرة شيئاً يسيراً وفاه مفتوح وخشمه عند منقار النسر، والله أعلم بصحته، والنسر والأسد وقوفهما على غاية الوقوف وغاية الاعتدال، والله أعلم بصحته.

الباب الثاني

صورة الملك الذي يقوم صفاً والملائكة صفاً ويسمى الروح عظيم جداً ما يعلم كبر بدنه إلا الذي خلقه، وهو أبيض اللون يميل إلى الحمرة وملبوسه أحمر وفوق الأحمر نمتانة وتاج وردي وخارج يديه منها وسرواله أخضر، وليس لرجليه نعل بل حاف، وله جناحان إلى أصل ساقه أطرافهما وكل واحد منهم به من الألوان أحمر وأصفر وأخضر ووردي، وعلى رأسه عمامة عظيمة بيضاء مرصعة بالذهب وبوسط العمامة من أعلى كتابة بالسواد ليس يعرفها إلى الذي صورها، وله أيضاً غرزة من قفاه وله قصيبتا شعر أسود كالحبر، وفي أطراف أجنحته نقص شيئاً يسيراً عنها وزيق نمتانته من الذهب، وبرأس كل قصيبة من تحت أذنه كالعين مكتوبة من الذهب وله عينان وجناحان سود تبارك وتعالى من خلقها، وهو أعلم بذلك.

الباب الثالث

إسرافيل، لونه كلون من قبله في الباب الثاني لكنه أطول وجهاً، وعيناه كعينه وملبوسه أخضر ومن فوق الأخضر نمتانة حمراء وله أربعة أجنحة مضى ذكرها قبل فلا نعيده، لكن الرابع منها التثم به من تحت حنكه والصور قابضه بيديه ورأسه بفمه وعمامته كما للملك الذي يقوم صفاً لكن غرزته من قبل وجهه وله قصيبة واحدة من قفاه واصلة إلى طرف جناحه الذي التثم به وبرأس القصيبة كالعين مكتوبة بالذهب وهو رافع رأسه بالصور إلى ربه، والله أعلم بذلك.

الباب الرابع

جبرائيل صلوات الله عليه، أبيض الوجه يميل إلى الحمرة بشيء يسير وله قصيبتان إلى أطراف أجنحته من كل جانب واحدة، وهو ليس له نعال برجليه وملبوسه لا يوصف من كثرة ألوانه وحسن صنعته، وعلى رأسه عمامة بيضاء كما للملك الذي صفاً، ولها من الوجه طرف من القفا طرف وعينان وجناحان كما للملك الذي يقوم صفاً، تبارك الله أحسن الخالقين ما أحسن خلقته، والله أعلم بذلك.

الباب الخامس

ميكائيل صلوات الله عليه، ولونه كلون جبرائيل، ملبوسه أحمر وفوق الأحمر أزرق ونمتانته منقشة بنقش كالتاج وردي وهو متكىء وجهه على كتفه الأيسر وعيناه وجناحاه وذوائبه كما للملك الذي يقوم صفاً، وعمامته كعمامته لكن غرزته من قبل وجهه، والظاهر من أجنحته أخضر ووردي وأبيض وأحمر والخفي لا يعلمه إلا الله، وعلى كتفه الأيمن تحت صليف أذنه بأصل قصيبته عين مكتوبة ومنحدرة على صدره إلى إبطه الأيسر بالذهب، والله أعلم بذلك.

الباب السادس

عزرائيل صلوات الله عليه، لونه أبيض لكن يضرب إلى السمرة شيئاً يسيراً، وملبوسه وردي مخطط بأحمر وفوق هذا الملبوس نمتانة خضراء تميل للدكونة شيئاً يسيراً، وشد وسطه أحمر وعمامته كما للملك الذي يقوم صفاً لكن أصفر شيئاً يسيراً، سرواله أزرق وأجنحته جناحان على ما رأينا في الكتاب وألوانها أحمر وأصفر وأزرق وأبيض، وله قصيبتان شعر أسود اليمنى نازلة على كتفه الأيمن وخارجة من خارج جناحه إلى طرفه باعوجاج والأخرى على الأيسر من داخل جناحه تقصر شيئاً يسيراً عنه، وبيده رمح برأسه خمس أسنة وهو جالس به كجلوس القوالس الذي يرمي النشاب، هون الله علينا وعلى أمة سيدنا محمد جميعاً غصص الموت، والله أعلم.

الباب السابع

ملائكة السماء الدنيا، على صورة البقر ألوانها أسود وأبيض وقرونه زرق وطرف ذيله أسود وجميع محاركه سود والباقي أبيض، والله أعلم.

الباب الثامن

ملائكة السماء الثانية، على صورة العقاب أسود اللون ليس بحالك السواد ورجلاه ومنقاره زرق وصدره ورؤوس أجنحته ذهب، والله أعلم.

الباب التاسع

ملائكة السماء الثالثة، على صورة النسر وردي اللون أطراف ريشه أسود لكن ورديته تميل إلى السواد شيئاً يسيراً، صدره وصدر أجنحته ذهب منقط ريشها بسواد ومنقاره ورجلاه زرق، والله أعلم بذلك.

الباب العاشر

ملائكة السماء الرابعة، على صورة الخيل زرق الألوان وصفتها مثل الفرس الذي أراد النهوض رفع يده ووضع الأخرى في الأرض، والله أعلم بذلك.

الباب الحادي عشر

ملائكة السماء الخامسة، على صورة الحور العين، ملبوسها جميع الألوان الحسنة ووجوهها بيض وحمر، ولها عينان وجناحان وقصيبتان كالحبر الأسود، ونعالها سود وأجنحتها كل جناح ثلاثة ألوان أحمر وأزرق وذهبي، قصيباتها طوال إلى الرجلين بل أزيد، والله أعلم، وعلى رؤوسها معاصب بيض مرصعة بالذهب، سبحان الخالق على ما خلق وهو الذي خلقهم وهو أعلم بهم.

الباب الثاني عشر

ملائكة السماء السادسة على صورة الولدان، ملبوسهم أحمر وردي اللون وتحت ذلك نوع آخر أزرق، وقصيبته واحدة وعمامته بيضاه، وله جناحان لونهما أخضر ورؤوسها ذهب وله محازم ونعال، فالمشد وردي اللون يميل إلى السواد شيئاً يسيراً والنعل أسود، والله أعلم بذلك.

الباب الثالث عشر

ملائكة السماء السابعة، على صورة بني آدم وملبوسهم أصفر وفوق الأصفر كالنمتانة وردي تميل إلى الحمرة والدكنة وقصائب سود غاية السواد وجناحان كل جناح لونان أحمر وأزرق وعمامة بيضاء، والله أعلم بذلك. وأجنحتها على أكتافها سبحان الذي خلقهم ما أعظم سلطانه وأوضح برهانه. وشداد أوساطها أزرق.

الباب الرابع عشر

الحفظة، وهم الكرام الكاتبون كل واحد منهم بيده دفتر وبالأخرى قلم وهو على كتف الإنسان وجوههم بيض تميل إلى الحمرة وملبوسهم أزرق ولكل واحد منهم قصيبة شعر من ورائه لا غير وعمامة بيضاء ونعلان برجليها سود، وأجنحتها كل جناح لونان أعلى الجناح ذهب مخطط بشيء من السواد شيئاً يسيراً وباقي الجناح أحمر وخطط بيض في وسطه، وكل منهم واضع رأس قلمه بدفتره ينتظر الحسنات والسيئات، والله أعلم.

الباب الخامس عشر

هاروت وماروت في بابل، صفر الأجساد عراة لكل منهما بنيان إلى ركبته أزرق اللون مشدودان بالحديد من أصول ساقيهما، رؤوسهما إلى تحت وأرجلهما إلى فوق، والله أعلم.

attia@arabicreadingtree.com